الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرورة الشعرية ومفهومها لدى النحويين دراسة تطبيقية على ألفية ابن مالك
إعداد
د. إبراهيم بن صالح الحندود رئيس قسم النحو والصرف وفقه اللغة كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
ال
مقدمة
حمداً لك اللهم لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد أفضل من أرسل إلى البشرية وخير من نطق بالعربية وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإنه لم يبلغ قوم في الحفاظ على لغتهم، والحرص على نقائها، والتفاني في خدمتها ما بلغه المسلمون؛ إذ يسَّر الله عز وجل من هذه الأمة من نذر نفسه لخدمة هذه اللغة في شتى فروعها. وما كثرة المصنفات وتتابع ظهورها حتى اليوم - وما بعده - إن شاء الله تعالى - إلا دليل على ذلك. ولا غرو في هذا فهي لغة القرآن الكريم الذي تكفل الله بحفظه إلى يوم الدين {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} 1، {إناَّ نَحْنُ نَزَّلْنا الْذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} 2.
وممَّا لقي عناية من علماء العربية لغة النثر والشعر من حيث اتفاقُهما أو اختلافهما في بناء الألفاظ وصياغة العبارات، وكذا الخضوع لقواعد اللغة، والنحو حسب طبيعة كلٍّ منهما.
لقد كانت النظرة في بادئ الأمر إلى فنّيَ الشعر والنثر واحدة من حيث الخصائص التعبيرية في صياغة العبارة وبناء الألفاظ؛ بدليل اشتراكهما في شواهد اللغة والنحو، فلم يفرق علماء العربية بين شاهد المنثور وشاهد المنظوم
1 الآية 28 من سورة الزمر.
2 الآية 9 من سورة الحجر.
في كتبهم، فترى الشاهد من القرآن الكريم جنباً إلى جنب مع الشاهد من الحديث النبوي، والشعر، والمأثور من أقوال البلغاء على الرغم من التفاوت الملحوظ في طريقة الصياغة أو الإعراب. وغاية ما في الأمر أنَّ هذا التغير عندهم يُعدُّ شذوذاً عن القاعدة قد يرقى إلى درجة الجواز إذا جاء في القرآن أو الحديث أو المقبول إذا جاء على لسان شاعر كبير ممن يستشهد بشعرهم1. وما عدا ذلك خطأٌ لا ذكر للضرورة فيه.
وإن المتتبع لسيبويه رحمه الله ليلحظ أنه لم يصرِّح في كتابه بتعريف محدد للضرورة، بل إن لفظ "الضرورة" لم يجر له ذكر عنده على الإطلاق
- على اتساع الكتاب - وإنما كان يكتفي بتعبير يؤدي إلى معناه دون التصريح بلفظه2.
ودخلت الضرورة - فيما بعد - في ميادين البحث اللغويّ، والنقديّ على نطاق واسع.
فدخلت ميدان اللغة؛ لأنها تضطر الشاعر إلى تغيير بناء اللفظ؛ زيادةً أو حذفاً أو خروجاً عن القياس، فتناول اللغويون ذلك بالبحث من خلال معاجم اللغة وأشاروا إلى هذه الضرائر.
ودخلت ميدان النحو لكونها تدفع الشاعر إلى مخالفة القياس في بناء الجملة وفي عمل الأدوات وكذا التغيير في تركيب الجملة3 (من حيث التقديم والتأخير) .
إن قضية الضرورة وما أثارته من اهتمام لدى العلماء تعتبر أحد الموضوعات التي استهوت عدداً غير قليل من الدارسين، وشغلت أذهان الكثير
1 انظر: مقدمة كتاب ما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز 16.
2 انظر: الضرورة الشعرية في النحو العربي ص 132.
3 انظر: في الضرورة الشعرية ص 7.
من القدماء، والمحدثين وذلك للعلاقة المتينة بين اللغة والشعر؛ إذ إن الشعر من المصادر الرئيسة التي استمد منها العلماء قواعد اللغة وأصولها. ولكنهم وجدوا فيه بعض الألفاظ والتراكيب التي تشذ عن هذه الأصول التي استنبطوها منه ومن كلام العرب المحتج بكلامهم فدفعهم ذلك إلى التأمل والتماس العلل.
ولأهمية هذا الموضوع واختلاف أقوال العلماء فيه رأيت أن أدلي دلوي فيه من خلال هذا البحث المقرون بتطبيق الضرورة على ألفية ابن مالك لكونها نظماً تسوغ فيه الضرائر من جهة، وما يعتقده صاحبُها من أن الضرورة (ما لا مندوحة للشاعر عنه بأن لم يمكنه الإتيان بعبارة أخرى) .
ولا أزعم أني أوفيت البحث حقَّه، كما لا أدعي خلّوه من الخطأ والثغرات، ولكن حسبي أني اجتهدت وبذلت وسعي ما استطعت. فإن وفقت للصواب فلله الحمد والمنة على توفيقه، وإن أخطأت أو قصَّرت فأسأله هَدْيَه وتوفيقه.
وفي الختام أتوجه بالشكر إلى الله عز وجل على أن وفقني لإتمام هذا البحث، وأسأله تعالى أن يجعل مابُذل فيه خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
د. إبراهيم بن صالح الحندود