الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محض الصنيعة لا كجو
…
د سواه مصنوع مموّه
في كلّ يوم عنده
…
حسنى يسوء بها عدوّه
شرع كلا وقتيه أحر
…
ز في الندى بهما سموّه
فغدوه كرواحه
…
ورواحه يحكي غدوّه
وقد اشتملت هذه المقطوعة على اللزوم، وهذا القسم منهم من سمّاه لزوم ما لا يلزم، ومنهم من يسمّيه الإعنات، وقالوا جميعاً فيه: هو أن يلزم الناثر في نثره أو الشاعر في شعره قبل حرف الروي حرفاً فصاعداً على حسب قوّته مشروطاً بعدم التكلّف، وهو في مقطوعتنا هذه التزم أحد الواوين في القافية لأنّه غير لازم إذ يسوغ أن تكون القافية مثلاً غدوه أخوه، ومثل ذلك قصيدة كثير عزّة التي يقول فيها:
خليلَيّ هذا ربع عزّة فاعقلا
…
قلوصيكما ثمّ احللا حيث حلّت
في التزام أحد اللامين وهي طويلة مشهورة. ومن الكتاب العزيز قوله تعالى: (وَالطُّور، وكتاب مَسْطُور) فالطاء في أحد الفاصلتين لزوم.
الباب السابع والعشرون في قافية الهاء
وفيها فصل واحد في المدح
قلت فيه:
باتت تعاطيني حميّاها
…
بيضاء كالبدر محيّاها
جائت من الفردوس تهدي لنا
…
نفحة كافور بمسراها
لولم تكن من حورها لم يكن
…
رحيقها بين ثناياها
ذات قوام حبّذا بانة
…
منه نسيم الدلّ ثنّاها
ووجنة تغنيك في شمّها
…
عن شمّك الورد بريّاها
بتُّ كما شئت بها ناعماً
…
معانقاً مرتشفاً فاها
في روضة تروي شاذها الصبا
…
عن حسن لا عن خزاماها
من لم يدع للفخر من غاية
…
إلاّ وقد أحرز أقصاها
لم تجر أهل السبق في شأوه
…
إلاّ غدا العجز قصاراها
ذو راحة أغزر من ديمة
…
تحلبها كفّ نعاماها
تنميه من حيّ العلى أسرة
…
أحلى من الشهد سجاياها
هم أنجم الأرض بأنوارهم
…
أضاء أقصاها وأدناها
الباب الثامن والعشرون في قافية الياء
وفيها فصل واحد في المديح
قلت في مدحه:
للمجد طلعتك البهيّه
…
شمسٌ تشعّ على البريّه
وبنان كفّك للندى
…
وطفاء ساكبة رويّه
ولك المناقب في سما
…
ء الفخر زاهرة مضيّه
لا زلت يابن جلا هموم
…
الوفد طلاّع الثنيّه
كالطود حلمك أو تهزّك
…
للثناء الأريحيّه
أبني الزمان ورائكم
…
عن هذه الرتب العليّه
ودعوا الفخار بأسره
…
لا غرَّ بسّام العشيّه
خير البريّة من تعيش
…
على عوارفه البريّه
هذا أبوالهادي الذي
…
يعطي ويحتقر العطيّه
لم يرض بالدنيا وما
…
فيها لوافده هديّه
كرماً تبشّر وفده
…
بالنجح بهجته الوضيّه
حلو الحميّا خلقه
…
مرّ الحفاظ مع الحميّه
فأمّا قولي:
وبنان كفّك للندى
…
وطفاء ساكبة رويّه
ففيه التضمين من قول بعضهم في رثاء الحسين عليه السلام:
أمرر على جدث الحسين
…
وقل لأعظمه الزكيّه
يا أعظماً لا زلت من
…
وطفاء ساكبة رويّه
وقد صرفته عن معناه لأنّ ساكبة صفة للوطفاء ورويّة صفة للأعظم وقد جعلتهما كلاهما صفة للوطفاء. والتضمين هو أن يضمن الشاعر شعره شيئاً من شعر الغير مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهوراً عند البلغاء، وإن كان مشهوراً فلا حاجة إلى التنبيه. قال البحتري في هجاء بعض النّاس:
ولقد رأيت البيض تأخذ درعه
…
فذكرت عرض محمّد بن الهيثم
غرض الأيور يقول عند لقائها
…
ليس الكريم على القنا بمحرّم
مزج المدح لإنسان بذمّ آخر وتضمّن من قول عنتر قوله: ليس الكريم على القنا بمحرّم، وهنا نادرة أحببت ذكرها وإن لم تكن من التضمين إلاّ أنّ فيها مناسبة لحال المهجو.
قيل: إنّ الحسن بن وهيب وكان يُرمى بالأبنة استعرض غلاماً فقال: أكشف عن ساقيك وذراعيك وجعل يفتّشه والغلام يخجل، فقال له نجاح الكاتب: لا تخف إنّك أنت الأعلى.
ولبعضهم في الهزل:
وباخل يشنؤ الأضياف حلَّ به
…
ضيف من الصفع نزّال على القمم
سألته ماالذي يشكو فجاوبني
…
ضيف ألمَّ برأسي غير محتشم
والتضمين هذا من قول المتنبّي:
ضيف ألمّ برأسي غير محتشم
…
والسيف أحسن فعلاً منه بالقمم
وقال ابن أبي الأصبع:
إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها
…
تذكّرت مابين العذيب وبارق
ويذكّرني من قدّها ومدامعي
…
مجرّ عوالينا ومجرى السوابق
وظريف قول ابن نباتة في الهزل:
أقول لمعشر جلدوا ولاطوا
…
وباتوا عاكفين على الملاح
ألستم خير من ركب المطايا
…
وأندى العالمين بطون راح
أتنسى صدع أُمّك فوق أيري
…
بذور كما يذور بني رياح
تقول وقد جلست عليه إيه
…
وقد قعدت على الورد الوقاح
ألسنا خير من ركب المطايا
…
وأندى العالمين بطون راح
فقلت دعي فليس أوان فخر
…
ولا بأوان هجو وامتداح
ولكنّ الأوان أوان نيك
…
وإدخال الفياشل في الفقاح
وقال ابن نباتة:
تصدّى إلى أيري فقلت له اثئد
…
وحقّك لو عاينته وهو ثائر
رأيت الذي لا كلّه أنت قادر
…
عليه ولا عن بعضه أنت صاير
ومن ظريف التضمين ما حكي أنّ الحيص بيص الشاعر قتل جرو كلب وهو سكران فأخذ أبوالقاسم القطان الشاعر كلبة وعلّق في رقبتها قصّة وأطلقها عند باب الوزير، فأخذت القصّه من عنقها وأدخلت على الوزير، فإذا فيها مكتوب:
يا أهل بغداد إنّ الحيص بيص أتى
…
بخزية أورثته العار في البلد
أبدى شجاعته بالليل مجترياً
…
على جري ضعيف البطش والجلد
فأنشدت أُمّة بعد ما احتسبت
…
دم الأبيلق عند الواحد الصمد
أقول للنفس تأساءً وتعزية
…
إحدى يديَّ أصابتني ولم ترد
كلاهما خلف من فقد صاحبه
…
هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
البيتان الأخيران لامرأة من العرب قتل أخوها ابناً لها فقالتهما تسلية لنفسها.
وقال بعضهم في قاض مات غلامه وبغلته معاً وضمن المثل، فقال:
قالوا غلام القاضي وبغلته
…
راحا جميعاً منه على البغته
قلت لقد برح الزمان به
…
لم يبق لا فوقه ولا تحته
وقال آخر مضمّناً في مدح بعضهم:
أستغفر الله أين الغيث منقطعاً
…
من جوده وهو طول الدهر متّصل
من حاتمٌ عدّ عنه واطرح فيه
…
في الجود لا بسواه يضرب المثل
أين الذي برّه الآلاف يتبعها
…
كرائم الخيل ممّن برّه الإبل
لو مثل الجود سرحاً قال حاتمهم
…
لا ناقة لي في هذا ولا جمل
والأحسن في التضمين صرفه عن معناه الأصلي فمن ذلك قول أبي الحسن في تضمين قصيدة امرء القيس وجرّها إل مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
نبي الهدى قد قال للكفر نوره
…
ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي
تلا سوراً ما قولها بمعارض
…
إذا هي نصّته ولا بمعطّل
وقد تلاعب الشعراء بتضمين هذه القصيدة، فمن ذلك قول أبي منصور:
أكتاب ديوان الرسائل مالكم
…
تجمّلتم بل متّم بالتجمّل
وأرزاقكم لا تستبين رسومها
…
لما نسجتها من جنوب وشمئل
إذا ما اشتكى الإفلاس والضر بعضكم
…
تقولون لا تهلك أسىً وتحمّل
حلفتم على باب الأمير كأنّكم
…
قفانيك من ذكرى حبيب ومنزل
وكتب بعضهم إلى ابن نباتة:
أفي كلّ يوم منك عتب يسوئني
…
كجلمود صخر حطّه السيل من عل
وترمي على طول المدى متجنّياً
…
بسهميك في أعشار قلب مقتل
في أبيات طويلة فأجابه متهكّماً:
فطمت ولائي ثمّ أقبلت عاتباً
…
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلّل
بروحي ألفاظ تعرّض عتبها
…
تعرّض أثناء الوشاح المفصّل
فأحييت ودّاً كان كالرسم عافياً
…
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ومن التضمين الغريب ما اخترعه الصاحب فخرالدين في مداعبة رجل من أصحابه كبير الأنف وهو:
تأنّف عن وصف الغزال تغزّلي
…
بلحية أنف ذي حقاف عقنقل
من البق فيها جملة قد تعرّضت
…
تعرّض أثناء الوشاح المفصّل
فياقبح شعر فوق أنف معرقف
…
أثيث كقنو النخلة المتعثكل
ترى القمل والضبيان في عرصاتها
…
وقيعانها كانّه حبّ فلفل
كأنّ الفسا إن قيس مع ريح أنفه
…
نسيم الصبا جائت بريا القرنفل