الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ قَالَ: لَا يَجُوزُ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي فَوَائِدِ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَهْلُ مَسْجِدٍ اشْتَرَوْا عَقَارًا بِغَلَّةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ بَاعُوا الْعِمَارَةَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ.
وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا بَنَوْا مَسْجِدًا وَفَضَلَ مِنْ خَشَبِهِمْ شَيْءٌ، قَالُوا: يُصْرَفُ الْفَاضِلُ فِي بِنَائِهِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الدَّهْنِ وَالْحَصِيرِ، هَذَا إذَا سَلَّمُوهُ إلَى الْمُتَوَلِّي لِيَبْنِيَ بِهِ الْمَسْجِدَ وَإِلَّا يَكُونَ الْفَاضِلُ لَهُمْ يَصْنَعُونَ بِهِ مَا شَاءُوا، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ نَاقِلًا عَنْ الْإِسْعَافِ.
أَرْضُ وَقْفٍ عَلَى مَسْجِدٍ صَارَتْ بِحَالٍ لَا تُزْرَعُ فَجَعَلَهَا رَجُلٌ حَوْضًا لِلْعَامَّةِ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ انْتِفَاعٌ بِمَاءِ ذَلِكَ الْحَوْضِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
مَالٌ مَوْقُوفٌ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ وَعَلَى الْفُقَرَاءِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ وَمَالٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَاجْتَمَعَتْ مِنْ غَلَّاتِهَا، ثُمَّ نَابَتْ الْإِسْلَامَ نَائِبَةٌ مِثْلُ حَادِثَةِ الرُّومِ وَاحْتِيجَ إلَى النَّفَقَةِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ، أَمَّا الْمَالُ الْمَوْقُوفُ عَلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمَسْجِدِ حَاجَةٌ لِلْحَالِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَصْرِفَ فِي ذَلِكَ لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ فَيَكُونُ دَيْنًا فِي مَالِ الْفَيْءِ، وَأَمَّا الْمَالُ الْمَوْقُوفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْمُحْتَاجِينَ، أَوْ إلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، أَوْ إلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْ غَيْرِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ. فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي جَازَ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ رَأَى قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ جَوَازَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَرَ فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ جَازَ الصَّرْفُ لَا بِطَرِيقِ الْقَرْضِ، وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي يُصْرَفُ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ فَيَصِيرُ دَيْنًا فِي مَالِ الْفَيْءِ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ.
[الْبَاب الثَّانِي عَشْر فِي الرِّبَاطَات وَالْمَقَابِر وَالْخَانَات وَالْحِيَاض]
(الْبَابُ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الرِّبَاطَاتِ وَالْمَقَابِرِ وَالْخَانَاتِ وَالْحِيَاضِ وَالطُّرُقِ وَالسِّقَايَاتِ وَفِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تَعُودُ إلَى الْأَشْجَارِ الَّتِي فِي الْمَقْبَرَةِ وَأَرَاضِي الْوَقْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مَنْ بَنَى سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانًا يَسْكُنُهُ بَنُو السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحْكُمَ
بِهِ الْحَاكِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِيَكُونَ وَصِيَّةً فَيَلْزَمُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ وَأَصْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَدَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ وَيُكْتَفَى بِالْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْجِنْسِ كُلِّهِ، وَعَلَى هَذَا الْبِئْرُ وَالْحَوْضُ، وَلَوْ سُلِّمَ إلَى الْمُتَوَلِّي صَحَّ التَّسْلِيمُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَعَلَى إجْمَاعِ الْأُمَّةِ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْرَبَ مِنْ الْبِئْرِ وَالْحَوْضِ وَيَسْقِيَ دَابَّتَهُ وَبَعِيرَهُ وَيَتَوَضَّأَ مِنْهُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا جَعَلَ السِّقَايَةَ لِلشُّرْبِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَإِذَا وَقَفَ لِلْوُضُوءِ لَا يَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْهُ وَكُلُّ مَا أُعِدَّ لِلشُّرْبِ حَتَّى الْحِيَاضُ لَا يَجُوزُ مِنْهَا التَّوَضُّؤُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ دَارِهِ مَسْكَنًا لِلْمَسَاكِينِ وَدَفَعَهَا إلَى وَالٍ يَقُومُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الدَّارُ بِمَكَّةَ فَجَعَلَهَا مَسْكَنًا لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِينَ وَدَفَعَهَا إلَى وَالٍ يَقُومُ عَلَيْهَا
وَيُسْكِنُ فِيهَا مَنْ رَأَى فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ دَارِهِ فِي ثَغْرٍ مَسْكَنًا لِلْغُزَاةِ وَالْمُرَابِطِينَ وَدَفَعَهَا إلَى وَالٍ يَقُومُ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَإِنْ مَاتَ لَمْ تَكُنْ مِيرَاثًا عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا أَحَدٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الِانْتِفَاعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ حَتَّى جَازَ لِلْكُلِّ النُّزُولُ فِي الْخَانِ وَالرِّبَاطِ وَالشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَةِ وَالدَّفْنِ فِي الْمَقْبَرَةِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَغَلَّةُ الدَّارِ وَالْأَرْضِ إذَا جُعِلَتْ لِلْغُزَاةِ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا إلَّا مَنْ هُوَ فِي عِدَادِ الْمَحَاوِيجِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ الْخَصَّافُ فِي وَقْفِهِ: إذَا جَعَلَ الرَّجُلُ دَارِهِ سُكْنَى لِلْغُزَاةِ فَسَكَنَ بَعْضُ الْغُزَاةِ بَعْضَ الدَّارِ وَالْبَعْضُ فَارِغٌ لَا يَسْكُنُهَا أَحَدٌ؛ يَنْبَغِي لِلْقَيِّمِ بِأَمْرِ هَذَا الْوَقْفِ أَنْ يُكْرِيَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مَالًا يَحْتَاجُ إلَى سُكْنَاهُ وَيَجْعَلَ أُجْرَةَ ذَلِكَ فِي عِمَارَةِ هَذِهِ الدَّارِ فَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَصْرِفُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي النَّوَادِرِ إذَا بَنَى خَانًا وَاحْتَاجَ إلَى الْمَرَمَّةِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَعْزِلُ مِنْهَا نَاحِيَةً بَيْتًا أَوْ بَيْتَيْنِ فَتُؤَاجَرُ وَيُنْفِقُ مِنْ غَلَّتِهَا عَلَيْهَا، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ يُؤْذِنُ النَّاسَ بِالنُّزُولِ سَنَةً وَيُؤَاجِرُهُ سَنَةً أُخْرَى وَيَرُمُّ مِنْ أُجْرَتِهِ، وَهَكَذَا إذَا جَعَلَ فَرَسَهُ
حَبِيسًا فَإِنْ كَانَ يَرْكَبُ عَلَيْهِ مُجَاهِدٌ يَرْكَبُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْهُ أَحَدٌ يُؤَاجِرُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ يَبِيعُهُ الْإِمَامُ وَيُوقِفُ ثَمَنَهُ حَتَّى إذَا اُحْتِيجَ إلَى ظَهْرٍ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ فَرَسًا وَيَغْزُو عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ الْخَصَّافُ فِي وَقْفِهِ: إذَا جَعَلَ دَارِهِ سُكْنَى لِلْحَاجِّ فَلَيْسَ لِلْمُجَاوِرِينَ أَنْ يَسْكُنُوهَا وَإِذَا مَضَى يَوْمُ الْمَوْسِمِ يُؤَاجِرُهَا وَيُنْفِقُ غَلَّتَهَا وَمَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ فَرَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ بَنَى رِبَاطًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ مَا دَامَ حَيًّا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ أَمْرٌ يَسْتَوْجِبُ الْإِخْرَاجَ مِنْ يَدِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْفِسْقِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
أَرْضٌ لِأَهْلِ قَرْيَةٍ جَعَلُوهَا مَقْبَرَةً وَأَقْبَرُوا فِيهَا ثُمَّ إنَّ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ بَنَى فِيهَا بِنَاءً لِوَضْعِ اللَّبَنِ وَآلَاتِ الْقَبْرِ وَأَجْلَسَ فِيهَا مَنْ يَحْفَظُ الْمَتَاعَ بِغَيْرِ رِضَا أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَوْ رِضَا بَعْضِهِمْ بِذَلِكَ قَالُوا: إنْ كَانَ فِي الْمَقْبَرَةِ سَعَةٌ بِحَيْثُ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَلَا
بَأْسَ بِهِ وَبَعْدَ مَا بَنَى لَوْ احْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ رُفِعَ الْبِنَاءُ حَتَّى يُقْبَرَ فِيهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُخْرَجَ ثُلُثُ مَالِهِ وَيُعْطَى رُبْعُ الثُّلُثِ لِفُلَانٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِأَقْرِبَائِهِ وَلِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ قَالَ: لَا تَتْرُكُوا حَظَّ الرِّبَاطِيِّينَ وَهُمْ فُقَرَاءُ السَّاكِنِينَ فِي رِبَاطٍ بِعَيْنِهِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا إنْ كَانَتْ الْقَرَابَةُ يُحْصَوْنَ، أَوْ لَا يُحْصَوْنَ. فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ جَعَلَ عَدَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءًا وَالْفُقَرَاءَ جُزْءًا وَالرِّبَاطِيِّينَ جُزْءًا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْقَرَابَةُ عَشَرَةَ نَفَرٍ جَعَلَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا عَشَرَةٌ لِلْقَرَابَةِ وَوَاحِدٌ لِلْفُقَرَاءِ وَوَاحِدٌ لِلرِّبَاطِيِّينَ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي جَعَلَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِكُلِّ فَرِيقٍ سَهْمٌ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مَوْضِعًا وَجَعَلَهُ طَرِيقًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُشْتَرَطُ لِتَمَامِهِ مُرُورُ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ فِي الْأَوْقَافِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ هِلَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَكَذَلِكَ الْقَنْطَرَةُ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَرَّقُونَ فِيهَا وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ وَقَدْ صَارَ وَقْفًا فَقَدْ خُصَّ بِنَاءُ الْقَنْطَرَةِ بِإِبْطَالِ الْمِيرَاثِ فِيهَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ الْمَعْرُوفِ بِمَهْرَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: وَجَدْتُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ أَجَازَ وَقْفَ الْمَقْبَرَةِ وَالطَّرِيقِ كَمَا أَجَازَ الْمَسْجِدَ وَكَذَا الْقَنْطَرَةُ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَرَّقُونَ فِيهَا وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا لِوَرَثَتِهِ خُصَّ بِنَاءُ الْقَنْطَرَةِ فِي بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ قَالُوا: تَأْوِيلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ الْقَنْطَرَةِ مِلْكَ الْبَانِي، وَهُوَ الْمُعْتَادُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَّخِذُ الْقَنْطَرَةَ عَلَى النَّهْرِ الْعَامِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَصْلِ مَعَ أَنَّ وَقْفَ الْبِنَاءِ بِدُونِ أَصْلٍ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
مَقْبَرَةٌ كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوهَا مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَانَتْ آثَارُهُمْ قَدْ انْدَرَسَتْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ بَقِيَتْ آثَارُهُمْ بِأَنْ بَقِيَ مِنْ عِظَامِهِمْ شَيْءٌ يُنْبَشُ وَيُقْبَرُ ثُمَّ يُجْعَلُ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَقْبَرَةً لِلْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وَاِتَّخَذَهَا مَسْجِدًا، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
رَجُلٌ جَاءَ إلَى الْمُفْتِي فَقَالَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَبْنِي رِبَاطًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ أَعْتِقُ الْعَبِيدَ. أَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِدَارِهِ فَقَالَ: أَبِيعُهَا وَأَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا أَوْ أَشْتَرِي بِثَمَنِهَا عَبِيدًا فَأُعْتِقُهُمْ أَوْ أَجْعَلُهَا دَارًا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُّ ذَلِكَ يَكُونُ أَفْضَلَ قَالُوا: يُقَالُ لَهُ: إنْ بَنَيْتَ رِبَاطًا وَتَجْعَلُ لَهُ وَقْفًا وَمُسْتَغَلًّا لِعِمَارَتِهِ فَالرِّبَاطُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَدْوَمُ وَأَعَمُّ نَفْعًا، وَإِنْ لَمْ تَجْعَلْ الرِّبَاطَ وَقْفًا
وَمُسْتَغَلًّا لِلْعِمَارَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ تَبِيعَهُ وَتَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَدُونَ ذَلِكَ فِي الْفَضْلِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا عَبِيدًا فَيُعْتِقَهُمْ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَقْفُ الضَّيْعَةِ أَوْلَى مِنْ بَيْعِهَا وَالتَّصَدُّقُ بِثَمَنِهَا، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
الْمَيِّتُ بَعْدَ مَا دُفِنَ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ قَلِيلَةٍ لَا يَسَعُ إخْرَاجُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِالْعُذْرِ، وَالْعُذْرُ أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ الْأَرْضَ مَغْصُوبَةٌ أَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ.
رِبَاطٌ كَثُرَتْ دَوَابُّهُ وَعَظُمَتْ مُؤَنُهَا هَلْ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْهَا وَيُنْفِقَ ثَمَنَهَا فِي عَلَفِهَا أَوْ مَرَمَّةِ الرِّبَاطِ؟ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ بَلَغَ سِنَّ الْبَعْضِ إلَى حَدٍّ لَا يَصْلُحُ لَمَا رُبِطَتْ لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَمَا لَا فَلَا وَلَكِنْ يُمْسَكُ فِي هَذَا الرِّبَاطِ مِقْدَارُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا وَيُرْبَطُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَدْنَى رِبَاطٍ إلَى هَذَا الرِّبَاطِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
سُئِلَ الْقَاضِي الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَحْمُودٌ الْأُوزْجَنْدِيُّ عَنْ مَسْجِدٍ لَمْ يَبْقَ لَهُ قَوْمٌ وَخَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ هَلْ يَجُوزُ جَعْلُهُ مَقْبَرَةً؟ قَالَ: لَا. وَسُئِلَ هُوَ أَيْضًا عَنْ الْمَقْبَرَةِ فِي الْقُرَى إذَا انْدَرَسَتْ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا أَثَرَ الْمَوْتَى لَا الْعَظْمُ
وَلَا غَيْرُهُ هَلْ يَجُوزُ زَرْعُهَا وَاسْتِغْلَالُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَهَا حُكْمُ الْمَقْبَرَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَلَوْ كَانَ فِيهَا حَشِيشٌ يُحَشُّ وَيُرْسَلُ إلَى الدَّوَابِّ وَلَا تُرْسَلُ الدَّوَابُّ فِيهَا، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
رَجُلٌ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً أَوْ خَانًا لِلْغَلَّةِ أَوْ مَسْكَنًا سَقَطَ الْخَرَاجُ عَنْهُ إنْ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً وَهُوَ الصَّحِيحُ، هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
امْرَأَةٌ جَعَلَتْ قِطْعَةَ أَرْضٍ لَهَا مَقْبَرَةً وَأَخْرَجَتْهَا مِنْ يَدِهَا وَدَفَنَتْ فِيهَا ابْنَهَا وَتِلْكَ الْقِطْعَةُ لَا تَصْلُحُ لِلْمَقْبَرَةِ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عِنْدَهَا فَيُصِيبُهَا فَسَادٌ فَأَرَادَتْ بَيْعَهَا، إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يَرْغَبُ النَّاسُ عَنْ دَفْنِ الْمَوْتَى لِقِلَّةِ الْفَسَادِ لَيْسَ لَهَا الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَتْ يَرْغَبُ النَّاسُ عَنْ دَفْنِ الْمَوْتَى فِيهَا لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ فَلَهَا الْبَيْعُ، فَإِذَا بَاعَتْهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْمُرَهَا بِرَفْعِ ابْنِهَا عَنْهَا، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ نَاقِلًا عَنْ الْكُبْرَى.
رَجُلٌ حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْرًا فِي مَقْبَرَةٍ هَلْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُقْبِرَ فِيهِ مَيِّتَهُ؟ قَالُوا: إنْ كَانَتْ فِي الْمَقْبَرَةِ سَعَةٌ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُوحِشَ الَّذِي حَفَرَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي الْمَكَانِ سَعَةٌ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْفِنَ مَيِّتَهُ وَهُوَ
كَرَجُلٍ بَسَطَ الْمُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ أَوْ نَزَلَ فِي الرِّبَاطِ فَجَاءَ آخَرُ فَإِنْ كَانَتْ فِي سَعَةٍ لَا يُوحِشُ الْأَوَّلَ، وَلَوْ أَنَّ الثَّانِيَ دَفَنَ مَيِّتَهُ فِي هَذَا الْقَبْرِ؛ قَالَ أَبُو نَصْرٍ: لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
مَيِّتٌ دُفِنَ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا كَانَ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْمَيِّتِ وَإِنْ شَاءَ سَوَّى الْأَرْضَ وَزَرَعَ فَوْقَهَا، وَإِذَا حَفَرَ الرَّجُلُ قَبْرًا فِي الْمَقْبَرَةِ الَّتِي يُبَاحُ لَهُ الْحَفْرُ فَدَفَنَ فِيهِ غَيْرُهُ مَيِّتًا؛ لَا يُنْبَشُ الْقَبْرُ وَلَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَةَ حَفْرِهِ لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَوْمٌ عَمَّرُوا أَرْضَ مَوَاتٍ عَلَى شَطِّ جَيْحُونَ وَكَانَ السُّلْطَانُ يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْهُمْ وَبِقُرْبِ ذَلِكَ رِبَاطٌ فَقَامَ مُتَوَلِّي الرِّبَاطِ إلَى السُّلْطَانِ وَأَطْلَقَ السُّلْطَانُ لَهُ ذَلِكَ الْعُشْرَ هَلْ يَكُونُ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الْعُشْرَ إلَى مُؤَذِّنٍ يُؤَذِّنُ فِي هَذَا الرِّبَاطِ يَسْتَعِينُ بِهَذَا فِي طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، وَهَلْ يَكُونُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْعُشْرَ الَّذِي أَبَاحَ السُّلْطَانُ؟ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ مُحْتَاجًا يَطِيبُ لَهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الْعُشْرَ إلَى عِمَارَةِ الرِّبَاطِ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا غَيْرُ وَلَوْ صُرِفَ إلَى الْمُحْتَاجِينَ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى عِمَارَةِ الرِّبَاطِ جَازَ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَسَنًا، كَذَا فِي
فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَكَذَلِكَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لَوْ أَرَادَ صَرْفَهَا إلَى بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْقَنْطَرَةِ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ الْفُقَرَاءُ يَدْفَعُونَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ الْمُتَوَلِّي يَصْرِفُ إلَى ذَلِكَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رِبَاطٌ فِيهِ ثِمَارٌ أَيَجُوزُ لِلنَّازِلِينَ فِيهَا أَنْ يَتَنَاوَلُوا مِنْهَا؟ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا إنْ كَانَتْ ثِمَارًا لَا قِيمَةَ لَهَا، نَحْوُ التُّوتِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ أَوْ ثِمَارًا لَهَا قِيمَةٌ. فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا بَأْسَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي الِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ أَحْوَطُ لِدِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ وَقْفًا لِلْفُقَرَاءِ دُونَ النَّازِلِينَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ الْفُقَرَاءِ أَنْ يَتَنَاوَلُوا مِنْهَا، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ.
وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ دَفَعَ إلَى خَادِمِ دَارِ عِمْرَانَ وَهِيَ دَارٌ يَسْكُنُهَا الْفُقَرَاءُ دَرَاهِمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خُبْزًا وَلَحْمًا وَيُنْفِقَ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِيهَا فَلَمْ يَحْتَجْ الْخَادِمُ الْيَوْمَ إلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَقَدْ اشْتَرَى قَبْلَ ذَلِكَ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ بِالنَّسِيئَةِ فَقَضَى ذَلِكَ الدَّيْنَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمَ ضَمِنَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
مَقْبَرَةٌ عَلَيْهَا أَشْجَارٌ عَظِيمَةٌ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا إنْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ نَابِتَةً قَبْلَ اتِّخَاذِ الْأَرْضِ أَوْ نَبَتَتْ بَعْدَ
اتِّخَاذِ الْأَرْضِ مَقْبَرَةً. فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهَا مَالِكٌ، أَوْ كَانَتْ مَوَاتًا لَا مَالِكَ لَهَا وَاِتَّخَذَهَا أَهْلُ الْقَرْيَةِ مَقْبَرَةً، فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْأَشْجَارُ بِأَصْلِهَا عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْأَرْضِ يَصْنَعُ بِالْأَشْجَارِ وَأَصْلِهَا مَا شَاءَ، وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي الْأَشْجَارُ بِأَصْلِهَا عَلَى حَالِهَا الْقَدِيمِ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي الْمَسْأَلَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا إنْ عُلِمَ لَهَا غَارِسٌ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ، فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَانَتْ لِلْغَارِسِ، وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي إنْ رَأَى بَيْعَهَا وَصَرْفَ ثَمَنِهَا إلَى عِمَارَةِ الْمَقْبَرَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ.
وَإِذَا غَرَسَ شَجَرًا فِي الْمَسْجِدِ فَالشَّجَرُ لِلْمَسْجِدِ وَإِذَا غَرَسَ شَجَرًا فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الرِّبَاطِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْغَارِسُ وَلِيَ تَعَاهُدَ هَذِهِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الرِّبَاطِ فَالشَّجَرُ لِلْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يُولِ ذَلِكَ فَالشَّجَرَةُ لَهُ، وَلَهُ قَلْعُهَا وَإِذَا غَرَسَ شَجَرًا فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَالْحُكْمُ أَنَّ الشَّجَرَ لِلْغَارِسِ، وَإِذَا غَرَسَ شَجَرًا عَلَى شَطِّ نَهْرِ الْعَامَّةِ أَوْ عَلَى شَطِّ حَوْضِ الْقَرْيَةِ فَهُوَ لِلْغَارِسِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَطَعَهَا فَنَبَتَتْ مِنْ عُرُوقِهَا أَشْجَارٌ فَهِيَ لِلْغَارِسِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
أَشْجَارٌ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ فِي الشَّارِعِ اخْتَصَمَ فِيهَا الشَّرَبَةُ وَلَمْ يُعْرَفْ الْغَارِسُ وَهَذَا النَّهْرُ يَجْرِي أَمَامَ بَابِ رَجُلٍ فِي الشَّارِعِ
قَالُوا: إنْ كَانَ مَوْضِعُ الْأَشْجَارِ مِلْكًا لِلشَّرَبَةِ فَمَا نَبَتَ فِي مِلْكِهِمْ وَلَمْ يُعْرَفْ غَارِسُهُ يَكُونُ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ الْأَشْجَارِ مِلْكًا لِلشَّرَبَةِ بَلْ هِيَ لِلْعَامَّةِ وَلِلشَّرَبَةِ فِيهَا حَقُّ سَبِيلِ الْمَاءِ إنْ عُلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ حِينَ اشْتَرَى الدَّارَ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْجَارُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّ الْأَشْجَارَ لَا تَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ كَانَتْ الْأَشْجَارُ لَهُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَجْرَى فِي فِنَاءِ دَارِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَقَفَ شَجَرَةً يُنْتَفَعُ بِأَوْرَاقِهَا أَوْ بِثِمَارِهَا أَوْ بِأَصْلِهَا فَالْوَقْفُ جَائِزٌ إذَا جَازَ لَا يُقْطَعُ أَصْلُهَا إلَّا إذَا كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِأَصْلِهَا بِأَنْ فَسَدَتْ أَغْصَانُهَا أَوْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ لَا يُنْتَفَعُ إلَّا بِأَصْلِهَا فَيَقْطَعُهَا أَيْضًا وَيَتَصَدَّقُ، وَإِذَا كَانَ يُنْتَفَعُ بِثِمَارِهَا أَوْ بِأَوْرَاقِهَا لَا تُقْطَعُ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ شَجَرَةً بِأَصْلِهَا عَلَى مَسْجِدٍ فَيَبِسَتْ أَوْ يَبِسَ بَعْضُهَا يُقْطَعُ الْيَابِسُ وَيُتْرَكُ الْبَاقِي، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
أَرَاضٍ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْمُتَوَلِّي رَجُلٌ وَطَرَحَ فِيهَا السِّرْقِينَ وَغَرَسَ الْأَشْجَارَ ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ فَهَذِهِ الْأَشْجَارُ مِيرَاثٌ لِلْوَرَثَةِ وَيُؤْخَذُونَ بِقِلْعِهَا، فَلَوْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يَرْجِعُوا فِي الْوَقْفِ بِمَا زَادَ السِّرْقِينَ فِي الْأَرَاضِي لَيْسَ لَهُمْ
ذَلِكَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلٌ غَرَسَ شَجَرًا فِي الشَّارِعِ فَمَاتَ الْغَارِسُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لِلْمَسْجِدِ لَا تَكُونُ لِلْمَسْجِدِ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ.
رَجُلٌ غَرَسَ أَشْجَارًا لَهُ فِي ضَيْعَتِهِ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي صِحَّتِهِ: إذَا مِتُّ فَبِيعِي هَذِهِ الْأَشْجَارَ وَاصْرِفِي ثَمَنَهَا فِي كَفَنِي وَثَمَنَ الْخُبْزِ لِلْفُقَرَاءِ وَثَمَنَ الدُّهْنِ لِسِرَاجِ الْمَسْجِدِ الَّذِي فِي كَذَا، ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ هَذِهِ وَوَرَثَةً كِبَارًا فَاشْتَرَى الْوَرَثَةُ الْكَفَنَ مِنْ الْمِيرَاثِ وَجَهَّزُوهُ تُبَاعُ الْأَشْجَارُ وَيُحَطُّ مِنْ ثَمَنِ الْأَشْجَارِ مِقْدَارُ الْكَفَنِ وَتَصْرِفُ الْمَرْأَةُ الْبَاقِيَ إلَى الْخُبْزِ وَدُهْنِ السِّرَاجِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ وَقَفَ ضَيْعَتَهُ عَلَى جِهَةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ عَلَى قَوْمٍ مَعْلُومِينَ ثُمَّ إنَّ الْوَاقِفَ غَرَسَ شَجَرًا قَالُوا: إنْ غَرَسَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ غَرَسَ لِلْوَقْفِ يَكُونُ لِلْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَقَدْ غَرَسَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَكُونُ لَهُ وَوَرَثَتُهُ بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ وَقْفًا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
سُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ فِي مَقْبَرَةٍ فِيهَا أَشْجَارٌ هَلْ يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إنْ لَمْ تَكُنْ وَقْفًا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ تَدَاعَتْ حِيطَانُ الْمَقْبَرَةِ إلَى خَرَابٍ يُصْرَفُ إلَيْهَا أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالَ: إلَى مَا هِيَ وَقْفٌ عَلَيْهِ إنْ عُرِفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ مُتَوَلٍّ وَلَا لِلْمَقْبَرَةِ فَلَيْسَ
لِلْعَامَّةِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
سُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ عَنْ رَجُلٍ غَرَسَ تَالَّةً فِي مَسْجِدٍ فَكَبُرَتْ بَعْدَ سِنِينَ فَأَرَادَ مُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ أَنْ يَصْرِفَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ إلَى عِمَارَةِ بِئْرٍ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ وَالْغَارِسُ يَقُولُ: هِيَ لِي فَإِنِّي مَا وَقَفْتهَا عَلَى الْمَسْجِدِ، قَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْغَارِسَ جَعَلَهَا لِلْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى الْبِئْرِ وَلَا يَجُوزُ لِلْغَارِسِ صَرْفُهَا إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ مَسْجِدٌ فِيهِ شَجَرَةُ تُفَّاحٍ يُبَاحُ لِلْقَوْمِ أَنْ يُفْطِرُوا بِهَذَا التُّفَّاحِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
شَجَرَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَارَّةِ جُعِلَتْ وَقْفًا عَلَى الْمَارَّةِ يُبَاحُ تَنَاوُلُ ثَمَرِهَا لِلْمَارَّةِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَكَذَا الْمَاءُ الْمَوْضُوعُ فِي الْفَلَوَاتِ وَمَاءُ السِّقَايَةِ وَسَرِيرُ الْجِنَازَةِ وَثِيَابُهَا وَمُصْحَفُ الْوَقْفِ يَسْتَوِي الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.