الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوصيَّة تصحُّ بالكناية مع النية؛ لقبولها التعليق بالأغرار (1).
وإن قال: وهبته كذا، ورام الإيصاء فوجهان.
وإن ذكر صريح الإقرار، مثل أن قال: هذا العبد لفلان، وقصد حملَه على الإيصاء، لم يُقبل إلا أن يَقرن به ما يُخرجه عن الإقرار، كقوله: هذا العبد له من مالي، ففي انعقاد الوصيَّة بذلك تردُّدٌ واحتمالٌ.
* * *
2093 - فصل فيما يُملك به الموصَى به
إذا وصَّى لإنسانٍ بشيء، ففيما يملكه به أقوال:
أبعدُها: يملكه عقيب القبول، كسائر التمليكات، وهل يكون الملك قبل القبول للموصي أو لوارثه؟ فيه وجهان.
والثاني: يُملك بالموت ملكًا جائزًا، فإنْ قَبِلَ لَزِمَ المِلْكُ، وإن ردَّ انقطع الملك بعد ثبوته.
والثالث، وهو أعدلُها: أنَّ المِلْكَ موقوف، فإن قبل تبيَّن أنَّه مَلَكَ من حين الموت مِلْكًا مستقرًا لازمًا، وإن ردَّ تبيَّن أنَّه لم يملك.
وعلى هذه الأقوال فروع:
الأوَّل: إذا حدثت فوائد بين موت الموصي وبين القبول، كالكسب والأجرة والنتاج والثمرة ومهر الوطء بالشبهة:
فإن قلنا: يملك بالموت، فالفوائد له إن قَبِلَ؛ لأنَّها حصلت في مِلْكٍ
(1) في "نهاية المطلب"(11/ 204): "بالأعزار والأخطار".
استقرَّ عليه في آخِرِ الأمر، وإنْ ردَّ رجع الملك في الموصَى به إلى الوارث، فتُقضى منه ديونُ الموصِي، وتنفذ وصاياه، وفي رجوع الفوائد إلى الوارث وجهان كالوجهين في رجوع فوائد المبيع إلى البائع إذا فسخ المشتري في مدَّة الخيار، وقلنا: إنَّ المِلْكَ للمشتري، ورجوعُها إلى الوارث أولى من رجوعها إلى البائع؛ فإنَّ الموصَى له لم يَصْدُر منه اختيار، بخلافِ المشتري؛ فإنَّه قَبِلَ العقدَ فاستند مِلْكُ الفوائد إلى اختياره.
وإن قلنا بالوقف؛ فإن ردَّ تبيَّن ثبوتُ الملك بفوائده للوارث، وإن قَبِلَ تبيَّن أنَّه مَلَكَ ذلك من حين الموت مِلْكًا لازمًا مستقرًا، وكذلك القولُ في سائر أحكام الملك على قول الوقف.
وإن قلنا: يملك بالقبول؛ فإن ردَّ فلا شيء له، فإن جعلنا المِلْكَ قَبْلَ القبول للميِّت، قُضيت ديونُه ووصاياه من الموصَى به ومن فوائده، وإن جعلنا المِلْكَ للوارث، كان حكم الفوائد كحكم فوائد سائر التركات، ولا تُقضَى الديونُ من فوائد التركات على المذهب، وقيل: إنَّ حكم الفوائد كحكم التركة، ولا يتَّجه إلا إذا جعلنا الدَّين مانعًا من ملك التركة. وإن قَبِلَ، فهل يستحقُّ الزوائد الحاصلة قبل قبوله؟ فيه وجهان ذكرناهما في فوائد المبيع في زمان الخيار.
والضابط: أنَّ الملك الجائز إذا ثبت بجهة؛ فإن استقرَّ عليها فالفوائد لها، وإن استقرَّ على جهة أخرى فوجهان، فإن قلنا: لا حقَّ له في الزوائد، فهي للميت أو للوارث؟ فيه وجهان.
الثاني: المغارم والمؤن - كالنفقات وزكاة الفطر - إذا وجبت بين الموت
والقبول، فتلزم الموصَى له إن قَبِلَ وقلنا: تُملك بالموت، أو قلنا بالوقف، وإن ردَّ لم تَلزمه على الأقوال الثلاثة اتِّفَاقًا؛ فإنَّا وإن قلنا: تُملك بالموت، كان إلزامه بالزوائد أهونَ من إلزامه بالمغارم.
وإذا مسَّت الحاجة إلى النفقة، عُرض عليه القبولُ والردُّ، ولا يُلزم بواحد منهما، فإن قال: لا أقبل ولا أردُّ، اتَّجه أن يُلزم بالنفقة، كمن طلَّق إحدى امرأتيه إبهامًا، وامتنع من البيان، فإنْ ردَّ الوصيَّة بعد إلزامه بالنفقة لم يرجع بما أنفق، كما لا يرجع الزوج المطلِّق بما أنفق اتِّفاقًا.
فإن كان الموصَى له غائبًا، وقلنا: تُملك بالموت، فالنفقةُ من كسب العبد، فإن لم يكن فمن بيت المال، فإنْ حضر وقَبِلَ الوصيَّة رُجِعَ عليه بالنفقة، كما لو أنفق الإمامُ على عبدٍ لغائبٍ عند الحاجة، فإنَّه يرجع عليه بذلك، وإن ردَّ الوصيَّة لمَّا بلغه الخبرُ، فلا يرجع بيتُ المال على أحد، ويُحتمل أن يرجع على الوارث إن رددنا الزوائد إليه، أو على الموصَى له إن بقَّينا الزوائد عليه.
وإن قلنا بالوقف؛ فإن قَبِلَ ثبتت هذه الأحكام، وإن ردَّ تعَلَّقت بالوارث.
الثالث: إذا أوصى لإنسان بمن يَعْتِقُ عليه:
فإن قلنا بالوقف؛ فإن قَبِلَ تبيَّن أنَّه عَتَقَ بالموت، وإن ردَّ تبيَّن أنَّه لم يعتق.
وإن قلنا: يملك بالموت، فردَّ أو قَبِلَ، ففي حصول العتق بالموت وجهان، فإن قلنا: لا يحصل؛ فإن قَبِلَ عتق حينئذٍ، وإن قلنا: يعتق، فردَّ، لم يصحَّ ردُّه.
وإن قلنا: يملك بالقبول، عتق بالقبول عتقًا مستقرًّا.