المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعها: أن الله -تعالى- إنما شرط في الشاهد أن يكون ذا عدل - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ١

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌ترجمة المؤلف بقلم الأستاذ إبراهيم الوزير

- ‌المسلك الأوَّل: الدعاءُ إلى الحق بالحِكمة البُرْهانية، والأدلة القطعية

- ‌المسلك الثاني: الجدلية:

- ‌المَسْلك الثالث: الخطابية

- ‌المسلك الرابع: الوعظية، وهي نوعان:

- ‌الثاني: أنَّ كونَهم جماعة، يُقَوِّيهِ

- ‌الثالث: أنَّ كتب الأئمةِ والأصوليين وأهل العدل متضمنةٌ للاحتجاج به

- ‌الفائدة الثانية: في بيان ألفاظِ العلماء، ونصوصهم الدالة على ما قلنا

- ‌أحدها: أن الكتابَ معلومٌ بالضرورة

- ‌ثانيها: أن أهلَ الكذب والتحريف قد يئسُوا من الكذب في هذه الكتب المسموعة

- ‌ثالثها: أن النُّسَخ المختلفة كالرواة المختلفين، واتفاقُها يدل على صحة ما فيها

- ‌ والدليلُ على ما ذكرنا الأثَرُ والنَّظَرُ، أما الأثر

- ‌الأثرُ الثَّالِثُ: قصةُ الرجل الذي قَتَلَ تسعة وتسعين

- ‌النَّظر الأول: أن الظاهِرَ من حملة العلم أنهم مقيمون لأركان الإسلام الخمسة، مجتنُبون للكبائر

- ‌النظرُ الثاني: أن الأمة أجمعت على الصلاة على مَنْ هذه صفتُه

- ‌إحداهُما: أن كثيراً من الأخبار والشرائع مبناها على الظَّنِّ

- ‌ثالثها: إذا رأى في كتابه بخطه، وظن أنه سمعه، غير أنه لا يتيقن

- ‌الثاني: أن الصحابة أجمعت على ذلك

- ‌الاستدلالُ بالإجماع على تقليد الموتى لا يصح بوجهين:

- ‌أحدهما: معرفة أنها غيرُ منسوخةٍ ولا مخصَّصَةٍ ولا معارَضة

- ‌ الثاني عشر: أن بطلانَ الاجتهادِ لا يجوزُ أن يثبت بالضَّرورة العقلية ولا الشرعية ولا بالدِّلالة العقلية

- ‌المسألة الأولى: أن يكونَ حالُ أولئك الذين ذكرهم مجهولةً فقط دون سائرِ أهلِ العلم

- ‌إحداهما: ردُّ المرسل، والثانية: الجرحُ بالتأويل

- ‌الجواب على ما ذكره السَّيِّد من وجوه:

- ‌الأول: أن كتب الجرحِ والتعديل مثلُ سائرِ المصنَّفات

- ‌الثاني: أن معرفة كتبِ الجرح والتعديل غيُر مشترطة في الاجتهاد عند جماهير العِترة و

- ‌ثانيها، أنه إمَّا أن يترجَّحَ صدقه على كذبه، أو لا

- ‌ثالثها: أن رَدَّ قَولِه تُهمة له بالكذب والخيانة

- ‌رابعها: أن الله -تعالى- إنما شرط في الشاهد أن يكون ذا عدلٍ

- ‌الوجه الأوَّلُ: أن القارىء فيها أن كان ممن يرى رأيَهم

- ‌ثانيهما: روايته أن الفقهاء ذهبوا إلى ما ذهب إليه المحدثون

- ‌الأثرُ السادسُ: حديثُ الجارية السَّوداءِ

- ‌ الكلام في فصلين في هذه المسألة:

- ‌الفصل الأول: في بيان ظهور ما استغربه السَّيِّد

- ‌المسألة الثانية: قبولُ الأعراب

- ‌ ثلاثُ حُجج احتج بها السَّيِّد على بُطْلانِ كثير من أخبار الصحاح

- ‌الوجه الثاني: أنَّا قد ذكرنا أنَّ كل مسلم ممن عاصر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ممن لا يُعْلَمُ جرحُهُ، فإنَّه عدلٌ

- ‌الوجه الثالث: لو قدرنا أنَّ هذا مما يجرح به، لكان مما يحتمل النظر والاختلاف

- ‌الوجه الثالث: أنَّ قوله: {لا يعقِلون} ليس على ظاهره لِوجهين:

- ‌أحدهُما: أنهم مكلفون، وشرط التكليف العقلُ

- ‌الثاني: أنَّه -سبحانه- أجلُّ من أن يَذُمَّ ما لا يَعْقِلُ

- ‌الوجه الخامسُ: سلَّمنا أنه جرح فيهم، فنحن نترُكُ حديثَهُم، فأين تعذُّرُ الاجتهادِ وتعسُّره إذا تركنا حديثَ بني تميم

- ‌الوجهُ السادِسُ: أنَّ هذا يُودِّي إلى جرح بني تميم كُلِّهم

- ‌الأول: أنّ إسلامهم يقتضي قبولَ حديثهم ما داموا مسلمين

- ‌الثاني: إمَّا أن يكون السَّيِّد أنكر قبولَهم، لأن من أسلم لا يُقْبَلُ حتى يُختبر، أو لأنهم ارتدُّوا بعد الإسلام

- ‌الثالث: سلمنا أنَّ وفد عبدِ القيس مجاهيل ومجاريح فما للاجتهادِ، والتعذُّر أو التَعَسُّرِ

- ‌الأول: أنه لا معنى للتقليد في التفسير على أصل السَّيِّد

- ‌الثاني: أنّه قد قال: إن اتِّصال الرواية لهم على وجه الصِّحةِ صعبٌ أو متعذِّر

- ‌السؤال الثاني: أنَّ هذا تشكيك على أهل الإسلامِ في الرجوع إلى كتاب ربِّهم

- ‌أحدها: ما السببُ في قطع السَّيِّد بتعذُّرِ الطريق إلى الرواية ها هنا وكان متردداً فيما تقدَّم

- ‌ثالثها: أنَّ الأمة أجمعت على أنَّه لا يجب الإسناد في علم اللغة

- ‌أحدهما: أنَّ الدَّوْرَ محالٌ عند جميع العقلاء

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الدَّورَ غيرُ لازمٍ من ذلك

- ‌أحدهما: أنَّ كلامَنا فيمن عَرفَ اللغة، واحتاج إلى ما عداها، فلا يَصِحُّ أن يُجْعَلَ العارفُ للشيء محتاجاً إلى معرفته غيرَ متمكِّنٍ منها

- ‌أحدها: مناقضته الكلامَ القاضيَ بعدمِ المجتهدين

- ‌ثانيها: أنَّ هذه المسألة من مسائل الخلاف الظَّنِّية

- ‌ جواز الوهم على الراوي في تأديته للفظ الحديث النبوي، والدليل على ذلك وجهان:

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الجماهير من العلماء قد أجازوا الرواية بالمعنى

- ‌إحداهما: في ذكر مَنْ نصَّ من العلماء على أنَّ ذلك لا يجب

- ‌الحجة الرابعة: ما قَدَّمنا ذكرَه مِن دعوى المنصور بالله

- ‌الحجة الخامسة: أن الصحابة أجمعت أنَّه لا يجب حفظُ النَّصِّ على المجتهد

- ‌أحدهما: أنَّ محفوظ الواحد منهم كان لا يكفيه في الاجتهاد

- ‌أحدهما: أنَّ مثل ذلك معلوم من أحوال البشر

- ‌ثانيهما: أنَّه قد ثبت عنهم ذلك

- ‌الحجة الثامنة: أنَّ الجماهير قد أجازوا روايةَ لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى

الفصل: ‌رابعها: أن الله -تعالى- إنما شرط في الشاهد أن يكون ذا عدل

على مَنْ ذهب إلى أحد هذه الأقوال، فمن قويَ عنده بعضُها، فله العَمَلُ به، إذ ليس فيها ما هو مخالفٌ للإجماع القطعيِّ، ولا للنَّصِّ المتواترِ اللفظ، المعلومِ المعنى، فتعَرُّض السَّيِّد -أيده الله- للتشغيب بالكلام في هذه المسألة من جملة التَّعنتِ المنكر في كتابه، إذ لم يعهد من أهل هذا العلم إنشاءُ الرسائل إلى بعض منْ يخالِفُ في بعض مسائل أصولٍ الفقه مما الخلافُ فيه شائع بينَ الخلفِ والسَّلَفِ، لا سيما وقد أنكر السَّيِّد القولَ المشهور المعمولَ عليه عند الجمهور.

الثاني -وهو المعتمد في الجواب-: أن المختارَ الصحيحَ الَّذي قامت عليه الأدلة، ومضى عليه عملُ السَّلَفِ والخلف من هذه الأمة هو الاكتفاءُ في التعديل بالإطلاق، والدليلُ عليه وجوه:

أحدُها: أنَّا متى فرضنا أن المعدِّل ثقةٌ مأمون، وأخبرنا خبراً جازماً بتعديل رجلٍ آخر، فإنه يجب قبولُ قوله، لأنَّه خبر ثقة معروف بالعدالة والأمانة، فوجب قبولُ قولِه، كسائر أخبار الثقات.

و‌

‌ثانيها، أنه إمَّا أن يترجَّحَ صدقه على كذبه، أو لا

، إن لم يترجَّحْ، لم يُقبل، لكن هذا التقدير لا يقع إلا مع معارضة غيره، وكلامُنا فيه إذا تجرَّدَ عن المعارض، وإن ترجَّح صدقُه، وجَبَ الحكمُ به، وإلا لزم المساواة بين الراجح والمرجوح، وهو باطل بالضرورة.

و‌

‌ثالثها: أن رَدَّ قَولِه تُهمة له بالكذب والخيانة

، أو بالتقصير والإقدام على ما لم يَعْلَمْ، والفرض أنَّه عَدْلٌ مأمون، وتُهمةُ العدلِ المأمونِ بذلك محرَّمةٌ إلا لموجب، وما لا يَتِمُّ إلا بالمحرَّم لا يكون مشروعاً.

و‌

‌رابعها: أن الله -تعالى- إنما شرط في الشاهد أن يكون ذا عدلٍ

،

ص: 364

وكذلك الراوي لم يُشترط فيه أكثرُ من العدالة، وليس حالُ المعدّل بأعظمَ مِن حال الشاهد والراوي، لأن عدالَة الراوي هي الأصلُ في اشتراط عدالة المُعدِّل، وعدالة المعدَّل هي فرع عليها، فكما أن العَدْل لا يجب عليه التفصيلُ فيما تحمَّله كذلك المعدِّل.

فإن قلت: فكيف التفصيلُ في الشهادة؟ قلتُ: إذا شَهِدَ بأن المال لزيدٍ، سُئِلَ عن سبب اعتقاده بكون المال لزيد، فربَّما أسند ذلك إلى ما لا يَدُلُّ على ذلك من خبر ثقةٍ، أو غير ذلك، وهذا يجوزُ على الثقة الذي ليس من أهل الثقة والمعرفة، وكذا الشهادةُ بالزوجية، وأمثال ذلك. يزيدُه وضوحاً أنَّ كُلَّ دليل دلَّ على وجوب قبول العدول بمجرد عدالتهم، فَهُوَ بعمومه يدل على قبولهم في جميع الأحوال، هل (1) أخبروا بِجرحٍ أو تعديل أو بغيرهما.

وخامِسُها -وهو الوجهُ المعتمدُ، وإنما هذه الوجوه المتقدمة شواهدُ له ومقوِّيات-: وهو أن اشتراطَ التفصيل في التعديل يؤدِّي إلى ذكر اجتناب المعدَّل لجميع المحرُّمات، وتأديته لجميع الواجبات على حسب مذهب المعدِّل في تفسير العدالة، فإن كان ممَّن يتشدَّدُ ذكر ذلك كُلَّه، وإن كان ممن يترخَّص ذكر اجتنابَه لجميع الكبائر، معدداً لها، ولجميع معاصي الأدنياء الدَّالة على الخِسَّة وقِلة الحياء، وقلة المبالاة بالدين، فيقول المعدِّل مثلاً: إن فلاناً ثقة عندي، لأني شاهدتُه يُقيم الصلواتِ الخمسَ، ويُحافظ عليها، ويصومُ رمضانَ، وُيؤدِّي الزَّكاةَ، ويؤدِّي فريضةَ الحجِّ إن كان ممَّن يلزمُه هاتان الفريضتان، ويذكر أنه يشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن

(1) في هامش (أ) فوق كلمة هل ما نصه: أي: سواء أخبروا

ص: 365

محمداً رسولُ الله، وأن الله عالم قادر، ويُعدِّدُ سائر الصفات الذاتية والمقتضاة، وأنه يستحقها لذانه لا لمعنىً، ويذكر جميعَ ما يتعلَّقُ باعتقاده مِن مسائل الوعدِ والوعيد والإمامة والولاء والبراء (1) ثم يذكر محافظته على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمثال ذلك من الواجبات مما يطولُ تعدادُه، ثم يذكرُ اجتنابَه للمقبِّحاتِ فيقول: إنه لا يقتُلُ النفس المحرَّمة، ولا يستحِلُّه، ولا يزني، ولا يلوطُ، ولا يشربُ كثيرَ الخمر ولا قليلَها، ولا يسرقُ، ولا يقذِفُ، ولا يَشْهَدُ الزُّور، ولا يَغْصِبُ أموالَ الناس، ولا يُربي، ولا يَفِرُّ من الزحف، ولا يأكُلُ الرِّبا، ولا أموالَ اليتامى، ولا يعُقُّ والديه، ولا يكذِبُ على اللهِ، ولا على رسوله، ولا على أحد، ولا يَكتُمُ الشهادَةَ بلا عذرٍ، ولا يُطفِّفُ في المكيال، ولا يبخس الميزانَ، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها لغير عذر، ولا يضرِبُ مسلماً بغير حق، ولا يُبْغِضُ أميرَ المؤمنين عليه السلام ولا أحداً مِن العِترة، ولا يَسُبُّ الصحابة، ولا يُبغِضُهم، ولا يأخُذُ الرشْوةَ، ولا يسعى إلى السلطان، ولا يُحرِّق الحيوان، ولا يتَّخِذُهُ غرضاً، ولا يقع في أهلِ العلم، وحَمَلَةِ القرآن، ولا يلعب بالنَّردِ، ولا بالحَمَام، ولا يكشِفُ عورَتَه في الحمَّام، ولا يتساهلُ في أكل الشبهات والحرام، ولا يَسْخَرُ، ولا يسْحَرُ، ولا ينِمُّ، ولا يُخاصِمُ بالباطل، ولا يتكبَّر من قول الحق، ولا يُرائي، ولا يُعْجَبُ بعمله، ولا يضحك في الصلاة، ولا يبولُ ويتغوَّط مستقبلَ القبلة ولا مستدبرَها، ولا يشربُ المثلث، ولا يفعل شيئاً من المختلَفِ فيه وهو يعتقدُ تحريمه، ولا يُباشر الأجنبية بغير جماع، ولا يُجامع زوجته في الحيض والنفاس -وإن كانت امرأة (2): أنها لا تمتنع من زوجها بغير عذر، ولا تُسافر مِن غير

(1) في ب: والبراءة.

(2)

أي: المعدلة كما في هامش (أ).

ص: 366

مَحْرَمٍ- ولا يحتكِرُ، ولا يبيع على بيع أخيه (1)، ولا يسوم على سومته (2)، ولا يخطُب على خطبته (3)، ولا يبيعُ لبادٍ وهو حاضر، ولا يتلَّقى الرُّكبان (4)، ولا يُصَرِّي (5)، ولا يبيعُ المعيبَ بغير بيان، ولا يدخل في شيءٍ من أنواعِ الغرر، ولا يستعملُ النجاسة في بدنه لغير حاجة، ولا يستعملُ اللهوَ بالغناء والمعازف، ونحو ذلك مما لا يكاد الإنسان يُحصيه مع التأمل الكثير.

وما زال المسلمون يعدِّلُون الشهود عند القضاة، ويُعدِّلون حملَة العلم والرواة من أول الإسلام إلى يوم النَّاسِ هذا، ما نَعْلَمُ أن أحداً منهم عَدَلَ عن هذه الصَّفة، ولا ما يُقاربها، ولا ما يُدانيها، ولا نعلمُ أن أحداً طلب من المعدِّلين، ولا مقدارَ نصفه، ولا ثُلثِه ولا رُبُعِه، وعملُ القضاةِ مستمر إلى يومِ النَّاس هذا على الاكتفاء بالتعديل الإجمالي.

وسادسها: أن المعدِّل في نفسه ليس يجب أن يكونَ قد اختبر من

(1) هو أن يشتري رجل شيئاً، وهما في مجلس العقد لم يتفرقا وخيارهما باق، فيأتي الرجل، ويعرض على المشتري سلعة مثل ما اشترى أو أجود بمثل ثمنها أو أرخص، أو يجيء إلى البائع فيطلب ما باعه بأكثر من ثمنه الذي باعه من الأول حتى يندم، ويفسخ العقد، فيكون البيع بمعنى الاشتراء.

(2)

صورته: أن يأخذ الرجل شيئاً ليشتريه بثمن رضي به مالكه، فيجيء آخر، ويزيد عليه يريد شراءه، فأما إذا لم يكن قد رضي به المالك، أو كان الشيء يطاف به فيمن يزيد، وبعض الناس يزيد في ثمنه على بعض، فذلك غير داخل في النهي.

(3)

وهو أن يخطب الرجل امرأة، فتجيبه أو يجيبه وليها إذا لم تكن المرأة ممن يعتبر إذنها، فليس للغير أن يخطب على خطبته.

(4)

صورته: أن يقع الخبر بقدوم عير تحمل المتاع، فيتلقاها رجل يشتري منهم شيئاً قبل أن يقدموا السوق، ويعرفوا سعر البلد بأرخص، فهذا منهي عنه لما فيه من الخديعة.

(5)

من التصرية: وهو أن يربط أخلاف الناقة أو الشاة ويترك حلبها اليومين والثلاثة حتى يجتمح اللبن في ضرعها، ثم تباع، فيظنها المشتري كثيرة اللبن، فيزيد في ثمنها.

ص: 367

عدَّله في جميع هذه الأمور، فربَّما أن الإنسان يَصْحَبُ غيرَه السنين العديدة، ولا يَعْرِضُ له ما يُوجب خبرتَه في بعض هذه الأشياء، فإنه لا يختبره في أنه لا يكشِفُ عورَتَه في الحمام على التعيين، إلا إذا اتَّفق أنهما دخلا معاً الحمام، ورأى محافظته على ذلك، وظهرت قرائنُ أنه فعل ذلك لأجل الوجوب، لا بمجرد الحياء. وكذلك لا يختبرُه أنه يأكل أموالَ الأيتام إلا إذا وَجَدَ مال أيتامٍ، واحتاج إليه، وتركه مع الحاجة إليه وهو يُشاهد ذلك ونحوه مما يكثر تعدادُه، وَكُلُّ ذلك ليس بشرط في الاختبار، وإنما يشترط أن يرى مِن محافظته في أمور الدين ما يغلب على ظنِّه معه إنه ممن يُعَظِّمُ شعائرَ الدِّين وتَسُرُّه حسنتُه، وتسوؤه سيئته، ولا يُصرُّ على القبائح وإهمالِ الفرائض.

فإن قلت: أقلُّ من هذا التفصيل يكفي؟ قلنا: إما أن يكفي الإجمال، كفى قوله: إنه ثقة، وإما أن يجبَ التفصيلُ، فلا يجوزُ الاكتفاءُ بالإجمال في كل مكان، وأمَّا أن الإجمال يجوز في موضع ويمتنع في موضع فهذا تحكم. فإن قلتَ: إنَّما اشترطنا التفصيلَ مِن فاسق التأويلِ وكافرِه، لأنه لا يُؤمن أن يعدِّل من يعتقد عدالته وهو غيرُ عدل عند مَن لا يقبلُ المتأولين.

قلنا: لا معنى لهذا، لأنَّكم لا تقبلونه، سواء عدل على جهة الإجمال، أو على جهة التفصيل، ومن يقبله، فإنه لا يفرق بينَه وبينَ غيره في التعديل، لأنَّه إنما يخاف منه أن يُعدِّل المتأولين، فيجب ممَّن يقبلهم أن يقبَله، فإذاً إنما الخلاف في قبوله، وسيأتي أن القولَ بقبوله، وهو قولُ جماهيرِ أهلِ البيت، وجماهيرِ العلماء.

وأما الجرحُ، فالقولُ باشتراط التعيين فيه ممكن، لأن الجارح إذا

ص: 368

قال: فلانٌ ليس بثقة، لأنَّه يتشربُ الخمر، أو يتعمد الكذبَ، كفى ذلك، ولم يلزم تعديدُ جميع المعاصي فظهر الفرق -والله سبحانه أعلم-.

قال: الخامسُ: أنَّ هؤلاء الأئمةِ في الحديث يَرَوْنَ عدالةَ الصحابة جميعاًً، ويرى أكثرهُم أن الصحابيَّ مَنْ رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم مؤمناً به وإن لم تطُلْ ولا يُلازم. وهذان المذهبان باطلان، وببطلانهما يَبْطُلُ كثيرٌ من الأخبار المخرجة في الصحاح. أمّا المذهب الأول، فلأن مَنْ حارب علياً مجروحٌ، ومَنْ قَعَدَ عن نصرته كذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال:" اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، واخْذُلْ مَنْ خذَلَهُ "(1).

(1) حديث صحيح رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير واحد من الصحابة، فأخرجه من حديث بريدة أحمد في "المسند" 5/ 347 و350 و358 و361، و" الفضائل " (947) وابن حبان رقم (2204) بلفظ:"من كنت مولاه فعلي مولاه".

وأخرجه من حديث البراء بن عازب أحمد في " المسند " 1/ 281، والفضائل (1042) وابن أبي عاصم في السنة (1363) وفيه زيادة " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ". وأخرجه من حديث زيد بن أرقم أحمد في " المسند " 4/ 368 و370 و372، والفضائل (959) و (1048) وابن أبي عاصم (1362) و (1364) و (1365) و (1367) و (1369) و (1371) و (1375)، والترمذي (3713) والطبراني (4971) و (4983) و (4996) و (5059) و (5065) و (5066) و (5069) و (5071) و (5092) والحاكم 3/ 110، والدولابي في " الأسماء والكنى " 2/ 61.

وأخرجه من حديث علي أحمد 1/ 84 و118 و119 و152 و5/ 366 و419، وابن أبي عاصم (1361) و (1367) و (1370).

وفي الباب عن أبي أيوب الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وطلحة، وحبشي ابن جنادة، وسعد بن أبي وقاص عند ابن أبي عاصم (1355) و (1356) و (1357) و (1358) و (1360) و (1376).

وعن اثني عشر رجلاً من الصحابة عند ابن أبي عاصم (1373) وأحمد 1/ 119.

وانظر " مجمع الزوائد " 9/ 103 - 109.

وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " 7/ 74، ونقله عنه المُناوى في " فيض القدير " =

ص: 369

وقال: " لا يُبْغِضُكَ يا عَلِيٌّ إلا مُنَافِقٌ "(1) وأقلُّ أحوالِ هذا أن لا تُقْبَلَ روايتُه. وأمَّا الثاني، فيلزمُهم أن يكونَ الأعرابيُّ الَّذي بالَ في مسجدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) عدلاًً بتعديل الله، ولا يحتاجُ إلى تعديل أحد، وكذلك كثيرٌ من رواتهم الذين هم أعرابٌ، أو يَفِدُون عليه مرةً واحدةً، كما جاء في حديث وفد تميم (3)، وأُنْزِلَ فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ

= 6/ 218: حديث كثير الطرق جداً وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح حسان. وفي بعضها قال ذلك يوم غدير خم، وزاد البزار في رواية (أي على قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه): " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره واخذل من خذله ".

(1)

رواه مسلم (78) والترمذي (3737) والنسائي 8/ 117، وأحمد في " المسند " 1/ 84 و95 و128، والفضائل (948) و (961) وابن أبي عاصم في " السنة "(1325)، وابن ماجة (114) وأبو نعيم في " الحلية " 4/ 185، والخطيب في تاريخه 14/ 426 من طرق عن عدى بن ثابت، عن زِرِّ بن حبيش، عن علي قال: إنه لعهد النبي الأمي إلي: " إنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند الترمذي (3718) وإسناده حسن في الشواهد، وعن أم سلمة عنده أيضاً (3719) وأحمد 6/ 292 وسنده حسن أيضاً في الشواهد.

(2)

أخرجه البخاري (219) و (221) و (6025) ومسلم (284) والنسائي 1/ 48، وأحمد 3/ 226 من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أعرابياً يبول في المسجد، فقال: دعوه حتى إذا فرغ دعا بماء، فصبه عليه، وفي رواية لمسلم: بينا نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزرِمُوه دعوه " فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فشنَّه عليه.

ورواه البخاري (220) من حديث أبي هريرة قال: قام أعرابي، فبال في المسجد فتناوله الناس " فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:" دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسِّرين ولم تبعثوا معسِّرين ".

(3)

انظر " زاد المسير " 7/ 458، والواحدي في " أسباب النزول " 220، ففيهما خبر الوفد من حديث جابر بن عبد الله، وفي سنده معلى بن عبد الرحمن الواسطي ضعفه الدارقطني وغيره، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.

ص: 370