المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سوق عمان: كورة عربية في جنوب الخليج الفارسي تمتد على سواحل - أسواق العرب في الجاهلية والإسلام

[سعيد الأفغاني]

الفصل: ‌ ‌سوق عمان: كورة عربية في جنوب الخليج الفارسي تمتد على سواحل

‌سوق عمان:

كورة عربية في جنوب الخليج الفارسي تمتد على سواحل بحر اليمن، وتشتمل على بلدان كثيرة ذات نخل وزروع، وهي شديدة الحرارة حتى إن حرها يضرب به المثل.

وبها فواكه جرومية1 "كالموز والرمان والتين ونحو ذلك" ولعل نخيلها متميز من غيره، فقد ذكروا أن بالبصرة نخلة يقال لها:"العُمانية" لا يزال عليها السنةَ كلها طلع جديد وكبائس مثمرة وأخرى مرطبة. قيل: إنها سميت بعمان بن نفثان بن سبأ أخي عدن2، وقيل: من "عمن يعمَن" إذا أقام، وقد اشتقوا منها فعلا فقالوا: أعمن وعمّن إذا أتى عمان، قال العبدي:

فإن تُتْهموا أنجد خلافا عليكم

وإن تُعْمنوا مستحقبي الحر أعرق

عدها الهمداني في "صفة جزيرة العرب ص48" من مخاليف اليمن

1 مسالك الممالك للإصطخري.

2 تاج العروس. وعمان كغيرها من أعلام الأمكنة تصرف ولا تصرف وبكليهما ورد الشعر، فمن أمثلتها غير مصروفة قول الشاعر:

أحب عمان من حبي سليمى

وما عهدي بحب قرى عمان

ص: 252

نزلها الأزد على قبائل يحمد وحدان ومالك والحارث وعتيك وجُديد "ص211"، واستشهد على قوله بشواهد من الشعر، منها:

وأزد لها البحران والسيف1 كله

وأرض عمان بعد أرض المشقر2

ومنها:

وغسان الذين هم استتبّوا

قبائلهم بأطراف البلاد3

وحيا منهم نزلوا عمانا

أراهم لم يهموا بارتداد

وغسان من الأزد كما هو معلوم. واستشهد أيضا بهذا الشاهد وهو يريد الأزد طبعا:

فأقرت قرارها بعمان

فعمان محل تلك الحماة4

وتضرب بها العرب المثل في بعدها؛ لأنها في أقصى الجزيرة إلى الشرق والجنوب، تفصلها عن اليمن صحراء الأحقاف، وهي بعيدة عن الحجاز والعراق والشام.

ذكر ياقوت أن الحسن بن عادية قال: لقيت عبد الله بن عمر فقال: "من أي بلد أنت؟ " قلت: "من عمان" قال: "أفلا أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " قلت: "بلى" قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأعلم أرضا من أرض العرب يقال لها:

1 سيف البحر: ساحله.

2 206.

3 207.

4 210.

ص: 253

عمان على شاطئ البحر؛ الحجة منها أفضل من حجتين من غيرها" ومن المفسرين من ذهب إلى أن المقصود بقوله تعالى: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} عمان.

ولو عرف الشاعر أبعد منها لذكره محلها في قوله يهجو قوما:

لو يسمعون بأكلة أو شربة

بعمان أصبح جمعهم بعمان

والظاهر أنها على بعدها لم تكن تخلو من أخلاط القبائل ومختلف الأمم، شأن كل فرضة تجارية، فلم تقتصر على الأزد الذين روينا لك فيهم ما ذكره الهمداني؛ لأنها أقرب بلاد العرب من الهند وليس بينها وبين فارس إلا المضيق فكان فيها النزلاء الغرباء من هؤلاء، عدا من يقصدها من العرب للتجارة فيقيم فيها، وقد ظلت تحت نفوذ الفرس الفعلي، وكان ملوك فارس هم الذين يولون عليها الأمراء، فاستعملوا بني المستكبر -على رواية المرزوقي- وقد تقدم أن لهم نفوذا على هجر، وعلى المشقر كما سبق، فتكون فارس قد بسطت سلطانها على سواحل الخليج الفارسي كله وعلى سواحل بحر اليمن حين أرسلوا الأحرار فطردوا الحبشة منها، وبذلك يكون لهم نصف سواحل جزيرة العرب، وما زالت الفرض والشواطئ عرضة للأطماع ينزلها

1 سورة الحج: الآية 27.

ص: 254

كل قوي، فكيف إذا كانت خصبة فيها الغنى كعمان، وقد جاء في الحديث:"من تعذر عليه الرزق فعليه بعمان". فتجاراتهم كثيرة ومعايشهم وافرة، وفيها ذخائر متنوعة ومعادن جيدة وخصب ورخاء، فجمعوا بذلك أسباب الثروة والغنى فلم يكن من الغريب طمع فارس فيهم.

وقد استتبع مركز عمان هذا كثرة الأعاجم فيها واختلاط أهلها بهم، حتى أدخل ذلك الضيم على لغتهم فلم يعرفوا في العرب بالفصاحة. ولما رأى أبو عمرو بن العلاء أعرابيا من عمان فصيحا لم يكتم استغرابه من حسن وصفه لبلده وفصاحة منطقه، حتى عرف أن الأعرابي بعيد عن مراكز الاختلاط تلك، ذكر القالي "3/ 16" عنه أنه قال:

لقيت أعرابيا بمكة، فقلت له:"ممن أنت؟ " قال: "أسدي" قلت: "ومن أيهم؟ " قال: "نهدي" قلت: "من أي البلاد؟ " قال: "من عمان" قلت: "فأنى لك هذه الفصاحة؟ " قال: "إنا سكنا قطرا لا نسمع فيه ناجخة التيار" قلت: "صف لي أرضك" قال: "سيف أفيح، وفضاء صحصح، وجبل صروح، ورمل أصبح" قلت: "فما مالك؟ " قال: "النخل" قلت: "فأين أنت عن الإبل؟ "

ص: 255

قال: "إن النخل حملها غذاء، وسعفها ضياء، وجذعها بناء، وكربها صلاء، وليفها رشاء، وخوصها وعاء، وقَرْوها إناء"1. وذكر صاحب مراصد الاطلاع أن أهلها خوارج إباضية.

تقصد العرب هذه السوق إذا انتهت من سوق هجر، فترحل إلى عمان وتقيم سوقها حتى آخر جمادى الأولى. وهي لتوسطها بين فارس والهند والحبشة، تجتمع فيها بضائع هذه الممالك الثلاث وكانت جمالها تحمل "الوَرْس" من اليمن إلى عمان حيث تعالج الأشياء التي يراد صبغها بالصفرة.

وذكر الألوسي أن بأرضها معادن جيدة وذخائر متنوعة. وقد كان يستخرج بها عنبر مشهور، احتفظت عمان بشهرتها به حتى أيام الرشيد، فقد ذكر في الأغاني أنه "جاء العباس بن محمد إلى الرشيد يوما ببرنيّة غالية، فوضعها بين يديه ثم قال: "هذه يا أمير المؤمنين غالية صنعتها لك بيدي، اختير عنبرها من بحر عمان، ومسكها من

1 ناجخة التيار: صوت الموت، والسيف الأفيح: الشاطئ الواسع، والصحصح: الصحراء، والصروح: الصلب، والأصبح: الذي يعلو بياضه حمرة، والرشاء: الحبل، والقرو: وعاء من جذع النخل ينبذ فيه.

ص: 256

مفاوز التبت، وبانها1 من ثغر تهامة، فالفضائل كلها مجموعة فيها

إلخ"2.

في هذه السوق يجري التبادل بين بضائع فارس والهند والحبشة واليمن والحجاز والشام، يصب فيها كل تاجر قطر ما حمل من قطره ويرجع إلى بلده بما يأخذه من عروض ليست فيه؛ ولهذا كان فيها جاليات من كل أمة وكل قبيلة.

1 البان: شجر معروف، ولحب ثمره دهن طيب، القاموس.

2 15/ 39.

ص: 257