المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع: السنة ومحمود أبو رية: - السنة في مواجهة الأباطيل

[محمد طاهر حكيم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌الباب الأول: (السُنَّة وما إليها):

- ‌الفصل الأول: تعريف السُنَّة:

- ‌السُنَّة عند المستشرقين:

- ‌الفصل الثاني: مكانة السُنَّة التشريعية:

- ‌الفصل الثالث: حُجِيَّةُ السُنَّة:

- ‌الفصل الرابع: جهود العلماء لحفظ السُنَّة:

- ‌الباب الثاني: (السُنَّةُ ومنكروها قديماً):

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: السُنَّةُ والخوراج:

- ‌الفصل الثاني: السُنَّة والشيعة:

- ‌الفصل الثالث: السُنَّةُ والمعتزلة:

- ‌الباب الثالث: السُنَّة ومنكروها حديثاً:

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: السُنَّة والمستشرقون:

- ‌نظرة تاريخية لدراسة المستشرقين للسُنَّة:

- ‌عرض تاريخي لأغراض المستشرقين:

- ‌شُبَهِ المستشرقين حول السُنَّةِ:

- ‌الفصل الثاني: السُنَّةُ والدكتور توفيق صدقي:

- ‌الفصل الثالث: السُنَّة والأستاذ أحمد أمين:

- ‌الفصل الرابع: السُنَّة ومحمود أبو رية:

- ‌الفصل الخامس: السُنَّةُ والدكتور أحمد زكي أبي شادي:

- ‌الفصل السادس: مُنكرو السُنَّة في القارة الهندية:

- ‌تمهيد:

- ‌نشأة أهل القرآن في القارة الهندية:

- ‌أسباب نشأة أهل القرآن:

- ‌أشهر زعماء أهل القرآن:

- ‌1 - الخواجه أحمد دين الأمرتسري:

- ‌2 - الحافظ أسلم جراجبوري:

- ‌3 - برويز:

- ‌سيد أحمد خان (2) وموقفه من السُنَّة النبوية:

- ‌جراغ علي وموقفه من السُنَّة:

- ‌الباب الرابع: شُبُهاتُ منكري السُنَّة:

- ‌الفصل الأول: شُبُهَاتُ مُنْكِرِي السُنَّةِ:

- ‌الشُبْهَةُ الأُُولََى:

- ‌الشُبْهَةُ الثَانِيَةُ:

- ‌الشُبْهَهُ الثالثة:

- ‌الشُبْهَةُ الرَابِعَةُ:

- ‌الشُبْهَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الشُبْهَةُ السَادِسَةُ:

- ‌الفصل الثاني: شُبُهَات فرقة أهل القرآن:

- ‌الشُبْهَةُ الأُُولََى:

- ‌الشُبْهَةُ الثَانِيَةُ:

- ‌الشُبْهَةُ الثَالِثَةُ:

- ‌الشُبْهَةُ الرَابِعَةُ:

- ‌الشُبْهَةُ الخَامِسَةُ:

- ‌الشُبْهَةُ السَادِسَةُ:

- ‌الباب الخامس: اعتراضات من مُنْكِرِي السُنَّة:

- ‌الباب السادس: أمثلة من الأحاديث تعرَّضت لنقد مُنْكِرِي السُنَّة:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحديث الرابع:

- ‌الحديث الخامس:

- ‌الحديث السادس:

- ‌الحديث السابع:

- ‌الحديث الثامن:

- ‌الحديث التاسع:

- ‌الحديث العاشر:

- ‌الحديث الحادي عشر:

- ‌الحديث الثاني عشر:

- ‌الفهرس:

- ‌ثبت المصادر والمراجع:

- ‌الدوريات:

الفصل: ‌الفصل الرابع: السنة ومحمود أبو رية:

‌الفصل الرابع: السُنَّة ومحمود أبو رية:

(*)

ثم بعد هؤلاء تَسَلَّمَ اللواء أبو رِيَّةَ وأخرج كتابه " أضواء على السُنَّة المحمدية " وهو لم يأت بفكرة جديدة ولا باستدلال جديد بل جمع ما كان من الشُبَةِ متناثراً في كتب الشيعة وأئمة الاعتزال والمتكلمين والمستشرقين مع حكايات تذكر في كتب الأدب التي يتفكَّه بها الناس في مجالسهم، وَأَيْمُ الله أنني قرأت فيه مُجَرَّداً من كل عاطفة فوجدت أنه لم يقل شيئاً لم يكن عند أسلافه وإنما الذي فاقهم فيه أنه أكثر خُبْثاً ودناءةً وأسوأ أدباً مع الصحابة الأمناء وأجرأ على الكذب والبُهُتِ والخيانات العلمية.

«أما ما ذكره خلال كتابه من نقول عن مصادر محترمة في الأوساط العلمية الإسلامية، فإنها لا تعدو أن تكون وردت في تلك المصادر في مورد غير الذي أورده المؤلف فوضعها في غير مواضعها، أو أن تكون هي في حد ذاتها حقائق مسَلَّمة لدى المحقّقين ولكنهم لا يقصدون منها ما قصده المؤلف، فيذكرها إيهاما للقارئ بأن أصحابها يلتقون معه في فكرته وأهوائه، أو تكون نصوصا «مبتورة» انتزع منها ما يردّ على المؤلف، ولم يذكر منها إلا ما يريد أن يثبته في البحث الذي يتناوله - وسنرى نموذجا لذلك في بحث أبي هريرة - أو أن تكون من أقوال بعض العلماء نقلا عن المعتزلة، فينسبها إلى هؤلاء العلماء أنفسهم، كما فعل فيما نقل عن ابن قتيبة، وبالجملة فإنَّ أصحاب هذه المؤلفات والنصوص التي نسبها إليهم لا يلتقون معه في آرائه ونزعاته» (1).

(*) كاتب مصري معاصر، عُرِفَ بشدَّة انحرافه عن السُنَّة والطعن فيها باسم حرية الرأي والتحقيق العلمي - على زعمه -، توفي قريباً.

(1)

" السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للدكتور مصطفى السباعي: ص 4، 5.

ص: 64

وأما تعريف كلمة السُنَّة عنده فيقول: «ولم تكن السُنَّة يومئذٍ (يعني عصر النبي صلى الله عليه وسلم تعرف إلَاّ بالسُنَّة العملية» (1).

ومفهوم السُنَّة العملية عنده هو السُنَّة العملية المتواترة كما قال: «وسنن الرسول المتواترة - وهي السُنَّة العملية - وما أجمع عليه مسلمو الصدر الأول وكان معلومًا عندهم بالضرورة، كل ذلك لا يسع أحد جحده أو رفضه بتأويل أو اجتهاد ككون الصلاة المعروفة خمسًا

» إلى أَنْ قال: «هذه هي سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم وأما إطلاقها على ما يشمل الأحاديث فاصطلاح حادث» (2).

وأما بالنسبة لأحاديث الآحاد فيقول: «ومن صح عنده شيء منها رواية ودلالة عمل به، ولا تجعل تشريعًا عامًا تلزمه الأُمَّةُ إلزامًا تقليدًا لمن أخذ به» (3). ويقول (4): «إنهم جعلوا السُنَّة القولية في الدرجة الثانية أو في الدرجة الثالثة من الدين وإنها تلي القرآن في المرتبة» . ثم قال بعد أسطر: «وأما الذي هو في الدرجة الثانية من الدين فهو السُنَّة العملية» ومفهومه أنَّ السُنَّةَ القولية ليست في الدرجة الثانية، ولا ندري ما منشأ هذا الاضطراب وعدم الثبوت على رأي حتى خالف عجز كلامه صدره ثم ما الدليل على التفرقة بين السُنَّة القولية والفعلية، «وليس في كلام الشاطبي الذي استشهد به ما يشهد للتفرقة بين السُنَّة القولية والفعلية بل كلام يدل على أَنَّ المُرَادَ بِالسُنَّةِ القول والفعل والتقرير» (5).

ومعلوم أَنَّ السُنَّةَ جملة من المرتبة الثانية بعد الكتاب وأنَّ ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الدين يجب اتِّبَاعَهُ وطاعته فيه إذًا فما الفائدة

(1)" أضواء على السُنَّة المحمدية " لمحمود أبو رِيَّة: ص 404.

(2)

" أضواء على السُنَّة المحمدية " لمحمود أبو رِيَّة: ص 406، 407.

(3)

" أضواء على السُنَّة المحمدية " لمحمود أبو رِيَّة: ص 407.

(4)

" أضواء على السُنَّة المحمدية " لمحمود أبو رِيَّة: ص 17.

(5)

" دفاع عن السُنَّة " للشيخ أبي شُهبة: ص 55.

ص: 65

من هذه التفرقة وما الدليل عليها وما الدليل على عدم جعل الأحاديث الآحاد تشريعًا، إنه يدعو إلى الفوضى في العقيدة والشريعة وإلى المخالفة الصريحة لكتاب الله عز وجل.

وَيَدَّعِي أَنَّ الذين عنوا بالتشريع من أئمة الإسلام لم يكونوا أهلاً لتمحيص السُنَّة وبيان صحيحها وسقيمها وأنَّ الأدباء وعلماء الكلام من المعتزلة هم أهل لذلك.

يقول بعد التعريف بكتابه وذكر عُلُوِّ قدر الحديث النبوي: «وعلى أنه بهذه المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة فإنَّ العلماء والأدباء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس وتركوا أمره لمن يُسَمُّون رجال الحديث يتناولونه فيما بينهم ويدرسونه على طريقتهم

» (1). يريد أنَّ أئمة الإسلام وفقهائه كالبخاري ومسلم والنسائي وغيرهم لم يكونوا أهلاً لتمحيص السُنَّة لأنهم لم يكونوا يخوضون في غوامض العقول فهم ليسوا عنده بعلماء وإنّض الأدباء وعلماء الكلام من المعتزلة هم أهل ذلك.

إنه يحاول الازدراء بالمحدثين ورميهم بالجمود لِيُقَلِّلَ من شأنهم ويتجاهل أَنَّ ما وضعه المحدثون من قواعد لنقد الراوي والمروي هي أدق وأرقى ما وصل إليه علم النقد في الحديث والقديم.

«إنَّ علماء الأدب وأضرابهم مِمَّنْ ليسوا من رجال الحديث وصيارفته أكرم على أنفسهم مِنْ أَنْ يقفوا ما ليس لهم به علم، وأنْ يَزُجُّوا بأنفسهم في علوم ومعارف ليسوا أهلاً لها» (2).

والحقيقة أَنَّ من أمعن النظر في كتابه هذا يدرك أَنَّ الرجل غير موثوق فيما ينقل فكثيرًا ما يزيد في النص الذي ينقله كلمة أو ينقص كلمة لينسجم

(1)" أضواء على السُنَّة المحمدية " لمحمود أبو رِيَّة: ص 4.

(2)

" دفاع عن السُنَّة " للدكتور أبي شُهبة: ص 46.

ص: 66

مع ما يريد دون ما يريد صاحبه وكثيرًا ما يسند القول إلى غير صاحبه تمويهًا وتضليلاً.

فنقل عن ابن كثير في " البداية والنهاية "(1) أنَّ عمر رضي الله عنه قال لكعب الأحبار: «لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ (عَنْ رَسُولِ اللهِ) أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ» .

وعبارة ابن كثير: لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ (عَنْ الأُوَلِ) وليس فيها (عَنْ رَسُولِ اللهِ) ولكن " أمانة " أَبِي رِيَّةَ و (تحقيقه العلمي) أجازا له تحريف هذا النص ليثبت ما ادَّعَاهُ من أنَّ كَعْبًا كان يُحَدِّثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنَّ الصحابة كانوا يأخذون عنه الحديث، وهذه الفرية دَسَّهَا المستشرقون اليهود أمثال «جولدتسيهر» لِيَدَّعُوا تأثير اليهودية في الدين الإسلامي! .. فتلقفها منهم «المحقق العلمي» أَبُو رِيَّةَ، وتبرع لهم بإثبات الأدلة عن طريق «التزوير» (2).

إنه لم يَتَحَلَّ بالأدب والخُلُقِ الشريف في بحثه فقد أتى بالألفاظ البذيئة والكلمات النابية التي يَتَرَفَّعُ عنها المؤلفون العاديون فضلاً عن المُحَقِّقِينَ المُنْصِفِينَ وجعل من نفسه (العلَاّمة المحقق الأمين) فَتَهَكَّمَ بالمُحَدِّثِينَ ورماهم بالجهل والتساهل فعندما عرض للحن والخطأ في الحديث والتقديم والتأخير والزيادة والنقص منه ص 75 - 79 ثم ذكر عنواناً بالخط العريض فقال: «تساهلهم - أَيْ المُحَدِّثِينَ - فيما يُرْوَى في الفضائل وضرر ذلك» . وهو يوهم من لا يعلم أنَّ المُحَدِّثِينَ جميعًا على هذا - مع أنَّ كثيراً من الأئمة كالبخاري ومسلم وابن خزيمة قد جَرَّدُوا كتبهم للصحاح، وَتَحرَّوْا غاية التَحَرِّي في ذكر أحاديث الفضائل، وأيضاً فالمُحَدِّثُونَ لم يأخذوا بالأحاديث الضعيفة في باب الفضائل إِلَاّ بشروط فصلها أهل الفن والتحقيق، فإرسال القول على عواهنه - كما

(1) 8/ 206.

(2)

" السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 364.

ص: 67

صنع المؤلف - ليس من الأمانة العلمية في عرض الآراء، وهو إلى التدليس والتلبيس أقرب منه إلى التوضيح والتبيين (1).

وأما أبو هريرة فقد ترجم له في كتابه فيما يربو على خمسين صفحة ولم يَدَعْ منقصة ولا مَذَمَّةً إلَاّ ألصقها به وزعم «أَنَّ الصحابة والتابعين وفقهاء الإسلام وأئمة الحديث ثلاثة عشر قرنًا كاملةً قد خدعوا بأبي هريرة رضي الله عنه، ولم يفطنوا إلى (تفاهة أمره) و (حقارة منبته) وجرأته في الكذب إرضاء للأمويّين، إنهم لم يفطنوا لما فطن إليه «أَبُو رِيَّةَ» فيا لسوء حظ المسلمين الذين حرموا من رأي «أَبِي رِيَّةَ» الصائب وبصيرته النافذة خلال هذه القرون كلها! (2).

وإليك أمثلة من إسفافه وهذيانه على أبي هريرة:

قال في [ص 152]: «وكان بينهم - أي الصحابة - لا في العير ولا في النفير» .

وقال في [ص 157]: بعد نقله شيئًا من سيرة أبي هريرة رضي الله عنه عن مُحَقِّقٍ (مثله) يظهر من هذه الحكايات وغيرها أنه كان مِمَّنْ حضر وقعة صِفِّينْ وأنه كان يصانع الفئتين - ثم قال: وَحَدَّثَ غير واحدٍ أنَّ أبا هريرة كان في بعض الأيام يصلي في جماعة عَلِيٍّ ويأكل مع جماعة معاوية، فإذا حمي الوطيس لحق بالجبل، فإذا سأل قال:«عَلِيٌّ أَعْلَمُ، وَمُعَاوِيَةُ [أَدْسَمُ]، وَالجَبَلُ أَسْلَمُ» .

وقال في [ص 185]: «ومن كان هذا شأنه - لا يكون - لا جرم - إلَاّ مهينًا لا شأن له ولا خطر» .

نعم هكذا يهذي ويفتري ويجمع من الحكايات والأكاذيب ولا سيما في موضوع فيه اتِّهام وتجريح لصحابي جليل من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ

(1)" دفاع عن السُنَّة ": ص 73.

(2)

" السُنَّة ومكانتها ": ص 31.

ص: 68

وَسَلَّمَ - وأنه لا في العير ولا في النفير، ثم من قال لك أيها المُحَقِّقُ النظار وصاحبك الذي زعمت أنه محقق، و، وأَنَّ أبا هريرة شهد موقعة صِفِّينَ، حكاية باطلة تبني عليها هذا الحكم الظالم الأليم.

ثم هل من المعقول أَنَّ أبا هريرة كان ينتقل بين الجماعتين ويصانع الفئتين ولا ينكشف أمره، يا أيها الناس أليس لكم عقول تعقلون بها؟

ثم كان أبو هريرة مهينًا لا شأن له ولا خطر عند المؤلف لأنه لم يصاحب النبي صلى الله عليه وسلم إلَاّ على ملء بطنه وأنه قد اتَّخَذَ من الصُفَّةِ ملاذًا لفقره

وهذا أكبر عيب عند «أَبِي رِيَّةَ» يُجَرِّحُ به أبا هريرة والله تعالى مدح أهل الصُفَّةِ ومنهم - لا شك - أبو هريرة. قال سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (1).

فيأتي أبو رية فيجعل المفاخر مثالب والفضائل رذائل.

فهل رأيت في باب النقد والبحث والتحقيق العلمي والأمانة العلمية شبيهًا لهذا، وفي أي قانون أو عُرْفٍ أو دين يكون السِّبَابُ نقدًا والشتائم بحثًا وتحريف الحقائق وتغييرها تحقيقًا علميًا إِلَاّ في عُرْفِ وقانونِ أبي رية.

وقال في [ص 166] تحت عنوان (أول راوية اتُّهِمَ في الإسلام): «أنَّ أبا هريرة اتَّهَمَهُ الصحابة وأنكروا عليه، وكانت عائشة أَشَدُّهُمْ إنكارًا عليه لتطاول الأيام بها وبه

وَأَنَّ مِمَّنْ اتهم أبا هريرة بالكذب عمر وعثمان وعلي،

ثم زعم أَنَّ عَلِيًّا كان سيئ القول فيه وقال عنه: ألا إنه أكذب الناس أو قال: أكذب الأحياء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبو هريرة

إلخ».

(1)[البقرة: 273].

ص: 69

ثم تَصَيَّدَ من كلام النظام وغيره من ساداته ما زعم أنه يشهد له.

والحقيقة أَنَّ الصحابة كانوا يَرْوُونَ عنه صلى الله عليه وسلم بالذات كما كانوا يَرْوُونَ عنه بالوساطة عن صحابي آخر، وفي بعض الأحيان كان يراجع بعضهم بعضًا فيما يرويه، إما بالتثبت والتأكد لأنَّ الإنسان بنسى أو يغلط وإما لأنه ثبت عنده ما يخالفه أو ما يخصِّصُهُ أو يُقَيِّدُهُ، فليس من الإنصاف أَنْ نَتَّخِذَ من هذه المراجعة دليلاً على اتِّهام الصحابة بعضهم لبعض وتكذيب بعضهم لبعض.

وكل ما ذكره من تكذيب عمر وعثمان وعَلِيٍّ له وأنَّ عَلِيًّا كان سيء القول فيه لا يعدو أنْ يكون دعاوى كاذبة مُزَوَّرةٌ، وهذه كتب الثقات في تاريخ الصحابة وحياتهم لا تكاد تجد فيها شيئًا مِمَّا زعم وادَّعَى.

وهذه من «الدعاوى الكاذبة التي يطنطن بها [المُبَشِّرُونَ] والمُسْتَشْرِقُونَ ومن تابعهم من الكُتَّابِ المعاصرين الذين جعلوا من أنفسهم أبواقًا لترديد كلامهم» (1).

وهو في الحقيقة لا يرمي إلى اتِّهَامِ أبي هريرة أو غيره من الصحابة، بل أنه يَتَّخِذُ من اتِّهَامِهِمْ سبيلاً إلى بطلان السُنَّة. فإذا تحقق له تهديم أبي هريرة وغيره فقد تحقق له هدم السُنَّة وبطلانها.

جاء في " تاريخ بغداد ": «أنَّ هارون الرشيد - لما أراد ضرب رأس (شاكر) رأس الزنادقة في عصره، سأله عن سبب اتخاذ الزنادقة لخطَّتهم في ابتدائهم مع من يطمعون بتزندقه، بتعليمه كراهية بعض سادات الصحابة، فقال شاكر: «إنَّا نريد الطعن على الناقلة، فإذا بطلت الناقلة أوشك أنْ نُبطل المنقول» (2).

(1) اقتباس من كلام أبي شُهبة في كتابه " دفاع عن السُنَّة ": ص 131.

(2)

" دفاع عن أبي هريرة " للشيخ عبد المنعم صالح العلي العزي: ص 8.

ص: 70

وهكذا صنع أبو رية وغيره ممن قاموا بحملات التشكيك والطعن في الصحابة إلَاّ أنَّ أبا رية كان الحظ الأوفر منها.

وقد أطرى كتابه بقوله: «وهذه الدراسة الجامعة التي قامت على قواعد التحقيق العلمي، هي الأولى في موضوعها لم ينسج أحد قبلي على منوالها» .

نعم لقد صدق وهي الأولى في موضوعها وأسلوبها خلطًا وكذبًا وَتَجَنِّيًا ولم ينسج أحد من قبل على منوالها.

«ولا أدري إنْ كان من قواعد التحقيق العلمي التي لم ينسج أحد من قبل على منوالها أنْ يكون مُدَّعِي العلم قليل الأدب بذيء الكلام، شنيع التهجم على من يتصدى لتاريخهم أو على من قد يتصدون للرد عليه في المستقبل؟ ولكن الذي أدريه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحَيَاءُ مِنْ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالبَذَاءُ مِنْ الجَفَاءِ وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ» ولا أدري إِنْ كان «أبو رية» يطعن في هذا الحديث لأنه مِمَّا رواه أبو هريرة رضي الله عنه، فإليه حديثا آخر يرويه زيد بن طلحة بن ركانة عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلَامِ الْحَيَاءُ» وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (1). وسوف ينال أبو رِيَّةَ جزاء فعله ما يستحق عند الله يوم القيامة (2).

(1)" السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 43، 44.

(2)

صدر في الرد على أبي رية كتب منها " ظلمات أبي رية أمام أضواء على السُنَّة المحمدية " للشيخ محمد عبد الرزاق حمزة و " الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السُنَّة من الزلل والتضليل والمجازفة " للشيخ عبد الرحمن المعلَّمي اليماني والدكتور مصطفى السباعي في كتابه الراجع " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " و " دفاع عن السُنَّة " للدكتور محمد أبو شُهبة.

ص: 71