الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك إرسالُ الرَّاوي لسماع هذه الكتب المصنفة، بل هو أقوى المراسيل لوجوه:
أحدها: أن الكتابَ معلومٌ بالضرورة
على سبيل الإجمال أنه تأليف لصاحبه، فإنَّا نعلم بالضرورة أن محمدَ بن إسماعيل البخاري صنَّف كتاباً في الحديث، وأنه هذا المقروء المسموع المتداول بينَ الناس.
و
ثانيها: أن أهلَ الكذب والتحريف قد يئسُوا من الكذب في هذه الكتب المسموعة
، فكما أنه لا يُمْكِنُ أحداً أن يُدْخِلَ في " اللمع " مسألة في جواز المسح على الخُفين ويقول: إنه مذهب الهادي عليه السلام ويخفي ذلك على حُفَّاظ مذهبه عليه السلام فكذلك لا يُمْكِنُ أحداً أن يزيدَ في صحيح البخاري حديثَ " القُرآنُ كلامُ الله غيرُ مخلوق "(1)، ولا حديثَ " أبو بكر خليفتي على أمتي "(2) ونحو ذلك من الموضوعات.
و
ثالثها: أن النُّسَخ المختلفة كالرواة المختلفين، واتفاقُها يدل على صحة ما فيها
عن البخاري قطعاً، أو ظاهراً، فإنك إذا وجدتَ الحديثَ في نسخة منه نُسِخَتْ باليمنِ، ووجدتَه في نسخةٍ نسخت بالمغرب، وفي نسخةٍ نُسِخَتْ بالشام، ونحو ذلك، ووجدتَه في شرحه الذي شرحه عالم في بعض أقطار الإسلام، ووجدتَه في الكتب المستخرجة من الصَّحاح الجامعة لما فيها، والمختصرة منها فتجده في " جامع الأصول "(3) لأبي
(1) انظر " اللآلىء المصنوعة " 1/ 4 - 9 للحافظ السيوطي.
(2)
انظر " الفوائد المجموعة " ص 332 للإمام الشوكاني.
(3)
طبع في مصر باعتناء الشيخ محمد حامد الفقي، ثم طبع في دمشق طبعة محررة متقنة مفهرسة، خرج أحاديثه وضبط نصه وعلق عليه صاحبنا الشيخ: عبد القادر الأرنؤوط وأخي السيد إبراهيم، وكنت قد شاركتهما في تحقيق المجلدين الأول والثاني.
السعادات ابن الأثير، وتجده في كتاب " المنتقى في الأحكام "(1) لعبد السَّلام ابن تيميَّة، وتجدهُ في كتاب " الإلمام "(2) للشيخ تقي الدِّين محمد بن علي القُشيري، وتجده في كتاب " الجمع بين الصحيحين "(3) للحافظ الحُمَيْدِيّ. وتجده في كتب الفقه البسيطة التي يُشرح فيها مذاهبُ العلماء ويذكر فيها حُجَجُهُمْ.
وهذه الكتبُ قد تُوجدُ كُلُّها وقد يُوجد منها كثيرٌ، ولا شكَّ أن الناظر فيها إن لم يستفِدِ العلمَ الضَّروري باستحالة تواطؤ مصنِّفيها على محضِ الكذب والمباهتة، لأنه يستحيلُ اجتماعُهم واتفاقُهم على ذلك، لِتباعد أزمانِهم وبُلدانهم، واختلافِ أغراضهم ومذاهبهم، وأقلُّ الأحوال أن ذلك يُفيدُ الظَّنَّ الغالِبَ المقارِبَ للعلم، فإذا كان الأئمةُ قد نصُّوا على قَبولِ المرسل مع خُلوِّه من هذه القرائن فكيف ينكر على من قَبِلَهُ مع هذه القرائن الكثيرة، فإذا كان المعتمد في الاجتهاد هو الظن المطلَق، فكيف يُنكر على من استند إلى مثل هذا الظنِّ القوي.
الجواب الخامس: أن المختار القوي ما ذهب إليه أبو عُمَرَ بنُ عبدِ البَرِّ، وأبو عبد الله بن الموَّاق (4) وهو أنَّ كُلَّ حاملِ علمٍ معروفٍ بالعناية فيه، فإنه مقبول في علمه، محمول أبداً على السَّلامة حتى يَظْهَرَ ما
(1) طبع في مصر على حدة بتحقيق وتعليق الشيخ الفقي، وطبع أيضاً مع شرحه الحافل الموسوم بـ " نيل الأوطار " للإمام الشوكاني.
(2)
طبع في دمشق بعناية الأستاذ سعيد المولوي.
(3)
لم يطبع بعد.
(4)
واسمه عبد الله توفي سنة 897 هـ، وقد ذكر ذلك في كتابه " بغية النقاد " في مصطلح الحديث، فقال فيما نقله عنه الحافظ العراقي في " الإيضاح " ص 139: أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك.