المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إحداهما: في ذكر من نص من العلماء على أن ذلك لا يجب - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ١

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌ترجمة المؤلف بقلم الأستاذ إبراهيم الوزير

- ‌المسلك الأوَّل: الدعاءُ إلى الحق بالحِكمة البُرْهانية، والأدلة القطعية

- ‌المسلك الثاني: الجدلية:

- ‌المَسْلك الثالث: الخطابية

- ‌المسلك الرابع: الوعظية، وهي نوعان:

- ‌الثاني: أنَّ كونَهم جماعة، يُقَوِّيهِ

- ‌الثالث: أنَّ كتب الأئمةِ والأصوليين وأهل العدل متضمنةٌ للاحتجاج به

- ‌الفائدة الثانية: في بيان ألفاظِ العلماء، ونصوصهم الدالة على ما قلنا

- ‌أحدها: أن الكتابَ معلومٌ بالضرورة

- ‌ثانيها: أن أهلَ الكذب والتحريف قد يئسُوا من الكذب في هذه الكتب المسموعة

- ‌ثالثها: أن النُّسَخ المختلفة كالرواة المختلفين، واتفاقُها يدل على صحة ما فيها

- ‌ والدليلُ على ما ذكرنا الأثَرُ والنَّظَرُ، أما الأثر

- ‌الأثرُ الثَّالِثُ: قصةُ الرجل الذي قَتَلَ تسعة وتسعين

- ‌النَّظر الأول: أن الظاهِرَ من حملة العلم أنهم مقيمون لأركان الإسلام الخمسة، مجتنُبون للكبائر

- ‌النظرُ الثاني: أن الأمة أجمعت على الصلاة على مَنْ هذه صفتُه

- ‌إحداهُما: أن كثيراً من الأخبار والشرائع مبناها على الظَّنِّ

- ‌ثالثها: إذا رأى في كتابه بخطه، وظن أنه سمعه، غير أنه لا يتيقن

- ‌الثاني: أن الصحابة أجمعت على ذلك

- ‌الاستدلالُ بالإجماع على تقليد الموتى لا يصح بوجهين:

- ‌أحدهما: معرفة أنها غيرُ منسوخةٍ ولا مخصَّصَةٍ ولا معارَضة

- ‌ الثاني عشر: أن بطلانَ الاجتهادِ لا يجوزُ أن يثبت بالضَّرورة العقلية ولا الشرعية ولا بالدِّلالة العقلية

- ‌المسألة الأولى: أن يكونَ حالُ أولئك الذين ذكرهم مجهولةً فقط دون سائرِ أهلِ العلم

- ‌إحداهما: ردُّ المرسل، والثانية: الجرحُ بالتأويل

- ‌الجواب على ما ذكره السَّيِّد من وجوه:

- ‌الأول: أن كتب الجرحِ والتعديل مثلُ سائرِ المصنَّفات

- ‌الثاني: أن معرفة كتبِ الجرح والتعديل غيُر مشترطة في الاجتهاد عند جماهير العِترة و

- ‌ثانيها، أنه إمَّا أن يترجَّحَ صدقه على كذبه، أو لا

- ‌ثالثها: أن رَدَّ قَولِه تُهمة له بالكذب والخيانة

- ‌رابعها: أن الله -تعالى- إنما شرط في الشاهد أن يكون ذا عدلٍ

- ‌الوجه الأوَّلُ: أن القارىء فيها أن كان ممن يرى رأيَهم

- ‌ثانيهما: روايته أن الفقهاء ذهبوا إلى ما ذهب إليه المحدثون

- ‌الأثرُ السادسُ: حديثُ الجارية السَّوداءِ

- ‌ الكلام في فصلين في هذه المسألة:

- ‌الفصل الأول: في بيان ظهور ما استغربه السَّيِّد

- ‌المسألة الثانية: قبولُ الأعراب

- ‌ ثلاثُ حُجج احتج بها السَّيِّد على بُطْلانِ كثير من أخبار الصحاح

- ‌الوجه الثاني: أنَّا قد ذكرنا أنَّ كل مسلم ممن عاصر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ممن لا يُعْلَمُ جرحُهُ، فإنَّه عدلٌ

- ‌الوجه الثالث: لو قدرنا أنَّ هذا مما يجرح به، لكان مما يحتمل النظر والاختلاف

- ‌الوجه الثالث: أنَّ قوله: {لا يعقِلون} ليس على ظاهره لِوجهين:

- ‌أحدهُما: أنهم مكلفون، وشرط التكليف العقلُ

- ‌الثاني: أنَّه -سبحانه- أجلُّ من أن يَذُمَّ ما لا يَعْقِلُ

- ‌الوجه الخامسُ: سلَّمنا أنه جرح فيهم، فنحن نترُكُ حديثَهُم، فأين تعذُّرُ الاجتهادِ وتعسُّره إذا تركنا حديثَ بني تميم

- ‌الوجهُ السادِسُ: أنَّ هذا يُودِّي إلى جرح بني تميم كُلِّهم

- ‌الأول: أنّ إسلامهم يقتضي قبولَ حديثهم ما داموا مسلمين

- ‌الثاني: إمَّا أن يكون السَّيِّد أنكر قبولَهم، لأن من أسلم لا يُقْبَلُ حتى يُختبر، أو لأنهم ارتدُّوا بعد الإسلام

- ‌الثالث: سلمنا أنَّ وفد عبدِ القيس مجاهيل ومجاريح فما للاجتهادِ، والتعذُّر أو التَعَسُّرِ

- ‌الأول: أنه لا معنى للتقليد في التفسير على أصل السَّيِّد

- ‌الثاني: أنّه قد قال: إن اتِّصال الرواية لهم على وجه الصِّحةِ صعبٌ أو متعذِّر

- ‌السؤال الثاني: أنَّ هذا تشكيك على أهل الإسلامِ في الرجوع إلى كتاب ربِّهم

- ‌أحدها: ما السببُ في قطع السَّيِّد بتعذُّرِ الطريق إلى الرواية ها هنا وكان متردداً فيما تقدَّم

- ‌ثالثها: أنَّ الأمة أجمعت على أنَّه لا يجب الإسناد في علم اللغة

- ‌أحدهما: أنَّ الدَّوْرَ محالٌ عند جميع العقلاء

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الدَّورَ غيرُ لازمٍ من ذلك

- ‌أحدهما: أنَّ كلامَنا فيمن عَرفَ اللغة، واحتاج إلى ما عداها، فلا يَصِحُّ أن يُجْعَلَ العارفُ للشيء محتاجاً إلى معرفته غيرَ متمكِّنٍ منها

- ‌أحدها: مناقضته الكلامَ القاضيَ بعدمِ المجتهدين

- ‌ثانيها: أنَّ هذه المسألة من مسائل الخلاف الظَّنِّية

- ‌ جواز الوهم على الراوي في تأديته للفظ الحديث النبوي، والدليل على ذلك وجهان:

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الجماهير من العلماء قد أجازوا الرواية بالمعنى

- ‌إحداهما: في ذكر مَنْ نصَّ من العلماء على أنَّ ذلك لا يجب

- ‌الحجة الرابعة: ما قَدَّمنا ذكرَه مِن دعوى المنصور بالله

- ‌الحجة الخامسة: أن الصحابة أجمعت أنَّه لا يجب حفظُ النَّصِّ على المجتهد

- ‌أحدهما: أنَّ محفوظ الواحد منهم كان لا يكفيه في الاجتهاد

- ‌أحدهما: أنَّ مثل ذلك معلوم من أحوال البشر

- ‌ثانيهما: أنَّه قد ثبت عنهم ذلك

- ‌الحجة الثامنة: أنَّ الجماهير قد أجازوا روايةَ لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى

الفصل: ‌إحداهما: في ذكر من نص من العلماء على أن ذلك لا يجب

مَعْرِضِ التفسير للاجتهاد، لأنَّ مَن خلقها اللهُ له، ومنحه إيَّاها، فقد حصلت له بسهولة، ومن لم يخلُقْها له، فقد أراحه باليأس مِن نيلها وسقوطِ التكليف بالاجتهاد المنوطِ بحصولها، وإن كانت مقدورةً للعباد، فلا معنى للصَّدِّ عن التعرُّض للمقدوراتِ من الأعمال الصالحات، وقد قدَّمنا تقريرَه، ولا وجهَ لِذلك، بل هُوَ من جملة المحرَّمات أو المكروهات.

وأمَّا الأمر الثاني -وهو حفظُ أقوالِ الله وحفظُ أقوالِ رسول الله، وحفظُ مسائل الإجماع- فالجواب عليه يتم بفصلين:

الفصلُ الأوَّل: في أنَّه لا يجب الإحاطة بجميع ذلك على سبيلِ القطع، وأنّ المعتبر في ذلك هو الطلبُ حتى لا يَجِدَ، ولا يَظُنَّ وجودَ النصِّ والظاهرِ، ثم يجوز الحكم بالرأي والاجتهاد بعدَ ذلك. وقد مرَّ الدليل على ذلك فيما تقدَّم، وبيان القدر الواجب منه، وبيان نصوص العلماء في ذلك والدليل عليه.

الفصل الثاني: في أنَّه لا يجب حفظُ ما تجبُ معرفته من ذلك عن ظهر القلب، وفيه فائدتان:

‌إحداهما: في ذكر مَنْ نصَّ من العلماء على أنَّ ذلك لا يجب

، وأنّا ما علمنا أنَّ أحداً من العلماء سبق السَّيِّد إلى النَّصِّ على وجوب ذلك من السَّلَف ولا الخلف، ولا أنكر على من نصَّ على عدم وجوبه.

أمَّا مَنْ نصَّ على ذلك، فغيرُ واحد مثل الإمام يحيى بن حمزة من أئمة العترة عليهم السلام ذكره في " المعيار "، وممَّن ذكر أنَّ ذلك لا يجب: القاضي العلامةُ فخرُ الدِّين عبد الله بن حسن الدّواري -قدَّسَ الله روحه- ذكر هذه المسألة في كتبه وتعاليقه الكلاميّة والأصوليّة والفقهية وكان

ص: 439

يذكُرُ ذلك في إملائه على التلامذة، ويُصرِّح بأنَّه لا يجب على المجتهد حفظُ العلوم غيباً والغزاليُّ مِن علماء الفقهاء، والفقيهُ عليُّ بنُ يحيى الوشليُّ، والفقيهُ عليُّ بن عبد الله بن أبي الخير ممن ذلك ذلك (1).

ومنهم العلامةُ أبو نصر تاج الدين السبكي ذكره في كتاب " جمع الجوامع "(2) ولم يذكر فيه خلافاً مع تعرُّضِه لاستيعاب الخلاف، وذكر الشواذ، هؤلاء اتَّفقَ لي الوقوفُ على كلاماتهم والظاهر من بقية العلماء المتكلمين في شروط الاجتهاد أنَّهم لا يرون وجوبَ ما ذكره السَّيِّد. والَّذي يدل على أنّ ذلك الذي قاله غيرُهم هو ظاهرُ مذهبهم، أنَّهم تعرضوا لذكر شرائط الاجتهاد، وحصر جميع ما يجب على المجتهد، ولم يذكروا ما ذكر السَّيِّد من وجوب غيب العلوم، فدلَّ على أنَّ ذلك ليس بشرطٍ عندهم، لأنه لو كان شرطاً، لكانوا غيرَ صادقين في قولهم: إن ذلك الذي ذكروه هو مجموع شرائط (3) الاجتهاد وهم أبرُّ وأصدَقُ. وبهذا الوجه يجوز أن يُنسب إليهم القوله بأن ذلك لا يجب، ونجعله مذهباً لهم تخريجاً، لأنَّ الأخذ من العموم المطلق أقوى طرق التخريج. وما زال العلماء من الأئمة عليهم السلام وسائر الأصوليين وغيرهم يذكرون ما يجب على المجتهد، ما نعلمُ أحداً سبق السَّيِّد إِلى التنصيص على وجوب غيب العلوم، وإنّما نصَّ بعضُهم على عكس ذلك، ودلَّ كلام بقيتهم أيضاً على عكسه كما قدَّمنا. ومن أحب معرفة صدق كلامي، فليطالع مصنفاتِ العلماء في الأصول وغيره -والله سبحانه أعلم-.

(1) وفي هامش (أ) ما نصه: وجميع من شرح الجوهرة يذكرون ذلك.

(2)

جمع الجوامع بشرح المحلي، 2/ 382 - 386.

(3)

في (ب) في قولهم الذي ذكروه وهو مجموع الشرائط.

ص: 440

الفائدة الثانية: وهي الدليل على عدم وجوب ذلك، فالدليل عليه إحدى عشرة حجة:

الحجة الأولى: أنَّ الرجوع إلى الكتاب يُفيد ما يفيده الحفظ مِن ظن صحة الدليل المعوَّل عليه في الاجتهاديّات.

فإن قلتَ: إنَّ الحِفظَ يُفيدُ العلمَ، فيأمنُ الحافظ بحفظه مِن الخطأ، والرجوعُ إلى الكتاب يُفيد الظن.

قلت: هذا ممنوع لوجهين:

أحدهما: أن الحافظ لأدلة الاجتهاد، وإن علم أنَّه حافظ لها، فثبوتُها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مظنونٌ، وثبوت معاني الظواهر من القرآن وسائر المتواترات مظنون. أمَّا ما كان لفظُهُ معلوماً ومعناه معلوماً، فليس من الاجتهاد في شيء، ذاك بابٌ آخر لم يتكلم فيه، فإذا كان الأصلُ مظنوناً، فلا معنى لاشتراط العلم في صفة نقله، فإنَّ وجوب حفظه فرعٌ على كونه من كلام النبي عليه السلام ولم يجب العلم في الأصل، فإيجابه في الفرع يُؤدي إلى أن يكون الفرعُ أقوى من أصله، وهذا ظاهر السقوط.

وثانيهما: أن نقول: ما مُرادُك بأنَّ الحافظ يأمنُ الخطأ بحفظه؟ هل مُرَادك أن أمانه للخطأ دائم أو أكثري؟ الأول ممنوع، والثاني مسلَّم ولا يضر تسليمُهُ، إنّما كان الأول ممنوعاً، لأنَّا نعلم بالضرورة التجريبية أنَّ الحافظ قد يَغْلَطُ في حفظه، وقد صَحَّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يتلو آية فقال- عليه السلام:" رَحِمَكَ اللهُ لَقَدْ أذكَرْتَنِي آيةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا "(1).

(1) أخرجه من حديث عائشة رضي الله عنها البخاري (5038)، ومسلم (788)، وأبو داود (1331) وأحمد 6/ 128.

ص: 441

فهذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فكيف بغيرِهِ؟!.

وصح عنه عليه السلام أنَّه نهي أن يقول الرجل: نَسِيتُ آيةَ كَذَا وَلْيَقُلْ: أُنْسِيتُ (1) وروي عن عليٍّ عليه السلام أنَّه شكى على رسول الله صلى الله عليه وسلم تَفَلُّت القرآن عليه، فَعَلَّمه أنْ يَدْعُو بدُعَاءٍ. ذكره الترمذي (2).

وروى أبو العباس الحسنيُّ عليه السلام في كتاب " التلفيق ": أنّ القاسم عليه السلام أفتى رجلاً في مسألة، فلمَّا ذهب قال: عليَّ بالرجل، فلما أقبل، قال له: سبحانَ مَنْ لا يَسهو، إنِّي سهوتُ، وإن الصوابَ كذا وكذا.

وروى المؤيَّد بالله في " الزيادات ": أنَّ أبا يوسف أفتى في مسألة، ثم تبيَّن له خلافُ ما أفتى، فبذل مالاً كثيراً في استدراك السائل.

(1) أخرجه من حديث ابن مسعود البخاري (5032) و (5039)، ومسلم (790) والترمذي (2943) والنسائي 2/ 154، والبغوي (1222).

(2)

رقم (3570) من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس

وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " 1/ 316 - 317 وصححه على شرط الشيخين فتعقبه الإمام الذهبي في تلخيصه، فقال: هذا حديث منكر شاذ، أخاف أن يكون موضوعاً وقد حيرني والله جودة سنده، وقال في ترجمة سليمان بن عبد الرحمن من " الميزان " 2/ 213: وهو -مع نظافة سنده- حديث منكر جداً في نفسي منه شيء، فالله أعلم " فلعل سليمان شبه له " وأدخل عليه كما قال فيه أبو حاتم: لو أن رجلاً وضع له حديثاً لم يفهم. قلت: وفيه عنعنة ابن جريج وهو مدلس والوليد بن مسلم مدلس تدليس التسوية، فلعل ابن جريج رواه عن رجل عن عطاء وعكرمة، فأسقط الوليدُ الرجل، وجعله عن عطاء وعكرمة، فتكون البلية من ذاك الرجل. وأورده الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب " 2/ 214 من رواية الترمذي والحاكم، وقال: طرق أسانيد هذا الحديث جيدة، ومتنه غريب جداً وانظر " اللالىء المصنوعة " 3/ 67، " وتنزيه الشريعة " 2/ 112، و" الفوائد المجموعة ". ص 42، 43.

ص: 442

ولمَّا قال المؤَيَّد باللهِ: إنَّ الواجبَ على مَن معه عشرةُ أثواب فيها ثوبٌ نجس ملتبس أن يُصّلِّي عشرَ صلواتٍ في كُلِّ ثوب صلاة، حملوه على السهو، وأنَّهُ توهَّم أنَّ فيها ثوباً طاهراً والباقي نجس.

ولمَّا قال الزمخشريُّ (1) في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4]: إنَّ الجملة وصفيّة، وإن الواو دخلت فيها، لشبهها بالحال، أنكر ذلك السَّكَاكيُّ (2) وقال: وأمّا نحوُ قولِهِ عزَّ اسمُه: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} فالوجه فيه عندي: هو أنَّ " ولها كتاب معلوم " حالٌ لقرية، لكونها في حكم الموصوفة نازلة منزلة: وما أهلكنا من قرية من القرى، لا وصفٌ، وحملهُ على الوصف سهو لا خطأ. ولا عيب في السَّهو للإنسان، والسَّهْوُ ما يتنبه صاحبُهُ بأدنى تنبيه، والخطأُ ما لا يتنبَّه صاحبُهُ أو يتنبه، ولكن بعدَ إتعاب. انتهى.

ولا يحتاح إلى توجيه السَّكَاكيِّ أنَّ " قرية " في حكم الموصوفة، لأنَّ ابنَ مالك ذكر من المواضع التي يكثر فيها تنكيرُ صاحب الحال مقدّماً أن يكونَ الحالُ جملةً مقرونة بالواو، ومثَّل ذلك أبو حيّان بهذه الآية، وبقول الشاعر:

مَضَى زَمَنٌ والنَّاسُ يسْتَشْفِعُونَ بِي

فَهَلْ لِي إلَى لَيْلَى الغَدَاةَ شفِيعُ (3)

(1) في تفسيره 2/ 310.

(2)

هو أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي عالم بالعربية والبلاغة والأدب توفي بخوارزم سنة 626 من تآليفه " مفتاح العلوم " والنص الذي نقله المؤلف عنه موجود في الصفحة 251 منه. مترجم في " الجواهر المضية " 2/ 225.

(3)

هو آخر بيت من أبيات ثمانية أوردها ابن الشجري في " حماسته " 1/ 539 - 540 لقيس بن ذريح. وانظر " سمط اللآلي " 1/ 133.

ص: 443

وأمَّا أن تسليم الثاني لا يضرُّ، فلأنَّ الأمان الأكثريَّ حاصل بالرجوع إلى الكتاب.

الحجة الثانية: أنَّ الرجوعَ إلى الكتاب أقوى من الحفظ، فوجب أن يكون معتبراً كافياً، وإنَّما قلنا: إنَّه اقوى من الحفظ لوجهين:

أحدهما: أنَّه يجوزُ أن يكون الكتابُ أصل الحفظ، فإن الحافظ يجوزُ له أن يحفظَ مِن الكتاب وهذا هو الأكثرُ، وقَل مَنْ يَحْفظ القرآنَ والسُّنَّة وغيرهما من العلوم مِن أفواه الرجال، على أنَّ الحفظ من أفواه الرجال، ليس يُفيدُ العِلْمَ، فكان الحفظُ مِن الكتاب مساوياً للحفظ من أفواه الرِّجال في إفادة الظن: فإذا ثبت أنَّ الكِتَابَ أصلُ الحفظ في كثير من الأحوال، وأنه يجوز أن يكون أصلُه في جميع الأحوال، ثبت أنّه أقوى منه، لأن الأصل أقوى مِن الفرع، ولأن غاية الحافِظ أن يحفظ كما قرأ في الكتاب.

وثانيهما: أنّا رأينا الحُفّاظ يرْجِعُونَ فيما يحفظونه إلى الكتب عند الاشتباه.

الحجة الثالثة: أنَّه قد ثبت أنّ أميرَ المؤمنين عليًّا عليه السلام أعلمُ هذه الأمة بعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وثبت أنَّه كان معه صحيفة معلّقة في

(1) لعل مستند المؤلف في ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده 5/ 126، والطبراني في " معجمه الكبير " 20/ 229 من طريقين عن خالد بن طهمان، عن نافع بن أبي نافع، عن معقل بن يسار

وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: " أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً " وخالد بن طهمان صدوق إلا أنه اختلط وباقي رجاله ثقات. وانظر " مجمع الزوائد " 9/ 101.

وكان كبار الصحابة رضوان الله عليهم يستشيرونه رضي الله عنه في القضايا الكبرى، =

ص: 444

سيفه كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أسنانُ الإبلِ وأنصبتها ومقَادِيرُ الدِّيات؛ رواها سفيانُ، عن الأعمش، عن إبراهيمَ التيّميِّ، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام (1) -.

وهذا دليلٌ على جواز الرجوعِ إلى الكتُبِ والصحائفِ، وسواءٌ

= ويفزعون إليه في حل المشكلات، وكشف المعضلات، ويقتدون برأيه. وكان عمر رضي الله عنه إذا أشكل عليه أمر، فلم يتبينه يقول:" قضية ولا أبا حسن لها " وروى عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقضاهم علي " قال الحافظ في " الفتح " 8/ 167: وقد رويناه موصولاً في فوائد أبي بكر محمد بن العباس بن نجيح من حديث أبي سعيد الخدري مثله. وروى البخاري في " صحيحه "(4481) و (5005) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنه: أقرؤنا أبي وأقضانا علي. والقضاء يستلزم العلم والإحاطة بالمشكلة التي يقضي فيها، ومعرفة النصوص التي يستنبط منها الحكم، وفهمها على الوجه الصحيح، وتنزيلها على المسألة المتنازع فيها. وما أثر عنه من فتاوي واجتهادات وحكم يقوي ما قاله المصنف رحمه الله.

(1)

قد تقدم تخريجه، ونزيد هنا أن البخاري رواه (111) من طريق أبي جحيفة عن علي

وفيه أن فيها " العقل وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر " وللبخاري (6755) ومسلم (1370) من طريق يزيد التيمي عن علي

فإذا فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات، وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم:" المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاًً ولا عدلاً، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاًْ ولا عدلاً ".

ولمسلم (1987)(45) عن أبي الطفيل عن علي

فأخرج صحيفة فيها: " لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من غير منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاً ".

وللنسائي 8/ 24 من طريق الاشتر وغيره عن علي

فإذا فيها " المؤمنون تتكافؤ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد بعهده ". ولأحمد (782) من طريق طارق من شهاب فيها فرائض الصدقة.

والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة وهي متضمنة لجميع ذلك، فنقل كل واحد من الرواة ما حفظ عنه.

ص: 445