الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سوق حجر:
تقع بلاد اليمامة إلى غربي البحرين وجنوبي العراق، والطريق إليها من العراق وغيره طويلة شاقة. وقصبتها وأم قراها "حَجْر" وذكر اللسان أنها "الحَجْر" بالتعريف، وحكى فيها الكسر أيضا.
ينزل أمراء اليمامة وولاتها في حجر، حيث السوق وحيث تجلب إليها الأشياء، إذ هي مصر اليمامة عامة وفي وسطها، وهي في قاع فيه نخيل وماء وكان به قصور في القديم حين كانت البلدة ذات شأن. وأصلها لبني حنيفة إلا أنها شركة كالبصرة والكوفة، لكل قوم فيها خطة. لكن العدد فيها لبني عبيد من بني حنيفة وكان قد تحصن فيها مسيلمة الكذاب لما تبعته سجاح المتنبئة قبل أن يتزوجها ويقتسما الأرض بينهما. وهي ذات شهرة في العرب، اشتهرت منها زرقاء اليمامة التي ضرب المثل بحدة بصرها، واشتهر أيضا منها عرّافها الذي كان يقصد من بعيد، والذي روي فيه بيت عروة بن حزام:
جعلت لعراف اليمامة حكمه
…
وعراف نجد إن هما شفياني
حجر من الأسواق المتوسطة، يقصدها العرب لما يقصدون إليه بقية الأسواق من بيع وشراء وتناشد. ثم صار لها في الإسلام
ذكر مكرر في أحاديث الأدب والأخبار؛ لأنها دار جرير بن الخطفي الشاعر، وكثيرا ما كان ينزلها أيضا ذو الرمة، وكانت في مأمن من السلطان لبعدها. وبقيت سوقها حتى آخر العصر الأموي، وذكروا أن عمران بن حطان هرب من الحجاج إلى اليمامة فنزل بحجر. كان يجري في هذه السوق قريب مما يجري في عكاظ من المفاخرة.
1-
منافرة:
قال علي بن شفيع: إني لواقف بسوق حجر، إذ أنا برجل عليه مقطعات خز وهو على نجيب مهري، رجل من هيئته وحالته
…
لم أر قط أحسن منه وهو يقول: "من يفاخرني؟ من ينافرني ببني عامر بن صعصعة، فرسانا وشعراء وعددا وفعالا؟ " قلت: "أنا" قال: "بمن؟ " قلت: "ببني ثعلبة بن
…
بن بكر بن وائل" فقال: "أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنافرة؟ " ثم ولى هاربا. فقلت: من هذا؟ فقيل: "عبد العزيز الكلابي".
2-
جرير يبكي الفرزدق:
ولعل أفحل من بها "وبغيرها" من الشعراء في الإسلام جرير، كان إذا انتهى من أحداثه الشعرية في العراق أو الشام وملأ الأجواء بهجائه وفخره، أوى إلى بلده وقومه الذين ينافح عنهم، فأكرموا مثواه وطاروا بأشعاره، وإن مجلس جرير ليعد أحد المشاهد في سوق حجر:
"كان يوما جالسا بفناء داره في حجر، فإذا راكب أقبل فقال له جرير: "من أين وضح الراكب؟ " قال: "من البصرة" فسأله عن الخبر، فأخبره بموت الفرزدق، فقال:
هلك الفرزدق بعدما جدعته1
…
ليت الفرزدق كان عاش قليلا
فقال له المهاجر: "بئس ما قلت، أتهجو ابن عمك بعدما مات؟! لو رثيته كان أحسن بك! ". ففكر قليلا ثم قال: "والله إني لأعلم أن بقائي بعده لقليل، وإن كان نجمي ليوافق نجمه، أفلا أرثيه
…
" فقيل له: "لو كنت بكيته ما نسيتك العرب".
ثم قال جرير من أبيات يرثيه:
1 جدعه: قطع أنفه.
فلا ولدت بعد الفرزدق حامل
…
ولا ذات بعل من نفاس تبلت1
هو الوافد المأمون والواثق الرضى
…
إذا النعل يوما بالعشيرة زلت"
3-
شاعر يطاف به مجلودا:
هجا البعيث بطنا من باهلة يقال لهم: بنو أصخب، فاستعدوا عليه إبراهيم بن عدي عامل الوليد بن عبد الملك، فضربه بالسياط وأمر فطِيف به في سوق حجر. ويراه جرير فيقول:
لئن هجوت "بني صخب" لقد تركوا
…
للأصبحية في جنبيك آثارا
قوم هم القوم لو عاد الزبير بهم
…
لم يسلموه وزادوا الحبل إمرارا2
وهكذا كانت سوق حجر خاتمة المطاف لهذه النقائض الممتعة والحرب السجال الطويلة بين فحلين من أفحل شعراء العرب، استأثر سوق المربد بالبصرة بأكثرها وختمت هنا في حجر.
ففي هذه السوق إذًا، أثارات مما كان يكون في عكاظ من بيع وشراء ومفاخرة ومجالس أدب.
كانت تقوم هذه السوق بين عاشوراء وآخر المحرم.
1 صحّت وعوفيت.
2 تهذيب تاريخ ابن عساكر 5/ 122. الأصبحية: السياط.