الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخبرني فضل الشباب وماذا
…
فيه من منظر يروق وطيب
غدره بالخليل أم حبّة للغي
…
أم كونه كعيش الأديب
وبديع قول حسن بن النقيب في التأسّف على فقدان المشيب لا على أخلاق رداء الشباب القشيب:
لا تأسفنّ على الشباب وفقده
…
فعلى المشيب وفقده يتأسّف
هذاك يخلفه سواه إذ انقضى
…
ومضى وهذا إن مضى لا يخلف
وأمّا قولي في هذه المقطوعة:
هيفاء لو برزت لنسّاك الورى
…
يوماً لأصبى دلّها وعاضها
فنظير قول ابن دريد في مقصورته حيث يقول:
ولاعبتني غادة وهنانة
…
تضني وفي ترشافها برؤ الضنا
لو ناجت الأعصم لانحطَّ لها
…
طوع القياد من شماريخ الذرى
أو صابت القانت في مخلولق
…
مستصعب المسلك وعر المرتقى
ألهاه عن تسبيحه ودينه
…
تأنيسها حتّى تراه قد صبا
كأنّما الصهباء مقطوب بها
…
ماء جنى ورد إذا الليل غشا
يمتاحه راشف برد ريقها
…
بين بياض الثغر منها واللما
ومنها:
يا هؤلاء هل نشدتنّ لنا
…
ثاقبة البرقع عن عيني طلا
ما أنصفت أُمّ الصبيين التي
…
أصبت أخا الحلم ولمّا يصطبى
وأمّا قولي فيها:
ريم لئالي نحرها تحكي لئا
…
لىء ثغرها اللائي حكت ألفاظها
فالمقصود منه أنّ عقدها وأسنانها وألفاظها كلّها لئالىء يظهر ذلك من تشبيه بعضها ببعض. وللشعراء في هذا النحو والتشبيه معان غريبة، فمن ذلك قول البحتري:
ولمّا التقينا والنقا موعدٌ لنا
…
تعجّب رائي الدرّ منّا ولاقطه
فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها
…
ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه
وقال المتنبّي في ذلك:
ديار اللواتي دارهنّ عزيزة
…
بسمر القنا يحفظن لا بالتمائم
حسان التثنّي ينقش الوشي مثله
…
إذا مسن في أجسامهنّ النواعم
ويبسمن عن درٍّ تقلّدن مثله
…
كأنّ التراقي وشحت بالمباسم
وشبّه الأرجاني الدمع في خدّ معشوقه باللؤلؤ في حال الفراق فقال:
نأى النوم عنّي لمّا نأوا
…
وأقسم لا عاد حتّى يعودوا
فبلّغ سلامي بدر الخيام
…
يكسفه نأيه والصدود
بآية ما قال يوم الرحيل
…
مرعيّة للخليل العهود
ولمّا وقفنا غداة الوداع
…
وقيّدت لتظعن بالحيّ قود
بكى وتنفّس خوف الفراق
…
فأسلم عقديه جفن وجيد
كان الذي خلعته النحور
…
من لؤلؤ لبسته الخدود
وقال أيضاً:
وكأنّ كلّ مليحة يوم النوى
…
قد علّقت في الخدّ عقد الجيد
وأمّا قولي فيها:
واهتف هديت ولو من النبل العدا
…
كسرت عليك لغيظها أرعاضها
فالرعظ بالضم مدخل سنخ النصل وفوقه لفائف العقب وتُسمّى الرصاف، والجمع أرعاظ، ويقال: إنّ فلاناً ليكسر عليك أرعاظ النبل، مثلٌ لمن يشتدّ غضبه، كأنّه يقول: إذا أخذ السهم نكت به الأرض نكتاً شديداً حتّى تنكسر رعظه، أو معناه: يحرق عليك الأسنان، شبّه مداخل الأسنان ومنابتها بمداخل النصال من النصال، ومثلٌ آخر: ما قدرت على كذا حتّى تعطّفت عَلَيّ أرعاظ النّبل.
الباب الثامن عشر في قافية العين
وفيها فصلان
الفصل الأوّل في المديح
قلت في مدحه هذه الأبيات:
دعوا كبدي ودونكموا دموعي
…
فداعي البين يهتف بالجميع
وما أبقي على كبدي ولكن
…
لتأنس في محلّكم ضلوعي
كتمت بها الهوى زمناً إلى أن
…
دعاها يومُ بينكم أُذيعي
فصاعدت الدموع لكم نجيعاً
…
ويوشك أن تسيل مع الدموع
وبالعلمين واضحة المحيّا
…
رشوف الثغر طيّبة الفروع
تمنّي المستهام بغير نيل
…
فتطمعه بخالبة لموع
منعت وصالها فسلوت عنها
…
وقلت لها ورائك من منوع
فأنت وما صنعت فعنك حسبي
…
بمدح محمّد الحسن الصنيع
ربيع زماننا وأرقُّ طبعاً
…
إلى الندماء من زمن الربيع
ربيب مكارم وفتى معال
…
ترعرع في ذرعى الشرف الرفيع
درور أنامل الكفّين جوداً
…
غداة السحب جامدة الضروع
كسا أعطافه نفحات فخر
…
وقال لها على الثقلين ضوعي
الرشوف هي المرأة الطيّبة الفم، والرشف المصُّ، وقد رشفه يرشفه، ويرشفه وارتشفه أي امتصّه. وفي المثل: الرشف أنقع إذا ترشّف الماء قليلاً قليلاً كان أسكن للعطش. وعلى قولي: تمنّى المستهام الخ قول بعضهم:
لقد كنت جلداً قبل أن توقد النوى
…
على كبدي ناراً بطيئاً خمودها
ولو تركت نار الهوى لتضرّمت
…
ولكنَّ شوقاً كلّ يوم يزيدها
وقد كنت أرجو أن تذوب صبابتي
…
إذا قدمت أيّامها وعهودها
فقد جعلت في حبّة القلب والحشا
…
عهاد الهوى تولي بشوق يعيدها
بمرتجه الأرداف هيفٌ خصورها
…
عذابٌ ثناياها عجافٌ قيودها
مخصرّة الأوساط زانت عقودها
…
بأحسن ممّا زيّنتها عقودها
وصفرٌ تراقيها وحمرٌ أكفّها
…
وسودٌ نواصيها وبيضٌ خدودها
يمنيننا حتّى ترفُّ قلوبنا
…
رفيف الخزامى بات طلٌّ يجودها
ويروى أنّ منها:
ولي نظرة بعد الصدود من الجوى
…
كنظرة ثكلى قد أُصيب وليدها
هل الله عاف عن ذنوب تسلّفت
…
أم الله إن لم يعف عنها معيدها
فمعنى قولي: تمنّي المستهام أنّها تريه من الإمارات في أحوالها وأقوالها ما يقرب إلى ظنّه الظفر بحصول ما تشتهيه نفسه من وصالها بحيث يبقى متشوّفة نفسه إلى أن يحظى بتلك الإرادة متوقّعاً حصولها، وهذا الطمع ممّا جرت به العادة. وما أحسن قول البحتري في صفة الأحوال المطمعة:
إنّ في السّرب لو يساعفنا السرب
…
شموساً يمشين مشياً وئيدا
يتدافعن بالأكفّ ويعرضن
…
علينا علوارضاً وخدودا
وما أحلى قول أبي حيّة النميري:
ألمّا بسلمى قبل أن ترمي النوى
…
بنافذة نبض الفؤاد المتيّم
يقف عاشق لم يبق من روح نفسه
…
ولا عقله المسلوب غير التوهّم
فقلنا لها سرّاً فدنياك لا يرح
…
صحيحاً وإن لم تقتليه فالممي
فألقت قناعاً دونه الشمس واتّقت
…
بأحسن موصولين كفٍّ ومعصم
ومن المطمعات الرقّة واللين في الكلام كما وصفه الله عزّوجلّ فقال: (لا تَخْضَعْنَ بالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذي في قَلْبِهِ مَرَض) وقال بعض الشعراء، وأحسن في ذلك ما شاء:
ومستخفيات ليس يخفين زرننا
…
يسحبن أذيال الصبانة والشكل
جمعن الهوى حتّى إذا ما ملكنه
…
نزعن وقد أكثرن فينا من القتل
موارق من ختل المحبّ عوارف
…
بختل أولى الألباب بالجدّ والهزل
مريضات رجع القول خرس عن الخنا
…
تألّفن أهواء القلوب بلا بذل
ولآخر:
بيض حرائر ما هممن بريبة
…
كظباء مكّة صيدهنّ حرام
يحسبن من لين الكلام زوانياً
…
ويصدّهنّ عن الخنا الإسلام
وللمتنبّي:
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها
…
مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
ولا برزن من الحمام مائلةً
…
أوراكهنّ صقيلات العراقيب
ولآخر:
وإذ دعونك عمّهنّ فإنّه
…
نسب يزيدك عندهنّ خبالا
ولآخر:
وكانت تسمّيني أخاها تعلّلاً
…
فقلت لها أفسدت عقل أخيك
وإنّي لأستحسن لبعض شعراء عصرنا المسمّى بملاّ محمّد التبريزي قوله وفيه التورية:
وقائلة عمّي وما أنا عمّها
…
ولكنّني أفدي بعمّي خالها
وعلى ذكر التمنّي فما أحسن قول مهيار الديلمي:
أتمنّى والمنى جهد المقلّ
…
واقضي الدهر في ليت وهل
وأسوّي كلف العيش إذا
…
أظلمت لي بطلاوات الأمل
سلوة وهي الغرام المشتكى
…
وتعاليل أسىً هنَّ العلل
قيل: إنّ بعضهم تمنّى في منزله فقال: ليت لنا لحماً نطبخ منه سكباجاً، فما لبث أن جاء ابن جاره بصفحة وقال: أغرفوا لنا قليلاً من المرق، فقال: إنّ جيراننا يشمّون رائحة الأماني.
ولذا قيل: الأماني بضائع النوكى.
وقيل: التمنّي رأس مال المفلس.
وعلى ذكر الطمع ما روي أنّه تخاصم رجلان عند دير، فقال أحدهما: أير هذا الرّاهب في حر أُمّ الكاذب، فما لبث أن نزل الراهب منعضّاً وهو يقول: أيّكما الكاذب.
ويقال: إنّ بعضهم اجتاز بدارا فسمع صاحبها يقول لزوجته: إن لم أحمل عليك ألف رجل فما أنا برجل، فجلس على الباب إلى أن أعيى ثمّ قام وضرب الباب وقال: تحمل على هذه القحبة أو نمضي.