المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ والدليل على ما ذكرنا الأثر والنظر، أما الأثر - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ١

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌ترجمة المؤلف بقلم الأستاذ إبراهيم الوزير

- ‌المسلك الأوَّل: الدعاءُ إلى الحق بالحِكمة البُرْهانية، والأدلة القطعية

- ‌المسلك الثاني: الجدلية:

- ‌المَسْلك الثالث: الخطابية

- ‌المسلك الرابع: الوعظية، وهي نوعان:

- ‌الثاني: أنَّ كونَهم جماعة، يُقَوِّيهِ

- ‌الثالث: أنَّ كتب الأئمةِ والأصوليين وأهل العدل متضمنةٌ للاحتجاج به

- ‌الفائدة الثانية: في بيان ألفاظِ العلماء، ونصوصهم الدالة على ما قلنا

- ‌أحدها: أن الكتابَ معلومٌ بالضرورة

- ‌ثانيها: أن أهلَ الكذب والتحريف قد يئسُوا من الكذب في هذه الكتب المسموعة

- ‌ثالثها: أن النُّسَخ المختلفة كالرواة المختلفين، واتفاقُها يدل على صحة ما فيها

- ‌ والدليلُ على ما ذكرنا الأثَرُ والنَّظَرُ، أما الأثر

- ‌الأثرُ الثَّالِثُ: قصةُ الرجل الذي قَتَلَ تسعة وتسعين

- ‌النَّظر الأول: أن الظاهِرَ من حملة العلم أنهم مقيمون لأركان الإسلام الخمسة، مجتنُبون للكبائر

- ‌النظرُ الثاني: أن الأمة أجمعت على الصلاة على مَنْ هذه صفتُه

- ‌إحداهُما: أن كثيراً من الأخبار والشرائع مبناها على الظَّنِّ

- ‌ثالثها: إذا رأى في كتابه بخطه، وظن أنه سمعه، غير أنه لا يتيقن

- ‌الثاني: أن الصحابة أجمعت على ذلك

- ‌الاستدلالُ بالإجماع على تقليد الموتى لا يصح بوجهين:

- ‌أحدهما: معرفة أنها غيرُ منسوخةٍ ولا مخصَّصَةٍ ولا معارَضة

- ‌ الثاني عشر: أن بطلانَ الاجتهادِ لا يجوزُ أن يثبت بالضَّرورة العقلية ولا الشرعية ولا بالدِّلالة العقلية

- ‌المسألة الأولى: أن يكونَ حالُ أولئك الذين ذكرهم مجهولةً فقط دون سائرِ أهلِ العلم

- ‌إحداهما: ردُّ المرسل، والثانية: الجرحُ بالتأويل

- ‌الجواب على ما ذكره السَّيِّد من وجوه:

- ‌الأول: أن كتب الجرحِ والتعديل مثلُ سائرِ المصنَّفات

- ‌الثاني: أن معرفة كتبِ الجرح والتعديل غيُر مشترطة في الاجتهاد عند جماهير العِترة و

- ‌ثانيها، أنه إمَّا أن يترجَّحَ صدقه على كذبه، أو لا

- ‌ثالثها: أن رَدَّ قَولِه تُهمة له بالكذب والخيانة

- ‌رابعها: أن الله -تعالى- إنما شرط في الشاهد أن يكون ذا عدلٍ

- ‌الوجه الأوَّلُ: أن القارىء فيها أن كان ممن يرى رأيَهم

- ‌ثانيهما: روايته أن الفقهاء ذهبوا إلى ما ذهب إليه المحدثون

- ‌الأثرُ السادسُ: حديثُ الجارية السَّوداءِ

- ‌ الكلام في فصلين في هذه المسألة:

- ‌الفصل الأول: في بيان ظهور ما استغربه السَّيِّد

- ‌المسألة الثانية: قبولُ الأعراب

- ‌ ثلاثُ حُجج احتج بها السَّيِّد على بُطْلانِ كثير من أخبار الصحاح

- ‌الوجه الثاني: أنَّا قد ذكرنا أنَّ كل مسلم ممن عاصر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ممن لا يُعْلَمُ جرحُهُ، فإنَّه عدلٌ

- ‌الوجه الثالث: لو قدرنا أنَّ هذا مما يجرح به، لكان مما يحتمل النظر والاختلاف

- ‌الوجه الثالث: أنَّ قوله: {لا يعقِلون} ليس على ظاهره لِوجهين:

- ‌أحدهُما: أنهم مكلفون، وشرط التكليف العقلُ

- ‌الثاني: أنَّه -سبحانه- أجلُّ من أن يَذُمَّ ما لا يَعْقِلُ

- ‌الوجه الخامسُ: سلَّمنا أنه جرح فيهم، فنحن نترُكُ حديثَهُم، فأين تعذُّرُ الاجتهادِ وتعسُّره إذا تركنا حديثَ بني تميم

- ‌الوجهُ السادِسُ: أنَّ هذا يُودِّي إلى جرح بني تميم كُلِّهم

- ‌الأول: أنّ إسلامهم يقتضي قبولَ حديثهم ما داموا مسلمين

- ‌الثاني: إمَّا أن يكون السَّيِّد أنكر قبولَهم، لأن من أسلم لا يُقْبَلُ حتى يُختبر، أو لأنهم ارتدُّوا بعد الإسلام

- ‌الثالث: سلمنا أنَّ وفد عبدِ القيس مجاهيل ومجاريح فما للاجتهادِ، والتعذُّر أو التَعَسُّرِ

- ‌الأول: أنه لا معنى للتقليد في التفسير على أصل السَّيِّد

- ‌الثاني: أنّه قد قال: إن اتِّصال الرواية لهم على وجه الصِّحةِ صعبٌ أو متعذِّر

- ‌السؤال الثاني: أنَّ هذا تشكيك على أهل الإسلامِ في الرجوع إلى كتاب ربِّهم

- ‌أحدها: ما السببُ في قطع السَّيِّد بتعذُّرِ الطريق إلى الرواية ها هنا وكان متردداً فيما تقدَّم

- ‌ثالثها: أنَّ الأمة أجمعت على أنَّه لا يجب الإسناد في علم اللغة

- ‌أحدهما: أنَّ الدَّوْرَ محالٌ عند جميع العقلاء

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الدَّورَ غيرُ لازمٍ من ذلك

- ‌أحدهما: أنَّ كلامَنا فيمن عَرفَ اللغة، واحتاج إلى ما عداها، فلا يَصِحُّ أن يُجْعَلَ العارفُ للشيء محتاجاً إلى معرفته غيرَ متمكِّنٍ منها

- ‌أحدها: مناقضته الكلامَ القاضيَ بعدمِ المجتهدين

- ‌ثانيها: أنَّ هذه المسألة من مسائل الخلاف الظَّنِّية

- ‌ جواز الوهم على الراوي في تأديته للفظ الحديث النبوي، والدليل على ذلك وجهان:

- ‌الوجه الثاني: أنَّ الجماهير من العلماء قد أجازوا الرواية بالمعنى

- ‌إحداهما: في ذكر مَنْ نصَّ من العلماء على أنَّ ذلك لا يجب

- ‌الحجة الرابعة: ما قَدَّمنا ذكرَه مِن دعوى المنصور بالله

- ‌الحجة الخامسة: أن الصحابة أجمعت أنَّه لا يجب حفظُ النَّصِّ على المجتهد

- ‌أحدهما: أنَّ محفوظ الواحد منهم كان لا يكفيه في الاجتهاد

- ‌أحدهما: أنَّ مثل ذلك معلوم من أحوال البشر

- ‌ثانيهما: أنَّه قد ثبت عنهم ذلك

- ‌الحجة الثامنة: أنَّ الجماهير قد أجازوا روايةَ لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى

الفصل: ‌ والدليل على ما ذكرنا الأثر والنظر، أما الأثر

يجرحه. وقد ذهب المنصورُ بالله عليه السلام إلى مثل كلام ابنِ عبدِ البر، بل إلى أوسعَ منه، فإنه قضى بقبولِ مَنْ ظاهِرُه السلامة. ذكرَ ما يقتضي ذلك في كتابه " هداية المسترشدين "، وكذلك عبدُ الله بنُ زيدٍ ذكَرَ مِثلَ ذلك في " الدرر المنظومة " وهو الذي أشار السيد أبو طالب إليه في كتاب " جوامع الأدلة " في الأصول، وتوقف فيه في " المجزي " وذكر أنه محل نظر، وحكاه المنصورُ باللهِ في " الصفوة " عن الشافعي، وهو مذهبُ الحنفية بأسرهم.‌

‌ والدليلُ على ما ذكرنا الأثَرُ والنَّظَرُ، أما الأثر

، فقد وردت في ذلك آثار:

الأثرُ الأول: ما احتج به ابنُ عبد البرِّ في هذه المسألة، وهو قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:" يَحْمِلُ هذَا العِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ "(1) وهو حديث مشهور صححه ابنُ عبد البرّ، ورُوي عن أحمد بن حنبل أنه قال: هو حديثٌ صحيح. قال زينُ الدِّين (2): وفي كتاب " العلل " للخلَاّل أن أحمد سُئِلَ عنه، فقيل له: كأنه كلامُ موضوع؟ فقال: لا، هو صحيح. فقيل له: ممَّن سمعتَه؟. فقال: مِنْ غيرِ واحدٍ، فقيل له: من هم؟ قال: قد حدثني به مسكين إلا أنه يقول عن [مُعان عن](3) القاسم بنِ عبد الرحمن.

(1) وتمامه " ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين " والتحريف: التغيير، والغالي: من غلا في الأمر غلواً: جاوز حدُهُ، والانتحال من قولهم: انتحل الشيء، أي: ادعاه لنفسه وهو لغيره، والمبطل من أبطل: إذا أتى بغير الحق. ومعنى الحديث: يُبعدون عنه تغيير من يُفسره بما يتجاوز فيه الحدَّ، فيخرج به عن قوانين الشرع، وادعاء من يدعي فيه شيئاً يكون باطلاً لا يُوافق الواقع، وكأنه يثير بالجملة الأولى إلى من يغير تفسير الأحاديث النبوية تعمداً أو تلبيساً، وبالثانية إلى من يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بادعائه لحديث لم يحدث به ولا سمعه ينتحل باطلاً.

(2)

في التقييد والإيضاح: 139.

(3)

ما بين حاصرتين سقطت من الأصل ومن تنقيح الأنظار للمؤلف، وهي موجودة في =

ص: 308

قال أحمد: ومُعان لا بأس به، ووثَّقَهُ ابن المَديني أيضاً.

قلت: قولُه " حدثني به مسكين " غير أنه يقول: القاسمُ بنُ عبد الرحمن - يعني أن مسكيناً تَابَعَ مُعَانَ بنَ رِفاعة إلا أنه وهم في اسم إبراهيم ابن عبد الرحمن فقال القاسم مكان إبراهيم (1).

قال زين الدِّين: وقد ورد هذا الحديثُ مرفوعاًً مسنداً مِن حديث أبي هُريرة، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وأبي أمامة، وجابر بن سمرة، وكُلُّها ضعيفة (2).

= الإيضاح المنقول عنه، ورواه الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " ص 29 من طريق الخلال، قال: قرأت على زهير بن صالح بن أحمد، حدثني مهنا بن يحيى " قال: سألت أحمد بن حنبل عن حديث معان بن رفاعة، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .... ، وأخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها ص 1 من طريق محمد بن سعيد بن أبي مريم، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن معان (تحرف فيه إلى معاذ) بن رفاعة السلمي، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحمل هذا العلم

" وأخرجه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2/ 17 من طريق الحسن بن عرفة، عن إسماعيل بن عياش بهذا الإسناد. وانظر " مفتاح دار السعادة " 1/ 163 - 164 للعلامة الحافظ ابن قيِّم الجوزية رحمه الله.

(1)

هذا صحيح بالنسبة إلى وهم مسكين في اسم إبراهيم، وأما أنه تابع معان بن رفاعة، فلا، لأن مسكيناً رواه عن معان، فهو شيخُه فيه كما في الأصل الذي نقل عنه المؤلف، وليس متابعاً له.

(2)

حديث أبي هريرة رواه ابن عدي في " الكامل " 1/ 152 - 153، ومن طريقه الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " ص 28 حدثنا أبو قُصي إسماعيل بن محمد بن إسحاق العذري، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا مسلمة بن علي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد السلمي، عن علي بن مسلم البكري، عن أبي صالح الأشعري، عن أبي هريرة.

وأخرجه العقيلي في " الضعفاء" 1/ 9، والبزار (143) من طريقين عن خالد بن عمرو، عن ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة. وحديث علي رواه ابن عدي عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي

، وحديث عبد الله بن عمرو تقدم، وحديث ابن عمر رواه ابن عدي من حديث الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن =

ص: 309

قال: وقال ابنُ عديٍّ: رواه الثقات عن الوليد بن مسلم، عن إبراهيم بن عبد الرحمن حدثنا الثقة من أصحابنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. وساقه.

ومن علوم الحديث (1) للبُلقيني: قال الدَّراقطني: لا يَصِح مرفوعاًً -

= سالم، عن ابن عمر وحديث أبي أمامة أخرجه العقيلي 1/ 9 من طريق محمد بن داود بن خزيمة الرملي، حدثنا محمد بن عبد العزيز الرملي ويعرف بالواسطي، حدثنا بقية عن رُزيق أبي عبد الله الألهاني، عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة.

وفي الباب عن أسامة بن زيد عند الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " ص 28 من طريق محمد بن جرير الطبري، حدثني عثمان بن يحيى، حدثني عمرو بن هاشم البيروتي، عن محمد بن سلمان بن أبي كريمة، عن معان بن رفاعة السلامي، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد.

وعن ابن مسعود عنده أيضاً ص 28 من طريق محمد بن المظفر الحافظ، حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا، حدثنا محمد بن ميمون به كامل الحمراوي. حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث ابن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن مسعود.

وعن معاذ بن جبل فيه أيضاًً ص 11 من طريق محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي، حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، حدثنا عبدان: عبد الله بن أحمد بن موسى، حدثنا زيد بن الحريش، حدثنا عبد الله بن خراش، عن العوام بن حوشب، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل

وانظر " الجامع الكبير " ص 995.

(1)

وهو المسمى بـ " محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح " تتبع فيه مقدمة ابن الصلاح فقرة فقرة " فأعاد صياغتها تضميناً، ثم عقب عليها بفوائد وزيادات تفصل ما أجمل ابن الصلاح، وتستدرك ما فاته، وتناقش ما يرد على كلامه حيثما بدا وجه اعتراض، وأضاف في نهاية المقدمة خمسة أنواع من علوم الحديث لم يتكلم عليها ابن الصلاح في مقدمته، وقد طبع محاسن الاصطلاح، مع مقدمة ابن الصلاح في مطبعة دار الكتب سنة 1974 بمصر، بتحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن -بنت الشاطىء-. والنص الذي نقله المؤلف عنه في الصفحة 219. والبلقيني: هو الإمام العلامة قاضي القضاة، شيخ الإسلام، حافظ مصر والشام، سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الشافعي المتوفى سنة 805 هـ، أذن له بالفتيا وهو ابن خمس عشرة سنة، ثم انتهت إليه رياسة العلم، فقيل: إنه مجدد القرن التاسع وكان نادرة زمانه حفظاً واستظهاراً وفقهاً، وممن أخذ عنه حافظ دمشق ابن ناصر الدين والحافظ ابن حجر.

ص: 310

يعني مُسنداً- إنما هو عن إبراهيم بنِ عبد الرحمن، عنه صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عبدِ البَرِّ: رُوي عن أسامة بن زيد، وأبي هريرةَ بأسانيدَ كُلُّها مُضطرِبة غيرُ مستقيمة.

قال البُلقينيّ: وقد رُوي من حديث أسامة، وأبي هريرة، وابنِ مسعود، وغيرِهم، وفي كُلِّها ضعف.

وهو صحيحٌ على أصولِ أصحابنا، لأنه لم يُطعن فيه إلا بالإرسال على أنه مختلف في إرساله وإسناده، فأسنده العُقيليُّ (1) عن أبي هريرة، وعن عبد الله بن عمرو، وقال: الإسنادُ أولى. ونازعَهُ في ذلك ابن القَطَّان (2)، وقال: الإرْسالُ أولى. وتوقَّف في ذلك الحافظُ ابنُ النحويّ في كتابه " البدر المنير ". ورواه الأكثرون عن مُعان بن رِفاعة، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري التّابعيِّ، ومعان وثقه ابنُ المديني وليَّنه يحيى بنُ معين،

(1) هو الإمام الحافظ أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العُقيلي صاحب كتاب الضعفاء الكبير ومنه نسخة نفيسة بظاهرية دمشق المحروسة، كان ثقة جليل القدر عالماًً بالحديث، مقدماً في الحفظ إلا أنه قد يتشدد فيجرح الراوي بما ليس بجرح في كتابه الضعفاء، وقد جرح غير واحد من رجال الصحيحين بسبب ذلك، توفي سنة 322 هـ.

(2)

هو الحافظ العلامة الناقد قاضي الجماعة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك ابن يحيى الفاسي، الشهير بابن القطان. قال الأبارفي ترجمته: كان من أبصر الناس بصناعة الحديث، وأحفظهم لأسماء رجاله، وأشدهم عناية بالرواية، رأس طلبة العلم بمراكش، ونال بخدمة السلطان دنيا عظمة، وله تواليف، حدث ودرس

مات وهو على قضاء سجلماسة سنة ثمان وعشرين وست مئة. قال الإمام الذهبي في " تذكرة الحفاظ " 4/ 1407: طالعت كتابه المسمى بـ " الوهم وإلإيهام " الذي وضعه على الأحكام الكبرى لعبد الحق يدل على حفظه وقوة فهمه، لكنه تعنت في أحوال رجال، فما أنصف بحيث أخذ يلين هشام بن عروة ونحوه. وقال في " الميزان " 4/ 301، 302 في ترجمة هشام بعد ذكر توثيقه: لا عبرة بما قاله أبو الحسن بن القطان، فدع عنك الخبط، وذر خلط الأئمة الأثبات بالضعفاء والمخلطين فهو شيخ الإسلام، ولكن أحسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطان.

ص: 311

ولم يتكلَّم فيه إلا بما يقتضي أن في حفظه بَعْضَ الضعف، وقد عضَّدَه الحديثُ المُسْنَدُ الذي رواه العُقيليُّ مع أن بعض الضعف في الحفظ لا يُرَدُّ بهِ حديثُ الثقة ولكن يُرجَّحُ عليه حديثُ منْ هُوَ أوثق منه عند التَّعَارُضِ.

وأما إبراهيم بنُ عبدِ الرحمن العُذريُّ الذي أرسلَ هذا الحديثَ، فقال فيه الذهبي (1). تابعيٌّ مُقِلٌّ وما علمتُه واهياً، أرسل:" يَحْمِلُ هذَا العلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ " رواه غيرُ واحد عن مُعان.

وذكر ابنُ الأثير في كتاب " أسد الغابة " أنه كان من الصحابة (2) -والله أعلم-.

وقد رُويَتْ له شَواهدُ كثيرةٌ كما قدَّمتُه مِن حكاية زينِ الدين، وضعفُها لا يَضُرُّ، لأن القصدَ التقوِّي بها، لا الاعتماد عليها مع أن الضعفَ يُعْتَبَرُ بِهِ إذا لم يكن ضعيفاً بمرة أو باطلاً، أو مردوداً، أو نحو ذلك، فهذه الوجوهُ مَعَ تصحيحِ أحمد وابنِ عبد البر، وترجيح العقيليِّ لإسناده مع أمانتهم واطلاعهم يقتضي بصحته أو حسنه -إِن شاء الله تعالى- وهو دالٌّ على المقصود من تعديل حملةِ العلم المعروفين بالعناية حتى يتبيَّن جَرْحُهم، واعترض هذه الحُجَّة زينُ الدِّين بأنَّه لو كان خبراً لما وُجِدَ في حَمَلَةِ العِلم

(1) في " ميزان الاعتدال " 1/ 45.

(2)

نص ما قاله ابن الأثير في " أسد الغابة " 1/ 52: ذكره الحسن بن عرفة عن إسماعيل ابن عياش، عن معان، عن إبراهيم وقال: كان من الصحابة، ولم يُتابع عليه، وقال الحافظ في " الإصابة " 1/ 117: إبراهيم بن عبد الرحمن العُذري تابعي أرسل حديثاً، فذكره ابن مندة وغيره في الصحابة، قال: وروى الحسن بن عرفة، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن معاذ بن رفاعة، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن العُذري وكان من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدولُه

قال ابن مَنْدَه: ولم يتابع ابن عرفة على قوله: " وكان من الصحابة " فتبين من هذا النقل أن الحسن بن عرفة هو القائل: كان من الصحابة لا ابن الأثير، كما توهمه عبارة المصنف.

ص: 312

منْ لَيسَ بعدلٍ، فوجب حملُه على الأمر (1).

قلتُ: تخصيصُ الخبر جائز، والتخصيصُ أكثرُ مِن ورود الخبر بمعنى الأمر، وترجيحُه لما في بعض طُرُق أبي حاتم مردودٌ بضعفها وإعلالِها بمخالفةِ جميعِ الرُّواة.

الأثر الثاني: قولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: " مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ "(2) رواه ابنُ عباس، وأبو هُريرة، ومعاويةُ

(1) نص كلامه في " التقييد والإيضاح " ص 138: فقوله " يحمل " حكي فيه الرفع على الخبر، والجزم على إرادة لام الأمر، وعلى تقدير كونه مرفوعاً، فهو خبر أريد به الأمر بدليل ما رواه أبو محمد بن أبي حاتم في مقدمة كتاب " الجرح والتعديل " 2/ 17 في بعض طرق هذا الحديث:" ليحمل هذا العلم " بلام الأمر، على أنه ولو لم يرد ما يخلصه للأمر، لما جاز حمله على الخبر لوجود جماعة من أهل العلم غير ثقات، فلا يجوز الخلف في خبر الصادق، فيتعين حمله على الأمر على تقدير صحته، وهذا مما يوهن استدلال ابن عبد البر به، لأنه إذا كان للأمر، فلا حجة فيه، ومع هذا فالحديث أيضاً غير صحيح .. ثم قال الحافظ العراقي: ومما يستغرب في ضبط هذا الحديث أن ابن الصلاح حكى في فوائد الرحلة له إنه وجد بنيسابور في كتاب يشتمل على مناقب ابن كرَّام جمع محمد بن الهيصم قال فيه: سمعت الشيخ أبا جعفر محمد بن أحمد بن جعفر يقول: سمعت أبا عمرو محمد بن أحمد التميمي يروي هذا الحديث بإسناده، فيضم الياء من قوله:" يحمل " على أنه فعل لم يسم فاعله، ويرفع الميم من " العلم " ويقول:" من كل خلف عدولة " مفتوح العين واللام وبالتاء ومعناه: أن الخلف هو العدولة بمعنى أنه عادل كما يقال شكور بمعى شاكر، وتكون الهاء للمبالغة، كما يقال: رجل صرورة، والمعنى: أن العلم يُحمل عن كل خلف كامل في عدالته.

(2)

أخرجه من حديث ابن عباس الترمذي (2645) والدارمي 1/ 74، والبغوي في شرح السنة (132). وأخرجه من حديث أبي هريرة ابن ماجه (220) والطحاوي في " مشكل الآثار" 2/ 280، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 1/ 19، والخطيب في " الفقيه والمتفقه " 1/ 3.

وأخرجه من حديث معاوية البخاري (71) و (3116) و (3641) و (7312) و (7460) ومسلم (1037) وأحمد 4/ 101، والدارمي 1/ 75، 76، والطحاوي 2/ 278، وابن عبد البر 1/ 20، والخطيب 1/ 5، وابن حبان (89) وأبو نعيم في " الحلية " 5/ 132 و176 و9/ 306 و10/ 366. =

ص: 313