الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تخجل المزن إذا ساجلها
…
بيد أرطب منهنّ أديما
وتموت الشهب إن قابلها
…
بمحيّاً يكشف الليل الهبيما
ليم في الجود ولا جود لمن لا
…
يغتدي بين الورى فيه ملوما
وكريم الطبع من لم يتغيّر
…
طبعه في عذل من أضحى لئيما
ليس يثني الغيم عذل فمتى
…
ينثني من علم الجود الغيوما
همم لو عن مدىً زاحمها
…
منكب الدهر لردّته حطيما
عاد مرعي الفضل مخضرّاً به
…
وهو لولا جوده كان هشيما
تحمد النّاس فإن جئنا به
…
لم نجد أحمدهم إلاّ ذميما
من أُناس ركبوا ظهر العلى
…
وجروا في حلبة الفخر قديما
ذهبوا بيض المجالي طيّبي
…
عقد الأزر مصاعيباً قروما
وتبقوا من بينهم لعلالهم
…
زينةً في نحرها عقد نظيما
كرماء لا تباري كرماً
…
حلماء تزن الشمّ حلوما
كم دعتهم للقوافي ألسن
…
تركت قلب أعاديهم كليما
يا نجوماً في سما المجد زهت
…
ويسرُّ المجد قولي يا نجوما
للعلى أنتم مصابيح كما
…
لشياطين العدى كنتم رجوما
قد أقرّ الله منكم أعيناً
…
كم لحظتم بالغنا فيها عديما
وحباكم فرحةً تشملكم
…
والمحبّين خصوصاً وعموما
ذهب الروع الذي غمَّ وقد
…
جائت البشرى التي تنفي الغموما
بالفتى عبد الكريم المجتبى
…
وأمين الفضل من طاب أروما
قد لعمري سنن الحج لها
…
ما رأت مثلهما أمس مقيما
خيف يدنو منهما الكرب الذي
…
لذوي الأحلام ما أبقى حلوما
قلت كلاّ لا أراه أبداً
…
منهما يدنو وإن كان عظيما
فهما من أُسرة في برّهم
…
يدرؤ الخطب وإن كان جسيما
آل بيت المصطفى حيتكم
…
غادة تجلو لكم وجهاً وسيما
أقبلت زهواً تهنّيكم بما
…
زاد من يحسد علياكم وجوما
فبقيتم في سرور دائم
…
ولكم لا برح السعد نديما
وقال عمّنا المهدي في تهنية الحاج محمّد صالح كبّه وقد عوفي من مرض كان قد عراه:
لصحّة جسمك صحَّ الكرم
…
وعنك سرى لعداك السقم
وثغر المعالي غداة انتعشت
…
لفرحتها في شفاك ابتسم
ووجه الزمان غدا مشرقاً
…
وعنه تجلّت غواشي الظلم
وأيّامه عدن للنّاس بيضا
…
بمن زانها بجسام النعم
همام ملي الدهر فخراً علىً
…
عطاءً كصوب الحيا المنسجم
به فتح المجد باب الندى
…
بعصر به سدَّ باب الكرم
كريم أعاد لهذا الزمان
…
شبيبته بعد ما قد هرم
به فرح الدهر إذ لم يجد
…
نظيراً له في كرام الأُمم
إذا رمت مدح أبي المصطفى
…
لأحصي ما فيه يفنى الكلم
وتبقى معان من اللفظ قد
…
خلت وعلى الطرس لم ترتسم
أما من بيان لهذي المعاني
…
فعنها لساني عجزاً إرم
وهل حيلة حيث لا حيلة
…
لحصر معاني كريم الشيم
فتىً كلّ أعماله حسبما
…
به أمر الله باري النسم
له الله من ناسك في تقاه
…
من كلّ مأثمة قد عصم
ويأخذه فزع التائبين
…
ولم يك مثلهم قد أثم
فيحسبه من يراه سقيما
…
وما فيه سقم ولا من ألم
وإنَّ معائب أفعاله
…
محاسن أفعال أهل الشيم
وما مرَّ يوم من الدهر إلاّ
…
بأعماله الصالحات انتظم
فذا نجم خلّص أهل التقى
…
بعصر خلا منهم قد نجم
وجاء بآخر هذا الزمان
…
بمالم يجيئوا به في القدم
ومن بعد نسّاكه الصالحين
…
صدع الهداية فيه التئم
طليق المحيّا إذا وفده
…
على باب بيت علاه ازدحم
فيلقاه مستبشراً ضاحكاً
…
وتغمره كفّه بالنعم
فما هو إلاّ حياً للندى
…
بتسكابه فاضح للديم
وبدر علىً يتجلّى به
…
ظلام الخطوب إذا ماادلهَم
سما لعلىً دون إدراكها
…
قد انقطعت عاليات الهمم
وقام بأعباء مجد سواه
…
من الماجدين بها لم يقم
الفصل الثالث في الرثاء
لمّا توفّي الماجد الصالح محمّد نظمت هذه القصيدة معزّياً بأبيها ولديه المصطفى والحسن وكانت قد ألمت أسباب قد اقتضت تأخّرها شهراً كاملاً فكتبت أمام القصيدة هذه المقدّمة الفريدة كالإعتذار عن التأخير وقرأتا معاً في محفل الرثاء، وهاهي المقدّمة:
وقفت على الزوراء وهي يتيمة
…
تحنُّ لمن أبقى المعالي ثواكلا
فتنعاه طوراً للفواضل والنهى
…
وطوراً له تنعى النهى والفواضلا
قد شقّت بيد المصاب جيبها وردائها، حين أخذت رجفة الحزن أحشائها، وجزت بمدية الجزع ناصيتها ولمتيها، وبادرت حثو التراب على رأسها بكلتا يديها، وغسل الدمع من عينها سوادها، فصبغت فيه أبرادها، وبرزت في محفل النياحة، معولة يا عظيم المناحة، موحشة العيوس والتقطيب، معلنةً بالبكاء والنحيب، ما ترائت للعيون ماثله، إلاّ وأنشأت قائلة:
بكائي بعيني لم يكفيني
…
لمن قطع الدهر فيه وتيني
فليت توزع دمعي الأنام
…
لأبكي عليه بكلّ العيون
وهي في نعاء قلق الدهر من ضجّته، وبكاء غرق الصبر في لجّته، فحين رأيت خطبها عظيما، وشاهدت كربها جسيما، مسكت بكفّي رواجف صدري، وطفقت أسألها على سبيل تجاهل العارف كأنّني لست أدري:
فقلت على من رنّة النوح والبكا
…
فقالت عَلَى من لا نرى الدهر مثله
أليس أبي ذاك الذي تعهدونه
…
طوت نوب الأيّام عنّي ظلله
فقلت وعندي من فؤادي بقيّة
…
خذي بأيد الآخران قلبي كله
فما ينطبع في مرآة فكري، ولا يرتسم في لوح صدري، أن يروع قلبي ما بقيت صوت ناعيه، بعد أن ملأت سمعي رنّة هذه الواعة، التي ضرب فيها بازل الحزن بجرانه على صدر رباحة الكرم، وانقصمت من إلقاء كلكله عليها فقارة ظهر الشرف الأقدم، ورباع السؤدد أضحت فيها ثميلة الدمع محلولة الوكاء، بعد ما كانت مطلولة الربع بمخيلة السخاء، وعاد رواق المجد محفلاً للنوح والرثاء، بعد ما كان محلاًّ للمدح والثناء.
عادت مراث تهنيات العلى
…
ينصدع القلب بإنشادها
قد رحل اليوم سرور الورى
…
فلتلتمسه يوم ميعادها
قد دفنت تحت الثرى عيدها
…
وأبقت النحر لأكبادها
فلا ازدهاها يوم نيروزها
…
ولا أتى الفطر بأسعادها
وبمن تسر، أو تسعد مابقي الدهر، والذي كانت عيالاً عليه، وعين رجائها ممدودة إليه، قد أدرج والتقى في طاهر برده، ووسّد والصلاح في لحده، ولقد هممت أن أعقل لسان هذه الثاكلة، وأواري شخص هذه النائحة الماثلة، لتأخّر زمانها، وعدم مبادرتها كأمثالها من أترابها وأخدانها، ولقولهم "إذا قدمت المرزية سمجت التعزية" فقالت: لا واد معك الغزار، لا يقر لي قرار، دون أن أنوح عليه بما يكون كالمثل السائر، في نعوت فلك مصابه الدائر، أبتلك المراثي يناح دوني عليه، فتكون كفاءً لعظيم مصابه، وإن تقدّمتني إليه، فإليك عنّي إنّ الكلم رحيب، وما المصاب كمن يؤمّل أن يصيب، وربّ نائحة وسواها المستعبرة، "وليست الثكلى كالمستأجرة"، على أنّ كلّ يوم يمرّ من بعده، ولا يرى فيه فهو يوم فقده، وأمّا وأخلاقه الزاهرة، وتربة مرقده الطاهرة، التي لا يزال فيها نسيم الرحمة والرضوان، يهب أطيب مهب، فيحلب فيها سحائب الغفران، وإن لم يكن هناك ذنب لأن تركت لي عناني، وأطلقت في ميدان القول لساني، لأنوحنّ عليه نياحة ترجف منها الأرض بأوتادها، وتمزق عليها الدنيا أحشائها قبل أبرادها، ولأدعنَّ ساعة قيامي بها تشبه قيام الساعة، حتّى يحطم الدهر صدره وأضلاعه، وتقول للخنساء أين أنت منها، ويا بنة الأرا خلفك عنها، فخلعت عنها عذارها، وتركت لها مضمارها، وأوسعت لها من مجالها، فافتتحت في عتاب الدهر براعة استهلالها:
يا دهر ما شئت فاصنع هان ما عظما
…
هذا الذي للرزايا لم يدع ألما
رزءٌ تلاقت رزايا الدهر فاجتمعت
…
فيه فهوَّن ما يأتي وما قدما
ما بال أُمّ الليالي فيه قد حملت
…
فليتها وأبا أيّامها عقما
لقد تحكّم في الدنيا فنال بها
…
من النواظر والأحشاء ما احتكما
عجّت ولا كعجيج الموقرات به
…
وهل تلام وهذا ظهرها انقصما
مضى الذي طبّقتها كفّه نعماً
…
فطبّقتها الليالي بعده نقما
الآن غودرت الآمال حائمة
…
وأين في الدهر منها من ببلُّ فما
وقبّة المجد قد مالت ولا عجب
…
فإنَّ أثبت أركان العلى انهدما
فلينتظم مأتماً عمر الزمان لمن
…
بالصالحات جميعاً عمره انتظما
ولتحتلب عينها الدنيا لمن يده
…
كانت حلوبة جود تقتل الأزما
وكيف تسئم من دمع تتابعه
…
ومن متابعة النعماء ما سئما
في الكفّ ما زرعت حسن الرجاء له
…
إلاّ وأمطرها من كفّه كرما
يا آخذاً كلّ قلبي في ملامته
…
دع الملام وشاطرني الدموع دما
واقرع بلومك سمع الدهر حيث أتى
…
برنّة تركته يشتكي الصمما
طويت من يستظلّ المعدمون به
…
فليت يا دهر قسراً ظلّك انهدما
هل يعلم الزمن الغدّار لا علما
…
ماذا به هجم المقدار لا هجما
فأيُّ رزء يايّ الناس يكبر في
…
صدر الأنام سوى هذا الذي دهما
أفي ذوي الحلم فالثاوي زعيمهم
…
أم في بني فالعلم الثاوي أبوالعلما
أم في الأنام جميعاً فالذي افتقدوا
…
هو الذي جمعت أبراده الأُمما
بل كلّ ميّت له ثلم بحوزته
…
لكنَّ في موته الإسلام قد ثلما
قام النعيُّ على دار السلام له
…
فقلت بعدك ليت الكون لا سلما
مازال بشرك بالعافين ملتمعاً
…
حتّى تحوَّل في أحشائهم ضرما
وإن بكتك فلا منٌّ عليك لها
…
بمآء جودك جاري جفنه انسجما
هذي الدموع بقايا ماء عيشهم
…
من فضل ما كنت توليهم عليك همى
إن لم تفظ بك عن وجد نفوسهم
…
فسوف بعدك عن قرب تغيض ظما
يا راحلاً ولسان الحال ينشده
…
وللمقال لسان بالأسى انعجما
واهاً أباالمصطفى ماذا يقول فمي
…
وما البلى منك أبقى للجواب فما
الموت حتم وإن كان المنى لك أن
…
تبقى ولو جاوزت أيّامك الهرما
وددت يومك لم يجر القضاء به
…
لو كان للوح أن يستوقف القلما
حتّى تفرّج غمّاء الجدوب كما
…
فرّجت من قبلها أمثالها غمما
ماذا يراد بأهل الأرض فابتدرت
…
دهياء يوشك أن تستأصل النسما
أشاءَ ربّك إرسال العذاب بها
…
لما جنوها ذنوباً تهتك العصما
فغيض الماء من أنهارها وطوى
…
بالموت شخصك عنها والحيا انعدما
مشت بنعشك أهل الأرض تحمله
…
فخفَّ حتّى كأن لم يحملوا علما
وما دروا رفعته من كرامته
…
أهل السماء على أكتافها عظما
لم يرفعوا قدماً إلاّ وقد وضعت
…
من قبلهم غرُّ أملاك السما قدما
كأنَّ نعشك محمول به ملك
…
وخلفه العالم الأعلى قد ازدحما
ساروا به وسماء الدمع ترسلها
…
لك النواظر مدراراً ولا سئما
وعبَّ حين التقى ماء العيون على
…
أمر نزا منه قلب الدهر واضطرما
فكنت نوحاً وكان الفلك نعشك وال
…
طوفان فائر دمع أغرق الأُمما
إن يحملوك على علم فما حملوا
…
إلاّ الركانة والأخطار والهمما
أو يدفنوك على علم فما دفنوا
…
إلاّ المحاسن والأخلاق والشيما
أو ينفضوا الكفّ من ترب به دفنوا
…
ميتاً فتربك بالأفواه قد لثما
كأنّ قبرك فوق الأرض نجم سما
…
أو أنّه في ثراه حلَّ نجم سما
يا نازلاً حين لا صوتي يلمُّ به
…
عليك أُمّ المعالي جزت اللمما
وقفت بعدك في الزوراء أنشدها
…
أين الذي كان للاجين معتصما
وأين من يزهر النادي بطلعته
…
للزائرين ويجلو عنهم الغمما
ومن بنى لقرى الأضياف دار علىً
…
عمادها الفخر فيه طاولت إرما
ومن تردُّ جميع المشكلات له
…
إذا القضيّة أعيى فصلها الحكما
وأين للشتوة الغبراء من كرماً
…
ما قطّب العام إلاّ ثغره ابتسما
وأين من كان للعافين يلحفها
…
جناح رحمته ما دهرها أزما
لا فرق مابين أقصاها إذاص نسباً
…
عنه ومابين أدناها له رحما
وأين من ليتامى الناس كان أباً
…
في برّه قد تساوت كلّها قسما
في فقد آبائها لليتم ما عرفت
…
لكنّها عرفت في فقدك اليتما
أحببت في الله كتمان الصنيع ولا
…
يزداد إلاّ ظهوراً كلّما كتما
من كان يحلف إن لم يعتلق أبداً
…
إثمٌ بردك لم يحنث ولا أثما