الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأقرب تأويل إلى نفسي أن يكون "مشيها" مبتدأ قد حذف خبره على نحو: "حكمك مسمطاً" كما تقدم1.
1 انظر المسألة في: المقتضب 4/128، أسرار العربية 79 - 84، البسيط 1/272 - 275، التصريح 1/271.
قلبُ المعنى:
قال ابن مالك في باب "الابتداء":
كذا إذا ما الفعلُ كان الخبرا
…
أو قُصد استعمالُه منحصرا1
-قال الأزهري: "في هذا التركيب قلب
…
، لأن المحدث عنه الخبر، فكان حقه أن يقول:
كذا إذا ما الخبرُ كان الفعلا
وهو خاص بالشعر، وأصل التركيب: كذا إذا ما كان الخبر الفعل المسند إلى ضمير المبتدأ المفرد فامنع تقديمه على المبتدأ"2.
فإنه من المعلوم أن العرب بعامة مجمعون على رفع الفاعل ونصب المفعول إذا ذكر الفاعل، غير أنه قد ورد في الشعر شيء على جهة القلب، فصُيِّر المفعول فاعلاً والفاعل مفعولاً على التأويل3.
كقول الأخطل:
مثل القنافذ هَّداجونَ قد بلغت
…
نجرانَ أو بلغت سوءاتِهم هجرُ4
1 الألفية ص 17.
2 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب 26.
3 انظر: الجمل للزجاجي 203.
4 البيت من " البسيط " من قصيدة مدح فيها الشاعر بني مروان وهجا جريراً وقومه.
القنافذ: جمع قنفذ وهو معروف يُضرب به المثل في سري الليل.
وهدَّاجون: من الهدج وهو مشي في ضعف أو هو مقارب الخطو مع الإسراع من غير إرادة.
والسوءات: الفواحش والقبائح. شبَّههم بالقنافذ لمشيهم بالليل للسرقة والفجور.
والبيت في: الديوان 109، مجاز القرآن 2/39، الكامل 1/475، الجمل 230، الحلل 276، شرح الجمل 2/602، شرح ألفية ابن معطي 2/1390.
أراد: بلغت نجرانَ سوءاتُهم أو هجرَ، وذلك وجه الكلام، لأن السوءات تنتقل من مكان فتبلغ مكاناً آخر، إلَاّ أنه قلب الفاعل فصار مفعولاً فجعل "هجر" كأنها هي البالغة وإنما هي المبلوغة في المعنى، لأن البلدان لا ينتقلن وإنما يُبلغنَ ولا يَبلغن 1.
وأكثر ما يكون ذلك فيما لا يشكل معناه من الكلام ولم يدخله لبس كالبيت السابق2.
وقد اختلف العلماء في قلب الإعراب، فمنهم من أجازه في الضرورة مطلقاً، على تأويلٍ هو أن يضمَّن العامل معنًى يصح به.
ومنهم من أجازه في الشعر وفي الكلام اتساعاً واتكالاً على فهم المعنى3.
وقد حكى أبو زيدِ الأنصاري (215هـ) : إذا طلعت الجوزاء انتصب العودُ في الحِرباء4. يريد: انتصب الحرباء في العود5.
1 انظر: الأصول 3/464، ما يحتمل الشعر من الضرورة 210، شرح الأبيات المشكلة الإعراب 123.
2 انظر: الكامل 1/475، الأصول 3/463، ما يجوز للشاعر في الضرورة 103.
3 انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة 216، الارتشاف 3/333، الهمع 5/349.
4 الحِرباء: دويِّبة يستقبل الشمس برأسه ويكون معها كيف دارت ويتلون ألوانا بحر الشمس.
انظر: حياة الحيوان الكبرى 1/231.
5 انظر: النوادر 409.
وحكى أبو الحسن: عرضتُ الناقةَ على الحوضِ، وعرضتها على الماء. يراد: عرضتُ الماءَ والحوض عليها1.
ومن كلامهم: إنَّ فلانةَ لتنوءُ بها عجيزتُها. يراد: لتنوءُ هي بعجيزتها2 وكذلك قوله تعالى: {وَآتَينْاهُ مِنَ الكُنُوزِ ما إنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعُصْبَةِ أُولي القُوَّة} 3 فقد احتمله قوم على مثل هذا، وقالوا: إن المفاتيح لا تنوء بالعصبة، بل العصبة تنوء بها وتحملها في ثقل.
وقيل: ليس الأمر كذلك بل الصواب أن الباء للنقل بمعنى الهمزة، فيكون معنى لتنوء بالعصبة: لتنوء العصبةُ. كما تقول: ذهب بزيدٍ وأذهبه، وكذلك: ناءَ به وأناءه.
ومثله قولهم: لتنوء بها عجيزتها4.
وذهب ابن عصفور إلى أن القلب لا يجوز إلَاّ في الشعر، وأن ما جاء منه في الكلام قليلٌ لا يقاس عليه5.
وأورد ابن السراج القلبَ فيما جاء كالشاذ الذي لا يقاس عليه6.
والراجح لديَّ أنه يجوز في الشعر وفي سعة الكلام. لكنما المسألة تعود إلى القلة والكثرة، فيكثر القلب في الشعر ويقل في الكلام كما تقدم من الأمثلة التي حكاها أبوزيد وغيره، ولكن على شرط أن لا يشكل معناه.
وعليه فالذي يظهر لي أن قول ابن مالك:
كذا إذا ما الفعل كان الخبرا
1 انظر: شرح الأبيات المشكلة الإعراب 123، ضرائر الشعر 271.
2 انظر: الكامل 1/475، شرح الجمل 2/603.
3 من الآية 76 من سورة القصص.
4 انظر: الأصول 3/466، ما يحتمل الشعر من الضرورة 216، شرح الجمل 2/603.
5 انظر: ضرائر الشعر 271، شرح الجمل 2/603.
6 انظر: الأصول 3/463 وكذلك أورده القزاز وابن عصفور في الضرائر الشعرية.