الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمالكية، وأنه قد ادُّعي إجماعُ التابعين على قبوله، وكذلك سوف يأتي إثبات إجماع الصحابة على قبول المتأولين من عشرِ طرق.
قال: الثالثُ أن اتَّصالَ الرواية بكتب الجرح والتعديل متعسِّرةٌ أو متعذِّرة على وجه العدالة الصحيحة.
أقول: السَّيِّد -أيَّده الله- متردِّدٌ متحيِّرٌ ما درى، أهذه الأمور مُتعسِّرةٌ أو مُتعذِّرة؟ فلا يزالُ يكرِّرُ الشكُّ في ذلك، والشاكُّ لا ينبغي له أن يعترض على من ادعى إمكان ما هو شاكٌّ في إمكانه، لأنَّ مِن شَرْطِ مَن جَوَّزَ شيئاً وشكَّ فيه أنْ لا يُكذِّبَ من ادَّعاه، فإنْ قَطَعَ السَّيدُ - أيَّده اللهُ- بتعذُّرِ ذلك سقط التكليفُ به، لأن التكليفَ لا يتعلَّق بما لا يُطاق، وإن جوَّز أنه مقدورٌ، فلا معنى لذكر تعسُّرِ المقدور متى كان واجباً أو مندوباً، كما قدَّمنا ذلك في التنبيهات المتقدمة. و
الجواب على ما ذكره السَّيِّد من وجوه:
الأول: أن كتب الجرحِ والتعديل مثلُ سائرِ المصنَّفات
، فكما إنه يُمْكِنُ سماعُ سائر المصنفات في جميع العلوم، فكذلك يُمكن سماعُ كتب الجرح والتعديل، وليس إضرابُ منْ ليس له رغبة فيها عن سماعها يَدُلُّ على ما توهمه السَّيِّدُ، فإن طلبة علم الحديث في أقطار الإسلام محافظون على سماعها ملازمون لقراءتها، وشيوخُها موجودون في اليمن ومكة ومصر والشام والعراق والغرب، وسائر الأمصار الكبار في المملكة الإسلامية، والناس لا يزالون يخنلفون إلى هذه الأقطار والأمصار لأدنى الأغراض الدنيوية، ومن كان محبّاً للعلم طلبه حيث كان وارتحل في تحصيله إلى أبعد مكان. وقد روى الحاكم في " المستدرك " (1) عن جابر بن عبد الله الصحابي رضي الله عنه: أنه سافر
(1) 2/ 427 - 428 و4/ 437 - 438، وصححه في الموضعين، ووافقه الذهبي مع =
شهراً كاملاً لطلب حديث واحدٍ، وهو حديثُ القِصَاصِ بلغه عن عبدِ الله بن أنيْس فسافر إليه إلى مصر حتَّى سمعَه مِنْهُ.
وقد ورد في صحيح مسلم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ومَنْ سَلكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهَا عِلْماً سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقاً إلى الجنَّة "(1) وقد ذكر العلماء فضل الرحلة، ومن أعظم ما يستدل به على فضلها قصة موسى عليه السلام في طلب الخضر (2) عليه السلام فإنه لما قال الله له: إن لنا عبداً هو أعلمُ مِنْكَ، ارتحل في طلبه، وسأل اللهَ لُقياه، وقال لفتاه:{لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف: 60]. والحقب: الدهر، وقيل: إنه ثمانون سنةً. هذا مع أنه كليمُ الرحمن، ومعلوم أنه لا يحتاج إلى الَخضِر عليه السلام في معرفة شيء من الحلال والحرام. فهذه رحلة في طلب الزائد على الكفاية من العلمِ وفيها دليلٌ للمستكثرينَ مِن طلب المعارف، وقد قال الله تعالى لنبيِّه عليه السلام:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] مع ما آتاه الله تعالى من العلم العظيم. فإذا كان الأمرُ كذلك، فلا معنى للتَّخذيل من طلبِ فنٍّ من علومِ الدين وإيهام الضعفاءِ أنه مِن جملة
= أن في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي وهو صدوق إلا أن بعض أهل العلم تكلم فيه من قبل حفظه، فهو حسن الحديث، وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (970) وعلقه في موضعين من صحيحه من 1/ 173 في العلم: باب الخروج في طلب العلم و13/ 453 في التوحيد وأحمد 3/ 495، والطبراني في " المعجم الكبير " والخطيب في الرحلة في طلب الحديث (31) وحسنه الحافظ في " الفتح "، ولعبد الله بن محمد بن عقيل متابع عند الطبراني في " مسند الشاميين " كما في " تغليق التعليق " ص 1890 و1891 من طريق الحجاج بن دينار، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، وقال في " الفتح " 1/ 174: إسناده صالح.
(1)
هو في صحيح مسلم (2699) في الذكر والدعاء: باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر من حديث أبي هريرة.
(2)
تقدم تخريجه في الصفحة 218.