الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول فى مَاهِيَّةِ الأَفيُونِ
إنَّ الأفيون (1) دواءٌ مصرى يتَّخذ بأرض مصر، خاصةً بالصعيد (2) منها خاصةً فى مدينة تعرف (3) بسيوط (4) . واتخاذه هو من الخشخاش الأسود وذلك على وجهين.
أحدهما: أن تجمع رؤوس ذلك الخشخاش وأوراقه، ويعتصران باللبوب المعمول (5) لعصر ما يحتاج إلى عصره بقوة، ثم تؤخذ تلك العصارات وتُسحق على صلاية، سحقاً محكماً ثم تقرَّص وتجفَّف (6) فى الشمس، وما يتَّخذ على هذا الوجه، فإنه يُخَصَّ باسم منفونيون (7) .
(1) ذكر ابن البيطار ذلك، نقلاً عن التميمى، قال: أفيون هو لين الخشخاش الأسود، ليس يُعرف على الحقيقة في بلدان المشرق ولا فى بلدان المغرب أيضاً، إلا بديار مصر، وخاصة بالصعيد بموضع يُعرف بأسيوط (الجامع 45/1) وعارضه داود الأنطاكى، بقوله: أليون يونانى، معناه: المسبت. وهو عصارة الخشخاش. وبالبربرية: الترياق، والسريانيى: شقيقل، أى: المميت للأعضاء.. وأجوده الصعيدى، ثم الرومى. وله وجود بغالب المغرب والشمال، خلافاً لمن أنكره (التذكرة 52/1) .
(2)
ن.
(3)
- ن.
(4)
يقصد: أسيوط. وكانت تُعرف أيضا باسم سيوط ومهنه جاء لقب: السيوطى.
(5)
ن: المغمول.
(6)
:. يقرص ويجفف.
(7)
فى المخطوطتين: سفرنيون.. وضبطناها اعتماداً على ابن البيطار (الجامع 45/1) .
وثانيهما: أن يُشرط (1) رأس ذلك الخشخاش بسكين ونحوها، شرطاً لا يبلغ إلى حدِّ يخرق جِرْمَهَا. ثم يشرط من جانب هذا الرأس شرطاً آخر طولانياً مستقيماً، مبتدئاً من الشَّقِّ (2) الأول، وذاهباً على الاستقامة فى طول رأس الخشخاشة. ثم يؤخذ ما يخرج - حينئذ - من الصمغ، ويُجعل فى صدفه ويُعاود ذلك مراراً، كلما حصل فى ذلك الشَّقِّ شئٌ من ذلك الصمغ أُخذ، وقد يُستمر ذلك إلى اليوم الثانى. وإذا جمع هذا الصمغ جميعه، بولغ فى سحقه على صلاية، ثم يقرَّص ويرفع. والمعمول على هذا الوجه أقوى قوَّةً، وأجود، من المعمول على الوجه الأول.
والمشهور عند المتأخرِّين، أنَّ المعمول على الوجه الثانى هو لبن ذلك الخشخاش (3) ، أعنى الأسود، وليس ذلك بحق؛ فإن هذا الأفيون دهنىٌّ، ولذلك يشتعل إذا قُرِّب من النار (أو)(4) لهب السراج ونحوه، واللبن ليس كذلك. ومن تأمَّله عَلِمَ أن جوهره جوهر الصموغ لا جوهر الألبان، ولذلك كان هذا الدواء يُغَش بصموغ أُخر، ولولا مشابهته لما أمكن ذلك.
ولما كان هذا الدواء صمغاً، ففيه - لامحالة - دهنيةٌ، ودسومةٌ، وهوائيةٌ وحرارةٌ، وأرضيةٌ، ومائيةٌ. وذلك لأنَّا بيَّنَّا أن جواهر الأدهان جميعها، تُحقَّق بأرضيةٍ لطيفة، تخالطها هوائيةٌ، وحرارةٌ، ومائيةٌ يسيرة. وبيَّنَّا أن جواهر الصموغ كلها مركَّبة مما قلناه، ومن جملة ذلك: هذا الدواء، وهو الأفيون.
(1) ن: يشرطه.
(2)
مطموسة فى هـ.
(3)
يشير العلاء هنا، بشكل غير مباشر، إلى ابن البيطار.. فلا يذكر اسمه، وإنما يجعله: بعض المتأخرين! ولا ندرى السبب فى إصرار العلاء على (تجهيل) معاصريه.
(4)
-:.
ولكن أرضية هذا الأفيون بعضها لطيفةٌ جداً، حارَّةٌ، شديدةُ المرارة وهى التى بها تحدث الدُّهنية وبها يكون هذا الدواء مُراًّ. وبعضها - وهو أكثرها - شديدة (1) البرد جداً، جامدة بقوة البرد. وقد علمْتَ أن جميع الأجسام اليابسة فإن البرد الشديد يُحدث فيها سواداً (2) ؛ فلذلك هذه الأرضية لونها أسود بسبب قوة البرد. وأما الأرضية الأخرى المرة المحترقة؛ فإنها أرضية تخالطها مائية يسيرة لأنها هى الأرضية التى بها هذا الدواء يكون دهنياً؛ فلذلك يكون حال هذه الأرضية عند فعل الحرارة فيها، كحال الحطب الرطب؛ فلذلك تكون الحرارة المحرقة لها مُسَوِّدة لها، كما يحدث الفحمُ عن الحطب الرطب، إذا فعلت فيه النار فعلاً ليس بالشديد جداً، وكذلك الحرارة المحرقة لهذه الأرضية. ومن سواد هاتين الأرضيتين، يكون هذا الدواء أسود اللون؛ ولأجل ما فيه من الهوائية يكون هذا السواد ليس بمفرط؛ وذلك لأن الهوائية إذا دخلت الأجسام بيَّضتها؛ فلذلك فإن الصبر مع سواده إذا سحق ابيَضَّ، وذلك لأجل مخالطة الهوائية له. وبهذه الهوائية يكون جوهر الأفيونِ خفيفاً، مع أن الأرضية فيه كثيرة.
وإذا جُعل هذا الأفيونُ على النار، وذلك بأن يُقلى على صحيفة ونحوها قلَّ سواده، وصار لونه أحمر. وما ذاك إلا لأن سواد الأرضية الجامدة، يبطل (3) حينئذ ويبقى السواد، إذ إنما هو للأرضية الأخرى، وهى المرة.
وقد علمت أن البرد من شأنه إخماد الروائح، وضعف الآثار، وأن الحرارة من شأنها خلاف ذلك؛ فلذلك الأرضيةُ الحارّةُ التى فى هذا الدواء، تظهر
(1) هكذا فى المخطوطتين، والأصوب: شديد.
(2)
ن: سواد.
(3)
:. تبطل.
للحاسة (1) فيظهر (2) طعمها، بخلاف الباردة الجامدة؛ فإنها وإن كانت أكثر مقداراً؛ فإنها تِفهة الطعم، ولا رائحة لها؛ وذلك لأجل البرد. فلذلك، يكون هذا الأفيون - مع برده الشديد - مُرُّ الطعم، حادُّ الرائحة.
وأما سواده، فلأجل سواد الأرضيتين اللتين سواد إحداهما لإفراط البرد وسواد الأخرى لقلة الحرِّ. وقلة سواده لأجل الهوائية، ولأجلها هو خفيفٌ. ولأجل ما فيه من المائية اليسيرة، هو متماسكٌ. ولأجل قلَّة (3) هذه المائية جداً هو يشتعل بدهنيته. ولأجل أن جمود أرضيته الباردة هو بإفراط البرد، صار الأفيونُ يذوب إذا جُعل فى الشمس الحارة. ولأجل أن أرضيته كثيرةٌ، هو ينداف (4) فى الماء؛ لأن أرضيته تتصغر أجزاؤها، وتخالط الماء.
وإنما يذوب الأفيونُ بالشمس، ولا يذوب عند القلى؛ لأن الحرارة النارية الغالبة، شديدةُ اليبوسة، فهى تعقد ما تغلب فيه الأرضية، لا تُذيبه. وأفضل الأفيونِ ما كان رزيناً، حادَّ الرائحة، هشَّاً، سهلَ الانحلال فى الماء، وفى الشمس يشتعل بسهولة، وشعلته غير مظلمة.
(1) :. للحساسه.
(2)
ن: فيطهر.
(3)
مكررة فى هـ.
(4)
هـ: يهنذاف، ن: بندا فى!