الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: حُجِيَّةُ السُنَّة:
اتفق العلماء الذين يُعْتَدُّ بهم قاطبة على حُجِيَّةِ السُنَّةِ. قال الشوكاني: «إنَّ ثُبُوتَ حُجِّيَّةِ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَاسْتِقْلَالَهَا بِتَشْرِيعِ الأَحْكَامِ ضَرُورَةٌ دِينِيَّةٌ وَلَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِلَاّ مَنْ لَا حَظَّ لَهُ فِي دِينِ الإِسْلَامِ» (1).
والقرآن والسُنَّة وإجماع الأمَّة مطبقة على لزوم أتباع السُنَّة، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (2).
قال ميمون بن مهران: «الردُّ إلى الله هو الرجوع إلى كتابه وَالرَدُّ إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته وإلى سُنَّتِهِ بعد وفاته» وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (4).
(1)" إرشاد الفحول ": ص 29.
(2)
[آل عمران: 31].
(3)
[النساء: 59].
(4)
[الحشر: 7].
فقد جعل سبحانه أمر رسوله واجب الاتِّباع ونهيُهُ واجب الانتهاء عنه، وهذه الآية تعتبر أصلاً لكل ما جاءت السُنَّة به مِمَّا لم يَرِدْ له ذكر في القرآن وعلى هذا الدرب صار من جاء بعد الصحابة من أئمة العلم والدين. فقد ذكر ابن عبد البر في كتاب " العلم " له عن عبد الرحمن بن يزيد:«أَنَّهُ رَأَى مُحْرِمًا عَلَيْهِ ثِيَابُهُ، فَنَهَى الْمُحْرِمَ، قَالَ: ائْتِنِي بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَنْزِعُ بِهَا ثِيَابِي، فَقَرَأَ عَلَيْهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]» .
وقال عليه الصلاة والسلام: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (1).
وقال: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ ، وَسُنَّتِي» (2).
(1) رواه الحاكم في " المستدرك ": (1/ 96) وقال الذهبي: صحيح. وأبو داود في " سننه ": (5/ 14) وأخرج الترمذي بعضه: (7/ 417) في باب العلم، والإمام أحمد في " المسند ":(4/ 126، 127).
(2)
رواه الترمذي في المناقب: (7/ 417) والإمام أحمد في " المسند ": (1/ 51) و (3/ 59) والحاكم في " المستدرك " وذكره ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله ": (2/ 180).
(3)
رواه البخاري - " فتح الباري ": (1/ 185، 197) و (3/ 574) والإمام مسلم في الحج: (1/ 85 - 86) والترمذي: (3/ 537) والدارمي: (1/ 394) والإمام أحمد في " المسند ": (4/ 21، 32) و (5/ 4، 37، 39، 40، 45، 49، 72، 342، 366، 411) و (6/ 385، 456).
ثم أورد حديث: «نَضَّرَ اللهُ امْرُءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَأَدَّاهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» (1).
قال الشافعي: «فلما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى استماع مقالته وحفظها ، وأدائها، دَلَّ على أنه لا يأمر أنْ يُؤَدَّى عنه إلَاّ ما تقوم به الحُجَّةُ على من أدَّى إليه لأنه إنما يُؤَدَّى عنه حلال يُؤْتَى وحرام يُجْتَنَبُ وَحَدٌّ يُقَامُ ومالٌ يُؤْخَذُ ويُعْطَى في دين ودنيا.
ثم أورد البيهقي حديث أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَةٍ يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي، مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِى كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ» (2).
وفي حديث المقداد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ أشياء يوم خيبر: الحمار الأهلي وغيره ثم قال: «يُوشِكُ الرَجُلُ مُتَّكِئًا عَلى أرِيكَتِهِ، يُحَدِّثُ بَحَدِيث مِنْ حَدِيثي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَال اسْتَحْلَلْنَاهُ، ومَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ مِثْلُ مَا حَرَّم اللهُ» (3).
(1) رواه الحاكم: (1/ 87، 888) بلفظ «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا» وقال: على شرطهما، ووافقه الذهبي، وبلفظ آخر «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي» وابن ماجه:(1/ 86) والترمذي: (7/ 417) وله شاهد عند ابن ماجه: (1/ 86) وعن زيد بن ثابت (1/ 84) ومحمد بن جُبير (1/ 85).
(2)
رواه أبو داود في " سُننه ": (5/ 12) والترمذي في كتاب العلم: (7/ 424) وقال: حسن، وابن ماجه:(1/ 16) والدارمي: (1/ 117) بلفظ: «لَيُوشِكَنَّ الرَّجُلُ» والإمام أحمد في " مسنده ": (2/ 368) و (4/ 131، 132).
(3)
رواه ابن ماجه عن معد يكرب: (1/ 6) وأبو داود بإسناد حسن.
ثم قال البيهقي: «وهذا خبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يكون من بعده من رَدِّ المبتدعة فوجد تصديقه فيما بعده» (1).
ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَنْ شَبِيبٍ بْنِ أَبِي فُضَالَةَ الْمَكِّيّ: «أََنَّ عِمْرَاَنَ بْنَ حُصَيْن - رَضِيَ اللهُ - عَنهُ ذكر الشَّفَاعَة فَقَالَ رجل من الْقَوْم: يَا أَبَا نَجِيدٍ إِنَّكُم تُحَدِّثُونَا بِأَحَادِيثَ لَمْ نَجِدْ لَهَا أَصْلاً فِي القُرْآنِ، فَغَضِبَ عِمْرَان وَقَالَ لِلْرَّجُلِ: قََرَأْتَ الْقُرْآن؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فََهَْل وَجَدْتَ فِيهِ صَلَاةَ العِشَاءِ أََرْبَعًا وَوَجَدْتَ المَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالغَدَاةَ رَكْعَتَيْنِ وَالظّهْرَ أَرْبَعًا وَالعَصْرَ أَرْبَعًا؟ قَالَ: لَا: قَالَ. فَعَنْ مَنْ أَخَذْتُمْ ذَلِك، أَلَسْتُمْ عَنَّا أَخَذْتُمُوهُ وَأَخَذْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ أَوَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً وَفِي كل كَذَا بَعِيرًا كَذَا وفى كُلِّ كَذَا دِرْهَماً كَذَا. قَالَ: لَا. قَالَ فَعَن من أَخَذْتُم ذَلِك؟ أَلَسْتُمْ عَنَّا أَخَذْتُمُوهُ وَأَخَذْنَاهُ عَن النَّبِِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ وَقَالَ: أَوَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآن: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2) أَوَجَدْتُمْ فِيهِ فَطُوفُوا سَبْعاً وَارْكَعُوا رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ المَقََامِ، أَوَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآن: لَا جلب وَلَا جنب وَلَا شِغَارَ فِي الإِسْلَام؟ أَمَا سَمِعْتُمْ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) قَالَ عِمْرَاَنُ: فَقَدْ أَخَذْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَشْيَاءَ لَيْسَ لَكُمْ بِهَا عِلْمٌ (4).
(1)" مفتاح الجنة ": ص 5، 6.
(2)
[الحج: 29].
(3)
[الحشر: 7].
(4)
" مفتاح الجنة ": ص 6.
حسب أهوائهم ونزعاتهم، وقد بحث في هذا الحديث بعض الأئمة فقال: عرضنا هذا الحديث الموضوع على كتاب الله فوجدناه مُخالفاً له لأنَّا وجدنا في كتاب الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1).
ووجدنا فيه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (2).
ووجدنا فيه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (3).
وهكذا نرى أنَّ القرآن الكريم يُفَنِّدُ هذا الحديث ويَرُدُّهُ.
وروى الإمام الشافعي رضي الله عنه يوماً حديثاً وقال: إنه صحيح فقال له قائل: أَتَقُولُ بِهِ يَا أَبَا عَبْدَ اللهِ، فَاضْطَرَبَ وَقَالَ: يَا هَذَا أَرَأَيْتَنِي نَصْرَانِياً، أَرَأَيْتَنِي خَارِجاً من كَنِيسَةٍ، أَرَأَيْتَ فِي وَسَطِي زُنَّارًا؟ أَرْوِي حَدِيثَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَقُولُ بِهِ؟ (4) اهـ.
(1)[الحشر: 7].
(2)
[آل عمران: 31].
(3)
[النساء: 80]. " إرشاد الفحول ": ص 13، 14.
(4)
" مفتاح الجنة ": ص 3.