الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أراد الحطيئة بقوله: إن كانت أُمّك قدمت الحجاز فقد وقعت عليها وكنت منّي، وأراد الفرزدق بقوله: قدمه أبي أي وقع بأُمّك فكنت أنت أخي.
وروي عن الشعبي أنّه قال: قاتل الله أباالأسود ما كان أعفّ أطرافه وأحضر جوابه، دخل على معاوية في النخيلة، فقال له معاوية: أكنت ذكرت للحكومة؟ قال: نعم. قال: فما كنت صانعاً؟ قال: كنت أجمع ألفاً من المهاجرين وأبنائهم وألفاً من الأنصار وأبنائهم ثمّ أقول: يا معشر من حضر أرجل من المهاجرين أحقّ أم رجل من الطلقاء، فلعنه معاوية وقال: الحمد لله الذي كفاناك.
وروي أنّ أباالأسود طلب أن يكون في الحكومة وقال لأمير المؤمنين في وقت الحكمين: يا أمير المؤمنين! لا ترض لأبي موسى فإنّي قد عجمت الرجل وبلوته وحلبت أشطره فوجدته قريب القعر مع أنّه يمان وما أدري ما يبلغ نصحه فابعثني فإنّه لا يحلّ عقدة إلاّ عقدت له أشدّ منها وإنّهم قد رموك بحجر الأرض، فإن قيل إنّه لا صبحة لي فاجعلني ثاني اثنين فليس صاحبهم إلاّ من تقرّب وكان في الخلاف عليهم كالنجم، فأبى عليه السلام.
وروى محمّ بن يزيد النحوي أنّ أباالأسود كان نازلاً في بني قشير وكانوا يخالفونه في المذهب لأنّ أباالأسود شيعيّاً، فكانوا يرمونه بالليل فإذا أصبح شكا ذلك، فشكا مرّة فقالوا له: ما نحن نرميك ولكنّ الله يرميك. قال: كذبتم، لو كان الله يرميني ما أخطأني.
وقال عتبة بن أبي سفيان لعبد الله بن عبّاس: ما منع علي بن أبي طالب عليه السلام أن يجعلك أحد الحكمين؟ قال: أما والله لو بعثني لاعترضت مدارج أنفاسه أطير إذا أسفَّ وأسفُّ إذا طار، ولعقدت له عقداً لا تنقض مريرته ولا يدرك طرفاه ولكنّه سبق قدر ومضى أجل والآخرة خير لأمير المؤمنين عليه السلام من الدّنيا.
وقال أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام لكثير: امتدحت عبد الملك بن مروان؟ فقال له: لم أقل له يا إمام الهدى وإنّما قلت له: يا شجاع، والشجاع حيّة، ويا أسد، والأسد كلب، ويا غيث، والغيث موات. فتبسّم أبو جعفر من قوله.
الباب العاشر في قافية الراء
وفيها خمسة فصول
الفصل الأوّل في المديح
قلت في مدحه هذه القطعة:
أيّامنا بك بيض كلّها غرر
…
وعيشنا بك غضّ مونق نضر
ووجهك المتجلّي للندى مرحاً
…
من نوره تستمدّ الشمس والقمر
يا شمس دارة أُفْق المجد كم لك من
…
صنايع لم تكن في العدّ تنحصر
لله كم لك من معنىً تحير في
…
إدراكه العقل والأوهام والفكر
قد قلت للمبتغي جهلاً علاك لقد
…
جريت لكنَّ عنها شأنك القصر
تبغي على ماجد ما رامه أحد
…
إلاّ وعاد بطرف عنه ينحسر
ذاك الذي ما جرى يوماً لنيل علىً
…
إلاّ وقصّر عن إدراكه البصر
كم زرته فرأيت الأرض قد جمعت
…
في مجلس لفتىً فيه استوى البشر
في العسر واليسر فيه لم يخب أملٌ
…
ولا تغيّر من أخلاقه الغير
كأنّما صلة الوفّاد واجبة
…
عليه نصّت بها الآيات والسّور
لولاه أصبحت الدنيا بأجمعها
…
ما للسماح بها عين ولا أثر
فليس في السحب من بخل إذا انقشعت
…
لكنّها لحياء منه تستتر
أقول: قد اشتملت هذه المقطوعة على القسم الثاني من الإبداع، والإبداع هو أن يخترع المتكلّم معان غير مسبوق إليها.
قال عبد الحميد: خير الكلام ما كان لفظه فحلاً ومعناه بكراً.
وهو أي الإبداع ضربان: أحدهما: ما يبتدع عند الحوادث المتجدّدة.
لمّا بنى عبد الملك باباً للمسجد الأقصى والحجّاج آخر مثله بإزائه فاحترق باب عبد الملك بالصاعنة دونه فشقّ ذلك عليه، فكتب إليه الحجّاج: وما مثلي ومثلك إلاّ كمثل ابني آدم إذ قرّبا قرباناً فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر، فسري عنه.
ولمّا عصفت الريح بخيمة سيف الدولة وكانت خيمة كبيرة، سقطت، فتطيّر من ذلك، فقال المتنبّي من جملة قصيدة:
تضيق بشخصك أرجاؤها
…
ويركض في الواحد الجحفل
ولا تنكرنَّ لها صرعةً
…
فمن فرح النفس ما يقتل
ولمّا أمرت بتطنيبها
…
أشيع بأنّك لا ترحل
فما اعتمد الله تقويضها
…
ولكن أشار بما تفعل
أي أشار بما تفعله من الإرتحال.
وممّا اتّفق لي في وصف خيمة تنصب على صحن دار سيّدنا المهدي الشهير بالقزويني في العشر الأوائل من المحرّم لإمامة مأتم الحسين عليه السلام وكانت الخيمة أوّل عام سوداء ثمّ جعل مكانها في العام الثاني بيضاء، فقلت في ذلك:
اليوم قد صوّت ناعي الهدى
…
يفصح بالنعي ولا يكنّي
بنعي قتيل الطف عند ابنه
…
المهدي مولى الإنس والجنِّ
وقائل ذا السقف ما باله
…
ابيضَّ وعهدي فيه كالدجن
قلت رأى المهدي مستشعر ال
…
سواد حزناً باكي الجفن
فصار عيناً كلّه للبكا
…
وها هي ابيضّت من الحزن
وكان الإمام فخرالدين الرازي يجلس للوعظ إذ أقبلت حمامة وخلفها صقر فألقت نفسها في حجر الإمام، فقال ابن عنين:
جائت سليمان الزمان حمامة
…
والموت يلمع من جناحي خاطف
من نبأ الورقاء إنّ محلّكم
…
حرمٌ وإنّك ملجأ للخائف
وزارني بعض الأكابر ليلاً فاشتدّ هبوب الريح وارتفع غبار كثير، فقلت في ذلك:
بوركت عشيّة زار فيها
…
فمرّ المجد ربعنا فأضاء
وأظنّ الرّياح قد حسدتنا
…
فهي وجداً تنفّس الصّعداء
وروى المرزوقي أنّ أبا تمام أنشد المعتصم قصيدته التي يقول فيها:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
…
في حلم أحنف في ذكاء إياس
وكان إسحاق الكندي حاضراً فقال: أمير المؤمنين أكبر من كلّ من شبّهته به، فزاد بديهاً:
لا تنكروا ضربي له من دونه
…
مثلاً شرودا في الندى والبأس
فالله قد ضرب الأقلّ لنوره
…
مثلاً من المشكاة والنبراس
فتعجّب الحاضرون من فطنته وذكائه.
وثانيهما: ما يبتدع من غير شاهد حال. قال المتنبّي في كافور:
فجائت بنا إنسان عين زمانه
…
وخلت بياضاً خلفها ومآقيا
وقال أيضاً:
صدمتهم بخميس أنت غرّته
…
وسمهريّته في وجهه غمم
فكانت أثبت ما فيه جسومهم
…
يسقطن حولك والأرواح تنهزم
وقال التهامي:
ألا إنّ طيّاً للمكارم قبلة
…
وحسان منها ركنها ومقامها
تزاحم تيجان الملوك ببابه
…
ويكثر في يوم السلام زحامها
إذا عاينته من بعيد ترجّلت
…
وإن هي لم تفعل ترجّل هامها
وجاء قول بعض المغاربة في الحمر أبدع ما يكون:
ثقلت زجاجات أتتنا فرّغاً
…
حتّى إذا ملأت بصرف الراح
خفّت فكادت أن تطير بما حوت
…
وكذا الجسوم تخفّ بالأرواح
وروي أنّ أبا نؤاس مرّ على أديب يفيد النّاس بشعره، فلمّا افتتح قوله في الخمر:
ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر
…
ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهر
وقف وقال: أُنظر ما عساه يقول. فقال الأديب: أشار الشاعر بقوله: وقل لي هي الخمر إلى حظّ حس السمع ليحظى بتمام حسّه، فتعجّب منه أبو نؤاس وقال: ما هجس هذا المعنى في خلدي.
وقال الأصمعي: قال لي الرشيد: قد أحسن الأخطل في قوله:
تدبّ دبيباً في العظام كأنّما
…
دبيب نمال في نقاً يتهيّل
فقلت: أحسن منه قول أبي نؤاس:
إذا ما أتت دون اللهاة من الفتى
…
دعا همّه من صدره برحيل
والإبداع في هذه المقطوعة من هذا القسم قولي:
وليس بالسحب من بخل إذا انقشعت
…
لكنّها لحياء منك تستر
نبذة من بدايع النحويّين: دخل رجل مجلس كافور فقال: أدام الله أيّام سيّدنا - بكسر الميم - ففطن الناس فقال:
لا غرو إن لحن الداعي لسيّدنا
…
وغصّ من دهش بالريق أو بهر
فقد تفألت من هذا لسيّدنا
…
والفال مأثورة عن سيّد البشر
بأن أيّامه خفضٌ بلا نصب
…
وإنّ أوقاته صفو بلا كدر
وقال المتنبّي:
حولي بكلّ مكان منهم خلق
…
تخطي إذا جئت في استفهامها بمن
وقال أيضاً:
إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعاً
…
مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم
أي إذا نوى أمراً يفعله مضى قبل أن يقال لا تفعل أو لم تفعل لأنّه لم يسبق إلى ما يهمّ به نهي أو فتور. ولمح الصفي في هذا المعنى في قوله وهو ما نحن فيه:
ما شدّد النون الثقيلة إنّه
…
إن قال يسبق فعله التأكيدا
وقال بعضهم:
كأنّ النوى إذ نادت الدمع رخّمت
…
ولا أثر فيها أجاب على العين
وأوضح هذا المعنى من قال:
عجبت من دمعتي وعيني
…
من قبل بين وبعد بين
قد كان عيني بغير دمع
…
فصار دمعي بغير عين
وقال الآخر:
طيب الهواء ببغداد يشوّقني
…
قدماً إليها وإن عاقت معاذيري
فكيف صبري عنها الآن إذ جمعت
…
طيب الهوى بين ممدود ومقصور
وقال ابن عنين:
مال ابن مازة دونه لعفاته
…
خرط القتادة أو مناط الفرقد
مالٌ لزوم الجمع يمنع صرفه
…
في راحة مثل المنادي المفرد
وقال ابن أبي الأصبع:
أيا قمراً من حسن وجنته لنا
…
وظلّ عذاريه الضحى والأصائل
جعلتك بالتمييز نصباً لناظري
…
فهلاّ رفعت الهجر والهجر فاعل
تنقّلت من طرفي لقلبي مع النوى
…
وهاتيك للبدر التمام منازل
فلقد أبدع في قوله: من طرفي لقلبي، لأنّ القلب والطرف من منازل القمر، والطرف رائد القلب. وقال الأرجاني في هذا المعنى وإن لم يكن ممّا نحن فيه:
إن تغش طرفي وقلبي نازلاً بهما
…
فالطرف والقلب كلٌّ منزل القمر
واستأذن رجل سيبويه فلم يأذن له وقيل: ينصرف. فقال: اسمي أحمد وهو لا ينصرف. فقيل: أحمد في المعرفة لا ينصرف وأمّا في النكرة فمنصرف.
ولنرجع إلى ذكر المدائح: قلت في مدحه هذه القصيدة وأرسلتها إليه:
عين فتّانة لها القلب خدر
…
سحرتني وأعين الغيد سحر
طفلة الحيّ شأنها اللهو لكنْ
…
حالتا لهوها خضابٌ وعطر
أقرأتني الجمال حرفاً فحرفاً
…
وهو في صدرها المطرّز سطر
وجلت لي وما سوى الثغر كاسٌ
…
وسقتني وما سوى الريق خمر
وهدتني بوجهها وهو بدر
…
تحت ليل أضلّني وهو شعر
نشرته دلاً على ولفتني
…
عناقاً فلذَّ لفٌّ ونشر
ياسقى عهدها حيّاً من ثنايا
…
ها ودمعي له وميض وقطر
جرحتني بلحظها ثمّ قالت
…
هل لجرح الهوى بقلبك سبر
لا وكاسي محمد حسن الفخر
…
بقلبي جرح الهوى مستمرّ
حيّ في مطلع السماح هلالاً
…
عن عيون الراجين لا يستسرّ
مستهلاًّ على يد اليمن فيه
…
بارك السعد وهو طهرٌ أغرّ
ونمى في العلاء غصن صباه
…
وهو من ريق المحاسن نضر
ما نضى بردة الشباب ومنه
…
ملؤ برد الزمان مجد وفخر
خلفكم يا مشائخ الحزم عجزاً
…
فات سبقاً كهل التجارب غرّ
من إذا حلبة الخطابة فيها
…
فمّه والخصوم سبق وحضر
قال بالفصل ناطقاً فأرموا
…
وادّعى الففضل سابقاً فأقرّوا
ورأوا نثره الفريد فقالوا
…
أكلامٌ يفيه أم فيه درّ
يده ليس تألف الدرهم المض
…
روب مكثاً لكن عليها يمرّ
كره البخل مذ ترعرع حتّى
…
سمعه عن سماع لا فيه وقر
وإلى الآن ليس يدري سوى قول
…
"بلى" منذ قالها وهو ذرّ
ذو محيّاً يكاد يقطر ماء ال
…
بشر منه لو كان للبشر قطر
وسجاياً كالروض باكره الطلُّ
…
نسيم الصبا عليه يمرّ
فهو والمكرمات روح وجسم
…
ووشاح يزينها وهي خصر
وبإيداعها له السرّ لطفٌ
…
وبتفويضها له الأمر جبر
يا أخا المكرمات وهو نداء
…
أجد المكرمات فيه تسرّ
هاك سيّارة مع الريح لكن
…
تلك شر رواحها وهي دهر
بنت فكر على النوى لك أمت
…
لم يلد مثلها لمثلك فكر
كلّما أثقل الحيا من خطاها
…
خفّ فيها هوىً إليك مبرّ
حيّها خير ما اجتليت عروساً
…
بنت يوم قبولها منك مهر
أخت عذر جائت على العتب تسعى
…
ألها إن تأخّرت عنك عذر
وقلت في أبيه محمّد الصالح هذه القصيدة الفائقة بمحاسنها الرائقة:
بنور وجهك لا بالشمس والقمر
…
أضاء أُفق سماء المجد والخطر
وفي البريّة عن معروفك انتشرت
…
رواية الشاهدين السمع والبصر
تحدّثوا عنك حتّى أنّ كلَّ فم
…
به عبير شذىً من نشرك العطر
وخلقك الروضة الغنّاء ترهم في
…
نطاف بشرك لا في ريق المطر
وكفّك البحر ما غاض الرجاء به
…
إلاّ وأبرز منه أنفس الدرر
ودار عزّك تغدوا الوفد ناعمة
…
فيها بأرغد عيش مونق نضر
بها الضيوف تحيي منك أكرم من
…
يعطي الرغائب من بدوِ ومن حضر
حيث الجفان على بعد تضيء بها
…
للطارقين ضياء الأنجم الزهر
لقد غدا الأُفق العلويّ يحسدها
…
على مواقدها في سالف العصر
وودّض لو أنّها كانت له بدلاً
…
من الكواكب حتّى الشمس والقمر
فالشهبوالبدر يطفي الصبح ضوئهما
…
والشمس في الليل لم تشرق ولم تنر
لكنَّ دارك لم تبرح مواقدها
…
مضيئة تصل الأصباح بالسحر
ما زلت ترفع فيها للقرى كرماً
…
ناراً شكا الأُفق منها لافح الشرر
يا مقرض الله في عصر به وثقت
…
بنوا الزمان بكنز البيض والصفر
يفدي يديك ابن حرص لا حياء له
…
يلقى العفاة بوجه قدَّ من حجر
جرى لعلياك من جهل فقلت له
…
لقد جريت ولكن جري منحدر
سما بك الحظ لكن عن علاء أبي ال
…
مهدي حطّك ذلّ العجز والخور
أنت المعذّب بالأموال تجمعها
…
خوف البغيضين من فقر ومن عسر
وهو المفرّق ما يحويه مدّخرا
…
كنز الخطيرين من حمد ومن شكر
مهذّب يتبع النعمى بثانية
…
دأباً وجود سواه بيضة العقر
يا ناظراً سير الأمجاد دونك خذ
…
منه العيان ودع ما جاء في السير
تجد به من أبيه كلّ مأثرة
…
ما للحيا مثلها في الجود من أثر
له مناقب مجد كلّها غرر
…
في جبهة الدهر بل أبهى من الغرر
ينمى إلى طيبي الأعراق من عقدوا
…
على العفاف قديماً طاهر الأزر
خذوا بني الشرف الوضّاح كاعبة
…
مولودة الحسن بين البدو والحضر
لم تجلَ في مجلس إلاّ بوصفكم
…
تبسّمت كابتسام الروض بالزهر
أن يصد نقص أناس فكر مادحهم
…
ففضلكم صيقل الألباب والفكر
لا زال بيت علاكم للورى كرماً
…
تحجّه الوفد مأموناً من الغير
ومن الشعر الأجنبي القصيدة الرائيّة التي قلتها في الثناء العاطر على صدر الوزارة الأعظم وقد سبقت الإشارة إليها في حرف الحاء عند ذكر الحائية التي قلتها في صبحي بك، والرائيّة هذه:
أحقُّ بالعزّ من لا يرهب الخطرا
…
ولا يعاقد إلاّ البيض والسمرا
والسيف أجدرُ أن يستلّه لوغىً
…
من ليس يغمده أو يدرك الظفرا
وأبيض العرض من في كفّه صدرت
…
بيض القواضب من فيض الدما حمرا
لم تقض من وصله بكر العلى وطراً
…
حتّى من الهام يقضي سيفه وطرا
وحوزة الملك أولى في حياطتها
…
من بات في حفظها يستعذب السهرا
وذي الرعيّة أحرى في سياستها
…
من بالتجارب غور الدهر قد سبرا
ولى يملك يوماً رقَّ مملكة
…
من ليس يملأ منها السمع والبصرا
ولا تراض أقاليم البلاد لمن
…
لم تسق من خلقيه الصفو والكدرا
والحلُّ والعقد لم يورد صوابهما
…
إلاّ الّذي ثقةً عن رأيه صدرا
أما نظرت لسلطان البريّة من
…
على الرعيّة ظلّ العدل قد نشرا
كيف اغتدى مورداً أسرار حضرته
…
صدراً أحاط بأسرار النهى خبرا
فقال خذ منصباً أُمّ العلى نصبت
…
أسرّة لك فيه الأنجم الزهرا
هذي الوزارة فاحلل في ذوائبها
…
فالحزم للشمس إن تستوزر القمرا
فقام في رأيه والسيف يجمع من
…
أطراف مملكة الإسلام ما انتُشرا
مؤيّداً بجنود من مهابته
…
قد انتضى معه آرائه زبرا
إن يجر في حلبات الرأي مبتدراً
…
أخلت له الوزراء الورد والصدرا
وسلّمت لعلاه الأمر مذعنةً
…
لما يقول نهى أن شاء أو أمرا
ذو غرمة مثل صدر السيف باترة
…
لو لاقت الدهر قرناً عمره انبترا
رعى المحبّين فيها البدو والحضرا
…
وروّع المبغضين الروم والخزرا
قد قلّد الملك منه سيف ملحمة
…
لو يقرع الصحر بأساً بالدما انفجرا
كم خاض بحر وغىً بالحزم محتزماً
…
بالنقع ملتثماً بالصبر متّزرا
في جحفل إن سرى ضاقت بأوّله
…
الدنيا وآخره لم يدرَ أين سرى
وجاء والهمّة العلياء فيه أتت
…
كالسيل من قلل الأجبال منحدرا
فعال منتصر لله قام بها
…
في الله منتهياً لله مؤتمرا