المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سوق صنعاء: صنعاء أطيب بلاد اليمن، بل جنة جزيرة العرب كلها، - أسواق العرب في الجاهلية والإسلام

[سعيد الأفغاني]

الفصل: ‌ ‌سوق صنعاء: صنعاء أطيب بلاد اليمن، بل جنة جزيرة العرب كلها،

‌سوق صنعاء:

صنعاء أطيب بلاد اليمن، بل جنة جزيرة العرب كلها، هي مضرب الأمثال في طيب الهواء واعتداله وحسن العيش. قال ياقوت: "صنعاء قصبة اليمن وأحسن بلادها، تشبّه بدمشق لكثرة فواكهها وتدفق مياهها، وليس بجميع اليمن أكبر ولا أكثر مرافق وأهلا من صنعاء. وهي من الاعتدال في الهواء بحيث لا يتحول الإنسان من مكان طول عمره صيفا ولا شتاء، وتتقارب بها ساعات الشتاء والصيف، وغاية ساعات النهار بها اثنتا عشرة ساعة وإحدى وخمسون دقيقة1.طيبة الهواء، كثيرة الماء. قدم يزيد بن الصعق صنعاء ورأى أهلها وما فيها من العجائب، فلما انصرف قيل له: كيف رأيت صنعاء؟ فقال:

ومن ير صنعاء الجنود أهلها

وجنود حمير قاطنين، وحميرا

يعلم بأن العيش قسم بينهم

جلبوا الصفاء فأنهلوا، ما كدرا

ويرى مقامات عليها بهجة

يأرجن هنديا ومسكا أذفرا".

وليس من الغريب أن نسمع يمنيا كالهمداني يشيد بذكرها فيقول:

1 الإكليل 8/ 12.

ص: 271

"هي إحدى جنان الأرض عند كافة الناس"1، فقد حيرت بحسنها وكثرة أشجارها ومياهها ومروجها وأنهارها وطيب أوديتها غيره، فدهش أول ما رآها وملكه الإعجاب2. "قال أحمد بن موسى وهو من الشعراء المتأخرين حين رفع إلى صنعاء، وصار إلى نقيل السود "على مقربة منها":

إذا طلعنا "نقيل السود" لاح لنا

من أفق صنعاء مصطاف ومرتبع

يا حبذا أنت يا صنعاء من بلد

وحبذا وادياك الظهر والضلع"3.

بقيت صنعاء4 دار سلطنة وإمارة حتى يومنا هذا. وقد كان بها مقر ملوك اليمن قديما، وفيها قصر غمدان وهو بناء شاهق على تل عظيم اتخذه أقيال اليمن، وليس في اليمن جميعه بناء أرفع منه.

1 الإكليل 8/ 12.

2 ومن الطريف أن يذكر ياقوت أيضا أن صنعاء اسم لقرية على باب دمشق دون المزة مقابل مسجد خاتون، خربت وهي اليوم مزرعة وبساتين. وفي هذا دلالة على أن العرب مولعون بذكر ديارهم وأوطانهم أينما حلوا، هم على الوفاء لعهدها تحت كل سماء، وإطلاقهم صنعاء على هذه القرية الخربة لعهد ياقوت، كإطلاقهم في بلاد الأندلس وجناتها أسماء حمص ودمشق

3 تاج العروس.

4 نعتها الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب" نعتا جليلا حوى معارف قيمة جدا عن هذه البلدة العظيمة، وانظر على سبيل المثال ما ذكره عن ضروب =

ص: 272

"ويكون سوق صنعاء في واديها، قيل: هو وادي عليب، وقيل: هو أصل جبل نُقُم مما يلي قبليّه، وقيل: غدير الحقل"1.

كان العرب إذا ارتحلوا من الشحر وعدن أقاموا سوق صنعاء، فاستمرت من نصف شهر رمضان حتى آخره. يأتونها "بالقطن

= فواكهها، فإنها في هذا فاقت دمشق نفسها. قال ص196:

"جميع الثمار بها من العنب المُلاحي والدوالي والأشهب والدُّربج والنواسي والزيادي والأطراف والعيون والقوارير والجُرشي والنشاني والتابكي والرازقي والضروع. ويؤتى إليها من خيوان بالرومي، ومن الجوف بالوادي. وبها الرمان الحلو والحامض والممزوج والمليس والسفرجل، وليس يلحق به سفرجل البلاد؛ لأن فيه شيئا من الحموضة والقبض، والإجّاص والمشمش والتفاح الحلو والتفاح الحامض والممزوج، والخوخ الحميري والخوخ الفارسي والخوخ الهندي والجوز الفرك واللوز الفرك، والحلو منه والمرّ، والكمثرى وقد وُفد إلى صنعاء قِدمة. وبها الورد والباقلاء الأخضر ولا يتركونه يبلغ، وجميع أصناف البقول وجميع الحبوب

" وكثير أن يكون ببلدة واحدة أربعة عشر صنفا من العنب وحده. وقد أفاض الهمداني بعد هذا بتفصيل مستفيض عن طعامها وألوانه وعن خبزها بما هو غاية في الطرافة والخطر، فليرجع إليه ثمة. ولو أن كل قطر عربي حظي بباحث كالهمداني، لما كنا اليوم في معارفنا عن بلادنا في ظمأ وغلة لا نجد لهما أدنى ري.

1 تاج العروس. وكان بدل "جبل نقم" في الطبعة الأولى من كتابنا "جبل نعيم"، فكتب إلينا الأستاذ "كرنكو" أن الصواب: جبل نقم -بضم النون والقاف- وهو الجبل المطل على صنعاء، واسمه كذلك إلى يومنا هذا. ا. هـ.

ص: 273

والزعفران والأصباغ وأشباهها مما ينفق بها، ويشترون فيها ما يريدون من البزّ والحرير"1 وكان أروج تجاراتها الغالية والأدم والبرود، وكان هذان الصنفان الأخيران يجلبان إليها أيضا من معافر إحدى قرى اليمن فتباع فيها وتصدر إلى الأقطار، وكذلك يجلب منها من الخرز شيء كثير.

كان بيعهم فيها الجس جس اليد2، وكان يعشر الناس فيها الأبناء3 بعد أن كان يعشرهم أمراؤهم من حمير.

1، 2 الأزمنة والأمكنة 2/ 164، والمحبر ص266.

3 اليعقوبي، والمحبر ص266.

ص: 274

سوق حضرموت:

حضرموت إقليم واسع يشتمل على بلاد وقرى ومياه وجبال وأودية باليمن، يكون إلى جنوبه الشحر، وإلى شرقه عمان، وإلى غربه صنعاء. قريب من البحر وفيه رمال واسعة كثيرة تعرف بالأحقاف، وهذا الصقع كثير الجبال والأودية وهو في جملته قاحل، والبلد نفسها صغيرة ضئيلة الشأن، راسل أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلوا في طاعته صلحا، وقدم عليه الأشعث بن قيس في بضعة عشر راكبا مسلما في وفد، فأكرمه الرسول1.

وأغلب قوت أهلها التمر؛ لأن بها نخلا كثيرا، وقد كشفت الحفريات الآن في هذا القطر عن مدن خربة عليها كتابات بالخط المسند، مما يدل أن لسكانه في القديم شأنا يذكر.

1 ياقوت، وقد اهتم بعض القدامى من المؤلفين بما حظيت به من كثرة الأولياء، ورأوا في تسجيل ذلك عوضا مما فاتها من خصب وسعة، فقال القزويني في عجائب المخلوقات: نقل شيخنا عن تفسير أبي الحسن البكري في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} : يستثنى من ذلك أهل حضرموت؛ لأنهم أهل ضنك. وسدة، وهي تنبت الأولياء كما تنبت البقل وأهلها أهل رياضة.

ص: 275

يتخذ بها نعال جيدة ذات شهرة، وتنسب إليها فيقال: نعل حضرمية، وهي الملسنة من النعال.

تقوم السوق في رابية بحضرموت فتعرف أيضا بسوق الرابية، من منتصف ذي القعدة حتى آخره، وربما قامت هي وعكاظ في يوم واحد، فكان بعض الناس يأخذ إلى عكاظ وبعضهم يتوجه إلى رابية حضرموت، وهذه السوق خاصة بمن حولها، ولكن كثيرا ما يأتيها الناس من بعيد، ولقريش قوافل إلى هذه السوق ترسلها في تجاراتها، وكثير من العرب يجوزها إلى غيرها ولا يحضرها، ونظرا لانقطاعها عما حولها لم يستغن قاصدها عن دليل وخفير. قال المرزوقي:

"أما الرابية فلم يكن يصل إليها أحد إلا بخفارة؛ لأنها لم تكن أرض مملكة، وكان من عزّ فيها بزّ صاحبه، فكانت قريش تتخفر ببني آكل المرار من كندة، وسائر الناس "يتخفرون" بآل مسروق بن وائل الحضرمي، فكانت مكرمة لأهل البيتين، وفضل أحدهما على الآخر كفضل قريش على سائر الناس"1.

فيستفيد هذان الحيان من الخفارة والدلالة معا ربحا ماديا، إذ كان كسبهم من أولئك التجار الذين يمشون بين أيديهم بسلاحهم يحرسون بضائعهم، ويحمون حياتهم، ويدلونهم على الطريق.

1 الأزمنة والأمكنة 2/ 165، والمحبر ص267.

ص: 276