الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والموارق، والسَّيِّد ذكر هذه المسألة في هذا الموضع ذكراً مختصراً، وأعادها فيما يأتي بأطول من ذلك، فنؤخرها إلى حيث بسط القولَ فيها.
و
المسألة الثانية: قبولُ الأعراب
، والسَّيِّد قد أعادها حيثُ بسط القولَ في هذا المعنى، وقد ذكر في هذا الموضع الأعرابي الذي بال في المسجد (1) ووفد بني تميم (2)، وما نزل فيهم، ووفد عبد القيس (3) ولم يُعِدْ هذه الأشياء في غيرِ الموضع فنذكرها ها هنا، فهي
ثلاثُ حُجج احتج بها السَّيِّد على بُطْلانِ كثير من أخبار الصحاح
.
الحجة الأولى: خبرُ الأعرابيِّ الذي بال في مسجد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
قال السَّيِّد أيَّدَه الله: إنَّهُ يلزم أنَّه عدل. قلنا: الجوابُ من وجوه:
الوجه الأول: أن نقول من أين صح للسَّيِّد أنه كان في عصره عليه السلام أعرابيٌّ بال في المسجد، فثبوتُ هذا مبنيٌّ على صحة طرق الحديث وقد شكَّ في تعذرها، إن صحَّت طريق هذا، بطل الشَّكُّ، إذ من البعيدِ أن يصح طريقُ هذا دون غيرهِ.
الوجه الثاني: أنَّا قد ذكرنا أنَّ كل مسلم ممن عاصر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ممن لا يُعْلَمُ جرحُهُ، فإنَّه عدلٌ
عند الجِلَّة من علماء الإسلامِ من الزيدية، والمعتزلة، والفقهاء، والمحدثين، وأن هذه المسألة مما لا ينكر. وهذا الأعرابيُّ مِن جملة من دخلَ تحت هذا العموم فنسأل السَّيِّد: ما الموجب
(1) تقدم تخريجه ص 370.
(2)
أخرجه أحمد 4/ 426 و431 و433 و436، والبخاري (3190) و (4365) و (4386) والترمذي (3951).
(3)
تقدم تخريجه ص 371.
لتخصيصه بالذكر؟ فإن الخصم ملتزم لعدالته، ومطالب بإبداء المانع منها، فإن قال السَّيِّد: إنَّ بولَه في المسجد يمنع من العدالَة، لأنَّه محرَّم.
فالجواب عليه: أن الجرحَ بذلك غيرُ صحيح، لأنَّه لا دليلَ على أنَّه فعله وهو يعلمُ بالتحريم، ويقوِّي هذا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم منع مِن قَطْعِ درَّتِهِ، ونهي من نهاه، وقال:" إنَّ منْكمْ مُنَفِّرينَ "(1) ولو كان في فعله متعمداً لارتكاب ما حرَّمه اللهُ -تعالى- مجترئاً معانداً لم يستحق هذا الرفق العظيم، ولكان الأشبه أن يُزجر عن الجرأة، وهذا مقوٍّ فقط.
والمعتمد أنَّ الأصل جهله بالتحريم، لكنِّا تقوينا بأنه عليه السلام رَفَقَ به، ولان له لجهله بذلك -والله أعلم-.
فإن قال السَّيِّد -أيده الله-: إنَّ ذلك يقدح في العدالة من أجل دِلالته على الخِسَّة وقلة الحياءِ والمروءة، إذ البولُ في حضرة الناس يَدُلُّ على ذلك، كما يقدح بأمثال ذلك من المباحات، كالأكل في الأسواق.
قلنا: الجواب أنَّ هذا مما يختلِفُ بحسب العُرف، وقد كانت الأعرابُ في ذلك الزمان وفي غيره لا تستنكِرُ مثلَ ذلك في باديتها، فكل ما كان يعتادُهُ أهلُ الصيانة من المباحات في بلدٍ أو زمانٍ لم يقدح في عدالة أحدٍ من أهل ذلك الزمان، ولا مِن أهل ذلك المكان. وقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمشي في المدينة بغير ردَاءٍ، ولا نعلٍ، ولا قَلنْسُوَةٍ يعود المرضى كذلك في أقصى المدينة. ومثل هذا في غير ذلك الزمان، وفي بعضِ البُلدان مما يتكلم بعضُ أهلِ الفقه في قبولِ فاعله لعرف يختصُّ بتلك البلدة، وبذلك الزمان، ولم يكن هذا مستنكراً في زمانه عليه السلام
(1) تقدم تخريجه ص 173.
فقد كانوا أقربَ إلى عرف أهل البادية.
وكذلك فقد ورد عنه عليه السلام أنه أخذ قِطْعَةً من لحم، وجعل يلُوكُها في فيه وهو يمشي في الناس، ذكر معناه أبو داود (1).
وقد أردت عليه السلام أمرأةً خلفه في بعض الغزوات وهي أجنبية على بعيره (2) وربَّما كان هذا مما يتجنَّبُه أهلُ الحياء في بعض الأزمان وبعض الأمكنة، وقد ثبت أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يتجنَّبه، وقد ثبت أنَّه عليه السلام كان أشدَّ حَيَاءً مِن العذْرَاءِ في خِدْرِهَا (3) وأنَّه كان لا يُثْبِتُ بصرَه في أحدٍ حياءً منه. فلولا اختلاف العرف لم يفعل عليه السلام ما يُستَحيي منه في غير زمانه عليه السلام.
وقد غَلِطَ من جرح الصُّوفيَّة بما يرتاضون عليه من هذه المباحات، مغتراً بعموم تمثيلِ الفقهاءِ، والوجهُ في الغلط في ذلك أنَّه ليس بجرح في
(1) لم نجده في سنن أبي داود، وفي " المطالب العالية " 2/ 319 من طريق عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل قائماً وقاعداً. وفيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف، وفي سنن الترمذي (1880) وصححه عن ابن عمر قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام.
(2)
المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أردف خلفه صفية زوجته كما في البخاري (6185) ومسلم (1345) ولم نقف فيما بين أيدينا من مصادر على هذا الذي ذكره المصنف. وفي سنن ابن ماجه (2131) عن ميمونة بنت كردم اليسارية أن أباها لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهي رديفة له، فقال: إني نذرت أن أنحر ببوانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بها وثن؟ قال: لا، قال: أوف بنذرك، وإسناده قوي وصححه البوصيري في الزوائد. فميمونةُ في هذا الحديث كانت ردف أبيها لا ردف النبي صلى الله عليه وسلم، وانظر " مسند أحمد " 6/ 336.
(3)
أخرجه من حديث أنس بن مالك البخاري (3562) و (6102) و (6119) ومسلم (2320) وابن ماجه (4180)، والترمذي في " الشمائل "(351) وأحمد 3/ 77 و79 و88 و91 و92، وفي الباب عن أنس عند البزار، وعن عمران بن حصين عند الطبراني كما في " المجمع " 9/ 17. والخدر: سِترٌ يُمُد للجارية في ناحية البيت.