الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وأربعين وسبعمائة
وفي جمادى الأولى
جاء الخبر إلى دمشق بمسك جماعةٍ من كبار أمراء مصر، منهم؛ آق سنقر، والحجازي، وبيدمر البدري، وغيرهم، تتمة ستة. فجمع نائب الشام الأمير سيف الدين يلبغا الأمراء بعد الموكب واستشارهم فيما يصنع، فاختلفوا عليه. فكاتب إلى النواب في البلاد الشامية، فأجابه بالطاعة نائب حلب أرغون شاه، فتحول نائب دمشق بأهله وخزانته إلى القصر الظاهري، فأقام به أياماً، فقدم عليه أمر السلطان يعلمه أنه قد كتب تقليد أرغون شاه نائب حلب بنيابة دمشق، ويأمره بالشخوص إلى القاهرة، فانتهر الرسول ورده بغير جواب. فلما كان من الغد وهو يوم الخميس منتصف الشهر خرج بجميع أهله وغلمانه ودوابه وحواصله إلى خارج البلد عند قبته المعروفة به اليوم، وخرج معه أبوه وإخوته وجماعة من الأمراء، منهم: قلاوون، وسيفاه فيمن أطاعهم، فباتوا ليلتئذٍ بأرض القبيبات، فلما كان من الغد يوم الجمعة نودي في البلد؛ من تأخر من الأمراء والجند عن الوطاق شنق على باب داره، فتأهب الناس للخروج، وطلع الأمراء فاجتمعوا إلى السنجق السلطاني تحت القلعة، فلما تكاملوا ساروا نحوه بعد صلاة الجمعة ليمسكوه، فجهز ثقله وزاده، وما خف عليه من أمواله، ثم ركب بمن أطاعه، ووافاه الجيش عند ركوبه وهابوا أن يبدأوه بالشر فتقدمهم وساقوا وراءه. وأما أهل القبيبات وعوام الناس والأجناد البطالة فنهبوا خامه، وكانت قيمته ما يزيد على مائة درهم، فقطعوه ونهبوا مطبخه وما قدروا عليه من الشعير، والجمال، والمتاع. وأما العسكر فساقوا خلفه وتتابعت عليه الجيوش وأحاطت به العرب من كل جانب فألجئوه إلى واد بين حماة وحمص. فدخل إلى نائب حماة بعد أن قاسى من الشدائد ما قاسى، فاستجار به فأجاره وأنزله
وأكرمه، وكتب إلى السلطان الملك المظفر يعلمه بذلك، فجاءه الجواب بمسكه فقبض عليه نائب حماة، وقيده وأرسل به محتفظاً عليه، فلما وصل إلى قاقون جاءه أمر الله فخنق هناك، واحتزوا رأسه ومضوا به إلى القاهرة.
ثم قدم إلى دمشق شيخنا الأمير نجم الدين بن الزيبق، صحبة الصاحب علاء الدين الحراني للحوطة على أموال يلبغا ومن تبعه من الأمراء.
ومات الأمير سيف الدين قلاوون الناصري في هذه الأيام بحمص.
وفي جمادى الأولى
عزل الصاحب تقي الدين بن هلال من نظر الدواوين في الشام، ثم مات برجب. وولى بعده الصاحب شمس الدين موسى بن عبد الوهاب القبطي، ثم عزل في ذي الحجة منها بالصاحب جلال الدين بن الأجل، ثم أعيد في صفر من العام الآتي.
وفي ثامن عشر جمادى الآخرة
قدم الأمير سيف الدين أرغون شاه من حلب على نيابة دمشق.
ومات قاضي القضاة وشيخ الشيوخ شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن ظافر الهمداني النويري المالكي في ثاني المحرم عن بضع وثمانين سنة. وولي بعده قضاء المالكية نائبه الإمام جمال الدين محمد بن عبد الرحيم المسلاتي.
ومشيخة الشيوخ شيخنا علاء الدين علي بن محمود القونوي الحنفي الصوفي.
ومات المعمر الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن الفقيه أحمد بن محمد بن محمود المرداوي ثم الدمشقي الصالحي ابن قيم الصاحبة. ولد سنة ستين وستمائة. حدث عن ابن عبد الدايم، وعبد الوهاب المقدسي، توفي في المحرم.
ومات شيخنا تقي الدين أحمد بن الصلاح محمد بن أحمد بن بدر بن تبع البعلي ثم الدمشقي الشافعي. ولد في المحرم سنة أربع وثمانين. وسمع من ابن البخاري وطائفة. وأسره التتار عام غازان، ثم خلصه الله من أيديهم. وكان رجلاً صالحاً، لطيفاً، خفيف الروح، صاحب ملح ونوادر، وكان يتكلم بعدة ألسنة.
ومات بالقدس شيخنا الإمام علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور أحد فقهاء الشافعية، ومدرس الصلاحية عن بضع وثمانين سنة. حدث عن البخاري وغيره. وبرع في الفقه، واللغة والعربية، وعني بالحديث. وتفقه بالشيخ تاج الدين. ودرس، وأفتى، وناظر، وأفاد، وسمع الكتب الكبار المطولة. وكان يكتب اسمه في الطباق عليان. اختلط قبل موته بمدة. توفي في منتصف رمضان.
ومات بدمشق شيخنا الأمير نجم الدين داوود بن أبي بكر بن محمد البعلي، ثم الدمشقي المعروف بابن الزيبق.
حدث عن ابن جوشكين، والتاج عبد الخالق، وبنت كندي. وكان رجلاً شجاعاً، حازماً، عاقلاً، سئوساً، مهيباً. تنقل في المباشرات بدمشق وغيرها. توفي في رجب.
وفيه مات الشيخ نجم الدين أبو الفتح أحمد ابن العلامة شمس الدين محمد ابن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي. حدث عن ابن البخاري وطائفة، وكان مغفلاً.
ومات بدمشق في شعبان الأمير الكبير حسام الدين طرنطاي بن عبد الله البجمقدار الناصري، أحد أمرء الألوف بدمشق عن سنٍ عالية. حدث عن عيسىالمطعم، وأبي بكر بن عبد الدايم، وابن الشحنة. وولي حجوبية مصر والشام. وكان ذا حزمٍ وخبرةٍ، رحمه الله.
ومات بالصالحية الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع الناسك، عز الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي، عن خمس وثمانين سنة. حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم حضوراً، وسمع من الشيخ شمس الدين وطائفة. وخطب بالجامع المظفري. ودرس بأماكن. وكان رحمه الله على سمت السلف هدياً ودلاً، مواظباً على تشييع الجنائز وتلقين الموتى، طلق الوجه، حسن البشر، مهيباً، وقوراً، أماراً بالمعروف، توفي في رمضان.
وفي رمضان قتل السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون
الناصري. وولي بعده أخوه الملك الناصر حسن بن محمد، وكانت دولة المظفر خمسة عشر شهراً.
وفي ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة
مات شيخنا الحافظ الإمام العلامة مؤرخ الشام ومحدثه ومفيده، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الفارقي الأصل، الدمشقي المعروف بالذهبي الشافعي، مصنف كتاب الأصل، وصاحب كتاب تاريخ الإسلام، وسير النبلاء، والميزان، وغير ذلك. ولد سنة ثلاث وسبعين، وسمع الحديث في سنة اثنتين وتسعين وهلم جراً. فحدث عن عمر بن القواس، والشرف بن عساكر، والأبرقوهي، وخلق. وشيوخه في معجمه الكبير نحو ألف وثلاثمائة بالسماع والإجازة. وأجاز له خلق من أصحاب ابن طبرزد، وحنبل، والكندي، وابن الحرستاني. وخرج لجماعة من شيوخه، وجرح وعدل، وفرع وأصل، وصحح وعلل، واستدرك وأفاد، وانتقى واختصر كثيراً من تواليف المتقدمين والمتأخرين، وصنف الكتب المفيدة السائرة في الآفاق، وخطب بكفر بطنا مدة ثم ولى مشيخة الحديث بأماكن، ولم يزل يكتب ويدأب حتى أضر في سنة إحدى وأربعين. توفي في هذا العام رحمه الله.
ومات في ذي الحجة بالمزة الإمام العلامة قاضي القضاة عماد الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم الطرسوسي الحنفي. حدث عن ابن البخاري وغيره. وولى قضاء الحنفية بدمشق في سنة سبع وعشرين بعد