الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَدِيَّةً أَضْعَافَ ذَلِكَ يُسَلِّمُ لِلْأَمِيرِ قَدْرَ هَدَيْتِهِ مِنْ هَدِيَّةِ مَلِكِ الْعَدُوِّ، وَالْفَضْلُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ حَاصَرُوا حِصْنًا مِنْ حِصْنِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِهِمْ، فَبَاعَهُمْ أَمِيرُ الْجَيْشِ مَتَاعًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَوْهُ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ قِيمَةِ مَا بَاعَ أَوْ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ يُسَلَّمُ ذَلِكَ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ مَا بَاعَ بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، فَالْفَضْلُ عَلَى قِيمَةِ مَتَاعِهِ يَكُونُ غَنِيمَةً، وَهَلْ تُكْرَهُ الْمُبَايَعَةُ مَعَهُمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ؟ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ تُكْرَهُ، وَجَمِيعُ الْأَشْيَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
[الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ]
ِ الْأَرَاضِي (نَوْعَانِ) : عُشْرِيَّةٌ وَخَرَاجِيَّةٌ فَأَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا عُشْرِيَّةٌ وَهِيَ أَرْضُ تِهَامَةَ وَحِجَازٍ وَمَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَطَائِفٍ وَعُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرْضُ الْعَرَبِ مِنْ عُذَيْبٍ إلَى مَكَّةَ وَعَدَنَ أَبْيَنَ إلَى أَقْصَى حِجْرٍ بِالْيَمَنِ بِمَهْرَةَ وَسَوَادِ الْعِرَاقِ فَمَا سُقِيَ مِنْهَا مِنْ أَنْهَارِ الْأَعَاجِمِ خَرَاجِيَّةٌ. وَحَدُّ السَّوَادِ طُولًا مِنْ تُخُومِ الْمَوْصِلِ إلَى أَرْضِ عَبَّادَانِ وَحَدُّهُ عَرْضًا مِنْ مُنْقَطِعِ الْجَبَلِ مِنْ أَرْضِ حُلْوَانَ إلَى أَقْصَى أَرْضِ الْقَادِسِيَّةِ الْمُتَّصِلِ بِعُذَيْبٍ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ كُلُّ بَلْدَةٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَمْ يُسْلِمْ أَهْلُهَا، وَمِنْ عَلَيْهِمْ، فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ إنْ كَانَ يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْخَرَاجِ.
وَكُلُّ بَلْدَةٍ فُتِحَتْ صُلْحًا وَقَبِلُوا الْجِزْيَةَ، فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَكُلُّ بَلْدَةٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَسَّمَهَا الْإِمَامُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ، وَكُلُّ بَلْدَةٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَأَسْلَمَ أَهْلُهَا قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْإِمَامُ فِيهِمْ بِشَيْءٍ كَانَ الْإِمَامُ فِيهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَتَكُونُ عُشْرِيَّةٍ وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ الْمَنِّ كَانَ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ وَضَعَ الْعُشْرَ، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ الْخَرَاجَ إنْ كَانَتْ تُسْقَى بِمَاءِ الْخَرَاجِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
كُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا طَوْعًا، فَإِنَّهَا تَكُونُ عُشْرِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ أَرْضٍ مِنْ أَرَاضِي الْعَرَبِ إذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَأَهْلُهَا مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَأَسْلَمُوا بَعْدَ الْفَتْحِ، وَتَرَكَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ عَلَيْهِمْ فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْعَجْمِ إذَا فَتَحَهَا الْإِمَامُ قَهْرًا وَعَنْوَةً، وَتَرَدَّدَ بَيْنَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ، وَيَضَعَ عَلَى الْأَرَاضِي الْخَرَاجَ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَسِّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَيَضَعَ عَلَى الْأَرَاضِي الْعُشْرَ، فَقَالَ: جَعَلْتُ الْأَرَاضِيَ عُشْرِيَّةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ، فَإِنَّ الْأَرَاضِيَ تَبْقَى عُشْرِيَّةٍ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي النَّوَادِرِ وَالْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْخَرَاجِ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا مَاءُ الْخَرَاجِ، وَصَارَتْ تُسْقَى بِمَاءِ الْعُشْرِ، فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْعُشْرِ، فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُحْيِي لَهَا مُسْلِمًا أَمَّا إذَا كَانَ ذِمِّيًّا، فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْعُشْرِ.
وَالْبَصْرَةُ عِنْدَنَا عُشْرِيَّةً بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ
خَرَاجُ الْأَرْضِ نَوْعَانِ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ نَحْوَ الْخُمُسِ وَالسُّدُسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَخَرَاجُ وَظِيفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ لَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَتَّى إذَا عَطَّلَ الْأَرْضَ
مَعَ التَّمَكُّنِ لَا يَجِبُ كَالْعُشْرِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ.
أَمَّا خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ، وَعَلَى جَرِيبِ الرُّطَبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَصْنَافِ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ وَالْبُسْتَانِ وَغَيْرِهَا يُوضَعُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَنِهَايَةُ الطَّاقَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْخَارِجِ وَالْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَعْنَابٌ وَأَشْجَارٌ وَيُمْكِنُ زِرَاعَةُ مَا بَيْنَ الْأَشْجَارِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ مُلْتَفَّةً لَا يُمْكِنُ زِرَاعَةُ أَرْضِهَا، فَهِيَ كَرْمٌ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْجَرِيبُ اسْمٌ لِسِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْمِلْكِ وَذِرَاعُ الْمِلْكِ سَبْعُ قَبْضَاتٍ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَفْظُ كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجَرِيبُ اسْمٌ لِسِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا حِكَايَةً عَنْ جَرِيبِهِمْ وَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ فِي الْأَرَاضِي كُلِّهَا بَلْ جَرِيبُ الْأَرَاضِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مُتَعَارَفُ أَهْلِهَا.
وَأَرَادَ بِالْقَفِيزِ الصَّاعَ فَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أُمَنَاء وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلُ وَهَذَا الْقَفِيزُ يَكُونُ مِنْ الْحِنْطَةِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ وَقَالَ وَيَكُونُ هَذَا الْقَفِيزُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكَالَ هَذَا الْقَفِيزُ بِزِيَادَةِ حَفْنَتَيْنِ، وَتَكَلَّمُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ بِزِيَادَةِ حَفْنَتَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسِيرُهُ أَنْ يَضَعَ الْكَيَّالُ كَفَّيْهِ عَلَى جَانِبَيْ الْقَفِيزِ عِنْدَ الْكَيْلِ مِنْ الصُّبْرَةِ، وَيُمْسِكَ مَا يَقَعُ فِي كَفَّيْهِ مِنْ الطَّعَامِ، وَيَصُبَّ الْقَفِيزَ مَعَ مَا فِي حَفْنَتَيْهِ فِي جَوَالِقِ الْعَاشِرِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: مَعْنَاهُ أَنْ يَمْلَأَ الْكَيَّالُ الْقَفِيزَ ثُمَّ يَمْسَحَ أَعْلَى الْقَفِيزِ حَتَّى يَنْصِبَ مَا فِي أَعْلَاهُ مِنْ الْحَبَّاتِ ثُمَّ يَصُبَّ الْقَفِيزَ فِي جَوَالِقِ الْعَاشِرِ، ثُمَّ يَمْلَأَ حَفْنَتَيْهِ مِنْ الصُّبْرَةِ وَيَرْمِيَهَا فِي جَوَالِقِ الْعَاشِرِ زِيَادَةً عَلَى الْقَفِيزِ ثُمَّ هَذَا الْمِقْدَارُ لَا يَجِبُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً زَرَعَ الْمَالِكُ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْ مِرَارًا بِخِلَافِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ وَالْعُشْرِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْوَاجِبَ جُزْءُ الْخَارِجِ، فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا فِي مِقْدَارِ الْخَارِجِ، فَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْأَرَاضِي تُطِيقُ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرَاضِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ بِأَنْ قَلَّ رِيعُهَا، فَإِنَّهُ يُنْقَصُ عَنْهُ إلَى مَا تُطِيقُ، فَالنُّقْصَانُ عَنْ وَظِيفَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا كَانَتْ الْأَرَاضِي لَا تُطِيقُ تِلْكَ الْوَظِيفَةَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ إذَا كَانَتْ الْأَرَاضِي تُطِيقُ الزِّيَادَةَ بِأَنْ كَثُرَ رِيعُهَا هَلْ تَجُوزُ؟ فَفِي الْأَرَاضِي الَّتِي صَدَرَ التَّوْظِيفُ فِيهَا مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي صَدَرَ التَّوْظِيفُ فِيهَا مِنْ إمَامٍ بِمِثْلِ وَظِيفَةِ عُمَرَ رضي الله عنه لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أَطَاقَتْ الزِّيَادَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ هَذَا الْإِمَامَ وَظَّفَ عَلَى أَرَاضٍ مِثْلَ وَظِيفَةِ عُمَرَ رضي الله عنه، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرَاضِي تُطِيقُ الزِّيَادَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى وَظِيفَةٍ أُخْرَى بِأَنْ كَانَتْ وَظِيفَةُ الْأُولَى دَرَاهِمَ، فَأَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى الْمُقَاسَمَةِ، أَوْ كَانَتْ مُقَاسَمَةً، فَأَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى الدَّرَاهِمِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِمْ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ، أَوْ حَوَّلَهَا إلَى وَظِيفَةٍ أُخْرَى، وَحَكَمَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ مِنْ رَأْيِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ وُلِّيَ بَعْدَهُ وَالٍ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَنَعَ مَا صَنَعَ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ أَمْضَى الثَّانِي مَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَنَعَ بِغَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرَاضِي فُتِحَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ مَنَّ الْإِمَامُ بِهَا عَلَيْهِمْ أَمْضَى الثَّانِي مَا صَنَعَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ فَتَحَ الْأَرَاضِيَ بِالصُّلْحِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ.
وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا، فَالثَّانِي يُنْقِضُ فِعْلَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْأَرَاضِي الَّتِي يُرِيدُ الْإِمَامُ تَوْظِيفَ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً إذَا زَادَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَأَمَّا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ، فَالتَّقْدِيرُ فِيهِ مُفَوَّضٌ إلَى الْإِمَامِ، وَلَكِنْ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ الْخَارِجِ.
كُلُّ مَنْ مَلَكَ أَرْضِ الْخَرَاجِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ كَافِرًا كَانَ، أَوْ مُسْلِمًا صَغِيرًا كَانَ، أَوْ كَبِيرًا حُرًّا كَانَ، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا رَجُلًا كَانَ، أَوْ امْرَأَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
يَجِبُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ أَرْضٌ خَرَاجُهَا وَظِيفَةً اغْتَصَبَهَا غَاصِبٌ فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمَالِكِ إنْ لَمْ يَزْرَعْهَا الْغَاصِبُ، فَلَا خَرَاجَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ زَرَعَهَا الْغَاصِبُ، وَلَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ، فَالْخَرَاجُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ، أَوْ كَانَتْ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ، فَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ نَقَصَتْهَا الزِّرَاعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ قَلَّ النُّقْصَانُ، أَوْ كَثُرَ كَأَنَّهُ آجَرَهَا مِنْ الْغَاصِبِ بِضَمَانِ النُّقْصَانِ.
وَفِي بَيْعِ الْوَفَاءِ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، وَإِنْ آجَرَ أَرْضَهُ الْخَرَاجِيَّةَ، أَوْ أَعَارَهَا كَانَ الْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا مُزَارَعَةً إلَّا إذَا كَانَ كَرْمًا، أَوْ رِطَابًا، أَوْ شَجَرًا مُلْتَفًّا، وَلَوْ آجَرَ الْأَرْضَ الْعُشْرِيَّةَ كَانَ الْعُشْرُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ صَاحِبَاهُ: عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ أَعَارَ أَرْضَهُ الْعُشْرِيَّةَ، فَزَرَعَهَا الْمُسْتَعِيرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ وَاسْتَعَارَ أَرْضًا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ، فَغَرَسَ الْمُسْتَأْجِرُ، أَوْ الْمُسْتَعِيرُ فِيهَا كَرْمًا، أَوْ جَعَلَ فِيهَا رِطَابًا كَانَ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -.
وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً، فَزَرَعَهَا إنْ لَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ، فَلَا عُشْرَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ نَقَصَتْهَا الزِّرَاعَةُ كَانَ الْعُشْرُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَأَنَّهُ آجَرَهَا بِالنُّقْصَانِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
رَجُلٌ لَهُ أَرْضُ خَرَاجٍ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ، وَهِيَ فَارِغَةٌ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي عَلَى زِرَاعَتِهَا يَجِبُ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُشْتَرِي زَرَعَ، أَوْ لَمْ يَزْرَعْ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ ذَلِكَ، فَالْخَرَاجُ عَلَى الْبَائِعِ، وَتَكَلَّمُوا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ زَرْعُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ أَمْ أَيُّ زَرْعٍ كَانَ، وَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ مُدَّةٌ يُدْرَكُ الزَّرْعُ فِيهَا أَمْ مُدَّةٌ يَبْلُغُ فِيهَا الزَّرْعُ مَبْلَغًا تَكُونُ قِيمَتُهُ ضِعْفَ الْخَرَاجِ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَلَامٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ بَقِيَ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى.
وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِقْدَارُ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الزِّرَاعَةِ، فَأَخَذَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْأَكَّارِ وَالْأَرْضُ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَرْجِعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ هَكَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
إنْ كَانَ لِلْأَرْضِ رِيعَانِ خَرِيفِيٌّ وَرَبِيعِيٌّ، وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا لِلْبَائِعِ وَالْآخَرَ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ يَتَمَكَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ تَحْصِيلِ أَحَدِ رِيعَيْنِ لِنَفْسِهِ، فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِمَا هَكَذَا ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً، فَبَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ شَهْرٍ، ثُمَّ بَاعَهَا الثَّانِي مِنْ غَيْرِهِ كَذَلِكَ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِ أَحَدِهِمْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ لَا خَرَاجَ عَلَى أَحَدٍ قَالُوا الصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْمُشْتَرِي الْآخَرِ إنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ كَانَ الْخَرَاجُ عَلَيْهِ.
رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَبْلُغْ، فَبَاعَهَا مَعَ الزَّرْعِ كَانَ خَرَاجُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ مَا انْعَقَدَ الْحَبُّ وَبَلَغَ الزَّرْعُ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا فَارِغَةً، وَبَاعَ مَعَهَا حِنْطَةً مَحْصُودَةً هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانُوا يَأْخُذُونَ الْخَرَاجَ فِي آخِرِ السَّنَةِ فَإِنْ
كَانُوا يَأْخُذُونَ الْخَرَاجَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْجِيلِ، فَذَلِكَ مَحْضُ ظُلْمٍ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي.
رَجُلٌ لَهُ قَرْيَةٌ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ لَهُ فِيهَا بُيُوتٌ وَمَنَازِلُ يَسْتَغِلُّهَا، أَوْ لَا يَسْتَغِلُّهَا لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا كَانَ لَهُ دَارُ خُطَّةٍ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ جَعَلَهَا بُسْتَانًا، أَوْ غَرَسَ فِيهَا نَخْلًا، وَأَخْرَجَهَا عَنْ مَنْزِلِهِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَرْضِ تَبَعٌ لِلدَّارِ، وَإِنْ جَعَلَ كُلَّ الدَّارِ بُسْتَانًا، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ، فَفِيهَا الْعُشْرُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَفِيهَا الْخَرَاجُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
رَجُلٌ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً، وَبَنَى فِيهَا دَارًا، فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الزِّرَاعَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
السُّلْطَانُ إذَا جَعَلَ الْخَرَاجَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، فَتَرَكَهُ عَلَيْهِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ وَعَلَى هَذَا التَّسْوِيغُ لِلْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ.
السُّلْطَانُ إذَا لَمْ يَطْلُبْ الْخَرَاجَ مِمَّنْ عَلَيْهِ كَانَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ تَصَدَّقَ بَعْدَ الطَّلَبِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
الْعَامِلُ إذَا تَرَكَ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُزَارِعِ بِدُونِ عِلْمِ السُّلْطَانِ يَحِلُّ لَوْ مُصَرَّفًا كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - السُّلْطَانُ إذَا جَعَلَ الْعُشْرَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ، هَذَا بِلَا خِلَافٍ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا تَرَكَ الْعُشْرَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَتْرُكَ إغْفَالًا مِنْهُ بِأَنْ نَسِيَ، فَفِي هَذَا الْوَجْهِ كَانَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ أَنْ يَصْرِفَ قَدْرَ الْعُشْرِ إلَى الْفَقِيرِ وَالثَّانِي إذَا تَرَكَهُ قَصْدًا مَعَ عِلْمِهِ بِهِ وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا إنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ غَنِيًّا كَانَ لَهُ ذَلِكَ جَائِزَةً مِنْ السُّلْطَانِ، وَيَضْمَنُ السُّلْطَانُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ لِبَيْتِ مَالِ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ فَقِيرًا مُحْتَاجًا إلَى الْعُشْرِ، فَتَرَكَ ذَلِكَ عَلَيْهِ جَائِزٌ وَكَانَ صَدَقَةً عَلَيْهِ، فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهُ، ثُمَّ صَرَفَهُ إلَيْهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ لَهُ أَرْضُ خَرَاجٍ عَطَّلَهَا، فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، هَذَا إذَا كَانَ الْخَرَاجُ مُوَظَّفًا أَمَّا إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَالُوا: مَنْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى كَمَنْ لَهُ أَرْضُ الزَّعْفَرَانِ، فَتَرَكَهَا، وَزَرَعَ الْحُبُوبَ، فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الزَّعْفَرَانِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ كَرْمٌ، فَقَطَعَ، وَزَرَعَ الْحُبُوبَ، فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْكَرْمِ، وَهَذَا شَيْءٌ يُعْلَمُ، وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَطْمَعَ الظَّلَمَةُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ كَذَا فِي الْكَافِي.
مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ مِنْ الذِّمِّيِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَلَا يُجْمَعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ عُشْرِيَّةٍ، أَوْ خَرَاجِيَّةً.
وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ، أَوْ أَرْضَ خَرَاجٍ لِلتِّجَارَةِ، فَفِيهَا الْعُشْرُ، أَوْ الْخَرَاجُ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ
الذِّمِّيُّ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ كَذَا فِي الزَّادِ.
وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ عَجَزُوا عَنْ عِمَارَةِ الْأَرَاضِي وَاسْتِغْلَالِهَا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَا يُؤَدُّونَ بِهِ الْخَرَاجَ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرَاضِيَ مِنْهُمْ، وَيَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ: لَوْ أَنَّ أَرْضًا مِنْ الْأَرَاضِي الْخَرَاجِيَّةِ عَجَزَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَعَطَّلَهَا وَتَرَكَهَا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيُؤَدِّي خَرَاجَهَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُؤَاجِرَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ أَوَّلًا، وَيَأْخُذَ الْأَجْرَ وَيَرْفَعَ مِنْهُ قَدْرَ الْخَرَاجِ، وَيُمْسِكَ الْبَاقِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الزِّيَادَاتِ فَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا يَدْفَعْهَا مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ، أَوْ الرُّبُعِ عَلَى قَدْرِ مَا يُؤْخَذُ مِثْلُ تِلْكَ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً
فَيَأْخُذْ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَيُمْسِكْ الْبَاقِيَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً يَدْفَعْهَا إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيُؤَدِّي الْخَرَاجَ عَنْهَا، وَطَرِيقُ الْجَوَازِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ أَمَّا إقَامَتُهُمْ مَقَامَ الْمَالِكِ فِي الزِّرَاعَةِ وَإِعْطَاءِ الْخَرَاجِ، أَوْ الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ، وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ خَرَاجًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَأُجْرَةً فِي حَقِّهِمْ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْإِمَامُ مَنْ يَعْمَلُ فِيهَا بِالْخَرَاجِ يَبِيعُهَا، وَيَرْفَعُ الْخَرَاجَ عَنْ ثَمَنِهَا، وَيَحْفَظُ الْبَاقِيَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ قِيلَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الْأَرَاضِيَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبِيعَهَا؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ مَالِهِ حَجْرًا عَلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرَى الْحَجْرَ فِي مَوْضِعٍ يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى الْعَامَّةِ.
وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَشْتَرِي ثِيرَانًا وَأَدَاةَ الزِّرَاعَةِ وَيَدْفَعُهَا إلَى إنْسَانٍ لِيَزْرَعَهَا فَإِذَا حُصِّلَتْ الْغَلَّةُ يَأْخُذُ مِنْهَا قَدْرَ الْخَرَاجِ وَمَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَحْفَظُ الْبَاقِيَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقْرِضُ الْإِمَامُ صَاحِبَ الْأَرْضِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ مِقْدَارَ مَا يَشْتَرِي بِهِ الثِّيرَانَ وَالْأَدَاةَ، فَيَأْخُذُ ثِقَةً، وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا لِيَزْرَعَ، فَإِذَا ظَهَرَتْ الْغَلَّةُ أَخَذَ مِنْهَا الْخَرَاجَ، وَمِقْدَارُ مَا أَقْرَضَ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ يَدْفَعْهَا إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيُؤَدِّي خَرَاجَهَا، ثُمَّ إذَا كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ عَاجِزًا عَنْ الزِّرَاعَةِ، وَصَنَعَ الْإِمَامُ بِالْأَرْضِ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ عَادَتْ قُدْرَتُهُ وَإِمْكَانُهُ مِنْ الْعَمَلِ وَالزِّرَاعَةِ يَسْتَرِدُّهَا الْإِمَامُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ، وَيَرُدُّهَا عَلَى صَاحِبِهَا إلَّا فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا هَرَبَ أَهْلُ الْخَرَاجِ، وَتَرَكُوا أَرَاضِيَهُمْ ذَكَرَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ عَمَّرَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَتَكُونُ غَلَّتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِمْ مُقَاطَعَةً، وَيَكُونُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا مَاتَ أَهْلُ الْخَرَاجِ دَفَعَ الْإِمَامُ أَرَاضِيَهُمْ مُزَارَعَةً، وَإِنْ شَاءَ آجَرَهَا وَوَضَعَ أُجْرَتَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ هَرَبُوا آجَرَهَا، وَأَخَذَ مِنْهَا مِقْدَارَ الْخَرَاجِ وَحَفِظَ مَا بَقِيَ لِأَهْلِهَا، فَإِذَا رَجَعُوا رَدَّهُ إلَيْهِمْ، وَلَا يُؤَجِّرُهَا مَا لَمْ تَمْضِ السَّنَةُ الَّتِي هَرَبُوا فِيهَا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ
نَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ أَرَاضِيِهِمْ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى صَحَّ بِعُذْرٍ لَا بِدُونِهِ وَالْعُذْرُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ فَيُخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، أَوْ يُخَافُ عَلَيْنَا مِنْهُمْ بِأَنْ يُخْبِرُوهُمْ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ قِيمَةُ أَرَاضِيِهِمْ، أَوْ مِثْلُهَا مِسَاحَةً مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى، وَعَلَيْهِمْ خَرَاجُ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي انْتَقَلُوا إلَيْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيْهِمْ خَرَاجُ الْمَنْقُولِ عَنْهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَرَاضِيهِمْ خَرَاجِيَّةٌ فَلَوْ تَوَطَّنَهَا مُسْلِمٌ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا كَذَا فِي الْكَافِي.
قَرْيَةٌ فِيهَا أَرَاضٍ مَاتَ أَرْبَابُهَا، أَوْ غَابُوا، وَعَجَزَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ عَنْ خَرَاجِهَا، فَأَرَادُوا التَّسْلِيمَ إلَى السُّلْطَانِ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَفْعَلُ مَا قُلْنَا، فَإِنْ أَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي.
قَوْمٌ اشْتَرَوْا ضَيْعَةً فِيهَا كُرُومٍ وَأَرَاضٍ، فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمْ الْكُرُومَ وَالْآخَرُ الْأَرَاضِيَ، فَأَرَادُوا قِسْمَةَ الْخَرَاجِ قَالُوا: إنْ
كَانَ خَرَاجُ الْكُرُومِ مَعْلُومًا، وَخَرَاجُ الْأَرَاضِي كَذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَرَاجُ الْكُرُومِ مَعْلُومًا، وَكَانَ خَرَاجُ الضَّيْعَةِ جُمْلَةً، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْكُرُومَ كَانَتْ كُرُومًا فِي الْأَصْلِ لَا يُعْرَفُ إلَّا كَرْمًا وَالْأَرَاضِي كَذَلِكَ يُنْظَرُ إلَى خَرَاجِ الْكُرُومِ وَالْأَرَاضِي، فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ يُقْسَمُ جُمْلَةُ خَرَاجِ الضَّيْعَةِ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا.
قَرْيَةٌ خَرَاجُ أَرْضِهَا عَلَى التَّفَاوُتِ، وَطَلَبَ مَنْ كَانَ خَرَاجُ أَرْضِهِ أَكْثَرَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ قَالُوا: إنْ كَانَ لَا يُعْلَمُ أَنَّ الْخَرَاجَ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ عَلَى التَّسَاوِي أَمْ عَلَى التَّفَاوُتِ يُتْرَكُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
فِي الْفَتَاوَى إذَا جَعَلَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ الْخَرَاجِيَّةَ مَقْبَرَةً، أَوْ خَانًا لِلْغَلَّةِ، أَوْ مَسْكَنًا لِلْفُقَرَاءِ سَقَطَ الْخَرَاجُ.
خَرَاجُ الْأَرَاضِي إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُسْلِمِ سِنِينَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يُؤْخَذُ بِجَمِيعِ مَا مَضَى، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِخَرَاجِ السَّنَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَتَيْنِ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَا خَرَاجَ إنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِهِ الْمَاءُ، أَوْ انْقَطَعَ، أَوْ مُنِعَ مِنْ الزَّرْعِ كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي النَّوَادِرِ إذَا غَرِقَتْ أَرْضُ الْخَرَاجِ، ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْهَا فِي وَقْتٍ يَقْدِرُ عَلَى زِرَاعَتِهَا ثَانِيًا قَبْلَ دُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَزْرَعْهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَإِنْ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْهَا فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى زِرَاعَتِهَا ثَانِيًا قَبْلَ دُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجِبُ الْخَرَاجُ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَالْغَرَقِ وَالْحَرْقِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا خَرَاجَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ آفَةً غَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ، وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَأَكْلِ الْقِرَدَةِ وَالسِّبَاعِ وَالْأَنْعَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَلَاكَ الْخَارِجِ قَبْلَ الْحَصَادِ يُسْقِطُ الْخَرَاجَ هَلَاكُهُ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يُسْقِطُهُ هَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
وَفِي أَرْضِ الْعُشْرِ إذَا هَلَكَ الْخَارِجُ قَبْلَ الْحَصَادِ يَسْقُطُ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَصَادِ مَا كَانَ مِنْ نَصِيبِ رَبِّ الْأَرْضِ يَسْقُطُ، وَمَا كَانَ مِنْ نَصِيبِ الْأَكَّارِ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا يُفَارِقُ الْعُشْرَ فِي الْمَصْرِفِ، وَهَذَا إذَا هَلَكَ كُلُّ الْخَارِجِ فَإِنْ هَلَكَ الْأَكْثَرُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ يُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ إنْ بَقِيَ مِقْدَارُ مَا يَبْلُغُ قَفِيزَيْنِ وَدِرْهَمَيْنِ يَجِبُ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ وَلَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ نِصْفُ الْخَارِجِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يُنْظَرَ أَوَّلًا إلَى مَا أَنْفَقَ هَذَا الرَّجُلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، ثُمَّ يُنْظَرَ إلَى الْخَارِجِ فَيُسْتَحَبُّ مَا أَنْفَقَ أَوَّلًا مِنْ الْخَارِجِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أَخَذَ مِنْهُ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْمُحِيطِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَإِنْ بَقِيَ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَا الْكَرْمُ إذَا ذَهَبَ ثِمَارُهُ بِآفَةٍ إنْ ذَهَبَ الْبَعْضُ، وَبَقِيَ
الْبَعْضُ إذَا بَقِيَ مَا يَبْلُغُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ أَكْثَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا يَجِبُ مِقْدَارُ نِصْفِ مَا بَقِيَ، وَكَذَا الرِّطَابُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
الْمَحْمُودُ مِنْ صَنِيعِ الْأَكَاسِرَةِ أَنَّ الْمُزَارِعَ إذَا اصْطَلَمَ زَرْعَهُ آفَةٌ فِي عَهْدِهِمْ كَانُوا يَضْمَنُونَ لَهُ الْبَذْرَ وَالنَّفَقَةَ مِنْ الْخِزَانَةِ، وَيَقُولُونَ: الْمُزَارِعُ شَرِيكُنَا فِي الرِّبْحِ، فَكَيْفَ لَا نُشَارِكُهُ فِي الْخُسْرَانِ وَالسُّلْطَانُ الْمُسْلِمُ بِهَذَا الْخُلُقِ، أَوْلَى كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
رَجُلٌ غَرَسَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ كَرْمًا مَا لَمْ يُثْمِرْ الْكَرْمُ كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجُ أَرْضِ الزَّرْعِ، وَكَذَا لَوْ غَرَسَ الْأَشْجَارَ الْمُثْمِرَةَ كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجُ الزَّرْعِ إلَى أَنْ تُثْمِرَ الْأَشْجَارُ، وَإِذَا بَلَغَ الْكَرْمُ، وَأَثْمَرَ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّمَرِ تَبْلُغُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ أَكْثَرَ كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا كَانَ عَلَيْهِ مِقْدَارُ نِصْفِ الْخَارِجِ، فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ لَا يَبْلُغُ قَفِيزًا وَدِرْهَمًا لَا يُنْقَصُ عَنْ قَفِيزٍ وَدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ أَجَمَةٌ فِيهَا صَيْدٌ كَثِيرٌ لَيْسَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ قَصَبٌ، أَوْ طَرْفَاءُ، أَوْ صَنَوْبَرٌ، أَوْ خِلَافٌ، أَوْ شَجَرٌ لَا يُثْمِرُ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ، وَيَجْعَلَهَا مَزْرَعَةً، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَرْضٌ يَخْرُجُ مِنْهَا مِلْحٌ كَثِيرٌ، أَوْ قَلِيلٌ، فَكَذَلِكَ إنْ قَدَرَ أَنْ يَجْعَلَهَا مَزْرَعَةً، وَيَصِلَ إلَيْهَا مَاءُ الْخَرَاجِ كَانَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْخَرَاجِ، أَوْ كَانَتْ فِي الْجَبَلِ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا الْمَاءُ لَا يَجِبُ الْخَرَاجُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ قِطْعَةُ أَرْضٍ سَبِخَةٌ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ، أَوْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا الْمَاءُ إنْ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُهَا فَلَمْ يُصْلِحْ كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
أَوَانُ وُجُوبِ الْخَرَاجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلُ السَّنَةِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ فِي يَدِهِ سَنَةً إمَّا حَقِيقَةً، أَوْ اعْتِبَارًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ.
وَيَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَلِيَ الْخَرَاجَ رَجُلًا يَرْفُقُ بِالنَّاسِ، وَيَعْدِلُ عَلَيْهِمْ فِي خَرَاجِهِمْ وَأَنْ يَأْخُذَهُمْ بِالْخَرَاجِ كُلَّمَا خَرَجَتْ غَلَّةٌ، فَيَأْخُذَهُمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ تَمَامَ الْخَرَاجِ فِي آخِرِ الْغَلَّةِ، وَأَرَادَ بِهَذَا أَنْ يُوَزِّعَ الْخَرَاجَ عَلَى قَدْرِ الْغَلَّةِ حَتَّى أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَ يَزْرَعُ فِيهَا غَلَّةَ الرَّبِيعِ وَغَلَّةَ الْخَرِيفِ، فَعِنْدَ حُصُولِ غَلَّةِ الرَّبِيعِ يَنْظُرُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ كَمْ تَغُلُّ غَلَّةَ الْخَرِيفِ بِطَرِيقِ الْحَزْرِ وَالظَّنِّ، فَإِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهَا تَغُلُّ مِثْلَ غَلَّةِ الرَّبِيعِ، فَإِنَّهُ يُنَصِّفُ الْخَرَاجَ، فَيَأْخُذُ نِصْفَ الْخَرَاجِ مِنْ غَلَّةِ الرَّبِيعِ، وَيُؤَخِّرُ النِّصْفَ إلَى غَلَّةِ الْخَرِيفِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي الْبُقُولِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مِمَّا يُجَزُّ خَمْسَ مَرَّاتٍ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ مَرَّةٍ خُمُسَ الْخَرَاجِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُجَزُّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ مَرَّةٍ رُبُعَ الْخَرَاجِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، فَافْهَمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَمَنْ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، أَوْ الْعُشْرُ إذَا مَاتَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَيُؤْخَذُ الْخَرَاجُ عِنْدَ بُلُوغِ الْغَلَّةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ.
وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ الْأَرَاضِي أَنْ يَأْكُلَ الْغَلَّةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَلَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ الْعُشْرِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْعُشْرَ، وَإِنْ أَكَلَ ضَمِنَ وَلِلسُّلْطَانِ حَبْسُ