الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السؤال الأول: أنَّه ادَّعى أن حصول التفسير صعبٌ، والمفهوم مِن هذه العبارة أنَّه ممكن، لأنه لم يَجْرِ عرفُ البلغاء ولا غيرُهم أن يَصِفُوا المحالَ بالصُّعوبة. ثم إن السَّيِّد احتج على ذلك بما يُوجب أنَّه متعذِّر محال، وذلك ظاهر في احتجاجه لمن تأمَّلَه، فإنه لم يَتْرُكْ إلى معرفة التفسير المحتاج إليه سبيلاً ألبتة.
السؤال الثاني: أنَّ هذا تشكيك على أهل الإسلامِ في الرجوع إلى كتاب ربِّهم
الذي أنزله عليهم نوراً وهدىً، وعصمةً لِلمتمَسِّكِ به من الرَّدى. وقد مرَّ أنَّ مثلَ هذا التشكيكِ لا يصْلُحُ إلا مِن الملاحدة والزنادقة، وسائرِ أعداء الإسلام خَذلَهُمُ اللهُ تعالى. والسَّيِّد -أيده الله- من أعيان العِترة النبوية، وأغصانِ الشجرة العلَوِيَّة، وجدير به التَّنَزُّهُ عن ذلك، والتنكبُ عن هذه المسالك.
السؤال الثالث: قد امتنَّ اللهُ تعالى على هذه الأمة بحفظ كتابها، فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ولا هدايةَ لنا في حفظ الذكر إذا سدَّ الله علينا طُرُقَ معرفة معانيه.
السؤال الرابع: أنَّ السَّيِّدَ قد شنَّعَ على مَنْ توقَّف في معاني المتشابه، وقال: إنَّ هذا يؤدِّي إلى أن يكون خِطَابُ الله تعالى لنا عبثاً، وكلام السَّيِّد يؤدِّي إلى التوقُّفِ في المُحْكمُ والمُتشابِه معاً، فجاء بأطمِّ مما جاؤوا به، وفي أشعار الحكماء:
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأتِيَ مِثْلَهُ
…
عَارٌ عَلَيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ (1)
(1) نسبه سيبويه في الكتاب 3/ 42 إلى الأخطل، والمشهور أنه لأبي الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو المتوفى 69 هـ، وهو في ملحقات ديوانه 130، ونسب أيضاً لسابق البربري =
السؤال الخامس: قول السَّيِّد: إنَّ نقل التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكاد يُوجَدُ إلا في مواضع قليلة تنبني على معرفته بالأخبار، وقد عسَّرها وهوَّلها، أو منعها وأحالها، فلا ينبغي منه أن يدَّعي بعدَ ذلك أنه يعرفها.
السؤال السادس: أنَّه لم يقل أحدٌ من خلق الله أجمعين لا العلماءِ ولا المتعلمين ولا القدماءِ ولا المتأخرين أنَّ شرط التفسير في جميع أقسامه التي أحدُها التأويلُ أن يكونَ منقولاً عن الرسول عليه السلام، فَقِلَّةُ نقلِ التأويل عنه عليه السلام غيرُ ضارٍّ قطعاً إجماعاً ضرورياً من الخَلَفِ والسَّلّفِ، يَعْرِفُ الإجماع على ذلك كُلُّ مَنْ له أدنى شمَّةٍ في العلم، دع عنك السَّيِّد -أيَّده اللهُ- وإن كان بعضُهم يُخالِفُ في التسمية، فيُسمِّي تفسيرَ غير النبي صلى الله عليه وسلم تأويلاً، فهو خلافٌ لفظيٌّ.
قال: " وأمَّا الرجوعُ إلى آحاد المفسرين، فهو لا ينبني عليه الاجتهادُ، لأنَّه تقليدٌ لهم ".
أقول: هذا الإطلاقُ غيرُ صحيح، فإنَّه يختلِفُ، فمنه ما قالوه اجتهاداً منهم، فلا ينبني عليه الاجتهادُ، ومنه ما قالوه رواية عن العرب من الصحابة وغيرهم مما يتعلَّق باللغة، فيجب قبولُه منهم كما مرَّ الدليل عليه، وكما يأتي إن شاء الله تعالى. وكذلك ما فَسَّروه مما لا طريقَ إلى العلم به بالرأي والاجتهاد، ولا يُعلم إلا بالسمع. فَمِنَ العلماء منْ ذهب إلى أنَّه في معنى المرفوع إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولِلنَّاظر في هذا نظره، ولا نكارَة على منْ ذهب إلى هذا، فقد أجاز العلماء التخريجَ وهو أضعفُ من هذا، فإذا جاز
= والطرماح والمتوكل الليثي انظر " خزانة الأدب " 3/ 617 للبغدادي، وفيها: قال اللخمي في شرح أبيات الجمل: الصحيح أنه، لأبي الأسود وقد ساق البغدادي القصيدة برمتها لجودتها، فانظرها فيه.
العمل بما يظن أنَّ العالِمَ يقولُه وإن سكتَ عنه حملاً له على السَّلامة، وقد نصَّ كثيرٌ من العلماء على ذلك في غير موضع، فلا يَبْعُدُ أن يجوزَ العملُ على ما يظن أن العالِمَ يرفعُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحملاً له على السلامة، وإن لم ينص على الرفع ويصرح به -والله سبحانه أعلم-.
قال: ولأنَّا نحتاجُ إلى معرفة عدالتهم وعلمهم ولأن اتِّصال الرواية بهم على وجه الصِّحة من العدالة صعبٌ أو متعذِّر.
أقول: قد مرَّ الجوابُ على هذا حيث بَيَّنا الطريقَ إلى معرفة الأخبار، فالكلامُ فيهما سواء. ونزيد هنا أن السَّيِّد شَحَنَ تفسيرَه بالرَّواية عنهم، فإما أن تكون صحيحةً أو باطِلةً، إن كانت صحيحةً، فما بالُ الصِّحةِ مقصورةً عليه؟! وإن كانت باطلةً، فهو أجلُّ مِن أنْ يرويَ البَواطِلَ، ويخصَّ بها شهرَ رمضان الكريم، وقد قال عليه السلام:" مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ "(1).
قال: " وأمَّا الثالثُ -وهو الرجوعُ إلى أهل اللغة- فهو أضعفُ من هذا، لأن عدالة كثيرٍ منهم غيرُ ثابتة، ولأن اتِّصال الروايةِ الصحيحةِ بهم متعذِّر، ولأن في ذلك تقليدَهم، والاجتهاد لا يَصِحُّ بناؤه على التقليد، ولأن المفسِّر بهذا الوجه يحتاج إلى علوم الاجتهاد، ومنها معرفة التفسير فيلزم الدَّورُ ".
أقول: هذا الوجهُ الثالث الذي تعرض السَّيِّد لإبطاله هي الطريقُ المسلوكة إلى تفسيرِ عامة القرآن. لا يخرج منه إلا النَّادِرُ القليل مما لا
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري (1903) و (6057) وأبو داود (2362) والترمذي (77) وابن ماجه (689) والبغوي في " شرح السنة "(1746).
يتعلَّق به حكمٌ، مثل قولهِ تعالى:{كهيعص} أو المجملات التي لم يعرف المجتهد أنها من الألفاظ المشتركة فيسقطُ تكليفُه بالعمل بها، وما يرد في ذلك من التفسير النبويِّ فإنَّما هو زيادةٌ في البيان، ولو لم يَرِدْ، لم يبْطُلْ فَهْمُ معاني الظَّواهِر والنصوص، فإن البيان غيرُ محتاج إليه إلا في المجمل. ومتى طلبه المجتهد ولم يجده، سَقَطَ تكليفُه في ذلك الحكم بالرجوع إلى ذلك المجمل. والدليل على ذلك ما تقدَّم في حديثِ معاذٍ وغيرِه من الأدلة القاضية بأنه لا يجبُ على المجتهد العِلمُ بِكُلِّ حديث، وأنَّه إذا لم يجد الحُكْمَ في الكتاب والسُّنَّة، جاز له أن يجتهِدَ رأيه، وإن كان يجوز أن فيهما نصاً لم يقف عليه. والعجبُ من السَّيِّد -أيَّده الله- أنّه جعل هذا الوجه الثالث أضعفَ مما قبله مع أنه لا طريقَ إلى تفسير القرآن على العموم سواه. فأمَّا الأولان قبلَه، فلا قائلَ باشتراطهما في التفسير، فكيف يكونُ ما لا قائل بخلافه أضعفَ مما لا قائل باشتراطه، وهذا عجب وقد تعرض السَّيِّد لإبطال هذه الطريق بوجوه أربعة:
الوجه الأوَّل: أن عدالة كثير منهم غيرُ ثابتة. وأقول: إنَّ صدور هدا الكلامِ من مثل السَّيِّد من العجائب ومَن عاش أراه الدَّهْرُ عجباً، لأن فساد كثير منهم لا يَمْنَعُ من الرجوع إلى الثقات منهم، كما لا يلزمُ مِن فساد كثيرٍ من الناس فسادُ جميعِ الناس، ومن تحريمِ كثيرٍ من النساء، تحريمُ نكاحِ جميع النساء، ومن نجاسَة كثيرٍ من المياه تحريمُ جميع المياه، ونحو ذلك مما لا يُحصى كثرةُ.
ومن العجب أن السَّيِّد -أيَّده الله- يُقرىء في المنطق، ويَعْرفُ ما يُشترط في الإتتاج من كونِ المقدمتين كليتين، فأين ثمرةُ تلك المعارف، وأين أثَرُ ذلك التحقيق.