الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهون بأحداث الزمان وإن تكن
…
لعظيم أبطال الأنام تبير
قد جائته في الرضاع وقلبها
…
فزعاً بجنح الرعب منه يطير
هي لم تهبه لقوّة فيه وهل
…
من قوّة للطفل وهو صغير
لكنّها نظرت مخائل للعلى
…
فيه عظائم شأنهنّ كبير
غالته غصناً جذَّ في سيف الرّدى
…
من دوحة العلياء وهو نضير
كانت ترجّيه لأنباها الورى
…
إن فيهم خطب ألمّ كبير
فالآن قد قطع الرجا منه فمن
…
لبنيهم في الحادثات يجير
مهلاً إذا سلم الأصول وخولست
…
بعض الفروع فليس ذاك يضير
ولها محمّد صالح يبقى حمىً
…
مادام باق في الزمان ثبير
المستجار بظلّه في حيث لا
…
من رائعات الحادثات مجير
شهم إذا ما رمت تحصي وصفه
…
لم يحصه المنظوم والمنثور
رفع المعالي وهو قطب سمائها
…
فعليه أفلاك العلاء تدور
في الكرخ إن فتحت لطيمة مجده
…
منها وراء النهر فاح عبير
وإذا انطوى فخر الكرام ففخره
…
في الخافقين لوائه منشور
تدعى أنامله مجازاً أنملاً
…
وحقيقة هي في العطاء بحور
ابني الأطائب كلّ فرد منكم
…
بعظيم أجر الصابرين خبير
في الله تلتذّون فيما نابكم
…
ولديكم الأمر الجليل حقير
ولكلّ ما تستصغرون مصابه
…
فجزائه عند الإله كبير
فصل في الغزل
قلت فيه:
إنّ التي سكنت ضميري
…
في حسنها سلبت شعوري
برشاقة القدّ الرطيب
…
ولفتة الظبي الغرير
قد أرهفت من لحظها
…
سيفاً ضريبته ضميري
قسماً بعامل قدّها ال
…
خطّار يخطر في الحرير
ما أسكرتني خمرة
…
لولاك يا عين المدير
وقلت أيضاً متغزّلاً:
مرّت بنا أمس تيميّة
…
ساحبةً أردانها العاطره
آنسة الدل ترى وهي إن
…
آنستها وحشيّه نافره
قد جذبت أحشائنا مذ غدت
…
ترمقنا بالنظرة الفاتره
فانجذبت من شغف نحوها
…
تسبق منّا الأرجل السائره
وعاد منّا كلُّ ذي صبوة
…
وفي حشاه رجله عاثره
الفصل الخامس في الهجاء
قلت في ذلك:
ما أكثر النّاس إلاّ إنّهم بقرٌ
…
تأتي المثالب أفواجاً إذا ذكروا
لو شام آدم بعضاً من فضائحهم
…
لما أحبّ إليه تنسب البشر
الباب الحادي عشر: في قافية الزاء وفيها فصل في المديح قلت في مدحه هذه القطعة الباهرة:
ودار عُلىً لم يكن غيرها
…
لدائرة الفخر من مركز
بها قد تضمّن صدر النّديّ
…
قتىً ليديه الندى يعتزي
صليب الصفاة صليب القناة
…
عود معاليه لم يغمز
أرى المدح يقصر عن شأوه
…
فأطنب إذا شئت أو أوجز
فلست تحيط بوصف امرء
…
نشا هو والمجد في حيّز
ربيب المكارم ترب السماح
…
قرى المعتفي ثروة المعوز
فأيّ العوارف لم يبتدىء
…
وأيّ المواعد لم ينجز
فتى في صريح العلى ليس فيه
…
لكاشح علياه من مهمز
وذو هاجس أينما زجّه
…
فما طلب الغيب بالمعجز
تراه خبيراً بلحن المقال
…
بصيراً بتعمية الملغز
نسجن المكارم أبراده
…
وقلن لأيدي الثنا طرّزي
ترى الدهر يحلب من كفّه
…
لبون ندىً قطّ لم تغرز
فأمّا قولي فيها:
تراه خبيراً بلحن المقال
…
بصيراً بتعمية الملغز
فقد اشتمل على ذكر اللحن والتعمية واللغز؛ فأمّا اللحن فهو الكناية عن الشيء والتعريف بذكره والعدول عن الإفصاح عنه، قال الله تعالى:(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ القَوْلْ) . وقال الشاعر:
ولقد وحيت لكم ليكما تفطنوا
…
ولحنت لحناً ليس بالمرتاب
وقال الآخر:
وحديث ألذّه وهو ممّا
…
ينعت الناعتون يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا
…
ناً وخير الحديث ما جاء لحنا
وقيل: إنّ المعنيّ من اللحن في هذاالبيت هو الفطنة وسرعة الفهم على معنى ما روي عن النبي عليه السلام أنّه قال: لعلّ أحدكم أن يكون ألحن بحجّته، أي أفطن لها وأغوص عليها.
وأخبر أبو عبد الله محمّد بن عمر بن موسى المرزباني قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله العسكري قال: حدّثنا العنبري قال: حدّثنا علي بن إسماعيل اليزيدي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: تكلّمت هند بنت أسماء بن خارجة فلحنت وهي عند الحجاج، فقال لها: تلحنين وأنت شريفة في بيت قيس؟ قالت: أما سمعت قول أخي مالك لامرأته الأنصاريّة؟ قال: ما هو؟ قالت: قال:
منطق صائب ونلحن أحيا
…
ناً وخير الحديث ما كان لحناً
فقال لها الحجاج: إنّما عنى أخوك اللحن في القول إذا كنى المحدّث عمّا يريد ولم يعن اللحن في العربيّة فأصلحي لسانك.
قال السيّد المرتضى: وقد ظنّ عمرو بن بحر الجاحظ مثل هذا بعينه وقال: إنّ اللحن مستحسن في النساء الغرائر - جمع غريرة وهي التي لم تجرب الأُمور - وليس بمستحسن منهنّ كلّ الصواب والتشبّه بفحول الرجال، واستشهد بأبيات مالك بعينها وظنّ أنّه اراد باللحن ما يخالف الصواب، وتبعه على هذا الغلط عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري فذكر في كتابه المعروف بعيون الأخبار أبيات الفزاري واعتذر بها من لحن أن أُصيب في كتابه.
قال الشريف المرتضى: وأخبرنا أبو عبد الله المرزباني قال أخبرنا محمّد بن يحيى الصؤلي قال حدّثني يحيى بن علي المنجّم قال حدّثني أبي قال قلت للجاحظ: مثلك في عقلك وعلمك بالأدب ينشد قول الفزاري ويفسّره على أنّه أراد اللحن في الإعراب وإنّما أراد وصفها بالظرف والفطنة وإنّها توري عمّا قصدت له وتتنكّب التصريح به؟ فقال: قد فطنت لذلك بعد، فقلت: غيّره من كتابك، فقال: كيف لي بتغيير ما سار به الركبان. قال الصؤلي: فهو في كتابه على خطأه.
قال الشريف المرتضى: ومن حسن اللحن الذي هو التعريض والكناية ما أخبرنا به أبوالحسن علي بن محمّد الكتاب قال: حدآثنا أبوبكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي أنّ رجلاً من بني العنبر حصل أسيراً في بكر بن وائل فسألهم رسولاً إلى قومه فقالوا له لا ترسل إلاّ بحضرتنا لأنّهم كانوا عزموا على غزو قومه فخافوا أن ينذرهم فجيء بعبد أسود فقال له: أتعقل؟ قال: نعم إنّي لعاقل، قال: وما أراك عاقلاً، وأشار بيده إلى الليل، فاقل: ما هذا؟ قال: الليل، قال: أراك عاقلاً، ثمّ ملأ كفّيه من الرمل فقال: كم هذا؟ قال: لا أدري وإنّه لكثير، فقال: أيّما أكثر النجوم أم النيران؟ قال: كلٌّ كثير، فقال: أبلغ قومي التحيّة وقل لهم ليكرموا فلاناً فإنّ قومه لي مكرمون - يعني به أسيراً كان في أيديهم من بكر -، وقل لهم إنّ العرفج قد أدبى وشكت النساء وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبها وأن يركبوا جملي الأصهب بآية ما أكلت معكم حيساً، واسالوا عن خبري أخي الحارث.
فلمّا أدّى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد ألحن الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملاً أصهباً، ثمّ سرّحوا العبد ودعوا الحارث فقصّوا عليه القصّة، فقال: قد أنذركم؛ أمّا قوله: قد أدبى العرفج، يريد أنّ الرجال قد استلئموا ولبسوا السلاح، والعرفج جنس من الشوك، وأدبى أي أورق وصار الورق عليه كالدبا، الدبا صغار النمل، أي ارتحلوا عن الدهناء وأركبوا الصمان وهو الجمل الأصهب. وقوله: أكلت معكم حيساً، يريد أخلاطاً من النّاس قد غزوكم لأنّ الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا ما قال وعرفوا لحن كلامه.