الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سوق حباشة:
تقوم هذه السوق بتهامة في ديار بارق نحو "قنونا" على ست ليالٍ من مكة إلى جهة اليمن. فهي المتجر المتوسط المشترك بين الحجاز واليمن. وأصل الحبش: الجمع، والحُباشة: الجماعة من الناس ليسوا من جنس واحد، ولعلها سميت بذلك لكثرة ما يجتمع بها من مختلف القبائل والأجناس للتجارة، وليست من مواسم الحج. وكما سميت سوق تهامة القديمة بهذا الاسم، سميت به سوق أخرى لبني قينقاع تقام في رجب أيضا، كما هي اسم للأزد أيضا. والمشهورة منهما هي الأولى التي بتهامة، وقد تاجر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء في الحديث:
"لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ أشده وليس له كثير مال، استأجرته خديجة إلى سوق حباشة وهي سوق بتهامة واستأجرت معه رجلا آخر من قريش، وكان من قول الرسول وهو يحدث عن هذه التاجرة الكبيرة: "ما رأيت من صاحبة أجير خيرا من خديجة، ما كنا نرجع أنا وصاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبئه لنا" " ا. هـ.
كان لهذه السوق ما لغيرها من المزايا: يكون فيها فداء الأسرى ونشدان الثأر
…
عدا أمور التجارة. ولما قتل الشنفرى الشاعر حرامَ بن جابر قاتل أبيه، أتى رجل أسد بن جابر أخا المقتول فقال:"تركت الشنفرى بسوق حباشة" فرصد له قوم القتيل حتى أسروه وقتلوه.
وليس لحباشة شأن الأسواق العربية الكبرى، فإنها تأتي في الدرجة الثانية في الخطر، وتكاد تكون لما حولها في الغالب، على خلاف الأمر في بقية الأسواق التي هي من مواسم الحج.
بقيت هذه السوق قائمة كل عام حتى سنة سبع وتسعين ومائة، إذ تركت في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي. والسبب في خرابها أن من عادة ولاة مكة أن يستعملوا عليها رجلا يخرج معهم بجند فيقيمون بها ثلاثة أيام متوالية من أول رجب، واستمر الأمر على هذا حتى قتلت الأزد واليا كان عليها من قبيلة غني، بعثه داود بن عيسى بن موسى، فأشار فقهاء مكة على داود بتخريبها فخربها، وتركت منذ ذلك الوقت"1.
1 أخبار مكة للأزرقي ص131.
ذيل: لهذه السوق يد كبرى على العلم ينعم بفضلها كل باحث شرقي أو غربي، =
......................
= لأنها كانت السبب المباشر في تزويدنا بأوسع معجم جغرافي تاريخي، وهو "معجم البلدان" لياقوت رحمة الله، فقد جاء في مقدمة هذا المعجم ما نصه:
"وكان أول البواعث لجمع هذا الكتاب أني سُئلت بمرو الشاهجان في سنة "615هـ" عن حباشة: اسم موضع جاء في الحديث النبوي وهو سوق من أسواق العرب في الجاهلية، فقلت: أرى أنه حباشة بضم الحاء قياسا على أصل هذه اللغة؛ لأن الحباشة الجماعة من الناس من قبائل شتى، وحبشت له حباشة أي: جمعت له شيئا. فانبرى لي رجل من المحدثين وقال: إنما هو حباشة بالفتح، وصمم على ذلك وكابر، وجاهم بالعناد من غير حجة وناظر. فأردت قطع الاحتجاج بالنقل، إذ لا معول في مثل هذا على اشتقاق ولا عقل، فاستقصيت كشفه في كتب غرائب الأحاديث ودواوين اللغات مع سعة الكتب التي كانت بمرو يومئذ وكثرة وجودها في الوقوف وسهولة تناولها، فلم أظفر به إلا بعد انقضاء ذلك الشغب والمراء، ويأس مع وجود بحث وامتراء، فكان موافقا والحمد لله لما قلته، ومكيلا بالصاع الذي كلته. فألقي حينئذ في روعي افتقار العالم لكتاب في هذا الشأن مضبوط، وبالإتقان وتصحيح الألفاظ محوط؛ ليكون في مثل هذه الظلمة هاديا، وإلى ضوء الصواب داعيا، وشرح صدري لنيل هذه المنقبة التي غفل عنها الأولون ولم يهتد الغابرون
…
إلخ ما قال".