المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بيوع الجاهلية: ألف العرب في جاهليتهم أنماطا خاصة من البيع يتخذونها - أسواق العرب في الجاهلية والإسلام

[سعيد الأفغاني]

الفصل: ‌ ‌بيوع الجاهلية: ألف العرب في جاهليتهم أنماطا خاصة من البيع يتخذونها

‌بيوع الجاهلية:

ألف العرب في جاهليتهم أنماطا خاصة من البيع يتخذونها في أسواقهم، وهي في جملتها مما يثير استغرابنا ودهشتنا؛ لأن أكثرها مما يُغبن فيه البائع أو المبتاع. وتصور لنا تلك البيوع ما كان عليه تفكير فريق منهم. ولا بد من التنبيه إلى أنها لم تكن تتخذ في جميع الأسواق، بل منها ما تمتاز به سوق من سوق وجماعة من جماعة، وإليك ما عثرت عليه من بيوعهم:

1-

الرمي بالحصاة "أو إلقاء الحجارة":

ذكروا لهذا البيع صورا كثيرة تجري في سوق دومة الجندل، منها:

1-

أن يقول أحد المتبايعين للآخر: "ارم هذه الحصاة، فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بدرهم"1.

2-

أن يقول البائع: "إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا، فيجعل الرمي بالحصاة نفسه بيعا"2، أو يعترض القطيع من الغنم فيأخذ حصاة ويقول "أي شاة أصابتها فهي لك بكذا".

1 بلوغ الأرب للألوسي.

2 شرح مسلم 6/ 355.

ص: 46

3-

أن يقول: "بعتك من السلع ما تقع عليه حصاتك، أو: "بعتك من الأرض إلى حيث تنتهي حصاتك"1.

4-

أن يقبض المشتري على كف من حصا، ويقول:"لي بعدد ما خرج في القبضة من الشيء المبيع"2.

5-

أن يبيعه سلعة ويقبض على كف من حصا، ويقول:"لي بكل حصاة درهم"2.

6-

أن يقول للمشتري: "بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة، فإذا نبذتها وجب البيع"3.

7-

"أن يجتمع النفر منهم على السلعة يساومون بها صاحبها، فأيهم رضي ألقى حجره.

وربما اتفق في السلعة الرهط فلا يجدون بدا من أن يشتركوا وهم كارهون، وربما "اتفقوا"4 فألقوا الحجارة جميعا "إذا كانوا عددا على أمر بينهم"4 فيوكسون صاحب السلعة إذا تظاهروا عليه".

1 لسان العرب، وتاج العروس.

2 بلوغ الأرب.

3 المصدر السابق وشرح مسلم.

4 الزيادة عن كتاب المحبر لمحمد بن حبيب ص264، وقد طبع سنة 1942 بعد صدور الطبعة الأولى لكتابنا هذا بست سنين. ولا شك أن المرزوقي قد نقل عبارته.

ص: 47

انفرد بهذه الصورة الأخيرة المرزوقي في كتابه "الأزمنة والأمكنة""2/ 162" نقلا عن محمد بن حبيب فيما أظن، وسماها إلقاء الحجارة بدلا من رمي الحصاة، ونص على شيوعها في سوق دومة الجندل.

أقرب هذه الصور إلى الرضى أن يكون رمي الحصاة إيذانا بوجوب البيع وانقطاع الخيار. أما بقية الصور فهي من بيع الغَرَر وهي إلى القمار أقرب وبه أشبه، وقد عد الإسلام هذه البيوع فاسدة كلها لما فيها من الجهالة والضرر بالبائع أو المشتري.

2-

المنابذة:

ولهم في هذا النوع من البيوع ثلاث صور:

1-

أن تقول: "انبذ إلي الثوب أو أنبذه إليك، وقد وجب البيع بكذا وكذا"1 فيكون النبذ إيذانا بالبيع وقطعا للخيار.

2-

أن يرمي الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه، ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه، فيكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراضٍ2.

1 القاموس المحيط: مادة "نبذ".

2 شرح مسلم 6/ 356.

ص: 48

3-

نبذ الحصاة وقد تقدم.

يقال في هذا البيع ما قيل في رمي الحصاة، وقد نهى الإسلام عنه وأبطله.

3-

الملامسة:

وهي على أوجه ثلاثة:

1-

أن يأتي البائع بثوب مطويّ، أو في ظلمة فيلمسه المستام، فيقول له صاحب الثوب:"بعتكه بكذا بشرط أن يقوم المسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته"1 فلا يقلب المشتري الثوب لا ليلا، ولا نهارا.

2-

أن يجعل المتبايعان اللمس نفسه بيعا بغير صيغة، كما تقدم في المنابذة ورمي الحصاة.

3-

أن يجعلا اللمس شرطا في قطع خيار المجلس وغيره.

وقد ألحق الإسلام هذه الصور بسابقتها وأبطلها ونهى عنها؛ فقد جاء في صحيح مسلم: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين: الملامسة والمنابذة"2.

1 المصدر السابق.

2 وانظر أيضا تيسير الوصول 1/ 62، 63.

ص: 49

وذكر الألوسي مع الملامسة الإيماء والهمهمة "وهي الكلام الخفي، وكل كلام معه بحح" وعلل اتخاذهم لهما بخوف الحلف والكذب، وهو طريف في الأقوال غريب.

ثم اطلعنا في كتاب المحبر لمحمد بن حبيب على هذا النص في الكلام على سوق المشقر:

"وكان بيعهم فيها الملامسة والهمهمة. أما الملامسة "فهي" الإيماء: يومئ بعضهم إلى بعض فيتبايعون ولا يتكلمون حتى يتراضوا إيماء، وأما الهمهمة فكيلا يحلف أحدهم على كذب إن زعم المشتري أنه قد بدا له1.

4-

المعاومة أو بيع السنين:

وهو أن يبيع ثمر الشجرة عامين أو ثلاثة أو أكثر. وقد أبطله الإسلام؛ لأنه من الغرر فهو بيع معدوم ومجهول، وغير مقدور على تسليمه وغير مملوك2.

5-

المزابنة:

هي بيع الرطب في رءوس النخل بالتمر كيلا. وكذا كل

1 المحبر ص265 "طبعة حيدر آباد 1361هـ/ 1942".

2 شرح مسلم 6/ 368.

ص: 50

ثمر بيع على شجر بثمر كيلا، وقد روى صاحب القاموس:"إنه كل جزاف لا يعلم كيله ولا عدده ولا وزنه، بيع بمسمى من مكيل وموزون ومعدود، أو بيع معلوم بمجهول من جنسه، أو بيع مجهول بمجهول من جنسه، أو هي بيع المغابنة في الجنس الذي لا يجوز فيه الغبن" ا. هـ. والمزابنة: المدافعة، وسمي هذا البيع مزابنة؛ لأن أحد المتبايعين إذا ندم زبن صاحبه عما عقد عليه. وسبيله في نهي الإسلام عنه سبيل ما تقدمه؛ لما فيه من الغرر1.

6-

المحاقلة:

هي في الزرع على نحو المزابنة في التمر؛ فيباع الزرع القائم بالحب كيلا. وقد نهى الرسول عن المحاقلة كما نهى عن المزابنة1.

7-

المخابرة:

وهي -وإن كانت بالزراعة ألصق؛ لأنها معاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع كالثلث ونحوه من الأجزاء المعلومة- تتعلق بموضوعنا؛ لأن أحد أعلام العربية فسّرها تفسيرا يجعلها بهذا الباب أشبه. جاء في شرح مسلم للنووي: قيل: إن المخابرة مشتقة من الخُبْرة وهي النصيب، وقال أبو عبيدة: هي النصيب من سمك أو لحم

1 وانظر تيسير الوصول 1/ 58.

ص: 51

يقال: تخبروا خبرة، إذا اشتروا شاة فذبحوها وتقاسموا لحمها. وقال ابن الأعرابي: هي مأخوذة من "خيبر"؛ لأن أول هذه المعاملة كان فيها ا. هـ.

والذي يظهر أن ابن الأعرابي يشير إلى المزارعة لا إلى الاشتراك بالشاة الذي فسر المخابرة به أبو عبيدة؛ لأن لأهل خيبر أرضين وعلما بالزراعة.

8-

حبل الحبلة:

كان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية: كان الرجل منهم يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، وأحيانا إلى أن تنتج التي في بطنها فإذا نتجت حملها. فالحبل الأول يراد به ما في بطن النوق من الحمل، والثاني حبل الذي في بطون النوق.

فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا البيع. "وإنما نهى عنه لمعنيين:

"أحدهما": أنه غرور وبيع شيء لم يخلق بعد، وهو أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة على تقدير أن تكون أنثى، فهو بيع نتاج النتاج.

"والثاني": أن يبيعه إلى أجل ينتج فيه الحمل الذي في بطن الناقة، وهو أجل مجهول ولا يصح"1 والحَبَلة بالتحريك: جمع حابل.

1 انظر شرح مسلم 6/ 359، والنهاية لابن الأثير: مادة "حبل".

ص: 52

9-

التصرية:

كان من عادة بعض العرب إذا أراد بيع شاة، أو ناقة امتنع من حلبها أياما فيحتفل اللبن في ضرعها فيعظم. فإذا كان ذلك منها عرضها للبيع، فيظن المشتري أن كثرة لبنها واحتفال ضرعها عادة مستمرة لها، فلا يلبث أن يتبين خطأه بعد شرائها. والتصرية: الجمع، يقال: صرّى الماء في الحوض، إذا جمعه. جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تصرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردّها وصاعا من تمر"1.

10-

السرار:

لم أجد هذا الضرب من البيع في جميع المصادر التي بيدي، لم يذكره أحد غير محمد بن حبيب بقوله:"وكان بيعهم بها "أي: بعكاظ" السرار، فإذا وجب البيع وعند التاجر ألف رجل ممن يريد الشراء ولا يريده، فله الشركة في الربح"2.

وقد رجعت في هذه الكلمة إلى المعاجم التي في يدي، وهي:

1 شرح مسلم 6/ 360، البخاري "ليدن" 34، كتاب البيوع، رقم 27.

2 انظر كتاب المحبر ص267. وقد عزوناه في الطبعة الأولى إلى المرزوقي ولم يكن طبع كتاب المحبر، فلما طبع تبين أن المرزوقي نقل عبارته ولم يعزها.

ص: 53

الصحاح، تاج العروس "شرح القاموس"، لسان العرب، المجمل لابن فارس "نسخة مخطوطة كاملة في المكتبة الظاهرية"، الجمهرة لابن دريد، الفائق، أساس البلاغة، النهاية لابن الاثير، المصباح، فلم أجد أحدا تعرض لهذا الضرب من البيوع. ثم تحريت في شروح الحديث وكتب الفقه مظنة أن أجد فيها تعرضا له في صدد كلامهم عن البيوع الفاسدة أو المنهي عنها فلم أظفر. إلا ما وجدت في كتاب "المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي، وعنه نقل صاحب محيط المحيط1.

قال المطرزي:

"وفي المنتقى: بيع السرار أن تقول: "أخرج يدي ويدك، فإن أخرجت خاتمي قبلك فهو بيع بكذا، وإن أخرجت خاتمك قبلي فبكذا، فإن أخرجا معا أو لم يخرجا جميعا عادا في الإخراج! "2.

1 لم أطلع في الطبعة الأولى إلا على محيط المحيط، والفضل في تنبيهي إلى كتاب المطرزي للأب "بويج" من بيروت، فقد تفضل وكتب لي به.

2 أرسل إلي الأستاذ كرنكو المستشرق المعروف عقب صدور الطبعة الأولى، يقول:"ولأرجع إلى بيع السرار في عكاظ، وأظن أن أمر البيع والشراء كان سرا لاجتماع القبائل التي بينهم عداوات ودماء في هذه السوق. وعلى هذا تدل قصة طريف العنبري التي ذكرتموها وقد كانوا يتلثمون عند حضور السوق مخافة أن يراهم عدوهم، وهذا رأيي والله أعلم" ا. هـ وما زال النص على صورة هذا النوع من البيع يعوزنا، أما التلثم الذي ألمع إليه المستشرق الفقيد، فلا علاقة له بنوع هذا البيع.

ص: 54

11-

الناجز:

وهو البيع العام المعروف لجميع الناس بادين وحاضرين، وذلك إذا كانت المبادلة يدا بيد وقالوا: بيع السوق ناجزا بناجز أي: حاضرا بحاضر.

12-

الجس:

نص عليه محمد بن حبيب في كتابه المحبر "ص266" فقال في الكلام على سوق صنعاء: "وكان بيعهم بها الجس، جس الأيدي" ولعله نوع من بيع الملامسة المتقدم.

جرى العرب في جاهليتهم على ما علمت من أنواع البيع التي تعرض أحد المتبايعين للغبن والضرر بلا مسوغ، فلما أكرمهم الله بالإسلام رفع عنهم ضيم الجاهلية ونهاهم عن بيع الغرر بجيمع صوره وأشكاله؛ ليكون لكل من المتبايعين محض الاختيار، فلا يتم بيع إلا إذا كان واضحا معلوما للمتبايعين، وبالرضى الكامل. ولقد تتبع الإسلام معاملات الجاهليين فأبطل كل ما فيه غش وضرر كما في بيع حبل الحبلة وفي التصرية، وشرع لهم في التجارة والبيوع ما ضمن خير الناس جميعا بائعهم ومشتريهم، ورفع عنهم الحيف الذي كان يحيق بهم مما اعتادوه في جاهليتهم.

ص: 55

لم يقتصر الجاهليون في تجارتهم على ما قدمنا من بيوع فاسدة وعادات ضارة، فلهم إلى ذلك مساوئ لا تقل قبحا عما تقدمها؛ فمنها النجش، وهو أن تواطئ رجلا إذا أراد بيعا أن تمدحه، أو أن يريد الإنسان أن يبيع بياعة فتساومه بها بثمن كثير لينظر إليك ناظر فيقع فيها، وكذلك في الأشياء كلها1.

ومن عاداتهم المكس، وهي دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في أسواق الجاهلية، ويقال للعشّار أيضا صاحب المكس.

والمكس لغة: النقص، والمماكسة في البيع: انتقاص الثمن وانحطاطه2.

ولعل ذلك يكون بعد الاتفاق على ثمن معين، قال الشاعر:

أفي كل أسواق العراق إتاوة

وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم

وظاهر أن المقصود بالمكس أشبه بالضرائب التي تجبيها حكومات اليوم على البضائع.

وقد امتد تحكم تجار العرب إلى القوت الضروري، فكانوا يحتكرونه على الفقراء فيتلقون الركبان ويشترون منهم الطعام، وربما باعوه في مكانه قبل أن يبلغ السوق وقبل أن ينقلوه. ومنهم من كان يشتري ويبيع لحساب أهل البادية، فيلحق بهؤلاء الضرر البالغ لجهلهم أمور التجارة، ولأنهم في كل حال مغلوبون على أمرهم، بعيدون عما

1، 2 المخصص والقاموس.

ص: 56

يباع ويشترى لهم، ولعلهم إن حضروا البيع رفعوا عن أنفسهم بعض الحيف. فلما كان الإسلام نهى عن جميع هذه المفاسد جملة، فقد جاء في صحيح البخاري1: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:

"لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لبادٍ 2 ، ولا تصروا الغنم. ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر". وقد فسر ابن عباس قوله: "لا يبع حاضر لباد" بقوله: لا يكن له سمسارا.

وفي صحيح مسلم عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه، ويقبضه" قال ابن عمر: "وكنا نشتري الطعام من الركبان جزافا "أي: بلا كيل ولا وزن ولا تقدير" فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه".

ثم شرع لهم السهولة في المعاملة، والتبيين في البيع كما في حديث:

"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بُورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما".

وهناك مبيعات خاصة لأهل الجاهلية حرّمها الإسلام وحرّم

1 طبع ليدن 34، كتاب البيوع 27.

2 للحديث زيادة من رواية جابر: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".

ص: 57

ثمنها، أهمها الخمر، فسيأتي أن الخمر من أهم ما كان يتجر به العرب، وقد اشتهرت مدن معينة في الجاهلية بخمرها الطيب اللذيذ، ولا مندوحة عن ذكر غزة وأذرعات وأندرين وهجر والحيرة، وغيرها من البلدان التي تحمل خمرها قوافل العرب التجارية، وقد قال الشاعر:

إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة

معتقة مما يجيء به التجر1

وهى مورد تجاري عظيم لم يكن يستغني عنه العرب، فلما حرم الله على المسلمين الخمرة حرم أيضا ثمنها حسما للداء، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها كما نهى عن ثمن بقية المحرمات، ففي صحيح البخاري:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن".

و"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"2، وعن عائشة قالت:"لما نزلت آخر البقرة قرأهن النبي في المسجد، ثم حرّم التجارة في الخمر".

لكن التجارة الممقوتة جدا، التي يصم عارها بعض أهل الجاهلية هي البغاء؛ كانوا يؤجرون إماءهم للرجال ويأخذون هم ما يكتسب لهم جواريهم من هذا الكسب المرذول. واستمرت هذه العادة حتى

1 التجار.

2 كتاب البيوع "43" طبعة ليدن.

ص: 58

جاء الإسلام وكانت الهجرة. ذكر المفسرون أن لعبد الله بن أبي بن سلول جاريتين يقال لهما: مسيكة ومعاذة، وكان يُكرههما على الزنى لضريبة يأخذها منهما "وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية"، فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة:"إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين: فإن يك خيرا فقد استكثرنا منه، وإن يك شرا فقد آن لنا أن ندعه" لكن عبد الله هذا قال لهما: "ارجعا فازنيا" فقالتا: "والله لا نفعل، قد جاء الإسلام وحرم الزنى". فأتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكتا إليه أمرهما، فأنزل الله هذه الآية:

{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.

1 سورة النور 24: الآية 33.

ص: 59