الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2006 - فصل في تفريق الأخذ بالشفعة
ليس للشفيع أن يأخذ بعض الشقص، كما لا يردُّ بعضَه بالعيب، فإِن اشترى اثنان من واحد [شقصًا، فللشفيع](1) أَخْذُ نصيبِ أحدِهما اتِّفاقًا؛ إِذ لا تبعيض على واحد منهما.
وإِن اشترى شقصًا من واحد في صفقتين، فله أخذُ إِحدى الصفقتين، وإِن اشترى من اثنين فالأصحُّ أنَّ له أخذَ نصيب أحد البائعين.
وإِن مَلَكَا دارين، فباع أحدهما نصيبه من الدارين، فللآخر أخذُ الحصَّتين، وكذلك أخذُ إحداهما على أحد الوجهين، ومأخذ الوجهين من تفريق الصفقة في الدوام.
وإِن اشترى اثنان شقصين (2) من اثنين من دارين، ففيه ضروبٌ من التفريق؛ إِن شاء الشفيع أخذ الشقصين (3)، أو نصفَ كلِّ واحد منهما من واحد، أو نصفَ أحدهما من أحدهما، والنصفَ الآخر من الآخر، أو نصفَ شقصٍ من واحد، ونصفَ الآخَرِ من الثاني.
2007 - فروع متفرقة:
الأول: إِذا كان بيدهما دار يدَّعي كلُّ واحد منهما أنَّه السابق بالشراء، وادَّعى على صاحبه بالشفعة، فهما خصومتان، مَن ابتدر منهما بالدعوى
(1) من "نهاية المطلب"(7/ 410).
(2)
في "ل" و"م": "شقصا"، والمثبت من "نهاية المطلب"(7/ 411).
(3)
في "ل": "أخذ أحد النصيبين"، ولم تجود في "م"، والمثبت من "نهاية المطلب"(7/ 411).
فُصلت خصومته، ثم استُؤنفت خصومة صاحبه، فإِن تساوقا، وادَّعيا معًا، لم يمكِّنا من ذلك؛ فإِن تنازعا في البداية قُدِّم بالقرعة، والقول قول من يدَّعي عليه السبق مع يمينه من غير بتٍّ؛ فإِن حلفا تُركت الدار بأيديهما، وإِن نكل السابق حلف صاحبه، واستحقَّ، ثم لا تُسمع دعوى الناكل بعد ذلك.
فهاتان خصومتان اكتفي بانتهاء إحداهما؛ لإِيجاد متعلَّقِهما.
فإِن أقام أحدهما بيِّنة حُكم له، وإِن أقاما بيِّنتين، فشهدتا بشرائهما في يوم واحد، فلا فائدة لهما؛ إِذ لا بيان فيهما؛ فإِن عيَّنتا وقتًا متَّحدًا قُبلتا، ولا شفعة لواحد منهما، وقيل: يتعارضان، وهذا لا يصحُّ؛ لأنَّ التعارض لا يثبت إِلا إِذا تعرَّضت البيِّنة لمقصود مقيمها، وإِن شهدت كلُّ واحدة منهما بالسبق تعارضتا، وسقطتا على الأصحِّ، فإِن قلنا: لا يسقطان، فهل يُقرع بينهما، أو تُوقف الشفعة؟ فيه قولان، ولا يجيء قول القسمة؛ إِذ لا فائدة فيه ها هنا.
الثاني: إِذا شهد شفيعان على عفو الثالث، فإِن شهدا بعد إِظهار العفو عن حقِّهما قُبلت شهادتهما، وإِن كانت شهادتهما قبل العفو لم تُقبل، فإِنْ عَفَوَا، ثمَّ أعاداها لم تُقبل.
الثالث: إِذا تصالحا بالشقص عن أرشِ شجَّةٍ ماليَّة، فإِن كان الأرش نقدًا معلومًا صحَّ الصلح، وأخذ الشفيع الشقص بأرش الشجَّة، وإِن كان من الإِبل؛ فإِنْ جَهِلا حكم الشرع في الوصف والسنِّ والقدْر والتغليظ والتخفيف، لم يصحَّ، وإِنْ عَلِما ذلك فوجهان؛ فإِن قلنا: يصحُّ، ففي ثبوت الشفعة لأجل الجهالة وجهان، فإِن أثبتناها أُخذ الشقص بقيمة ما يجزئ مثلُه في الديات.
وإِن كانت الشجَّة موجبةً للقصاص والأرشُ من الإِبل، فإِن أوجبنا أحد الأمرين ففي صحَّة الصلح الوجهان، وإِن أوجبنا القَوَد؛ فإِن قلنا: العفو المطلق يوجب المال، ففيه الوجهان، وإِن قلنا: لا يوجب المال، فطريقان:
إحداهما: الصحَّة؛ لأنَّ العوض يقابِلُ القصاص، وهو معلوم.
والثانية: فيه الوجهان.
ومأخذ الخلاف: أنَّ العوض يقابل القصاصَ أو الأرشَ الذي يتضمَّنه العفو؟ ولذلك كان في الصلح عن قصاص النفس بمئتين من الإِبل وجهان؛ فإِنَّ من استحقَّ مئةً دينًا لم يجز أن يأخذ عنها مئتين بصفتها، كما لا تُؤخذ عشرة دراهم عن خمسة، فإِن نفَّذنا الصلح في هذه الصور ففي ثبوت الشفعة الوجهان.
الرابع: إِذا كان ثمن الشقص خمرًا فلا شفعة، وإِن كان المتبايعان والشفيع من أهل الذمَّة، وإِن تحاكموا إِلينا أسقطنا الشفعة، وإِن عقدوا عقودًا فاسدة فيما بينهم تاركناهم، وإِن دفع الذمِّيُّ دراهم في جزية أو معاملة، وذكر أنَّها من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ، وقد يتحقَّق ذلك، ففي جواز أخذها وجهان، وتثبت الشفعة للذمِّيِّ على المسلم، وللمسلم على الذمِّيِّ.
الخامس: إِذا باع في مرض موته شقصًا يساوي ألفين بألفٍ، والشفيعُ وارث، ففيه خمسة أوجه:
أقربها: أنَّه يأخذ الشقص بألف.
والثاني: يبطل البيع.
والثالث: يصحُّ، ولا تثبت الشفعة.
والرابع: يصحُّ في نصف الشقص بألفٍ، وللمشتري الخيار، فإِن اختار الفسخ، واختار الشفيع الأخذ، ففي الأولى وجهان.
والخامس: يأخذ نصف الشقص بألف، ويبقى نصفُه للمشتري.
السادس: إِذا شهد البائع على عفو الشفيع؛ فإِن كان قَبْلَ قبض الثمن لم يُقبل، وإِن كان بعده فوجهان، وإِنَّما لم يُقبل قبل قبض الثمن؛ لبقاء عُلْقة الرجوع بسبب الإِفلاس.
السابع: إِذا كان الشقص بيد الشفيع، فأقام بيِّنة بالأخذ بالشفعة، وأقام المشتري بيِّنة بالعفو، فأيُّهما أولى؟ فيه وجهان، واختار الإِمام تقديم بيِّنة المشتري.
الثامن: للعبد المأذون أن يأخذ بالشفعة؛ لأنَّه يُعدُّ من التجارة، ويسقط بعفو السيِّد، فإِن كان على العبد دينٌ وفي العفو غبنٌ، ردَّ العفو إِلا أن يغرم القَدْرَ المحطوط.
التاسع: إِذا غاب أحد الشريكين، فوجد الآخر حصَّته بيدِ مَن يتصَّرف فيها، ويزعم أنَّه اشتراها من الغائب، جاز أن يشتريها منه اتِّفاقًا، وكذلك يأخذها بالشفعة على الأظهر، فإِذا قدم الغائب فهو على حجَّته من الإِقرار أو الإِنكار، وعن ابن سريج: أنَّه لا يأخذ بالشفعة قهرًا، وهل يأخذها بالتراضي؟ فيه خلاف، وطرد الإِمام هذا القول على بُعْدِه في كلِّ تصرُّفٍ يقف على المِلْك؛ كالبيع والهبة والرهن، فإِن قلنا: لا يؤخذ بالشفعة، بعث الحاكم
إِلى بلد الغائب من يبحث عن إِقراره، فإِن ثبت عنده بطريقة (1) قضى بالشفعة، ولا تُزال يد مدَّعي الشراء؛ فإنَّا نرى الأيدي تتبدَّل، ولا يُتعرَّض لها، ولا لانتفاع أربابها، وهذا مُجمَع عليه.
العاشر: لا يتوقَّف ثبوت الشفعة على رؤية الشفيعِ الشقصَ، وفي توقُّف الأخذ على الرؤية قولا بيعٍ الغائب؛ فإِن منعناه لم يملكه قبل الرؤية وإِن بذل الثمن، وعلى المشتري تمكينُه من الرؤية، وإِن أجزنا بيع الغائب ملك ببذل (2) الثمن، وفي ثبوت خيار الرؤية خلاف، كخيار المجلس، وقطع الإِمام بالإِثبات، فإِن أثبتناه فللمشتري الامتناع من تسليم الشقص حتى يراه الشفيع، فإِنَّه لو أخذ الثمن لم يثق به، وفيه احتمال، وإِن كان الشقص معيبًا لم يُمنع المشتري من القبض قبل رؤية العيب؛ لأنَّ ذكره للعيب كافٍ.
الحادي عشر: إِذا باع حصَّته بعد العلم بالشفعة بطلت، وإِن باع بعضها فوجهان، وإِن باع قبل العلم بالشفعة فقولان.
الثاني عشر: تثبت الشفعة للعبد إِذا ملَّكناه بالتمليك، وفيه احتمال؛ إِذ المِلْكُ الضعيف لا تُؤخذ به الشفعة عند كثير من الأصحاب، فإِن أثبتناها فلا بدَّ من إِذن السيِّد في الأخذ على الأقيس.
الثالث عشر: إِذا شهد لمكاتَبه بشراء شقصٍ فيه شفعةٌ له قُبِلَ عند أبي محمد، وهذا غلط؛ لأنَّ شهادته لمكاتبه مردودة، بل إِن شهد بمجرَّد الشراء عند دعوى المشتري ففيه احتمال؛ فإِن أثبتناه ففي ثبوت الشفعة تبعًا
(1) أي: بطريق ثبوت الأقارير في مجالس القضاة. انظر: "نهاية المطلب"(7/ 422).
(2)
في "ل": "بذل".
احتمالٌ، كما يثبت شوَّال على وجهٍ بشهادة واحدٍ بهلال رمضان، وكذا شهادة الولد للوالد (1).
الرابع عشر: إِذا اشترى العاملُ شقصًا للقِراض ولا ربح، لم يأخذه المالك بالشفعة، خلافًا لابن سريجٍ.
الخامس عشر: إِذا كان في الأرض زرع للمشتري على ما سبق تصويره، جاز تأخير الأخذ إِلى الحصاد، وإِن كان على الشجر ثمرٌ لا يُؤخذ بالشفعة، ففي التأخير إِلى الجداد وجهان، ويتَّجه إِلزامُه بتعجيل الطلب في صورة الزرع مع تأخير الثمن إِلى الحصاد.
السادس عشر: إِذا باع المشتري الشقص بيعًا لازمًا، أو وهبه وأقبضه، أو وقفه وقفًا يلزم مثلُه، فللشفيع نقضُه؛ فإِن نقض البيع أخذ الشقص بثمن العقد الأوَّل، وإِن أجازه أخذ بثمن العقد الثاني، وقال أبو إسحاق المروزيُّ: ليس له نقضُ البيع، بل يأخذ بثمن العقد الثاني، وعلى قياسه: هل يملك نقض الوقف والهبة؟ فيه وجهان، وقد حُكي عنه: أنَّه لا يأخذ بواحد من البيعين، ولا وجه لذلك في البيع الثاني.
السابع عشر: إِذا ادَّعى المشتري عفو الشفيعين، صُدِّقا بأيمانهما، فإِن نكلا حَلف وقُضي له، وإِن حلف أحدُهما ونكل الآخر، لم يُردَّ اليمينُ على المشتري؛ لأنَّ عفو الناكل لو ثبت لانقلبت حصَّته إِلى شريكه، فلا يستفيد بثمن الردِّ شيئًا، ولا يُحكم للحالف بجميع الشفعة، بل يكون بينهما، وإِن
(1)"للوالد": من "ل".
ادَّعى الحالف على الناكل العفوَ حلف على ذلك، فإِنْ نكل حلف شريكه، وأخذ الجميع، وإِن ادَّعى على أحدهما في غيبة الآخر، فأنكر ونكل، لم تُردَّ اليمين على المشتري على أقيس الوجهين.
الثامن عشر: إِذا مات وعليه دين مستغرِق، فالأصحُّ الجديد: أنَّ الدين لا يمنع ملك الوارث على التركة، ونصَّ في القديم على المنع، فيستمرُّ ملك الميت على التركة حتى يوفَّى الدينُ، فإِن كان الدينُ أقلَّ من قيمة التركة، فهل يمنع بحسابه، أو يُمنع ملكَ الجميع؟ فيه وجهان، فإِذا خلَّف دارًا قيمتها ألفان، وعليه ألف، فبِيع نصفُها في الدَّين، فلا شفعة للوارث على الجديد، وإِن منعنا الملك مع نقصان الدَّين فلا شفعة، وإِن ملَّكناه ما زاد على الدَّين ثبتت الشفعة، فإِن كان للوارث في الدار شريك قديم، والدين مستغرقٌ، فلا شفعة إِلا على القديم.
التاسع عشر: إِذا كان الأب أو الوصيُّ شريكًا للطفل، فباع نصيبَ الطفل، ثبتت الشفعة للأب دون الوصيِّ اتفاقًا، وإِن اشتريا شقصًا للطفل فلهما أخذه بالشفعة.
العشرون: إِذا أزلنا مِلْكَ المرتدِّ، فكان الشفيعُ مرتدًّا عند الشراء، فلا شفعة له، وإِن ارتدَّ بعد ثبوتها سقطت على الظاهر، كما لو أزال ملكه، ويُحتمل ألا تسقط؛ لأنَّه لم يقصد إِزالة الملك.
الحادي والعشرون: لا يجوز أخذُ العوض عن حقِّ الشفعة وحدِّ القذف ومقاعد الأسواق، خلافًا لأبي إسحاق.
* * *