الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبناء على ما تقدم يتضح بأن التفصيل المقصود في الآية هر شمول القرآن بكل الأصول الشرعية دون نعيين جزئياتها بذكر كل صغيرة وكبيرة في المعاش والمعاد.
الشُبْهَةُ الثَانِيَةُ:
قالوا إِنَّ السُنَّةَ لم تكن وحيًا من الله وإنما هي أقوال نسبها الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زورًا وتزييفًا دون أَنْ يكون للايحاء يد في صدورها منه صلى الله عليه وسلم وأنه لم ينزل عليه شيء من الوحي سوى ما حواه القرآن، يقول عبد الله:«إنا لم نؤمر إلَاّ باتباع ما أنزل الله بالوحي ولو فرضنا جدلاً صِحَّةَ نسبة بعض الأحاديث بطربق قطعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنها مع صِحَّةِ نسبتها لا تكون واجبة الاِتِّبَاعِ، لأنها ليست بوحي منزل من الله عز وجل» (1).
ومثل هذا القول بقول الحافظ أسلم (2).
وقال الخواجه أحمد الدين: «إنَّ الأصل الذي لا يتغير ولا يتبدل هو الوحي الإلهي فحسب وهل أمرنا بالبحث عن هذا الوحي الإلهي في التوراة أو الإنجيل .. أو البخاري ومسلم أو الترمذي وأبي داود وابن ماجه .. أو مسانيد أئمة أخرى
…
» (3).
الرد:
كيف لم تكن السُنَّة وحيًا من الله، والله تعالى يقول:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} (4).
(1)" فرقة أهل القرآن ": ص 91.
(2)
" مقام حديث ": ص 139.
(3)
" فرقة أهل القرآن ": ص 92.
(4)
[النجم: 3، 4]، يقول القرطبي:«فيها دلالة على أنَّ السُنَّة َ كالوحي المُنَزَّلِ من الله» " الجامع لأحكام القرآن ": 7/ 6255.
وبفول عليه الصلاة والسلام: «أَلَا إِنِّى أُوتِيتُ القُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» (1).
ثم إنَّ الله يقول مُبَيِّنًا حقيقة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ دينه: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لأََخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (2)
تفيد الآية أَنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لو تكلف القول وافترى على الله - حاشاه أنْ يفعل ذلك - غير ما أخبر الله به فإنَّ المنية تخترقه في حينه وأنَّ مغبة مثل هذا العمل قاسية وأليمة لا تحمد عقباها، فهل يتصور منه بعد هذا الإنذار والوعيد الشديدين لهذا النبي الأُمِيَّ عليه السلام أَنْ يصدر منه تحليل أو تحريم أو تفصيل في الدين مبناه الهوى والنفس الأَمَّارة بالسوء فضلاً عن أنه الصادق الأمين. إذن لا تصدر حركاته وسكناته وأقاويله التشريعية إلَاّ موافقة للإرادة الإلهية وعلى هذا فالسُنَّة وحي من الله وأخبار منه بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال السيد رشيد رضا: «لا شك في أَنَّ أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما صَحَّ عنه من بيان الدين داخل في عموم ما أنزل الله إلينا على لسانه
…
فإنه تعالى أمرنا باتباعه وطاعته وأخبرنا أنه مُبَلِّغٌ عنه وقال له: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]. والجمهور على أنَّ الأحكام الشرعية الواردة في السُنَّة مُوحَى بها وأنَّ الوحي ليس مقصورًا في القرآن» (3).
(1) رواه أبو داود عن المقداد: 5/ 10.
(2)
[الحاقة: 44 - 47].
(3)
تفسير المنار: 8/ 308.
ويعلل ذلك بقوله: «لذلك أوجز القرآن في بيانه أحكام الدين العملية وَوَكَّلَ بيانها لعمل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أحال في بيانها على العمل.
ولعل الذي أوقع هؤلاء في هذه الشُبْهَةِ هو عدم فهمهم لحقيقة الوحي في السُنَّة، حيث ظنوا طريقة الوحي فيها مثل طريقة وحي القرآن من نزول الملك به فحفظه وتسجيله ثم روايته تواترًا وعدم إتيان البشر بمثله، فخفاء الفرق بين الوحيين أوقعهم في هذا اللبس» (1).
فوحي القرآن يختلف عن وَحْيِ السُنَّةِ، إذ أَنَّ وحي السُنَّةِ في المرتبة الثانية بعد القرآن فلم يتوسط جبربل في نقل كل جزئية من جزئياتها كما هو الحال في القرآن ومن هنا جاء وَحْيُ السُنَّةِ، إذ أنَّ وَحْيَ السُنَّةِ أعم وصولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من إيحاء القرآن وقد كان يأتيه في صور متعددة من الإلهام والقذف والرؤيا في المنام ومن وراء حجاب أو بواسطة ملك الوحي، وقد ذكر الله هذه الأنواع وأشار إلى أنها طريق تكليم الله لعباده، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَاّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} (2).
ووحي السُنَّةِ لم يتجاوز مفهوم هذه الآية ولم يتعداه لذا يقول الشيخ المودودي عقب هذه الآية: «ظهر أَنَّ القرآن اشتمل على نوع واحد من أنواع الوحي والصورتان الأخيرتان للوحي المذكور في الآية أيضًا مما كان يستمد منهما الرسول صلى الله عليه وسلم الهداية والإرشاد وقد أظهرت لنا الآية ذلك» (3).
(1)" فرقة أهل القرآن ": ص 95.
(2)
[الشورى: 51]. انظر " فرقة أهل القرآن ": ص 51 وما بعدها.
(3)
" سنت کي اءيني حيثيت ": ص 102.