الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محقق. فالله المستعان. فإمَّا أن يكونَ على الوجه المعتبر أو لا، إن كان على الوجه المعتبر، فما الفرقُ بَيْنَ السَّيِّد وغيرِه مِن طلبة العلم؟ فإنَّهم يطلبُون ما طَلَب، ويفهمون ما فهم، وإن كان تفسيرُه على غير الوجه المعتبر، فهو أجلُّ مِن ذلك.
فإن قال: إنه لم يُفسِّر، إنّما روى تفسيرَ العلماء. قلنا: الجوابُ من وجوه:
الأول: أنه لا معنى للتقليد في التفسير على أصل السَّيِّد
، لأن التفسير، إمَّا أن يكون ممَّا تُعبَّدنا فيه بالعمل، فليس لأحد أن يَعْمَل به، ولا يعتقده إلا المجتهد، وإن كان التفسيرُ مما تُعُبِّدْنا فيه بالاعتقاد دونَ العمل، فذلك أبعدُ على أصول أهل المذهب، لأن المقرر عندهم أنّه لا يجوزُ أن يتعبدنا اللهُ بالظَّنِّ في باب الاعتقادات ولم يبق إلا تفسيرُ ما هو معلومُ المعنى لكل مكلفٍ مثل تفسيرِ لا إله إلا الله، ونحْوُ ذلكَ مستغنٍ عن التفسير.
الثاني: أنّه قد قال: إن اتِّصال الرواية لهم على وجه الصِّحةِ صعبٌ أو متعذِّر
، فشك في تعذُّرها، فدلَّ على أنَّه لم يحصل له روايةٌ صحيحة عنهم، لأنها لو حَصَلَتْ له، لوجب القطعُ، وزال الشَّكُّ في التعذُّرِ.
الثالث: إمّا أن تكون الرِّواية تفيد التفسير أوْ لا؟ إن لم تكن مفيدة، فالتصنيف عبثٌ، والقراءةُ فيه عبث، والاستماعُ له كذلك. وإن كانت تُفيد، لزم السؤال. ثم إن السَّيِّد في هذا الكلام لم يَزِدْ على أنَّه صعَّب، ولم يقطع بأنَّه محال، فأخبرنا إذا كان العلمُ بمعاني كتاب الله صعباً هل هو من الدِّين أم لا؟ إن قلتَ: ليس من الدِّين، خالفتَ الإجماع، وإن
قلتَ: هو من الدِّين، فأخبرنا: كيف أمر الله فيما يَصْعُبُ (1) من الدِّين، هل أوصى بالصبر، أو أوصى بالترك، وكيف مدح الله المؤمنين؟ هل مدحهم بالتَّواصي بالصَّبْرِ حيث قال:{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3]. أو مدحهم بالترك بإجابة داعي الدَّعةِ، فقال: وتواصوا بالسَّهل وتواصَوْا بالترك، أو قال ما هو في معنى هذا. فكان اللائق أنَّ السَّيِّد يُوصينا بالصبر على هذا (2) الأمر الشاق، ويقوِّي عزائِمنَا على ذلك بما ورد في القرآن الكريم في نحو قَولِه تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين} [البقرة: 153]. وقد ذكر بعضُ العارفين أن الله تعالى ذكر الصبرَ في نيِّفٍ وتسعين موضعاً، فلولا حُسْنُ التعرض للمشاق الدِّينية ووجوبُ ذلك في كثير من المواضع، ما ذكَرَ اللهُ الصبرَ، ولا أثنى على الصَّابرين.
قال: " لأن التفسيرَ إمَّا أن يكونَ مِن الرسول، أو من آحاد المفسِّرين: كابن عبَّاسٍ ومقاتلٍ ومجاهدٍ وقتادة، أو يرجع فيه العالِمُ إلى أئمة اللغَةِ والنحوِ: كأبي عُبيدة، والخليل، والأخفش، والمبرِّد (3)، فيأخذ معنى اللفظِ منهم ويفسر على (4) ما يُوافِقُ علومَ الاجتهاد التي قد أحرزها.
أمَّا الأوَّلُ وهو نقلُ التفسير عن الرسول، فهو لا يكاد يُوجَدُ إلا في مواضعَ قليلة لا تفي بما يحتاج إليه مِن آياتِ الأحكام ".
أقول: يَرِدُ على كلام السَّيِّد ها هنا (5) أسئلة:
(1) في (أ) تصعب.
(2)
" هذا " لم ترد في: (ب).
(3)
أبو عبيدة: هو معمر بن المثنى المتوفى سنه 209 هـ، والخليل: هو ابن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة 170 هـ، والأخفش: هو سعيد بن مسعدة المجاشعي البصري المتوفى سنة 215 هـ، والمبرد: هو محمد بن يزيد المتوفى سنة 286 هـ.
(4)
سقطت " على " من (ب).
(5)
في (أ) و (ج): هنا.