الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمَّا ابن عصفور فيرى أن هذا لا يرد على النحويين ولا يلزمهم؛ من قبل أنهم أرادوا أنَّ من كانت لغته إثبات الياء في "الغواني" وأمثاله فإنه قد يحذفها في الضرورة للعلة المذكورة1 وهي تشبيه المضاف إليه والألف واللام بالتنوين.
والراجح لديَّ أنه لا يدخل ضمن الضرائر الشعرية؛ لوقوعه في أفصح كلام هو القرآن الكريم؛ في رؤوس الآي وغيرها كقوله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ التَّنادِ} 2، و {يَوْمَ التَّلاقِ} 3، و {الكَبيرُ المُتَعَالِ} 4، وقوله:{وَجِفَانٍ كالجَوابِ} 5، فهذه الآيات في غير الوقف، ولو قيل: إن هذا يكثر في الشعر دون غيره لكان أولى. والله أعلم.
ويشير أبو العلاء المعري (449هـ) إلى أن حذف الياء من المضاف إلى الظاهر أحسن من المضاف إلى المضمر؛ لأن الظاهر منفصل، والمضمر يجري مجرى ما هو من الاسم. وحذفها من المجرد من الألف واللام أشذُّ مما هي فيهما؛ لأن الألف واللام قد يسوغ معهما حذف الياء حتى قيل إنها لغة للعرب، وقد قرأ بها القراء6.
1 انظر: المصدر السابق 122.
2 من الآية 32 من سورة غافر.
3 من الآية 15 من سورة غافر.
4 من الآية 9 من سورة الرعد.
5 من الآية 13 من سورة سبأ.
6 انظر: عبث الوليد 229.
تخفيفُ الحرفِ المُشَدَّد:
أجاز العلماء للشاعر تخفيف كل مثقل7؛ فله أن يحذف في الشعر ما لا يجوز حذفه في الكلام لتقويم الشعر، كما أن له أن يزيد لتقويمه أيضاً8، فإذا
7 انظر: الكامل 2/1368.
8 انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة 89.
حذف بقي ما يدل على أنه قد حذف منه مثله؛ لأن المشدد حرفان، فإذا تمَّ للشاعر الوزن بأحدهما حذف الآخر1، وسواء في ذلك الصحيح والمعتل2.
فمن التخفيف في الصحيح قول طرفة بن العبد:
أصحوتَ اليومَ أم شاقتك هِرْ
…
ومن الحبِّ جنونٌ مُسْتَعِرْ3
فهو مضطر إلى حذف أحد الحرفين من "هرّ" لاستواء الوزن ومطابقة البيت، فقابل براءِ "هر" راء "مستعر" وهي خفيفة أصلاً4.
ومن التخفيف في المعتل قول الراجز5:
حتى إذا ما لم أجد غير السَّري
…
كنتُ امرءاً من مالك بنِ جعفرِ6
فخفف ياء "السَّريّ" مضطراً أيضاً.
وهكذا الشأن فيما يتعلق بألفية ابن مالك؛ إذ وقع فيها شيءٌ من ذلك حين اضطر ناظمها إلى التخفيف في بعض المواضع لتقويم الوزن، سواء كان ذلك في الأحرف الصحيحة أو المعتلة.
1 انظر: الأصول 3/448، ما يجوز للشاعر في الضرورة 122.
2 انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور 133.
3 البيت من "الرمل". وهو مطلع قصيدة في الفخر. والخطاب لنفسه.
صحوت: أي تركت الصبا والباطل. شاقتك: هاجت شوقك. " هر ": اسم امرأة.
المستعر: الملتهب.
انظر: الديوان 50، الكامل 2/1368، ما يحتمل الشعر من الضرورة 89، الخصائص 2/228، 320، ما يجوز للشاعر في الضرورة 122، شرح الجمل 2/578، الأشباه والنظائر 1/188.
4 انظر: الخصائص 2/228. وانظر أيضاً: 2/320 من الكتاب نفسه.
5 لم أقف على اسمه.
6 "السريّ": اسم رجل. وورد الرجز في: الأصول 3/448، المحتسب 2/77، الموشح 96، مايجوز للشاعر في الضرورة 122، ضرائر الشعر لابن عصفور 133.
فمن الأول قوله في باب "إن" وأخواتها:
وأُلحقت بإنَّ لكنَّ وأنْ
…
من دون ليت ولعلَّ وكأنْ1
فخفف النون في "أنَّ" و "كأنَّ" لضرورة الشعر التي جعلت النون ساكنة فيهما.
وقوله في باب "النسب":
والحذفُ في اليا رابعاً أحقُّ من
…
قلبٍ، وحتمٌ قلبُ ثالثٍ يَعِنْ2
أصل النون في "يعن" مشددة؛ لأنها من عنَّ يَعنُّ بمعنى ظهر إلَاّ أن الناظم قد اضطر لتسكينها لأجل الشعر.
ونظيره قوله في باب "الإبدال":
وجمعُ ذي عين أُعِلَّ أو سَكَنْ
…
فاحكم بذا الإعلال فيه حيث عَنْ3
وقال في الباب نفسه:
واواً وهمزاً أوَّلَ الواوين رُدْ
…
في بدء غيرِ شبهِ وُوفِي الأشُدْ4
فخفف كلاًّ من الدال في الفعل المبني للمجهول وأصله "رُدَّ" بالتضعيف، وكذلك الدال في "الأشد".
ومن الثاني - أعني ما وقع التخفيف فيه من الأحرف المعتلة - قوله في باب "الفاعل":
وقابلٌ من ظرفٍ او من مصدرِ أو حرف جرٍّ بنيابةٍ حري5
1 الألفية ص20.
2 المصدر السابق ص62.
3 المصدر السابق ص67.
4 الألفية ص67.
5 المصدر السابق ص24.
الأصل فيه: "حريّ" بالتشديد بمعنى خليق، فخفف الياء للضرورة.
وقوله في باب "النسب":
وضاعف الثاني من ثنائي-ثانيه ذو لينٍ كـ "لا" ولائي1
يريد: مثل "لا" وتضعيفه: لائيٌّ؛ بياء النسب المشددة، ولكنها خففت هنا لضرورة الشعر2.
1 المصدر السابق ص63.
2 انظر: النحو الوافي 4/727.