المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المديح - العقد المفصل

[حيدر الحلي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌فصل في نسبه وحسبه وأصله وشرف بيته

- ‌فصل في كرمه وأخلاقه

- ‌فصل في حلمه ونهاه ووقاره وحجاه

- ‌فصل في تجاربه وذكائه

- ‌فصل في فصاحة لسانه وبلاغة بيانه

- ‌فصل في نعت نثره ونظمه

- ‌فصل في إثبات فصول من نثره وعقود من نظمه

- ‌الباب الأوّل في قافية الألف

- ‌وتشتمل على فصول

- ‌فصل في المديح

- ‌الفصل الثاني في الرثاء

- ‌الفصل الثالث في الغزل

- ‌الباب الثاني في قافية الباء

- ‌وفيها فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌فصل في التهنية

- ‌فصل في الرثاء

- ‌فصل في الغزل

- ‌الباب الثالث حرف التاء

- ‌وفيه فصول

- ‌فصل في المديح

- ‌الفصل الثاني في الغزل

- ‌الفصل الثالث في شكوى الزمان وعدم نباهة الحظ

- ‌الفصل الرابع في الهجاء

- ‌الباب الرابع في قافية الثاء

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في الإستغاثة

- ‌الباب الخامس في قافية الجيم

- ‌وفيها فصل واحد في المديح

- ‌الباب السادس في قافية الحاء

- ‌وفيها ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌فصل في الرثاء

- ‌فصل في الغزل

- ‌فصل في الإستغاثة

- ‌الباب السابع قافية الخاء

- ‌وفيها فصلان المديح والغزل

- ‌أمّا المديح

- ‌وأمّا الغزل

- ‌الباب الثامن حرف الدال

- ‌وفيه فصول

- ‌فصل في المديح

- ‌فصل في الرثاء

- ‌الباب التاسع في قافية الذال

- ‌وفيها فصل واحد وهو في الثناء

- ‌الباب العاشر في قافية الراء

- ‌وفيها خمسة فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌فصل في التهاني

- ‌فصل في الرثاء

- ‌فصل في الغزل

- ‌الفصل الخامس في الهجاء

- ‌الباب الثاني عشر في قافية السين

- ‌وفيها فصل في المديح

- ‌الباب الثالث عشر في قافية الشين

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في الرثاء

- ‌الباب الرابع عشر في قافية الصاد

- ‌وفيها فصل في المديح

- ‌الباب الخامس عشر في قافية الضاد

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهنية

- ‌الباب السادس عشر في قافية الطاء

- ‌وفيها فصل في المديح

- ‌الباب السابع عشر في قافية الظاء

- ‌وفيها فصل في المديح

- ‌الباب الثامن عشر في قافية العين

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهاني

- ‌الفصل الثالث في الحماسة

- ‌الباب التاسع عشر في قافية الغين

- ‌وفيها فصل في المديح

- ‌نبذة من نوادر الحمقاء

- ‌الباب العشرون في قافية الفاء

- ‌وفيها ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهنئة

- ‌الفصل الثالث في الرثاء

- ‌الباب الحادي والعشرون في قافية القاف

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهنئة

- ‌الباب الثاني والعشرون في قافية الكاف

- ‌وفيها فصل واحد في المديح

- ‌الباب الثالث والعشرون في قافية اللام

- ‌وفيها فصلان

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهنية

- ‌الباب الرابع والعشرون في قافية الميم

- ‌وفيها أربع فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في التهنية

- ‌الفصل الثالث في الرثاء

- ‌الفصل الرابع في الإعتذار

- ‌الباب الخامس والعشرون في قافية النون

- ‌وفيها ثلاثة فصول

- ‌الفصل الأوّل في المديح

- ‌الفصل الثاني في الرثاء

- ‌الباب السادس والعشرون في قافية الواو

- ‌وفيها فصل واحد في المديح

- ‌الباب السابع والعشرون في قافية الهاء

- ‌وفيها فصل واحد في المدح

- ‌الباب الثامن والعشرون في قافية الياء

- ‌وفيها فصل واحد في المديح

- ‌ خاتمة الكتاب

- ‌وفيها فصول

- ‌فصل في نبذة من رسائلي له

- ‌فصل في رسائله

- ‌فصل في نبذ من فرائد نظمه

- ‌تذييل في ذكر بعض تقريظات الكتاب

- ‌التقريظ الأوّل

- ‌التقريظ الثاني

- ‌التقريظ الثالث

- ‌التقريظ الرابع

- ‌التقريظ الخامس

- ‌التقريظ السادس

الفصل: ‌فصل في المديح

‌فصل في المديح

قلت فيه هذه البديعة الغرّاء:

إنّ في الكرخ بين تلك البيوت

كم لصبّ متيّم من خفوت

ولبيض فضيّة الجسم كم منْ

وجنات تحمرُّ كالياقوتْ

يتعطّفنَ عن غصون رشيقات

ويبسمن عن أغرَّ شتيت

كلّما أحيت الضحى دعت الشمس

وقالت لها بغيظك موتي

مثل موت الحسود غيظا بفخر ال

حسن الإسم في الورى والنعوت

ماجد يخفض التكرّم منه

ما علت فيه عنوة الجبروت

عشقت نفسه مفاكهة العل

ياء حتّى لقال حبّك قوتي

لم يزل بيته على أوّل الدن

يا عيالٌ عليه كلُّ البيوت

قبلةٌ صلّت القوافي إليه

قانتات بالمدح أيَّ قنوت

قد نفى الإثم مصطفى النسك عنه

مذ بناه على التقى للثبوت

يابن قوم ما ناضلوا الخصم إلاّ

شغلوه بسنّة المنكوت

خلق الناس للكلام ولكن

خلقوا إن نطقتم للسكوت

الصب، قال في القاموس: الصبابة هي الشوق أورقته أورقة الهوى، يقال: صببت تصبّ فأنت صبّ وهي صبّة.

وقال الجوهري: الصبابة رقّة الشوق وحرارته، يقال: رجل صبّ أي عاشق مشتاق، وقد صببت يا رجل بالكسر قال الشاعر:

ولست تصب إلى الظاعنين

إذا ما صديقك لم يصبب

والمتيّم العبد المذلّل. قال في القاموس: تامّته المرأة أو العشق أو الحب تيماً وتيمته تيتيماً عبدته وذلّلته.

والخفوت السكون، يقال: خفت الصوت، سكن، ولهذا يقال للميّت خفت إذا انقطع كلامه وسكت فهو خافت، وخفت خفاتاً أي مات فجأةً، قال الشاعر:

لعمرك إنّي يوم بانوا فلم أمت

خفاتاً على آثارهم لصبور

والخفوت بفتح الخاء، المرأة المهزولة أو التي تستحسن وحدها لا بين النساء.

قلت: وهذا البيت من جملة أبيات ذكرها السيّد المرتضى في الدرر، قال: إنّ الأصمعي قال: نزلت ذات ليلة في وادي بني العنبر وهو إذ ذاك مغان بأهله (أي أهلٌ بهم) وإذا فتية يريدون البصرة، فأحببت صحبتهم، فأقمت ليلتي تلك عليهم وإنّي لوصب محموم أخاف أن لا أستمسك على راحلتي، فلمّا قاموا ليرحلوا أيقظوني، فلمّا رأوا حالتيى رحّلوا لي وحمّلوني وركب أحدهم ورائي يمسكني، فلمّا أمعن السير تنادوا: ألا فتىً يحدو بنا أو ينشدنا؟ فإذا منشد في سواد الليل بصوت ند (أي مرتفع حزين) :

لعمرك إنّي يوم بانوا فلم أمت

خفاتاً على آثارهم لصبور

غداة المنقى إذ رميت بنظرة

ونحن على متن الطريق نسير

فقلت لقلبي حين خفّ به الهوى

وكاد من الوجد المبرّ يطير

فهذا ولمّا تمض للبين ليلة

فكيف إذا مرّت عليه شهور

وأصبح أعلام الأحبّة دونها

من الأرض غولٌ نازح ومسير

وأصبحت نجديّ الهوى متّهم النوى

أزيد اشتياقاً أن يحنّ بعير

عسى الله بعد النأي أن يسعف النوى

ويجمع شملٌ بعدها وسرور

قال: فسكنت والله الحمّى عنّي حتّى ما أحسّ بها، فقلت لرديفي: أنزل رحمك الله إلى راحلتك فإنّي متماسك، وجزاك الله عن الصحبة خيراً.

فأمّا قوله: أن يسعف النوى أي يسعفنا بتقريب النوى، فاختصر.

رَجْعٌ إلى بيان ما لعلّه يحتاج إلى البيان من ألفاظ المقطوعة: المراد بالبيض النساء، وما زالت الشعراء تستحسن وصفهنَّ بالبياض والسمرة، وقد نظمت ذلك كثيراً في أشعارها.

وقولنا: فضيّة الجسم أي كأنّ جسمها مصوغ من الفضّة لشدّة بياضه.

وقولنا: وجنات تحمر كالياقوت أي إنّ وجناتها مع بياضها المتقدّم وصفه فيها حمرة كحمرة الياقوت، وهذا من أحسن ما تنعت به مع أنّ إيراده بلفظ تحمرُّ فيه إشعار بأنّ هذه الحمرة من شدّه خجلها حين تعاين كثرة عشّاقها الذين خفتوا أي ماتوا وانقطع كلامهم لشدّة شغفهم بها.

ومعنى يتعطّفن يتمايلن ويتثنين عن قدود حسنة لطيفة كأنّها الأغصان الرشيقة. وإطلاق اسم الأغصان عليها لشدّة الشبه.

ومعنى يتبسّمن عن أغرّ شتيت أي عن ثغر أبيض متباعد الأسنان. قال في القاموس: الشتيت المفرق والمشتت، ومن الثغر المفلج، يقال: هو فلج الأسنان أي متباعدها، ولابدّ من ذكر الأسنان، ولا يقال هو أفلج فقط. وما ألطف قول أبي البحتري وأرشقه:

ولم أنس إذ راحوا مطيعين للنوى

وقد وقفت ذات الوشاحين والوقف

ص: 96

ثنت طرفها دون المشيب ومن يشب

فكلّ الغواني عنه مثنيّة الطرف

وجنَّ الهوى فيها عشيّة أعرضت

بناظرتي ريم وسالفتي خشف

وأفلج برّاق يروح رضا به

حراماً على التقبيل بسلاً على الرشف

البسل، الحلال، والحرام ضدّه، يقال للواحد والجمع والمذكّر والمؤنّث.

وأمّا قولي: ماجد يخفض التكرّم منه الخ، فهو نظير قول البحتري:

وتواضع لولا التكرّم عاقة

عنه علوٌّ لم ينله الفرقد

وقوله أيضاً:

متواضع وأقلُّ ما يعتدّه

في المجد يوجب نخوة المتكبّر

وعزّة الجبروت المراد بها عزّة التكبّر، ومن ذلك المتكبّر وهو الذي لا يرى لأحد عليه حقّاً فهو بين الجبريّة والجبروت.

والمفاكهة، يقال: فكههم بملح الكلام تفكيهاً، أظرفهم بها، والإسم الفكيهة والفكاهة بالضم، وفكه كفرح فكها وفكاهةً فهو فكه وفاكهة طيب النفس ضحوك أو يحدّث صحبه فيضحكهم. وتفكّه، تعجّب، وفاكهه مازحه، وتفكّهت بالشيء تمنّعت به، والفكه الأشر البطر وكذلك الناعم، والمراد منها هنا الإظراف بملح الكلام أو التمتّع والتنعّم، والأوّل أليق. قال البحتري ولحظ مع الإظراف بملح الكلام طيب النفس:

ومفاكه عبق الكلام كأنّما

يفضي إليك بلفظ فيه النرجس

وقال الطغرائي وأراد بالمفاكهة المزاح:

حلّوا الفكاهة مرّ الجدّ قد مزجت

بشدّة البأس منه رقّة الغزل

وقد وقع في قولي منها:

قبلةٌ صلّت القوافي إليه

قانتات بالمدح أي قنوت

مراعات النظير ويُسمّى التناسب، والتوافق، والإيتلاف، والمواخاة؛ وهو جمع أمر وما يناسبه مع إلغاء التضاد وبهذا القيد تخرج المقابلة لأنّ المناسبة بملاحظة التضاد أن يكون كلّ منهما مقابلاً للآخر، فهو في بيتنا هذا قصد المناسبة بذكر الصلواة والقنوت لما تقدّم ذكر القبلة. وقول البحتري:

كالقسيّ المعطفات بل الإس

هم مبريّة بل الأوتار

ومعنى البيت أنّه يصف إبلاً أنحلها السرى بحيث صارت من الهزال كالقسيّ بل السهام بل الأوتار لأنّه لمّا ذكر القسيّ ناسب أن يذكر معها ما يناسبها من السهم والوتر وإلاّ فالألفاظ التي يشبه بها في النحول كثيرة مثل الهلال والخلال والعرجون وغير ذلك. قال مهيار الديلمي يصف إبلاً بشدّة النحول:

قسماً بالمنقبات الحنايا

شقق الضالّ أو قسيّ النبع

كلّ جرداء لفّها السير بالسير

فجائت في النسع مثل النسع

والمناسبة في بيت البحتري معنويّة، وهي لفظيّة في قول مهيار الديلمي:

ومدير سيّان عيناه والإبر

يق فتكاً وريقه والرحيق

فالمراد بالإبريق هنا السيف البرّاق، وكان يصحّ أن يقال سيّان عيناه والصمصام أو الهندي فاختار الإبريق لمناسبته لفظاً للرحيق إذ الإبريق يطلق على إناء الخمر والرحيق هو الخمر، وهذا ليس من مراعات المعنى في شيء وإنّما هو مراعاة مجرّد اللفظ. ومن أحسن ما ورد في مراعات النظير قول ابن خفاجة يصف فرساً:

وأشقر يضرم منه الوغى

بشعلة من شعل البآس

من جلنار ناضر جلده

وأُذنه من ورق الآس

يطلع للغرّة في وجهه

حبابةً تضحك في الكاس

والمناسبة فيه بين الجلنار والآس والنضارة. وما أبدع قول بعضهم:

أنتم بنوا طه ونون والضحى

وبنوا تبارك والكتاب المحكم

وبنوا الأباطح والمشاعر والصفا

والركن والبيت العتيق وزمزم

فإنّه أحسن في المناسبة بين أسماء السور في البيت الأوّل وبين أسماء الأماكن المذكورة في البيت الثاني ولهذا عيب على الطغرائي قوله:

فيم الإقامة في الزوراء لا سكني

بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

قال الصلاح الصفدي: أُنظر إلى قلقلة في بيت الطغرائي لأنّه عطف الناقة والجمل على السكن ولو عطف على ذلك ما يناسبه من أهل وولد لكان أحسن وأوقع في النفس. ومن أحسن ما جاء في مراعات النظير قول الشريف الموسوي أبي الحسن الرضي:

ببروق أدراع ورعدِ صوارم

وغمام قسطلة ووبل دماء

وبديع قول بعضهم يرثي فقيهاً:

روضة العلم قطبي بعد ضحك

والبسي من بنفسج جلبابا

وهبي النائحات منثور دمع

فشقيق النعمان بان وغابا

ولأبي العلا المعرّي:

ص: 97

دع اليراع لقوم يفخرون به

وبالطوال الردينيات فافتخر

فهنّ أقلامك اللاّتي إذا كتبت

مجداً أتت بمداد من دم هدر

ولبعض شعراء الذخيرة:

بدار سقتها ديمة أثر ديمة

فمالت بها الجدران شطراً على شطر

فمن عارض يبكي ومن سقف مجلس

يغني ومن بيت يميل من السكر

ومن الغايات قول البديع الهمداني من قصيدة:

سماء الدجى ما هذه الحدق النجل

أصدر الدجى حال وجيد الضحى عطل

إلى أن قال في صفة السرى:

كأنّ مطايانا سماء كأنّنا

نجومٌ على أقتادها برجنا الرحل

ومنها:

كأنَّ السرى ساق كأنّ الكرى طلاً

كأنّا لها شربٌ كأنّ المنى نقل

كأنّا جياعُ والمطيُّ لنا فمٌ

كأنّ الفلا زادٌ كأنّ السرى أكل

كأنّ ينابيع الثرى ثدي مرضع

وفي حجرها منّي ومن ناقتي طفل

كأنّا على أرجوحة في مسيرنا

لغور بنا يهوي ونجد بنا يعلو

ومنها:

كأنّ فميى قوسٌ لساني له يدٌ

مديحي له نزعٌ له أملي نبل

كأنّ دواتي مطفل حبشيّة

بناني لها بعلٌ ونقشي لها نسل

كأنّ يدي في الطرس غوّاص لجله

بها كلمي درٌّ به قيمتي تغلو

وما أرشق قول ابن رشيق:

أصحّ وأقوى ما رويناه في الندى

من الخبر المأثور منذ قديم

أحاديث ترويها السيول عن الحيا

عن البحر عن كفّ الأمير تميم

ومن المستحسن قول ابن زبلاق في غلام معه خادم يحرسه:

ومن عجب أن يحرسوك بخادم

وخدّام هذا الحسن من ذاك أكثر

عذارك ريحانٌ وثغرك جوهر

وخدّك ياقوت وخالك عنبر

وردفك مثقال فهل أنت محسن

عسى مقبلٌ بالوصل يأتي ميسّر

وما أبدع قول ابن مطروح:

وليلة وصل خلت

ويا عاذلي لا تسل

لبسنا ثياب العناق

مزرّرةً بالقبل

ومثله قول ابن عماد:

شقت عليك يد الأسى

ثوب الدموع إلى الذيول

وعجيب قول ابن الخشّاب في المستضيء:

ورد الورى سلسال جودك فارتووا

ووقفت دون الورد وقفة حائم

ظمآن أطلب خفة من زحمة

والورد لا يزداد غير تزاحم

وقول ابن شرف في اجتماع البعوض والذباب والبرغوث في مجلس مخاطباً لصاحبه يستهزىء به:

لك مجلسٌ كملت مسرّتنا به

للهو لكن تحت ذاك حديث

غنّى الذباب وظلَّ يزمر حوله

فيه البعوض ويرقص البرغوث

ومن النهايات هنا قول القاضي الفاضل:

في خدَّه فخٌّ كعطفة صدغه

والخال حبّته وقلبي الطائر

رَجْعٌ إلى ذكر باقي أبيات المقطوعة: فأمّا قولي فيها:

يابن قوم ما ناضلوا الخصم إلاّ

شغلوه بسنّه المنكوت

فمعناه أنّ كلاًّ من آبائه منطيق ذو فصاحة وبلاغة ما ناضله خصم إلاّ وقطعه عن الكلام وتركه من شدّة الغيظ والندم مشغولاً بنكت سنّه، ونكت السنّ كناية عن ذلك وكذلك عضّ الإصبع، قال تعالى شأنه:(عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظْ)، وقال بعضهم:

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم

فكأنّني سبّابة المتندّم

وقال الرضي:

تفلي أنامله التراب تعلّلاً

وأناملي في سنّي المقروع

وقال أيضاً:

يعجبني كلّ حازم الرأي لا يط

مع في قرع سنّه الندم

وجاء عنهم: رددت يد فلان إلى فيه أي منعته من الكلام. ولا بأس بذكر كنايات أوردها ابن أبي الحديد في شرح النهج، لأنّ فيها فوائد جليلة، وقد اختصرتها فذكرت أجلّها فائدة وأكثرها دوراناً في كلام الفصحاء: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: العين وكاء السه (السه الأُست) . قال الجوهري: الأُست العجز، وقد يراد به حلقة الدبر، وأصلها سته ولذلك تجمع على أستاه مثل جمل وأجمال، ثمّ قال: وفي الحديث: العين وكاء السه، بحدف عين الفعل، ويروى: وكاء الست، بحذف لام الفعل.

قال السيّد الرضي: وهذا من الكنايات العجيبة، كأنّه شبّه السه بالوعاء والعين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء.

وفي بعض الروايات: إذا نامت العينان استطلق الوكاء. والوكاء رباط القربة.

ويروى ما هذا مضمونه أنّ أباالعلاء المعرّي رقد فحدث منه شيء، فانتبه وبعض الحاضرين يضحك منه، فقال:

ص: 98

إذا نامت العينان من متيقّظ

تراخت بلا شكّ تشارج فقحته

فمن كان ذاعقل فيعذر نائماً

ومن كان ذا جهل ففي جوف لحيته

وقيل: إنّ يحيى بن زياد ومطيع بن أياس وحمّاد الراوية جلسوا على شرب لهم ومعهم رجل منهم فانحلّ وكاؤه، فاستحيى وخرج ولم يعد إليهم، فكتب إليه يحيى بن زياد:

أَمِنْ قلوص غدت لم يؤذها أحد

إلاّ تذكّرها بالرمل أوطانا

خان العقال لها فانبتَّ إذ نفرت

وإنّما الذنب فيه للذي خانا

منحتنا منك هجراناً ومقليةً

ولم تزرنا كما قد كنت تغشانا

خفّض عليك فما في الناس ذو إبل

إلاّ وأينقه يشردن أحيانا

أقول: وأين خجل هذا من وقاحة بشار بن برد فقد روى عنه أنّه جلس إليه رجل استثقله فأراد أن يخجله ليقوم عنه فضرط وهو بجنبه، ففزع الرجل، فقال له بشار: أسمعت أم رأيت؟ قال: بل سمعت، قال: فلا تصدّق حتّى ترى.

ومن الكنايات المستحسنة قولهم: فلان من قوم موسى إذا كان ملولاً، إشارة إلى قوله تعالى:(لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعام واحد) .

قال أبو نؤاس في امرأة كان يختلف إليها غيره وهو يزورها ولا يعلم، فلمّا وقف على القصّة قال:

ومظهرة لخلق الله ودّاً

وتلقى بالتحيّة والسلام

أتيت فؤادها أشكو إليها

لم أخلص إليه من الزحام

أظنّك من بقيّة قوم موسى

فهم لا يصبرون على طعام

وقال آخر:

فيامن ليس يكفيه صديقٌ

ولا ألفا صديق كلّ عام

أظنّك من بقايا قوم موسى

فهم لا يصبرون على طعام

وقال العبّاس بن الأحنف:

كتبت تلوم وتستريث زيارتي

وتقول لست بها كعهد العاهد

فأجبتها ودموع عيني سجّم

تجري على الخدّين غير جوامد

يا فوزُ لم أهجركم لملالة

عرضت ولا لمقال واش حاسد

لكنّني جرّبتكم فوجدتكم

لا تصبرون على طعام واحد

ويقولون للمكشوف الأمر الواضح الحال "ابن جلا" وهو كناية عن الصبح.

ومثله قولهم: فلان قائد الجمل أي إنّه لا يخفى لعظم الجمل وكبر جثّته.

وفي المثل: ما استتر من قاد جملاً.

وقالوا: كفى برغائها نداءً.

ومثل هذا قولهم: ما يوم حليمة بسرّ، يقال ذلك في الأمر المشهور الذي لا يستر، يوم حليمة يوم التقى المنذر الأكبر والحارث الغساني الأكبر وهو أشهر أيّام العرب. يقال: إنّه ارتفع فيه من العجاج ما ظهرت معه الكواكب نهاراً. وحليمة اسم امرأة أضيف إليها اليوم لأنّها أخرجت إلى المعركة مراكن الطيب فكانت تطيب به الداخلين إلى القتال حتّى تفانوا.

ويقال للجارية الحسناء: قد أبقت من رضوان، قال الشاعر:

جسّت العود بالبنان الحسان

وتثنّت كأنّها غصن بان

فسجدنا لها جميعاً وقلنا

إذ شجتنا بالحسن والإحسان

حاش لله أن تكوني من الإن

س ولكن أبقت من رضوان

وقال نصر بن أحمد البصري من قصيدة:

تلألأ كالدرّ النقي نفاسةً

وأشرب خدّاه عقيق حياء

فأحسبه من حور عدن وإنّما

أتى هارباً في خلسة وخفاء

فلم أره إلاّ التفت توقّعاً

لرضوان خوفاً أن يكون ورائي

سيؤخذ منّا ليس رضوان تاركاً

على الأرض حوريّاً وبدر سماء

ويقولون في الشيخ الضعيف: قائد الحمار، إشارة إلى ما أنشده الأصمعي:

آتي النديّ فلا يقرّب مجلسي

وأقود للشرف الرفيع حماري

أي أقوده من الكبر إلى موضع مرتفع لأركبه لضعفي.

ومثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف بالعاجن، لأنّه إذا قام عجن في الأرض بكفّيه، قال الشاعر:

فأصبحت كنتياً وأصبحت عاجناً

وشرُّ خصال المرء كنت وعاجن

قالوا: الكنتي هو الذي يقول كنت أفعل كذا وكنت أركب الخيل يتذكّر ما مضى من زمانه، ولا يكون ذلك إلاّ عند الهرم أو الفقر أو العجز.

ومثله قولهم للشيخ: راكع، ويقال أيضاً للإنسان إذا انتقل من الثروة إلى الفقر: قد ركع.

ويقولون للكبير: يدبُّ له الأرنب، لأنّ من يختل الأرنب ليصيدها يتمايل في مشيته.

ويقولون قيد بفلان البعير، للكبير الذي لا قوّة ليده على أن يصرف البعير تحته على حسب إرادته فيقوده قائد يحمله حيث يريد.

ومن الكناية عن شيب العنفقة قولهم: قد عضَّ على صوفة.

ص: 99

ويكنّون عن المرأة التي كبر سنّها فيقولون: قد جمعت الثياب أي تلبس القناع والخمار والإزار، وليست كالفتاة تلبس ثوباً واحداً.

ويكنّون عن الخاضب فيقولون: يسوّد وجه النذير، قال الشاعر:

وقائلة لي أخضب فالغواني

تطير من ملاحظة القتير

فقلت لها المشيب نذير موتي

ولست مسوّداً وجه النذير

وزاحم شابّ شيخاً في الطريق، فقال الشاب: كم ثمن القوس؟ يعيره بانحناء الظهر، فقال الشيخ: يابن أخي إن طال بك عمرٌ فسوف تأتيك بلا ثمن، وأنشد لابن أحنف:

تعيرني وخط المشيب بعارضي

ولولا الحجول البلق لم تعرف الدهم

حنى الشيب ظهر فاستمرّت مريرتي

ولولا انحناء القوس لم ينفذ السهم

ويقولون من رشى القاضي أو غيره: صبّ في قنديله زيتاً، وأنشد بعضهم:

وعيدُ قضاتنا خبث ومكرٌ

وزرعٌ حين تسقيه بسنبل

إذا ما صبّ في القنديل زيت

تحوّلت القضية للمقندل

وكان أبو صالح كاتب الرشيد ينسب إلى أخذ الرشى، وكاتب أُمّ جعفر وهو سعدان بن يحيى كذلك، فقال لها الرشيد يوماً: أما سمعت ما قيل في كاتبك؟ قالت: ما هو؟ فأنشد:

صبّ في قنديل سعدا

ن مع التسليم زيتا

وقناديل بنيه

قبل أن تخفي الكميتا

قالت: فما قيل في كاتبك أشنع، وأنشدته:

قنديل سعدان على ضوئة

فرخٌ لقنديل أبي صالح

تراه في مجلسه أخوصاً

من لمحه للدرهم اللائح

ويقولون لمن طلّق ثلاثاً: نجزها بمثلّثة.

ويكنّون عن العزيز وعن الذليل فيقولون: بيضة البلد، فمن يقولها للمدح يذهب إلى أنّ البيضة هي الحوزة والحمى، يقولون: فلان يحمي بيضته أي يحمي حوزته وحمايته، ومن يقولها للذمّ يعني أنّ الواحدة من بيض النعام إذا فسدت تركا أبواها في البلد وذهبا عنها، وقول الشاعر في المدح:

لكنَّ قاتله من لا كفاء له

قد كان يُدعى أبوه بيضة البلد

وقال الآخر في الذم:

حيا قضاعة لم تعرف لكم نسباً

وابنا نزار فأنتم بيضة البلد

ويقولون للشيء الذي يكون في الدهر مرّةً واحدةً: هو بيضة الديك.

ويقولون لمن يحمد جواره: جاره جار أبي دؤاد؛ وهو كعب بن مامة الأيادي، كان إذا جاوره رجل فمات وداه، وإن هلك عليه شاة أو بعير خلّفه عليه، فجاوره أبو دواد الأيادي فأحسن إليه، فضُرب به المثل.

ومثل قولهم: هو جليس قعقاع ابن شور، وكان من حديثه أنّه قدم إلى معاوية، فدخل عليه والمجلس غاصّ بأهله ليس فيه مقعد، فقام له رجل من القوم وأجلسه مكانه، فلم يبرح القعقاع من ذلك الموضع يكلّم معاوية ومعاوية يخاطبه حتّى أمر له بمائة ألف درهم فأحضرت إليه فجعلت في جانبه، فلمّا قام قال للرجل القائم له من مكانه: ضمّها إليك فهي لك بقيامك لنا عن مجلسك، فقيل فيه:

وكنت جليس قعقاع بن شور

ولا يشقى بقعقاع جليس

ضحوك السنّ إن نطقوا بخير

وعند الشرّ مطراقٌ عبوس

ويكنّون عن السمين من الرجال: هو جار الأمير، وضيف الأمير، وأصله أنّ الغضبان بن القبعثرى كان محبوساً في سجن الحجّاج، فدعا يوماً فكلّمه فقال له في جملة خطابه: إنّك لسمين يا غضبان! فقال: القيد والرتعة والخفض والدعة، ومن يكن ضيف الأمير يسمن.

ونظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة (والكدنة هي اللحم والشحم) فقال: أرى عليك قطيفة محكمة؟ قال: نعم ذاك عنوان نعمة الله عندي.

ويقولون للكذّاب: هو قموص الحنجرة، يقال: قمص الفرس وغيره استنَّ وهو أن يرفع يديه ويطرحهما معاً ويعجن برجليه. ويقال: هذه دابّة فيها قماص، سمّي الكذوب بهذا الإسم لأنّ حنجرته تتحرّك من غير رويّة كأنّها فرس قموص.

ويقال: هو زلوق الكبد، والمزلق المكان الذي لا يثبت فيه القدم، ويعنون بهذه الكناية أنّ نحر الكذوب لا يثبت فيه كلام ولا تماسك فيه بل مزلق الكلام ويخرج كيفما كان.

ويقولون فيه أيضاً: هو فاختة البلد من قول الشاعر:

أكذب من فاختة

تصيح فوق الكرب

والطلع لم يبدُ لها

هذا أوان الرطب

وقال آخر في المعنى:

حديث أبي حازم كلّه

كقول الفواخت جاء الرطب

وهنَّ وإن كنَّ يشبهنه

فليس يدانينه في الكذب

ويكنّون عن النمام بالزجاج لأنّه يشفُّ عمّا تحته، قال الشاعر:

ص: 100

أنمُّ بما إستودعته من زجاجة

يرى الشيء فيها ظاهراً وهو باطن

ويكنّون عنه بالنسيم، قال الآخر:

وإنّك كلّما استودعت سرّاً

أنمُّ من النسيم على الرياض

ويقولون: إنّه لصبح، وإنّه لطيب. قال بعضهم: يقال ذلك لأنّ الصبح لا يكتم ضوئه، والطيب لا يكتم ريحه، والنمام لا يكتم حديثاً.

ويقولون: ما زال يقتل له في الذروة والغارب حتّى استسمحت قرونته أي نفسه، والقرونة النفس، والذروة أعلا اسنام، والغارب مقدّمه، ومعناه: يدور من ورائه لخديعته.

ويقولون في الكناية: ما يدري أيّ طرفيه أطول، قيل: هما ذكره ولسانه، وقيل: هما نسب أبيه ونسب أُمّه.

ويقولون: زوده زاد الضب أي لم يزوده شيئاً لأنّ الضب لا يشرب الماء وإنّما يتغذّى بالريح والنسيم ويأكل القليل من عشب الأرض.

ويقولون للمختلفين من الناس: هم كنعم الصدقة، وهم كبعر الكبش، قال عمرو بن لحاء:

وشعر كبعر الكبش ألف بينه

لسان دعيّ في القربض دخيل

وذلك لأنّ بعر الكبش يقع متفرّقاً.

وقال بعض الشعراء لشاعر آخر: أنا أشعر منك لأنّي أقول البيت وأخاه وأنت تقول البيت وابن عمّة.

فأمّا قول جرير في ذي الرمّة: إنّ شعره بعر ظباء ونقط عروس فقد فسّره الأصمعي فقال: يريد أنّ شعره حلوٌ أوّل ما تسمعه فإن كرّر إنشاده ضعف لأنّ أبعار الظباء أوّل ما تشمّ توجد لها رائحة ما أكلت من الجثجاث والشيح والقيصوم فإذا أدمت شمّها عدمت تلك الرائحة، ونقط العروس إذا غسلتها ذهبت.

ويقال أيضاً في المختلفين هم أولاد علاّت كالإخوة لأُمّهات شتّى والعلّة الضرّة.

ويقال للمتساويين في الردائة: كأسنان الحمار. وأنشد المبرّد في الكامل لأعرابي يصف قوماً من طي بالتساوي في الردائة:

ولمّا أن رأيت بني جوين

جلوساً ليس بينهم جليس

يئست من الذي أقبلت أبغي

لديهم إنّني رجل يئوس

إذا ما قلت أيّهم لأيٍّ

تشابهت المناكب والرؤوس

قال: فقوله: ليس بينهم جليس هجاء قبيح، يقول: لا ينتجع الناس معروفهم فليس بينهم غيرهم.

ويقال أيضاً للمتساويين في الردائة: هما كحماري العبادي، لأنّه قيل له: أيّ حماريك شرٌّ؟ فقال: هذا ثمّ قال هذا.

ويقال في التساوي في الخير: هم كأسنان المشط، ويقال: وقعاً كركبتي البعير، وكرجلي النعامة.

وقال ابن الأعرابي: كلّ طائر إذا كسرت إحدى رجليه تحامل على الأُخرى إلاّ النعام فإنّه متى كسرت إحدى رجليه جثم، فلذلك قال الشاعر يذكر أخاه:

وإنّي وإيّاه كرجلي نعامة

على ما بنا من ذي غنىً وفقير

وقال أبو سفيان بن حرب لعامر بن الطفيل وعلقمة ابن علاتة، وقد تنافرا إليه: أنتما كركبتي البعير، فلم ينفر واحد منهما. فقالا: أيّنا اليمنى؟ فقال: كلّ منكما يمنى.

وسأل الحجاج رجلاً عن أولاد المهلّب أيّهم أفضل؟ فقال: هم كالحلقة الواحدة.

وسأل ابن دريد عن المبرّد وتغلب فأثنى عليهما، فقيل: فابن القتيبة؟ قال: ربوة بين جبلين، أي خمل ذكره بنباهتهما.

ويقال للمتكفّل بمصالح النّاس إنّه وصيّ آدم على ولده، قال الشاعر:

فكأنّ آدم عند قرب وفاته

أوصاك وهو يجود بالحوباء

ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم

وكفيت آدم عيلة الأبناء

ويقال خليفة الخضر لمن كان كثير الأسفار.

ويقولون للشيء المنتخب المختار: ثمرة الغراب، لأنّه ينتقي خير الثمر.

ويقولون: سمنُ فلان في أديمه، كناية عمّن لا ينتفع به أي ما خرج منه يرجع إليه، وأصله أنّ نحياً من السمن انشقَّ في ظرف من الدقيق فقيل ذلك، قال الشاعر:

ترحّل فما بغداد دار إقامة

ولا عند من أضحى ببغداد طائل

محلُّ ملوك سمنهم في أديمهم

وكلّهم من حلية المجد عاطل

فلا غرو إن شلّت يد المجد والعلى

وقلَّ سماحٌ من رجال ونائل

إذا غضغض البحر الغطامط مائه

فليس عجيباً أن تغيض الجداول

ويقولون لمن لا يفي بالعهد: فلان لا يحفظ أوّل المائدة، لأنّ أوّلها:(يا أيُّها الّذين آمَنُوا أوْفُوا بالعُقُود) .

ويقولون لمن هو حسن اللباس: لا طائل عنده هو مشجب، والمشجب خشبة القصار التي يطرح عليها الثياب. قال ابن الحجّاج:

لي سادة طارق السرور بهم

يطرده اليأس بالمقاليع

ص: 101

مشاجبٌ للثياب كلّهم

وهذه عادة المشاقيع

جائزتي عندهم إذا سمعوا

شعري هذا كلام مطبوع

وإنّهم يضحكون إن ضحكوا

منّي وأبكي أنا من الجوع

وروي أنّ كيسان غلام أبي عبيدة وفد على بعض البرامكة فلم يعطه شيئاً، فلمّا وافى البصرة قيل له: كيف وجدته؟ قال: مشجباً من حيث ما أتيته وجدته لا طائل عنده.

ويكنّون عن الطفيلي فيقولون: هو ذباب، لأنّع يقع في القدور، قال الشاعر:

أتيتك زائراً لقضاء حقٍّ

فحال الستر دونك والحجاب

ولست بواقع في قدر قوم

وإن كرهوا كما يقع الذباب

وظريف قول الآخر:

وأنت أخو السلام وكيف أنتم

ولست أخا الملمّات الشداد

وأطفل حين تجفى من ذباب

وألزم حين تدعى من قراد

ويكنّون عن القصير القامة بأبي زبيبة، وعن الطويل بخيط الباطل، وكانت كنية مروان بن الحكم لأنّه كان طويلاً مضطرباً. ولهم في تفسير خيط الباطل قولان: أحدهما: إنّه الهباء الذي يدخل من ضوء الشمس في الكوّة من البيت وتسمّه العامة غزل الشمس.

والثاني: إنّه الخيط الذي يخرج من فم العنكبوت وتسمّيه العامّة مخاط الشيطان.

وتقول العرب للملقوّ: لطيم الشيطان.

ويقولون للحزين المهموم: يعدّ الحصى، ويخط الأرض، ويفتُّ اليرموع، واليرموع هو حجارة بيض رقاق تلمع. قال المجنون:

عشيّة مالي حيلة غير أنّني

بلفظ الحصى والخط في الدار مولع

أخطّ وأمحو كلّ ما قد خططته

بدمعي والغربان حولي وقّع

وهذا كالنادم يقرع السنَّ، والبخيل ينكت الأرض ببنانه أو بعود عند الردّ.

ويقولون للفارغ: فؤاد أُمّ موسى، وللمثري من المال: منقرس، لأنّ داء النقرس أكثر ما يعتري أهل الثروة والتنعّم. قال بعضهم يهجو ابن زيدان الكاتب:

تواضع النقرس حتّى لقد

صار إلى رجل ابن زيدان

علّة إنسان ولكنّها

قد وجدت في غير إنسان

ويقولون للمترف: رقيق النعل، لأنّ الملك لا يخصف نعله وإنّما يخصف نعله من يمشي، وكذلك: مسمط النعال أي نعله طبقة واحدة غير مخصوف.

ويقولون للسيّد: لا يطؤ على قدم أي هو يتقدّم النّاس ولا يتبع أحداً فيطأ على قدمه.

ويقولون: قد اخضرّت نعالهم أي صاروا في خصب.

وإذا دعوا على إنسان بالزمانة قالوا: خلع الله نعليه، لأنّ المقعد لا يحتاج إلى نعل.

ويقولون: أطفأ الله نوره كناية عن العمى وعن الموت، لأنّ من يموت قد طفئت ناره.

ويقولون: سقاه الله دم جوفه، دعاءٌ عليه بأن يقتل ولده ويضطرّ إلى أخذ ديتة إبلاً فيشرب ألبانها.

ويقولون: رماه الله بليلة لا أخت لها، يعنون ليلة موته.

ويقولون: قدر حليمه أي لا غليان فيها.

ويقولون: لقيت من فلان عرق القربة أي العرق الذي يحدث من حملها.

ويكنّون عن الحشرات والهوام بجنود السعد، يعنون سعد الأخبية وذلك لأنّه إذا طلع انتشرت في ظاهر الأرض بعد اختفائها.

ويكنّون عن اللقيط بتربية القاضي، وعن الرقيب بثاني الحبيب، لأنّه يرى معه أبداً. قال ابن الرومي:

موقفٌ للرقيب لا أنساه

لست أختاره ولا أباه

مرحباً بالرقيب من غير وعد

جاء يجلو عَلَيّ من أهواه

لا أحبّ الرّقيب إلاّ لأنّي

لا أرى من أحبّ حتّى أراه

ويكنّون عن وجه المليح بحجّة المذنب، قال الشاعر:

قد وجدنا غفلةً من رقيب

فسرقنا نظرةً من حبيب

ورأينا ثمّ وجهاً مليحاً

فوجدنا حجّة للذنوب

ويكنّون عن الجاهل ذي النعمة بحجّة الزنادقة.

ويقولون: عرض فلانٌ على الحاجة عرضاً سابرياً أي خفيفاً من غير استقصاء، تشبيهاً له بالثوب السابري والدرع السابرية.

ويقولون: في ذلك وعدٌ سابري أي لا يقرن به وفاء.

ويقولون: عرض عليه عرض عالة أي عرض الماء على النعم العالة التي شربت شرباً بعد شرب وهو العلل لأنّها تعرض على الماء عرضاً خفيفاً لا تبالغ فيه.

ويكنّون عن الشيب بغبار العسكر، وغبار وقائع الدهر، قال الشاعر:

غضبت ظلوم وأزمعت هجري

وصبّت ضمائرها إلى الغدر

قالت أرى شيباً فقلت لها

هذا غبار وقائع الدهر

ويقولون: القلم أحد اللسانين، وردائة الحظ إحدى الزمانتين.

وجاء ينفض مذرويه لمن يتوعّد من غير حقيقة.

ص: 102