الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقالة السابعة والعشرون فىِ أَحْكَامِ الإِسْرِنْجِ
وكلامُنا فيه، نجمعه فى فصلٍ واحد.
الإِسْرِنْج (1) هو السيلقون (2) بلغة (3) المشارقة، والزرقون (4) بلغة (5) المغاربة (6) ، ويُتَّخذ من الأُسْرُبِّ وهو الرصاص الردئ، وذلك بأن يُحرق ويُستعان على سرعة ذلك (7) ، بأن يخلط معه بعض الأملاح. ويُبالغ فى إحراقه حتى يصير لونه لون الزرنيخ (8) الأحمر وأشدُّ حمرةً، ويُزاد على ذلك حتى يَبِضَّ (9) .
(1) :. الأسبرنج.. وكلمة إسرنج فارسية الأصل، ذكرها أدى شير فى معجمه، فقال: الإسرنج ما شُدِّد عليه الحريق من الآنكى، معرَّب سرنج، وهو صبغٌ أحمر مصنوع من حريق الآنك، وهو مركب من (سرخ) أى: أحمر، ومن: آنك (معجم الألفاظ الفارسية ص 10) .
(2)
ن: السلقوت، هـ: السلقون.. وهو عند داود الأنطاكى بالصاد: صيلقون! (تذكرة أولى الألباب 44/1) .
(3)
ن: يلقاه.
(4)
هـ: المرزقون، ن: المرزمون.
(5)
ن: يلقاه.
(6)
ن: المعاربة.
(7)
-:.
(8)
هـ: الزرنيح.
(9)
غير واضحة فى المخطوطتين، وكذلك في المرات التالية التى ستتكرر فيها الكلمة، أو ترد مشتقاتها والظاهر أن الناسخين لم يدركا المراد منها.. وهي بالفعل كلمةٌ بعيدة الدلالة عن الأذهان؟ وبالرجوع إلى ابن منظور، وجدنا: بضَّ الشىءُ، سَالَ. وبضَّ الحسى وهو يبضُّ بضيضاً، إذا جعل ماؤه يخرج قليلاً. وبضَّت العين: دمعت. وبضَّ الحجر ونحوه، يبضُّ: نشع منه الماء، شبه العرق (لسان العرب 222/1) والمعنى المراد فى النص المحقّق، هو الأخير.. إذ أن الأسرب أو الرصاصَ، إذا أُسخن؛ نَزَّ ماؤه.. وبضَّ
وإنما كان كذلك؛ لأن الأَسْرُبَّ جوهرُه يشمل رطوبة مائية كثيرة جامدة. وكل جسم ذى رطوبة، فإنه إذا فعلت فيه الحرارة النارية؛ فإنها أولاً تُحدث فيه سواداً، وذلك بما يحدث فيه من الدُّخَّانية، ثم إذا أفرط فيه تبضُّه (1) وذلك بأن تحيله (2) ماءً (3) . تأمَّل (4) هذا فى الحطب، كيف ينفحم أولاً، وذلك إذا كان عَمَل الحرارة فيه قاصداً (5) ، وحيئنذٍ يسوَّدُ، ثم يترمَّد أخيراً، وإذا (6) أُفرطت الحرارة فيها فحينئذٍ (7) ينبضُّ.
والحرارة المسوِّدة، إذا قصُرت عن إحداث السواد، أحدثت الحمرة؛ لأن الحمرة طريقٌ من البياض إلى السواد. فكذلك إذا أُحرق الأسربُ إحراقاً بقدرٍ صار منه السيلقون (8) ويتسمى باليونانية: سندوقيس. فلو أُزيد فى إحراقه قليلاً صار لونه إلى السواد، ولو بولغ فى إحراقه، ترمَّد وصار لوُنهُ أبيضَ.
وقد جرت العادة باتخاذ هذا السيلقون من الأَسْرُبِّ وإن كان يجوز أن يتخذ من الأتك. وإنما فعل ذلك، لأن بلوغَ الأسْرُبِّ إلى السيلقون أسهل من بلوغ الأتك وأسرع، وذلك لأن الأتك أزيد مائيةً، فإنما يبلغ به الاحتراق إلى هذا الحد إذا كان فعل الحرارة فيه، أزيد من فعلها فى الأسربِّ؛ لأن الأسربَّ أَزْيد أرضيةً
(1) هـ: تعصته.
(2)
ن: تخليه.
(3)
هـ: وماذان ن: مادا.
(4)
:. باسل؟
(5)
ن: قاصر.
(6)
:. وذلك إذا.
(7)
:. وحينئذ.
(8)
:.السلقون.
من الأتك لأنه لو لم يكن كذلك لكان يكون بياضه (1) قوياً كما فى الأتك لأن الموجب لزرقة الأسربِّ إنما هو الجزء (2) الأرضى الذى فيه، إذ لولا هذه الأرضية لكان يكون شديد البياض؛ لأجل ما فيه من المائية الجامدة؛ وذلك لأن الرصاص إنما يتم لونه، بالبرد المجمِّد للمائية، والبرد يفعل فى الرطوبة بياضاً، وفى اليبوسة سواداً. فكذلك البرد العارض ببعض مائيته، ولسواد أرضيته؛ فيكون فيه من السواد، بقدر الأرضية؛ ومن البياض، بقدر المائية.
ولما كان البياض فى الأتك أشدَّ منه فى الأسربِّ فلابد وأن تكون (3) المائية فى الأتك أزيد منها فى الأسربِّ. والأرضية فى الأسربِّ (4) أكثر منها فى الأتك. وكل جسم كثير المائية، فإن إحراقه إلى حدٍّ ما، يكون بحرارة أشد من الحرارة المحرقة للجسم الناقص المائية احتراقاً إلى ذلك الحد، فلذلك كان جعل الأتك سيلقونا (5) ، يُحتاج فيه إلى إحراقٍ أزيد، وإنما يكون ذلك بحرارة أشد وذلك - لامحالة - عَسِرٌ؛ فلذلك اقتُصِرَ على عمل السيلقون (6) من الأسربِّ وقد يُعمل من الأتك بل قد (7) يُعمل من الإِسْفِيدَاجِ. وذلك بأن يُحرق الإِسْفِيدَاجَ إلى حدٍّ تحدث (8) فيه الحمرة، وذلك بأن يُسحق الإِسْفِيدَاجَ ويُجعل فى قِدْرِ خزفٍ، ويوضع على الجمر، ولا يزال يُحرَّك إلى أن يصير لونه كلون الزرنيخ
(1) ن: نبياضه.
(2)
هـ: الحرة، ن: الحره.
(3)
:. يكون.
(4)
هـ.
(5)
هـ: سلقوماً، ن: سلقونا ما.
(6)
:. السلقون.
(7)
:. حد.
(8)
:. يحدث.
الأحمر كما ذكرنا (1) ، وذلك إنما يتم بحرارة أزيد من الحرارة التى يصير بها الإِسْفِيدَاج إسفيداجاً؛ وذلك لأن ذلك المقلو (2) لم تقرّ فيه الحرارة إلى حد التَّحمير بل (3) إلى حدٍّ غيرَّت بياضه الشديد (4) تغييراً (5) ما، حتى صار يكون كالرماد (6) وذلك - لامحالة - ميلٌ إلى السواد.
فكذلك الإِسْفِيدَاج المقلو، أقل إحراقا (7) من السيلقون فلذلك يكون أقل تجفيفاً منه. لكنه قد يكون ألطف منه؛ وذلك لما استفاده الإِسْفِيدَاج من قوة الخلِّ. فلذلك: السيلقون المتُّخذ من الإِسْفِيدَاجِ لابد وأن يكون ألطف من المتَّخذ من الرصاص نفسه؛ لأن المتَّخذ من الإِسْفِيدَاجِ يكون قد تلطَّف أولاً بقوة الخلِّ بخلاف المتخذِ من الرصاصِ.
وإذا كان السلقون مُحْرَقَاً من الرصاصِ فهو - لامحالة - شديدُ التجفيف قليل البرد جداً، بل قد يمكن (8) أن يقال إنه كالمعتدل (9) ، أو المائل إلى حرارة يسيرة. وأما لو غُسِلَ، لعاد برده و (فقد)(10) ما أفاده الاحتراق من الحِدَّة (11) .
(1) ن: دكرناه.
(2)
هـ: المعلو.
(3)
هـ: التجربل، ن: التجريل؟
(4)
:. الشديده.
(5)
ن: تغيراً.
(6)
غير واضحة فى المخطوطتين.
(7)
ن: احراقاً.
(8)
:. يكون.
(9)
هـ: كالمعتد.
(10)
:. وذلك.
(11)
:. من اتحده.
فإذا كان كذلك، فأفعاله مشابهة لأفعال الإِسْفِيدَاج المقلو، فكذلك هو يجفِّف القروح وينقِّيها، ويأكل اللحم الفاسد وينبت لحماً صحيحاً، ونحو ذلك ما ذكرناه فى الإِسْفِيدَاجِ المقلو. وكذلك، هو نافعٌ من قروح الأمعاء، إذا حُقِنَ به فى ماء لسان الحمل (1) مع يسيرٍ من شحم الماعز. وذلك إذا طبخ بالزيت حتى يصير مرهماً، نفع جداً للقروح الوسخة، ونقَّاها من الوضر، وأنبت (2) اللحم فيها وفى الجراحات. وهو أيضاً من السموم إذا استعمل من داخل، ويفعل قريباً من فعل الإِسْفِيدَاجِ من برد البدن وثقله (3) ، وجفاف اللسان ونحو ذلك (4) .
(1) هـ: الجمل.
(2)
:. وانبتا.
(3)
هـ: ونقله.
(4)
لم يوضِّح العلاءُ، لماذا أفرد مقالةً للإسرنج.. وكان يمكن أن يضع كلامه فى ذلك، بآخر مقالته فى الإسيفداج باعتبار كلاهما - الإسرنج والإسفيداج - يتَّخذ من الرصاص؛ غير أنه سار على نهج بعض سابقيه ومعاصريه (ومنهم ابن البطار، الذى لم يُذكر عنده البتة؟) الذين أفردوا للإسفرنج كلاماً مستقلاً.. ولم يتابع الشيخ الرئيس، الذى أدخل الإسرنج ضمن كلامه عن الإسفيداج (انظر: القانون فى الطب 258/1)