الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس فى فِعلِ الأَفسَنتِينِ فى أَعضَاءِ النَّفضِ
قد بيَّنَّا أولاً أن هذا الدواء مُسهلٌ، وأنه يُسهل بما فيه من الجلاء. وبيَّنَّا أنَّ جلاءه ليس بشديدٍ جداً؛ فلذلك إنما يُسهِّل ما يَسْهُل إخراجه بالجلاء، وإنما يكون ذلك إذا كان المخرج رقيق القوام، سهل الانفعال، وذلك كالصفراء والفضول المائية؛ فلذلك كان هذا الدواء يسهل المائية والصفراء، وإسهاله للصفراء ليس بقوىٍّ (1) جداً؛ فلذلك إنما يسهلها إذا كانت فى المعدة ونواحيها ولا يسهلها إذا كانت بعيدة، خاصةً إذا كانت عند الجلد أو فى المفاصل.
وأما البلغم فإنه لغلظه ولزوجته، ليس يسهل إخراجه بالجلاء، ما لم يكن ذلك الجلاء قوياً جداً.وهذا الدواء ليس كذلك؛ لأن هذا الدواء فيه أرضيةٌ باردة وقَبْضٌ، وذلك ينافى الجلاء؛ فلذلك هذا الدواء ليس يَقْوَى على إسهال البلغم اللزج، وإن كان فى المعدة أو فى الأمعاء، فضلاً عن الكائن فى الرئة ونحوها من أعضاء الصدر.
وإذ (2) هذا الدواء ليس يقوى على إسهال البلغم، فأن (3) تعجز قوته عن إسهال السوداء، أولى؛ وذلك لأن إسهالها (4) أعْسَرٌ - لامحالة - من إخراج البلغم
(1) ن: مقوى.
(2)
:. إذ.
(3)
:. فلان.
(4)
:. إسهال، هـ: اخراج.
فلذلك، كان إسهال هذا الدواء خاصّاً بالصفراء، وذلك إذا كانت الصفراء فى المعدة وما يقرب منها. وإذ إسهال هذا الدواء ضعيفٌ، فإنما يقوى على الإسهال إذا كانت المادة سهلة الإجابة، وإنما يكون كذلك إذا كانت نضيجة؛ فلذلك هذا الدواء إذا استُعمل بعد النضج، أسهل برفق؛ وإن استعمل قبل النضج لم يقو (1) على الإسهال، وكان قابضاً بقبضه؛ فلذلك يكون - حينئذ - محرِّكاً للمادة تحريكاً ضاراً.
وقد بيَّنَّا أن هذا الدواء يجب أن يكون قوىَّ التفتيح؛ وذلك لأنه مع حرارته ومرارته، وحرافته؛ لطيفُ الجوهر. وجميع ما هو كذلك، فهو قوىُّ التفتيح. وإذا كان كذلك، فهو - لامحالة - مُدِرٌّ. وإذن، يجب أن يكون هذا الدواء مدرًّ والإدرار قد يكون للبول، وقد يكون للحيض. وهذا الدواء يُدِرُّهُمَا جميعاً وذلك لأجل حدَّته وتحريكه للدم.
وإخراج الصفراء بالإدرار، لاشك أنه أسهل كثيراً من إخراج البلغم بذلك فلذلك، أكثر إدرار هذا الدواء، إنما هو للصفراء، وذلك إنما يكون بتحريك الصفراء إلى محدَّب الكبد، إما من جهة الأمعاء، أو من جهة العروق. لكن ما كان من الصفراء فى الأمعاء أو فى المعدة، كان إخراجه بالإسهال أولى؛ لأن ذلك أقرب، وكذلك ما يكون منها فى مُقَعَّر الكبد. فلذلك إدرار هذا الدواء للصفراء، أكثره إنما يكون من الصفراء التى فى العروق. فلذلك هذا الدواء يشفى من الحميات العتيقة والبثور الصفراوية ونحو ذلك.
وكذلك هو دواءٌ يحفظ الصحة؛ لأنه بإخراجه ما فى العروق من المواد يخلِّص البدن من فضول الصفراء، وذلك مما يؤمن معه حدوث الأمراض الصفراوية
(1) :. يقوى.
كالحميات ونحوها. وهذه الأمراض قد بيَّنَّا أنها أكثر الأمراض الواقعة؛ فلذلك كان هذا الدواء مخلِّصَ البدن من الأمراض الواقعة فى أكثر الأمر، وما كان كذلك فهو - لامحالة - حافظٌ للصحة.
فلذلك، هذا الدواء حافظٌ للصحة، ومع ذلك فإنه يحفظ الصحة بإسهال الصفراء، وبإدرار الحيض، وبتقويته الأعضاء الهاضمة كلها؛ فلذلك كان الأوَّلون يستعملون شراب هذا الدواء كثيراً، لأجل حفظ الصحة. ومع أنه يخلِّص البدن من الأمراض الصفراوية، فإنه أيضاً ينفع أصحاب المرَّة السوداء نفعاً كثيراً وذلك إذا كانت سوداؤهم صفراويةً؛ وسبب ذلك: إخراجه لمادة هذه السوداء التى هى الصفراء. والشربة من هذا الدواء إما (1) منِ جرْمِهِ فمن مثقالٍ إلى درهمين، وإما من طبيخه ونقيعه فمن خمسة دراهم إلى سبعة دراهم، هذا إذا أخذ هذا الدواء مع غيره.
وإن أخذ جِرْمُهُ مفرداً فقدر شربته من مثقالٍ إلى مثقال ونصف، وأزيد من ذلك قليلاً. وهو وشرابه، كُلٌّ منهما ينفع البواسير، وشقاق المقعدة شرباً وكذلك إذا ضمِّد بجِرْمِ هذا الدواء مع أدويةٍ تناسب هذا المرض، ومع المراهم المتَّخذة له، وكذلك إذا نُطلت المقعدة بطبيخه؛ وسبب ذلك. ما فى هذا الدواء من القبض والتقوية (2) .
وطبيخه بانفراده أو مع الأرز أو العدس، إذا شرب بالعسل، قتل الدود وأخرجه، وليَّن البطن قليلاً. وكذلك شرابه يفعل ذلك، مع أنه ينقِّى العروق من الخلط المرارى، وهو الفضل المائى؛ وذلك لأجل قوة إدراره وتحريكه الفضول إلى
(1) - ن.
(2)
ن.
جهة البول. وكذلك إذا تُحُمِّلَ به مع العسل. أَدَرَّ الحيض بقوة، وعصارته - فيما أظن - أقوى إدراراً للبول وللطمث؛ وذلك لأجل زيادة حِدَّتها، مع قِلَّة قَبْضِها.