الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث فى فِعلِه فى أعضَاءِ الرَّأسِ
إنّ هذا الدواء، شديدُ النفع فى الماليخوليا (1) والصَّرَع والرعشة وجميع أمراض العصب الباردة. وأما قوة نفعه من الماليخوليا فلأنه مع تلطيفه الروح بحرراته، فإنه يلطِّفها ويصفِّيها، باستفراغه الأخلاط الغليظة منها، وهى السوداوية والبلغمية.
فلذلك، هذا الدواء يُصلح الفِكْر جداً، ويقوِّى الذهن؛ لأنه يلطِّفُ (2) الروح (3) النفسانى والحيوانى معاً، تلطيفاً كثيراً. ولذلك، هو يفرِّح، ويسرُّ النفس. ولكنه، لزيادة تسخينه للروح الحيوانى، يحدُّ مزاجه فى المحرورين فلذلك يكون فيهم، مُحدثاً لسرعة الغضب، لأنه يجعل أرواح هؤلاء، بحدَّتها ومرضها شديدة الاستعداد للحركة إلى خارجٍ دفعةٌ، وذلك ما يُعِدُّ لكثرة الغضب. كما بيَّنَّاه فى كتابنا السالف (4) .
(1) الماليخوليا - المالينخوليا - أحد الأمراض النفسية التى عرفها، وعالجها، الأطباءُ المسلمون القدامى. والماليخوليا بحسب تعريف العلاء: تشوُّش فى الفكر والظنون إلى الفساد والخوف ويبتدىء بسرعة غضبٍ وحُبِّ الخلوة وخوف ما لا يُخاف منه عادةً، فإذا استحكم، قويت هذه الأعراض.. وعروضه للرجال أكثر، وللنساء أفحش (الموجز فى الطب ص139)
(2)
:. ملطف.
(3)
ن: للروح.
(4)
الإشارة هنا إلى الكتاب الأخير من الجزء الأول من الفن الثالث من الشامل. وهو جزءٌ لم يزل مفقوداً.
وأما قوة نَفْع هذا الدواء من الصَّرَع فلأنه يزيل المادة التى منها تتولَّد (1) الرياح المصرعة، ويحلِّل (2) تلك الرياح. وإمالته (3) لمادة هذه الدُّخَّانية، بما فيه من الاستفراغ، وبم (4) هو مجفِّفٌ، فيجفِّفُ الرطوبات الفضلية التى فى الدماغ، فلا يبقى منها ما تتولَّ (5) منه الرياح.
وخاصَّة (6) هذا الدواء، تنقيةٌ الدماغ. وقد يُسعط (7) بوزن درهم منه معجوناً بسعلٍ، فينقِّى الدماغ تنقيةً بالغة. وشرابه نافعٌ من تَزَعْزُعِ الدماغ
لأجل سقطةٍ أو ضربةٍ أو نحوهما، وذلك إذا استعمل هذا الدواء بالعسل.
وأما قوة نفعه من أمراض العصب، فلأنه يسخِّن الأعصاب بحرارته، ويزيل بَلَّتها المرخية لها بتجفيفه، ويقوِّى جِرْمها بما فيه من القبض. وشرابُه يفعل هذه الأفعال كلها، وهو أنفع فى أمراض العصب من جِرْم هذا الدواء، لأن جِرْمه يقلُّ نفوذه إلى الأعصاب، بخلاف شرابه، فإنه - لسيلانه - يسهل نفوذه إلى جميع العصب.
وأما أمراض الدماغ نفسه، فجِرْمُ هذا الدواء أوفق فيها، لأنه يبقى فى المعدة كثيراً، فيكثر ما يتَبخَّر منه إلى (الرأس بجلاء، وشرابه - بسيلانه (8) - ينحدر من
(1) :. يتولد.
(2)
:. وتحلل.
(3)
:. وانالته.
(4)
:. وربما.
(5)
:. يتولد.
(6)
هـ: خاصية. والمقصود بقوله خاصة الإشارة إلى أهم أفعال هذا الدواء.
(7)
السعوط والنشوق والنشوغ، تناول الدواء بالأنف. والصعود، اسم الدواء الذى يُصَبُّ فى الأنف (لسان العرب 149/2) .
(8)
هـ: فإنه بسيلانه.
المعدة سريعاً، فيِقلُّ ما ينفذ منه إلى (1) الدماغ. وهو مع ذلك، فإنه يسخِّن الأعضاء الأُخر كثيراً، لأنه ينفذ إليها؛ ولا كذلك جِرْم هذا الدواء، فإنه يكثر فعله فى الدماغ، ويقل فى غيره من الأعضاء؛ خلا المعدة، فإنه - أيضاً - يفعل فيها بقوة، وذلك لأجل كثرة بقائه (2) فيها. فلذلك، إذا احتيج إلى الأُسْطُوخودُس لأجل أمراض الدماغ نفسه، فينبغى أن يستعمل شرابه.
ولستُ أستبعدُ أن يكون الأُسْطُوخودُس مقوياً للبصر، ولغيره من الحواس وذلك لأجل تصفيته للروح، وتلطيفه لها.
(1) ما بين القوسين ساقط من ن.
(2)
:. بقاه.