الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشُبْهَةُ الثَالِثَةُ:
وللقوم شُبْهَةٌ أخرى مفادها أنَّ اتِّبَاعَ السُنَّةِ والقضاء بوفقها يُؤَدِّي إلى الاشتراك في الحكم وقد نهى القرآن عنه: {إِنِ الحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ} (1).
يقول صاحب افتراء تعامل: «البعض على أقوال الرسل وأفعالهم وتقريراتهم مع وجود كتاب الله علة قديمة قدم الزمن وقد برأ الله رسله وأنبياءه من هذه الأحاديث بل جعل تلك الأحاديث كفرًا وشركًا» (2).
ويقول الخواجه أحمد الدين في شرح هذه الشُبْهَةِ ما نصه: «قد وضع الناس لإحياء الشرك طرقًا متعددة فقالوا إنا لنؤمن أَنَّ الله هو الأصل المطاع غير أَنَّ الله أمرنا باِتِّبَاعِ رسوله، فهو اِتِّبَاعٌ مضاف إلى الأصل المطاع وبناء على هذا الدليل الفاسد يُصَحِّحُون جميع أنواع الشرك، فهل يصبح الأجنبي زوجًا لمتزوجة يقول زوجها إنها زوجته إلَاّ أَنَّ الله لم يأمر بمثل ذلك: {إِنِ الحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ}» (3).
الرد:
ما أقبح هذه الحُجَّةِ وما أبعد هذا الاستدلال وهل الله تعالى بعث رسله لإحياء الشرك أم لمحوه وهل اِتِّبَاعُ السُنَّةِ والحكم بوفقها إلَاّ اِتِّبَاعٌ وتطبيق لأحكام القرآن، قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4).
(1)[الأنعام: 57]، [يوسف: 40]، [يوسف: 67].
(2)
" فرقة أهل القرآن ": ص 96.
(3)
المصدر السابق: ص 97.
(4)
[النساء: 65].
يقسم الرب - جَلَّ وَعَلَا - في هذه الآية بذاته بأنْ لن يذوق أحد طعم الإيمان ما لم يرض بقضائك يا محمد عليه الصلاة والسلام ثم لا يشعر المتحاكمون إليك بحرج أو ضيق في أنفسهم بما قضيت فيهم.
فهل يُؤَدِّي حكمه بعد هذا الخبر الإلهي في القضاء وفصل الخصومات إلى الشرك بل حكمه عين التوحيد وامتثال للأحكام الإلهية بل هو حكم الله تعالى: ولو اقتضت الإرادة الإلهية عدم التحاكم إلى السُنَّةِ كما يزعم هؤلاء لما صح مجيء كاف الخطاب في قوله: {يُحَكِّمُوكَ} ولما جاءت تاء الخطاب في {قَضَيْتَ} للتنصيص على ذك. وقد تكرر هذا المفهوم في آيات متعددة من القرآن الكريم بل علقت بعض الآيات الهداية والفلاح والإيمان بالتسليم لحكمه وطاعته عليه السلام. قال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (1).
ويقول في آية أخرى مُحَذِّرًا من مغبة عدم اتِّبَاعِهِ عليه السلام نافيًا الإيمان عن أولئك: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (3).
وأما استدلالهم بقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إلَاّ لِلَّهِ} (4).
(1)[النور: 54].
(2)
[النور: 51].
(3)
[النور: 47].
(4)
[الأنعام: 57]، [يوسف: 40]، [يوسف: 67].
لإخراج السُنَّةِ عن كونها حكمًا إلهيًا فهو استدلال في غير محله. لأن هذه الجملة القرآنية وردت في ثلاثة مواضع من كتاب الله، ففى الأنعام جاءت رَدًّا على طلب الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم إنزال الآيات والإسراع بها، فَرَدَّ الله على هذا الطلب مُوَضِّحًا أنَّ ذلك مرجعه إلى الله لا إلى رسوله، وأنًَّ الله هو المُتَفَرِّدُ في هذه الشؤون لا شريك له فيها لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ. قال تعالى:{قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (1).
والموضعان الأخيران في سورة يوسف، أولهما حكاية عن قول يوسف لصاحبه في السجن ونصحه له بترك الشرك وأنَّ عبادة الأوثان افتراء واختلاق على الله وأنَّ الله هو المُتَفَرِّدُ في الحكم والعبادة، قال تعالى:{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ} (2).
والموضع الأخير جاء حكاية عن قول يعقوب عليه السلام ينصح أبناءه ويعلمهم آداب الدخول على الملوك وأنه إِنْ وقع لهم ما يكرهون في الحياة فهو قضاء وقدر وأنه لا يملك لهم من الله شيئًا (*) وأنَّ هذا لهو مسلك عباد الله الصالحين، قال تعالى:{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ} (3)(4)
(1)[الأنعام: 57].
(2)
[يوسف: 40].
(3)
[يوسف: 67].
(4)
" فرقة أهل القرآن ": ص 98، 99.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: يشير إلى قوله تعالى في الآية التي أوردها {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}