المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في نسبه وحسبه وأصله وشرف بيته - العقد المفصل

[حيدر الحلي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌فصل في نسبه وحسبه وأصله وشرف بيته

- ‌فصل في كرمه وأخلاقه

- ‌فصل في حلمه ونهاه ووقاره وحجاه

- ‌فصل في تجاربه وذكائه

- ‌فصل في فصاحة لسانه وبلاغة بيانه

- ‌فصل في نعت نثره ونظمه

- ‌فصل في إثبات فصول من نثره وعقود من نظمه

- ‌الباب الأوّل في قافية الألف

- ‌وتشتمل على فصول

- ‌فصل في المديح

- ‌الفصل الثاني في الرثاء

- ‌الفصل الثالث في الغزل

- ‌الباب الثاني في قافية الباء

- ‌وفيها فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌فصل في التهنية

- ‌فصل في الرثاء

- ‌فصل في الغزل

- ‌الباب الثالث حرف التاء

- ‌وفيه فصول

- ‌فصل في المديح

- ‌الفصل الثاني في الغزل

- ‌الفصل الثالث في شكوى الزمان وعدم نباهة الحظ

- ‌الفصل الرابع في الهجاء

- ‌الباب الرابع في قافية الثاء

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في الإستغاثة

- ‌الباب الخامس في قافية الجيم

- ‌وفيها فصل واحد في المديح

- ‌الباب السادس في قافية الحاء

- ‌وفيها ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌فصل في الرثاء

- ‌فصل في الغزل

- ‌فصل في الإستغاثة

- ‌الباب السابع قافية الخاء

- ‌وفيها فصلان المديح والغزل

- ‌أمّا المديح

- ‌وأمّا الغزل

- ‌الباب الثامن حرف الدال

- ‌وفيه فصول

- ‌فصل في المديح

- ‌فصل في الرثاء

- ‌الباب التاسع في قافية الذال

- ‌وفيها فصل واحد وهو في الثناء

- ‌الباب العاشر في قافية الراء

- ‌وفيها خمسة فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌فصل في التهاني

- ‌فصل في الرثاء

- ‌فصل في الغزل

- ‌الفصل الخامس في الهجاء

- ‌الباب الثاني عشر في قافية السين

- ‌وفيها فصل في المديح

- ‌الباب الثالث عشر في قافية الشين

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في الرثاء

- ‌الباب الرابع عشر في قافية الصاد

- ‌وفيها فصل في المديح

- ‌الباب الخامس عشر في قافية الضاد

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهنية

- ‌الباب السادس عشر في قافية الطاء

- ‌وفيها فصل في المديح

- ‌الباب السابع عشر في قافية الظاء

- ‌وفيها فصل في المديح

- ‌الباب الثامن عشر في قافية العين

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهاني

- ‌الفصل الثالث في الحماسة

- ‌الباب التاسع عشر في قافية الغين

- ‌وفيها فصل في المديح

- ‌نبذة من نوادر الحمقاء

- ‌الباب العشرون في قافية الفاء

- ‌وفيها ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهنئة

- ‌الفصل الثالث في الرثاء

- ‌الباب الحادي والعشرون في قافية القاف

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهنئة

- ‌الباب الثاني والعشرون في قافية الكاف

- ‌وفيها فصل واحد في المديح

- ‌الباب الثالث والعشرون في قافية اللام

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهنية

- ‌الباب الرابع والعشرون في قافية الميم

- ‌وفيها أربع فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهنية

- ‌الفصل الثالث في الرثاء

- ‌الفصل الرابع في الإعتذار

- ‌الباب الخامس والعشرون في قافية النون

- ‌وفيها ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في الرثاء

- ‌الباب السادس والعشرون في قافية الواو

- ‌وفيها فصل واحد في المديح

- ‌الباب السابع والعشرون في قافية الهاء

- ‌وفيها فصل واحد في المدح

- ‌الباب الثامن والعشرون في قافية الياء

- ‌وفيها فصل واحد في المديح

- ‌ خاتمة الكتاب

- ‌وفيها فصول

- ‌فصل في نبذة من رسائلي له

- ‌فصل في رسائله

- ‌فصل في نبذ من فرائد نظمه

- ‌تذييل في ذكر بعض تقريظات الكتاب

- ‌التقريظ الأوّل

- ‌التقريظ الثاني

- ‌التقريظ الثالث

- ‌التقريظ الرابع

- ‌التقريظ الخامس

- ‌التقريظ السادس

الفصل: ‌فصل في نسبه وحسبه وأصله وشرف بيته

أمّا المقدّمة ففي ترجمة من كان لأجله تنميق الكتاب وذكر أشياء تناسبها وفيها فصول وقد ألزمت نفسي أن أنظم في كلّ فصل ما يناسبه.

‌فصل في نسبه وحسبه وأصله وشرف بيته

أقول: أمّا نسبه فهو القمر الطالع بأعلا آفاق العراق، محمّد الملقّب بالحسن، المكنّى بأبي الهادي بن محمّد، الملقّب بصالح الزمن بن المصطفى للكرم، وأتقى من عرف واستلم.

نسب أناف على الأنام به

شرفاً فطال به على قصره

هو عقد فضل لم تزل أبداً

تتزيّن العلياء في درره

ذكرت بقولي على قصره قول أبي العلا المعرّي في تعزية الشريفين المرتضى وأخيه الرضي:

أنتم ذووا النسب القصير فطولكم

باد على الكبرآء والأشراف

والراح إن قيل ابنة العنب اكتفت

باب من الأسماء والأوصاف

يريد: أنتم في النسب لا تحتاجون إلى تعدّد آباء كثيرة، بل يكفيكم ذكر أب واحد، لأنّ آبائكم كلّهم كبراء كالراح إذا قيل ابنة العنب كفاها هذا النسب عن ذكر أوصاف زائدة على هذه النسبة.

وأسماء تكسبها شرفاً، وهذا من أجود التمثيل وأحسنه، لأنّ الرجل إذا كان شريفاً وذكر أباه وعرف به قصر نسبه، وإذا لم يكن شريفاً افتقر إلى أن يذكر آباءً كثيرة حتّى يصل إلى أب شريف يعرف به، وما أحسن قول أبي المناقب وهو يماثل قول المعرّي هذا:

لا تمتدحه بآباء له كرموا

وأحرزوا الأمد الأقصى أباً فأبا

فالراح قد أكثر المدآح وصفهم

لها ولم يذكروا في وصفها عنبا

وحكى الفرزدق قال: خرجت من البصرة أُريد العمرة، فرأيت عسكراً في البرية، فقلت: عسكر من هذا؟ فقيل: عسكر الحسين بن علي، فقلت: لأقضينّ حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيته وسلّمت عليه، فقال: من الرجل؟ فقلت: الفرزدق بن غالب، فقال: هذا نسب قصير، قلت: أنت أقصر منّى نسباً، أنت ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال رؤبة العجاج:

قد رفع العجاج ذكري فادعني

باسمي إذا الأسماء طالت تكفّني

ويقال: إنّه دخل رؤبة على دغفل النسابة، فقال له: من أنت؟ قال: ابن العجاج، فقال دغفل: قصرّت وعرّفت.

وقال الجمحي وقد أتاه بعض الناس يستشيره في امرأة أراد التزويج بها: أقصيرة هي أم غير قصيرة؟ فلم يفهم ذلك، فقال الجمحي: أردت القصيرة النسب تعرف بأبيها أو جدّها، وعلى هذا قول بعضهم:

أحبّ من النسوان كلّ قصيرة

لها نسب في الصّالحين قصير

قوله: كلّ قصيرة، أراد المقصورة في البيت لا تترك أن تخرج منه.

ولطيف في ذلك قول ذي الرمة:

وأنت التي حبّبت كلّ قصيرة

إليّ وما تدري بذاك القصائر

عنيت قصيرات الجمال ولم أرد

قصار الخطا شرّ النساء البحاتر

ولنذكر هنا نبذاً ظريفة وجملاً طريفة في الأسماء والكُنى والألقاب من حديث عليّ عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا سمّيتم الولد محمّداً فأكرموه، وأوسعوا له في المجلس، ولا تقبحوا له وجهاً.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم عليها من اسمه محمّد أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم إلاّ خيّر لهم، وما من مائدة وضعت وحضر عليها من اسمه محمّد أو أحمد إلاّ وقدّس ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين.

وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما من بيت فيه أحد اسمه محمّد إلاّ وسّع الله عليه الرزق، فإذا سمّيتموه فلا تضربوه ولا تشتموه، ومن ولد له ثلاثة ذكور ولم يسمّ أحدهم محمّداً أو أحمد فقد جفاني.

وفي شرح النهج لابن أبي الحديد: جاء في الحديث: تسمّوا بأسماء الأنبياء، وأحبّ الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرّة.

وكان سعيد بن المسيّب بن حزن المخزومي أتى جدّه رسول الله فقال له: من أنت؟ قال: حزن، فأراد النبي تغيير اسمه، فقال: لا بل أنت سهل. فقال: لا بل أنا حزن، عاوده فيها ثلاثاً، ثمّ قال: لا أحبّ هذا، الإسم السهل يوطىء ويمتهن، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: فأنت حزن. فكان سعيد يقول: ما زلت أعرف تلك الحزونة فينا.

ص: 2

وقال الزمخشري: قد قدم الخلفاء وغيرهم من الملوك رجالاً بحسن أسمائهم، وأقصوا قوماً لبشاعة أسمائهم، وتعلّق المدح والذم بذلك في كثير من الأثر، كتب الجاحظ إلى أبي الفرج بن نجاح بن سلمة رسالة، منها: وأقد أظهر الله في أسمائكم وأسماء آبائكم وكناكم وكني أجدادكم من برهان الفال الحسن ونفي طيرة السوء ما جمع لكم صنوف الأمل، وصرف إليكم وجوه الطلب، فأسمائكم وكناكم بين فرج ونجاح وسلامة وفضل، ووجوهكم وأخلاقكم وفق أعراقكم وأفعالكم، فلم يأخذ التفاوت فيكم بنصيب.

وأراد عمر الإستعانة برجل، فسئله عن اسمه، فقال: سراق بن ظالم، فقال: تسرق أنت ويظلم أبوك، فلم يستعن به.

وسأل بعضهم رجلاً عن اسمه، فقال: ما اسمك؟ قال: بحر، قال: أبو من؟ قال: أبوالفيض، قال: ابن من؟ قال: ابن الفرات، قال: ما ينبغي لصديقك أن يلقاك إلاّ في زورق.

وكان بعض العرب اسمه وثّاب، وله كلب اسمه عمرو، فهجاه أعرابي آخر، فقال:

ولو هيّا له الله

من التوفيق أسبابا

لسمّى نفسه عمرواً

وسمّى الكلب وثّابا

وقال محمّد بن صدقة ليموت بن المزرع: صدق الله فيه اسمك، فقال له: أحوجك الله إلى اسم أبيك.

وما أظرف قول بعضهم في نحوي اسمه نفطويه:

لا خير في النحو وطلاّبه

إن كان من طلاّبه النفطويه

أحرقه الله بنصف اسمه

وصيّر الباقي نياحاً عليه

ومثّل هذا في الظرافة قول بعضهم في من اسمه موسى، وإن كان بمعزل عن البشاعة:

حلّقت لحية موسى باسمه

وبهارون إذا ما قلبا

ومن الملح النادرة ولم تحضرني كلّها ما حكي أنّ صبيّاً كان اسمه مرّة، واسم أبيه حنظلة، فقال له أبوه: إنّك لمرّ يا مرّة، فقال له: أعجبتني حلاوة أبي.

ويروى أنّه لمّا أقبل قحطبة بن شبيب نحو ابن أبي هبيرة، أراد ابن أبي هبيرة أن يكتب إلى مروان بخبره وكره أن يسمّيه، فقال: اقلبوا اسمه، فوجدوه "هبط حق"، فقال: دعوه على هيئته.

وقال برصوما البرام لاُمّه: ويحك أما وجدتي لي اسماً تسمّيني به غير هذا؟ فقالت: لو علمت أنّك تجالس الخلفاء والملوك لسمّيتك يزيد بن مزيد.

ودخل شريك بن الأعور على معاوية وهو يختال في مشيته، فقال له معاوية: إنّك لشريك وما لله من شريك، وإنّك ابن الأعور والصحيح خير من الأعور، وإنّك لدميم والوسيم خير من الدميم، فبم سوّدك قومك؟ فقال له شريك: وإنّك معاوية وما معاوية إلاّ كلبة عوت فاستعوت فسمّيت معاوية، وإنّك ابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنّك ابن حرب والسلم خير من الحرب، وأنت ابن اُميّة وما اُميّة إلاّ أمة صغرت فسمّيت اُميّة، فبم صرت أميرالمؤمنين؟ فقال له معاوية: أقسمت عليك إلاّ خرجت عنّي، فخرج وهو يقول:

أيشتمني معاوية بن حرب

وسيفي صارم ومعي لساني

وحولي من ذوي يمن ليوث

ضراغمة تهشّ إلى الطعان

يعيّر بالدمامة من سفاه

وربّات الحجال من الغواني

ذوات الحسن والريبال جهم

شئيم وجهه ماضي الجنان

وقيل: ولد لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ولد ذكر فبُشِّر به وهو عند معاوية بن أبي سفيان، فقال له معاوية: سمّه باسمي ولك خمسمائة ألف درهم، فسمّاه معاوية، فدفعها إليه وقال: اشتر بها لسميّي ضيعةً.

ويقال أنّه ارتفع إلى بعضهم وكان يتشيّع خصمان اسم أحدهما علي والآخر معاوية، فانحنى على معاوية فضربه مائة سوط من غير أن اتّجهت عليه حجّة، ففطن من أين أُتي، فقال: أصلحك الله، سل خصمي عن كنيته، فإذا هو أبو عبد الرحمن، وكانت كنية معاوية بن أبي سفيان، فبطحه وضربه مائة سوط، فقال لصاحبه: ما أخذته منّي بالإسم استرجعته منك بالكنية.

ودخل جرير على الوليد بن عبد الملك وعنده عدي بن الرقاع العاملي، فقال الوليد لجرير: أتعرف هذا؟ قال: لا يا أميرالمؤمنين، قال: هذا عدي بن الرقاع، فقال جرير: شرّ الثياب الرقاع، فممّن هو؟ قال: من عامله، فقال جرير:(عامِلَةٌ ناصِبَة، تَصْلى ناراً حامية)، ثمّ قال:

يقصر باع العاملي عن العُلى

ولكن أير العاملي طويل

فقال له عدي:

أُمّك كانت خبّرتك بطوله

أم أنت امرء لم تدر كيف تقول

ص: 3

فقال جرير: بل لم أدر كيف أقول، فوثب عدي إلى رجل الوليد يقبّلها وقال: أجرني منه، فقال الوليد لجرير: إن ذكرته في شعرك لأسرجنّك ولألجمنّك حتّى يركبك فيعيرك بذلك الشعراء.

وأظنّ أنّ من تتمّة هذه القصّة ما هذا مضمونه: إنّ جريراً لمّا خرج من عند الوليد وإلى جنبه عدي، قال لمن على الباب: كدت أخرج إليكم وهذا القرد على عاتقي.

وقيل لبعض صبيان الأعراب: ما اسمك؟ قال: قراد، قيل: لقد ضيّق عليك أبوك الإسم، قال: إن ضيق الإسم لقد أوسع الكنية. قيل: ما كنيتك؟ قال: أبو الصحاري.

ونظر المأمون إلى غلام حسن الوجه في الموكب، فقال له: ما اسمك؟ قال: لا أدري، قال: يا غلام أو يكون أحد لا يعرف اسمه؟ فقال: يا أميرالمؤمنين اسمي الذي أُعرَفُ به "لا أدري"، فقال المأمون:

وسمّيت لا أدري لأنّك لا تدري

بما فعل الحبّ المبرح في صدري

ومن أبيات المعاني:

وحللت من مضر بأمنع ذروة

منعت بحدّ الشوك والأحجار

قالوا: يريد بالشوك أخواله وهم قتادة وطلحة وعوسجة، وبالأحجار أعمامه وهم صفوان وفهر وجندل.

وجمع ابن دريد ثمانية اسماء في بيت واحد وهو قوله:

فنعم أخ الجلى ومستنبط الندى

وملجأ مكروب ومفزع لاهث

عياذ بن عمرو بن الجليس بن عامر بن زيد بن منظور بن زبد بن وارث وقال بعضهم:

لعمرك ما الأسماء إلاّ علامة

منار ومن خير المنار ارتفاعها

وقال الفرزدق:

وقد تلتقي الأسماء في النّاس والكُنى

كثيراً ولكن ميّزوا في الخلائق

وقال البحتري:

وإذا الأنفس اختلفن فما

يغني اتّفاق الأسماء والألقاب

قال الزمخشري في ربيع الأبرار: إعلم أنّ الإسم كلّما كان غريباً كان أشهر لصاحبه وأمنع من تعلّق النبز به، كما سمّيت "اسما" بنت أبي بكر "ذات النطاقين"، وقد صارت لها هذه الصفة علماً بالتغليب بحيث لم يوجد في نظم الشعراء من وصف به غيرها من النساء، وسمّيت بذلك لأنّها كانت تطارق نطاقاً فوق نطاق عند معاناة الأشغال، أو كانت تظاهر بين نطاقين لزيادة التستّر، أو غير ذلك ممّا هو منقول في محلّه.

قال ابن الأثير في نهايته: المنطق النطاق وجمعه مناطق وهو أن تلبس المرأة ثوبها ثمّ تشدّ وسطها بشيء وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل لئلاّ تعثر في ذيلها، وهذا أليق بالقول الأوّل وهو أنّها تصنع ذلك عند معاناة الأشغال.

وفي القاموس: المنطقة كمكنسة ما ينتطق به وكمنبر وكتاب شقّة تلبسها المرأة وتشدّ وسطها فترسل الأعلا على الأسفل إلى الأرض، والأسفل ينجرّ على الأرض ليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان، وانتطقت لبستها.

قوله: ولا نيفق، نيفق السراويل، الموضع المتّسع منها، وهذا أليق بالوجه الثاني وهو أنّها تصنع ذلك لزيادة التستّر.

وكما سمّيت هنيدة بنت صعصعة "ذات الخمار" وهي عمّة الفرزدق، وكانت تقول: من جاءت بأربعة كأربعتي من نساء العرب يحلّ لها أن تضع خمارها عندهم فصرمتي لها: أبي صعصعة، وأخي غالب، وخالي الأقرع بن حابس، وزوجي الزبرقان بن بدر.

قولها: فصرمتي لها، الصرمة بكسر الصاد وسكون الراء القطعة من الإبل.

وكما سمّي الإسكندر "ذاالقرنين" من حيث ملك الشرق والغرب. وقيل: لكونه رأى في النوم أنّه أخذ بقرني الشمس، أو غير ذلك ممّا ذُكر.

وكما سمّي خزيمة "ذا الشهادتين" وسبب تسميته بذلك أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم استقضاه يهودي ديناراً، فقال له: أولم أقضك؟ فطلب البيّنة، فقال لأصحابه: أيّكم يشهد لي؟ فقال خزيمة: أنا يا رسول الله، فقال: وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه؟ فقال: يا رسول الله إنّا نصدّقك على الوحي من السماء، فكيف لا نصدّقك أنّك قضيته، فأنفذ شهادته وسمّاه بذلك لأنّه صيّر شهادته شهادة رجلين.

وكما سمّي قتادة بن النعمان "ذا العينين" وسبب ذلك أنّه اُصيبت عينه يوم اُحد فسقطت على خدّه، فردّها رسول الله فكانت أصحّ وأحسن من الاُخرى وكانت تعتلّ الباقية ولا تعتل المردودة، فقيل له ذا العينين أي له عينان مكان الواحدة.

وكما يُسمّى الجارح من الطير "ذا النظرتين" لأنّه ينظر ثمّ يطأطأ فإذا أثبت الصيد مكانه قصده.

وكما يُسمّى الجاسوس من الطّير "ذا العينين".

ص: 4

وطاهر بن الحسين "ذا اليمينين" سمّى بذلك لأنّه قال له المأمون: يمينك يمين أميرالمؤمنين وشمالك يمين فبايع بيمينك يمين أميرالمؤمنين. وكتب إليه بعض أصحابه كتاباً عنونه بقوله: للأمير المهذّب المكنّى بأبي الطيب ذي اليمينين طاهر بن الحسين.

والفضل بن سهل "ذا الرياستين" لأنّه دبّر أمر السيف والقلم، وولي رياسة الجيوش والدواوين، ودخل عليه شاعر يوم المهرجان وبين يديه الهدايا، فقال:

اليوم يوم المهرجان

وهديّتي فيه لساتي

لك دولتان قديمة

وحديثة ورياستان

لك في الذرى من هاشم

بيت وبيت خسرواني

علم الخليفة حيث أنت

فصرت في هذا المكان

فأمر له بجميع الهدايا.

وللشعراء تصرّفات عجيبة وتفنّنات غريبة في جملة من الأسماء من تفأل وهجاء وغير ذلك من ظرائف الأنحاء.

قال بعضهم في هجاء من اسمه لؤلؤ:

سمّتك أُمّك لؤلؤ فكأنّها

علمت بأنّك بعد حين تثقب

وسمعت تدعى بالجواد فلم أزل

متعجّباً حتّى رأيتك تُركب

نظير قول بعضهم من جملة أبيات:

إذا قيل في الدنيا جواد فقل نعم

جواد ركوب لا جواد عطاء

وقال الباخرزي في مأبون:

فكأنّه فرعون إلاّ أنّه

من جانب الوجعاء ذوالأوتاد

والوجعاء المراد بها الاُست لا مطلقاً بل أُست المأبون.

وسمع البحتري قول ابن الرومي:

سمّاه أُسرته العلاء وإنّما

قصدوا بذلك أن يتمّ علاه

فقال: أخذه من قولي:

كأنّ أباه حين سمّاه صاعداً

رأى كيف يرقى في المعالي ويصعد

وقال البحتري:

سمّاه سعداً ثمّ لم يسعد به

عمري لقد ألفاه سعد الذابح

ومن ظريف ما يُحكى أنّ شهاب الدين كان يوماً عند الملك الأشرف، فدخل عليه سعدالدين الحكيم، وكانت بينهما وحشة، فقال الأشرف: ما تقول يا شهاب الدين في سعدالدين؟ فقال: إذا كان عندك فهو سعد السعود، وإذا كان على السماط فهو سعد بلع، وفي الخيام عن الضيوف سعد الأخبية، وعند المريض سعد الذابح (وهذه الأربعة في برج الجدي والدلو ينزلها القمر) .

وممّا جاء للشعراء في مدح الأنساب والإفتخار بها في الأشعار قول أبي تمام:

نسب كان عليه من شمس الضحى

نوراً ومن فلق الصباح عمودا

وقول البحتري:

نسب كما اطّردت كعوب مثقف

لدن يزيدك بسطة في الطول

وقول الشريف الرضي:

لهم نسب كاشتباك النجوم

ترى للمناقب فيه ازدحاما

وقول مهيار:

أعجبت بي بين نادي قومها

أُمّ سعد فمضت تسئل بي

سرّها ما علمت من خلقي

فأرادت علمها ما حسبي

لا تخالي نسباً يخفضني

أنا من يرضيك عند النسب

قومي استعلوا على الدهر علاً

ومضوا فوق رؤس الحقب

عمّموا بالشمس هاماتهم

وبنوا أبياتهم بالشهب

وأبي كسرى على أيوانه

أين في الناس أب مثل أبي

سؤدد الملك القدامى وعلى

شرف الإسلام لي والأدب

قد قبست المجد من خير أب

وقبست الدين من خير نبي

وضممت الفخر من أطرافه

سؤدد الفرس ودين العرب

وقولي في نسب بعض أكابر العلويين:

نسب عقدن أصوله

بذوائب العليا فروعه

ولنختم هذا المقام بما قاله أبوالحسين ابن عبد الله السلامي مخاطباً للشريف الرضي، ولعمري إنّ من ألّفت لأجله هذا الكتاب لخليق بذلك الخطاب:

متناسلين وأنت كنت مرادهم

متردّدين إليك في الأصلاب

حتّى ولدت فأغفلوا أنسابهم

وغدى وجودك أشرف الأنساب

وأمّا حسبه: فغرّة في جباه المآثر، وزهرة في رياض الفضل، قد عطّر جيب الدهر بأرجه، ولألأ سماء الشرف بأشعّته.

حسب لو لبست شمس الضحى

نوره ما لبست ثوب غروب

برد فخر وعلى خير الورى

بيّد السؤدد مزور الجيوب

والحسب هو ما يعدّ من مفاخر الآباء أو المال أو الدين أو الكرم أو الشرف في الفعل أو الشرف الثابت في الآباء، وقد يكون الحسب والكرم لمن لا آباء له شرفاء بخلاف المجد، والذي أراه أنّه لا يكمل للمرء فخره بحسبه إلاّ إذا كان له من المآثر ما كان لآبائه، وإلى ذلك يشير قول الشاعر:

إنّا وإن أحسابنا كرمت

لسنا على الأحساب نتّكل

ص: 5

نبني كما كانت أوائلنا

تبني ونفعل مثلما فعلوا

وممّن أجاد في الإفتخار بحسبه أبوالطمحان وذلك حيث قال:

وإنّي من القوم الذين هم هم

إذا مات منهم سيّد قام صاحبه

أضائت لهم أحسابهم ووجوهم

دجى الليل حتّى نظّم الجزع ثاقبه

نجوم سماء كلّما انقضّ كوكب

بدى كوكب تأوى إليه كواكبه

وما زال منّا حيث كان مسوّد

تسير المنايا حيث سارت مواكبه

أخذ قوله: أضائت لهم إلى آخره أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم المعروف بالحصيري القيراوي فنقله من الإفتخار إلى الغزل، فقال:

حتّى إذا طاح منها المرط من دهش

وانحلّ بالظلم نظم العقد في الظلم

تبسّمت فأضاء الليل فالتقطت

حباة منتثر في ضوء منتظم

وأخذ السيّد الرضي فقال:

بتنا ضجيعين في ثوبي هوى وتقى

يلفّنا الشوق من قرن إلى قدم

وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي

مواقع اللثم في داج من الظلم

وقال أبو التمام وأحسن ما شاء في نعت الأحساب:

ما إن ترى الأحساب بيضاً وضحاً

إلاّ بحيث ترى المنايا سودا

وقال أبوطالب المأموني مفتخراً:

أرى مأربكم في نظم قافية

وما أرى لي في غير العلا إربا

عدّوا عن الشعر إنّ الشعر منقصة

لذي العلاء وهاتوا المجد والحسبا

ويشعر بذلك قول أفلاطون الحكيم: من جمع إلى شرف أصله شرف نفسه فقد قضى الحقّ الذي عليه واستدعى التفضيل بالحجّة، ومن أغفل نفسه واعتمد على شرف آبائه فقد عقّهم واستحقّ أن لا يقدم بهم على غيره.

وقوله أيضاً: كما أنّ من كان له سلف في الشجاعة والسخاء لا يستحقّ أن يكرم لسلفه إذا كان جباناً بخيلاً، فكذلك سائر أنواع الشرف لا يستحقّ المنتسب إليها التقديم إلاّ إذا حوى ما يذكر به أسلافه.

وقال أيضاً: السعيد من تمّت به رياسة آبائه، والشقي منهم من انقطعت عنده.

أقول: بل أرى المرء بحسبه أكمل في الفخر إذا زاد بشرف نفسه ذكر آبائه نباهة، وما أحسن قول مهيار في زيادة الابن على آبائه شرفاً:

وجئت بمعنىً زائد فكأنّهم

وما قصروا عن غاية المجد قصّروا

وقوله أيضاً وهو من بدائعه ونوادره، بل هو بالسحر أشبه منه بالشعر، وذلك حيث قال:

إن كنت ممّن طواه الدهر ممترياً

منهم فعندك من منشورهم خبر

هذا الحسين حيوة خلّدت لهم

ما هم بأوّل موتى بابنهم نشروا

صلّى فزادت على السبّاق حلبته

محلّق العرف جار خطوه حضر

كالسهم أحرز ذكراً يوم ترسله

لم يعطه أبواه القوس والوتر

عصارة فضّلت في الطيب طينتها

والخمر أطيب شيء منه يعتصر

قوله: جار خطوه حضر أي واسع.

وأمّا أصله: فأقول إنّه تفرّع عن أصل تروّت بماء الكرم أرومته، ونمت في طينة الشرف جرثومته، وبسقت أراكة شرفه في آفاق المآثر آخذةً بأطراف المفاخر، فتفيّأ العفاف ظلّ أفنانها، واجتنت أكفّ الآمال ثمار أغصانها.

كريم تفرّع عن دوحة

ذكى في العلا طيب أعراقها

وكم قد تغنّت بأحلى المديح

حمام الثناء على ساقها

وعلى ذكر الأصل ما رواه الصلاح الصفدي في شرح لامية العجم، قال: نقلت من بعض مجاميع القاضي شمس الدين بن خلّكان قال: أنشدني بعض الاُدباء في الجمال أبي الحسين الجزّار ولا أعرف قائله ولا الأبيات المضافة إليه، فقلت لأبي الحسين ذلك، وقلت إن كنت تعرف ذلك فأنشدنيه وعرّفني قائله، فقال: وما البيت؟ فأنشدته:

فليس يرجوه نمير كلب

وليس يخشاه نمير تيس

قال: فاستحسن ذلك المعنى، وجائني ثاني يوم وقال: قد عملت أبياتاً، وأنشدني قوله:

ألا قل للذي يسئل

عن قومي وعن أهلي

يريقون دم الأنعام

في حزن وفي سهل

وما زالوا لما يبدون

من بأس ومن بذل

يرجّيهم بنو كلب

ويخشاهم بنو عجل

قال الصلاح: وأوّل البيتين اللّذَين أوردهما ابن خلّكان هو:

إن تاه جزّاركم عليكم

بفطنة في الورى وكيس

ص: 6

وثانيهما البيت الذي مرّ ذكره، وهما لمجاهد الخيّاط، وله في أبي الحسين المذكور عدّة مقاطيع يهجوه بها، وقد عبث الناس بأبي الحسين وهجاه من أهل عصره خلق كثير بالشعر والأرجاز، وما كان في طبقته ممّن هجاه من يقاربه في النظم.

ولأبي الحسين الجزّار أيضاً وهو في غاية الحسن:

إنّي لمن معشر سفك الدماء لهم

دأب وسل بهم إن شئت تصديقي

تضيء بالدم أشراقاً عراصهم

وكلّ أيّاهم أيّام تشريق

ومن هذا الباب ما قال بعضهم فيمن كان أبوه حجّاماً وهو في غاية الظرافة:

أبوك أوهى النجاة عاتقه

وكم كمي أردى وكم بطل

له رقاب الملوك خاضعة

من بين حاف وبين منتعل

يأخذ من مالها ومن دمها

لم يمس من ثاره على وجل

ومن الحكايات اللطيفة في هذا الباب ما رواه الصلاح الصفدي عن بعضهم قال: كنت جالساً عند بعض ولات الطوف ليلة، فجاء بعض غلمانه إليه برجلين فقال لأحدهما: من أبوك؟ فقال:

أنا ابن الذي لا تنزل الدهر قدره

وإن نزلت يوماً فسوف تعود

ترى الناس أفواجاً على باب داره

فمنهم قيام حولها وقعود

فقال الوالي: ما كان أبو هذا إلاّ كريماً، ثمّ قال للآخر: من أبوك؟ فقال:

أنا ابن من دانت الرقاب له

مابين مخزومها وهاشمها

خاضعةً أذعنت لطاعنه

يأخذ من مالها ومن دمها

فقال الوالي: ما كان أبو هذا إلاّ شجاعاً وأطلقهما، فلمّا انصرفا قلت للوالي: أمّا الأوّل فكان أبوه يبيع الباقلاء المصلوقة، وأمّا الثاني فكان أبوه حجّاماً، فقال الوالي:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا

يغنيك مضمونه عن النسب

إنّ الفتى من يقول ها أنا ذا

ليس الفتى من يقول كان أبي

وفي معنى هذين البيتين ما روي أنّ الخصيب صاحب مصر سأل أبا نؤاس عن نسبه، فقال: أغناني أدبي عن نسبي.

وممّا يناسب هذا المعنى قول المتنبي:

لا بقومي شرّفت بل شرّفوا بي

وبجدّي فخرت لا بجدودي

وبهم فخر كلّ من نطق الضاد

وعوذ الجاني وغوث الطريد

ويقال لمن يفخر بنفسه هو "عصامي" إشارة إلى قول النابغة في عصام حاجب النعمان:

نفس عصام سوّدت عصاما

وعلّمته الكرّ والإقداما

وصيّرته ملكاً هماما ويقال لمن يفخر بآبائه "عظامي" إشارة إلى فخره بالأموات من آبائه ورهطه، قال الشاعر:

إذا ما الحي عاش لعظم ميت

فذاك العظم حيّ وهو ميت

ودخل عبيد الله بن زياد التميمي على أبيه وهو يجود بنفسه، فقال: ألا اُوصي بك الأمير؟ فقال: إذا لم يكن للحي إلاّ وصيّة الميّت فالميّت هو الحي.

ويقال: إنّ عطاء بن سفيان قال ليزيد بن معاوية: أغنني عن غيرك، قال: حسبك ما أغناك به معاوية، قال: فهو إذاً الحي وأنت الميّت.

قال علي عليه السلام: من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

وقال عليه السلام: من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب آبائه.

قال الشاعر:

لئن فخرت بآباء ذوي حسب

لقد صدقت ولكن بئسما ولدوا

وكان يقال: أجهل الناس من افتخر بالعظام البالية، وتبجح بالقرون الماضية، واتّكل على الأيّام الخالية.

وكان يقال: من طريف الاُمور حيّ يتّكل على ميّت.

وكان يقال: ضعة الدني في نفسه الرفيع في أصله أقبح من ضعة الوضيع في نفسه وأصله، لأنّ هذا تشبه بآبائه وسلفه وذاك قصر عن أصله وسلفه، فهو إلى الملامة أقرب وعن العذر أبعد.

وافتخر شريف بآبائه فقيل له: لو وفّقت لما ذكرت أباك لأنّه حجّة عليك تنادي بنقصك وتقرّ بتخلّفك.

وكان جعفر بن يحيى يقول: ليس من الكرام من افتخر بالعظام.

وقال الفضل بن الربيع: كفى بالمرء عاراً أن يفتخر بغيره.

وقال: من افتخر بآبائه فقد نادى على نفسه بالعجز، وأقرّ على نفسه بالدنائة.

وقيل لرجل يدلّ بشرف أبيه: لعمري لك أوّل ولكن ليس لأوّلك آخر.

ومثله: إنّ شريفاً بآبائه فاخر شريفاً بنفسه، فقال الشريف بنفسه: إنتهى إليك شرف أهلك ومنّي ابتدء شرف أهلي، وشتّان بين الإبتداء والإنتهاء.

وقيل لشريف ناقص الأدب: إنّ شرفك بأبيك لغيرك، وشرفك بنفسك لك، فافرق بين ما لك وما لغيرك، ولا تفرح بشرف النسب فإنّه دون شرف الأدب.

قال ابن الرومي:

ص: 7

وما الحسب الموروث لا درّ درّه

بمحتسب إلاّ بآخر مكتسب

إذا العود لم يثمر وإن كان شعبة

من المثمرات اعتدّه الناس في الحطب

وقال آخر:

وما فخري بمجد قام غيري

إليه وقد رقدت الليل عنّه

إلى حسب الفتى في نفسه انظر

ولا تنظر هديت إلى ابن من هو

وقال آخر:

إذا فخرت بآبائي وأجدادي

فقد حكمت على نفسي لأضدادي

هل نافعي إنّ سعي جدّي لمكرمة

ونمت عن أختها في جانب الوادي

وقال آخر:

أيقنعني كوني ابن من كوني ابنه

أبى لي أن أرضى لفخري بمجده

إذا المرء لم يحو العلاء بنفسه

فليس بحاو للعلاء بجدّه

وهل يقطع السيف الحسام بأصله

إذا هو لم يقطع بصارم حدّه

ويقال لمن يفخر بغير أولية كانت له "خارجي"، قال كثير العبد العزيز:

أبا مروان لست بخارجي

وليس قديم مجدك بانتحال

وأمّا بيته: فأقول إنّه نشأ في بيت رفعت يد العزّ على أوّل الدهر قواعده، وطهرت للطائفين والعاكفين محاريبه ومساجده، ووقّرت الهيبة مجلسه، وزهرت به بشاشته المؤنسه، فلا ينطق نديّه العوراء، ولا تمرّ بأطراف سماطه البذائة والفحشاء، ومن كان له هذا البيت صدق فيه بيت الأرجاني:

وأحسن حلية بيت حديث

يصاغ لمن له بيت قديم

بيتٌ هو معرس السفر، ومغرس الحمد والشكر، ومجتمع الرغائب، ومنتجع المواهب.

بيت مجد إن حوى شكر الورى

فعلى معروفه كانوا عيالا

لم يكن للجود إلاّ مطلعاً

يملأ العين هلالاً فهلالا

ولقد أجاد الإفتخار في بيته الفرزدق بن غالب وذلك حيث قال:

إنّ الذي سمك السماء بنى لنا

بيتاً دعائمه أعزّ وأطول

بيتاً زرارة محتب بفنائه

ومجاشع وأبوالفوارس نهشل

حدّث سلمة بن عياض مولى بني عامر بن لوي قال: دخلت على الفرزدق السجن وهو محبوس وقد قال قصيدته التي منها:

إنّ الذي سمك السماء بنى لنا

بيتاً دعائمه أعزّ وأطول

بيتاً بناه لنا المليك وما بنى

ملك السماء فانّه لا ينقل

وقد أُفحم، فقلت: ألا أرفدك؟ فقال: وهل عندك ذاك؟ قلت: نعم، ثمّ قلت:

بيتاً زرارة محتب بفنائه

ومجاشع وأبوالفوارس نهشل

فاستجاد البيت وغاظه قولي، فقال لي: ممّن أنت؟ فقلت: من قريش، قال: من أيّها؟ قلت: من بني عامر بن لوي، فقال: لئام والله وضيعة جاورتهم بالمدينة فما أحمدتهم، فقلت: ألأم والله منهم وأوضع قومك، جائك رسول مالك بن المنذر وأنت سيّدهم وشاعرهم فأخذ بأُذنك يقودك حتّى حبسك فما اعترضه أحد ولا نصرك، فقال: قاتلك الله ما أمكرك، وأخذ البيت وأدخله في قصيدته.

وحدّث أبو مالك الرواية قال: سمعت الفرزدق يقول: أبق غلامان لرجل منّا يقال له النضر، فحدّثني قال: خرجت في طلبهما وأنا على ناقة لي عيساء كوماء أُريد اليمامة، فلمّا صرت في ماء لبني حنيفة يقال له الصرصران، ارتفعت سحابة فأرعدت وأبرقت وأرخت عزاليها، فعدلت إلى بعض ديارهم وسألت القرى، فأجابوا، فدخلت داراً لهم وأنخت راحلتي وجلست تحت ظلّة لهم من جريد النخل، وفي الدار لهم جويرية سوداء إذ دخلت جارية كأنّها سبيكة فضّة وكأنّ عينيها كوكبان درّيّان، فسألت الجارية: لمن هذه العيساء - تعني ناقتي -؟ فقيل: لضيفكم هذا، فعدلت إليّ وسلّمت عَلَيّ، فرددت عليها السلام، فقالت: ممّن الرجل؟ فقلت: من بني حنظلة، فقالت: من أيّهم؟ فقلت: من بني نهشل، فتبسّمت وقالت: أنت إذاً ممّن عناه الفرزدق بقوله، وذكرت الأبيات السابقة، قال: فقلت: نعم جعلت فداك وأعجبني ما سمعت منها، فضحكت وقالت: فإنّ ابن الخطفي قد هدم عليكم بيتكم هذا الذي قد فخرتم به وذلك حيث يقول:

أخزى الذي رفع السماء مجاشعاً

وبنى بناءً بالحضيض الأسفل

بيتاً يحمّم قينكم بفنائه

دنساً مقاعده خبيث المدخل

قال: فوجمت، فلمّا رأت ذلك في وجهي قالت: لا بأس عليك فإنّ الناس يقال فيهم ويقولون، ثمّ ساقت حديث اليمامة وقصّة ابن عمّها عمرو بن كعب بن عمرو بن محرق بن النعمان بن المنذر بن ماء السماء.

رجع إلى ما كنّا فيه: قال بعضهم وأحسن كلّ الإحسان بقوله مفتخراً:

ص: 8