الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأشار في التسهيل، وشرحه إلى أن تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف ضعيفٌ على الأصح لا ممتنع 1.
ولما كان تقديم الحال على صاحبها بهذه الهيئة جائز عنده - وإن كان ممتنعاً عند غيره - استخدمه في باب "أفعل التفضيل" حيث قال:
وأفعلَ التفضيلِ صله أبدا-تقديراً او لفظاً بـ "مِنْ" إنْ جُرِّدا2
فقوله: "تقديراً أو لفظاً" مصدران في موضع الحال من المجرور بعدهما. وعند المانعين منصوبان على إسقاط "في"3.
1 انظر: شرح التسهيل 2/337، الارتشاف 2/348.
2 الألفية ص 30.
3 انظر: شرح الكافية الشافية 2/744.
تقديم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه:
للحال مع عاملها - إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً - ثلاث صور:
الأولى: أن تتأخر عن الجملة نحو: زيد في الدار قائماً وزيد عندك مقيماً. وهذه الصورة لا إشكال في جوازها، بل هي الأصل1.
الثانية: أن تتوسط بين المخبر عنه والخبر. نحو: زيدٌ قائماً في الدار، وزيد مقيماً عندك - وستأتي قريباً -.
الثالثة: أن تتقدم الحال على الجملة نحو: قائماً زيدٌ في الدار، ومقيماً زيدٌ عندك. وهي ما أنا بصدد الحديث عنه الآن؛ حيث قال ابن مالك في آخر باب "أبنية المصادر":
في غيرِ ذي الثلاثِ بالتا المرّهْ
…
وشذَّ في هيئةٍ كالخِمْرهْ2
1 انظر: توضيح المقاصد 2/156.
2 الألفية ص37.
فإن قوله: "في غير" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال مقدم على صاحبه وهو الضمير المستكن في خبر المبتدأ المقدم الذي هو قوله: "بالتا" و "المرَّه" مبتدأ مؤخر. والتقدير: والمرة كائنة بالتاء حال كونها كائنة في غير الفعل صاحب الأحرف الثلاثة، فقدم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه1.
قال الأزهري: وهو نادر2.
فهذه الصورة منعها جمهور النحاة، فلا يقال عندهم: قائماً زيدٌ في الدار، ولا قائماً في الدار زيدٌ؛ نظراً إلى ضعف الظروف في العمل3.
على أن أبا بكر بن طاهر4 (580هـ) قد ذكَر أنه ليس ثمت خلاف في امتناع: قائماً زيدٌ في الدار5، وتبعه ابن مالك6.
ولكن الصحيح خلاف ذلك؛ فإن أبا الحسن الأخفش قد أجاز في قولهم:
"فداءً لك أبي وأمي" أن يكون "فداءً" حالاً، والعامل فيه "لك". وهو نظير: قائماً في الدار زيدٌ7.
أما الصورة التي وعدت قريباً بذكرها فهي أن تتوسط الحال بين المخبر عنه، والخبر، وتلك لا تخلو من أن تكون متوسطة بين الخبر المقدم، والمبتدأ المؤخر نحو: عندك قائماً زيد، وفي الدار مقيماً عمرو. وهذه لا خلاف في جوازها8.
1 انظر: تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 76، منحة الجليل 3/133.
2 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 76.
3 انظر: الكتاب 1/277، المقتضب 4/300.
4 هو محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي. يُعرف بـ "الخِدَبّ ". نحوي، حافظ، بارع اشتهر بتدريس " الكتاب " و " معاني القرآن " للفراء، و " الإيضاح " لأبي علي.
(إنباه الرواة 4/194، 195، إشارة التعيين 295، بغية الوعاة 1/28) .
5 ينظر: الارتشاف 2/355.
6 ينظر: شرح الكافية الشافية 2/753.
7 ينظر: الارتشاف 2/355، توضيح المقاصد 2/156.
8 انظر: توضيح المقاصد 2/157.
أو تكون الحال بين المبتدأ والخبر في ترتيبها الأصلي، نحو: زيد قائماً عندك، وعمرو مقيماً في الدار.
ففي هذه الصورة خلاف بين النحويين على أربعة مذاهب. سأوردها باختصار، ولكني سأذكر قبل ذلك ما جاء في ألفية ابن مالك من هذا القبيل.
ففي باب " عطف النسق " قال:
فالعطف مطلقاً بواوٍ ثم فا
…
حتى أم أو كفيك صدقٌ ووفا 1
فقوله: "العطف": مبتدأ، وخبره قوله:"بواو" و "مطلقاً" حال من الضمير المستتر في الخبر، وجاء تقديم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه؛ لأن ذلك مغتفر في النظم، على أن الأخفش والناظم أجازاه قياساً2.
وفي باب "المقصور والممدود" قال:
والعادمُ النظير ذا قصر وذا
…
مدٍّ بنقلٍ كالحجا وكالحذا 3
فقوله: "العادم": مبتدأ، و "بنقل" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبره. و"ذا قصر وذا مد" حالان من الضمير المستكن في الخبر. وهذا من تقديم الحال على عاملها المعنوي4.
والآن أُورد المذاهب الأربعة في هذه المسألة:
الأول: مذهب جمهور البصريين المتمثل في المنع مطلقاً5. وما ورد من ذلك فمسموع يحفظ ولا يقاس عليه6؛ نظراً لضعف العامل بعدم تصرفه7.
1 الألفية ص42.
2 انظر: حاشية الملوي على المكودي 142.
3 الألفية ص57.
4 انظر: شرح الأشموني 4/109.
5 انظر: الارتشاف 2/355، توضيح المقاصد 2/157، شرح الأشموني1/181.
6 انظر: شرح الألفية لابن الناظم 329، شرح الأشموني 1/181.
7 انظر: المقتضب 4/170.
الثاني: الجواز مطلقاً، وإليه ذهب الفراء1، والأخفش2، وصحَّحه ابن مالك مع التضعيف3.
واستدل المجيزون بجملة من الشواهد، منها قراءة بعضهم 4:{وَقَالُوا ما فِي بُطُونِ هذِه الأنعامِ خالِصَةً لِذكُورِنا ومُحَرَّمٌ على أَزْواجِنا} 5.
بنصب " خالصةً " على الحال المتوسطة بين المخبر عنه وهو " ما " والمخبر به وهو " لذكورنا".
أما المانعون فقد ردُّوا ذلك وتأولوه.
فمن أقوالهم: إن ما ورد من هذا قليل لا يُحفظ منه إلا هذا، وما لا بال له لقلته لا ينبغي القياس عليه 6.
ومن تخريجاتهم للآية أن " خالصة " معمولة للجار والمجرور قبلها على أنها حال من الضمير المستتر في صلة " ما " فهو العامل في الحال. وتأنيث " خالصة " باعتبار معنى " ما "؛ لأنها واقعة على الأجنَّة 7.
المذهب الثالث: الجواز بقوة إن كان الحال ظرفاً أو جاراً ومجروراً وبضعف إن كان اسماً صريحاً، وهو مذهب ابن مالك في التسهيل وشرحه 8.
1 انظر: الارتشاف 2/355.
2 انظر: شرح الجمل 1/335، الفوائد الضيائية 1/388.
3 انظر: شرح التسهيل 2/346، وانظر: الهمع 4/33.
4 هي قراءة ابن عباس بخلاف، والأعرج، وقتادة، وسفيان بن حسين، وابن جبير، والزهري.
(مختصر في شواذ القرآن 41، المحتسب 1/232، البحر المحيط 4/231) .
5 من الآية 139 من سورة الأنعام.
6 انظر: شرح الألفية لابن الناظم 239. وانظر: شرح الجمل 1/336.
7 انظر: التصريح 1/385، شرح الأشموني 2/182. وانظر: إعراب القرآن للنحاس 2/100، الكشاف 2/43.
8 انظر: التسهيل 111، وشرحه 2/346. وانظر: الارتشاف 2/356، شرح الأشموني 2/181.