الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَثْبُتَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا صَنَعَ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ هُوَ، وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الَّذِي قَتَلَهُ هَذَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
لَوْ أَنَّ لُصُوصًا أَخَذُوا مَتَاعَ قَوْمٍ فَاسْتَغَاثُوا بِقَوْمٍ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمْ إنْ كَانَ أَرْبَابُ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ حَلَّ قَتْلُهُمْ، وَكَذَا إذَا غَابُوا وَالْخَارِجُونَ يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَيَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّ الْمَتَاعِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَلَوْ اقْتَتَلُوا مَعَ قَاطِعٍ فَقَتَلُوهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لِأَجْلِ مَالِهِمْ فَإِنْ فَرَّ مِنْهُمْ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ تَرَكُوهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لَا لِأَجْلِ مَالِهِمْ، وَلَوْ فَرَّ رَجُلٌ مِنْ الْقُطَّاعِ فَلَحِقُوهُ، وَقَدْ أَلْقَى نَفْسَهُ إلَى مَكَانٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ فَقَتَلُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ إيَّاهُ لَا لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَيَقْتُلَ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
مَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ سِيَاسَةً، كَذَا فِي الْكَافِي.
[كِتَابُ السِّيَرِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَشَرَةِ أَبْوَابٍ]
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ شَرْعًا وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ]
كِتَابُ السِّيَرِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَشَرَةِ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ شَرْعًا وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ (أَمَّا تَفْسِيرُهُ) فَالْجِهَادُ هُوَ الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَالْقِتَالُ مَعَ مَنْ امْتَنَعَ وَتَمَرَّدَ عَنْ الْقَبُولِ إمَّا بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْمَالِ.
(وَأَمَّا شَرْطُ إبَاحَتِهِ) فَشَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: امْتِنَاعُ الْعَدُوِّ عَنْ قَبُولِ مَا دُعِيَ إلَيْهِ مِنْ الدِّينِ الْحَقِّ، وَعَدَمُ الْأَمَانِ وَالْعَهْدِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَالثَّانِي أَنْ يَرْجُوَ الشَّوْكَةَ وَالْقُوَّةَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مَنْ يُعْتَقَدُ فِي اجْتِهَادِهِ وَرَأْيِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُو الْقُوَّةَ وَالشَّوْكَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْقِتَالُ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي التَّهْلُكَةِ.
(وَأَمَّا حُكْمُهُ) فَسُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلُ الْمَثُوبَةِ وَالسَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي الْعِبَادَاتِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْجِهَادُ قَبْلَ النَّفِيرِ تَطَوُّعٌ، وَبَعْدَ النَّفِيرِ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَبْلَ النَّفِيرِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَبَعْدَ النَّفِيرِ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَعْنَى النَّفِيرِ أَنْ يُخْبَرَ أَهْلُ مَدِينَةٍ أَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ جَاءَ يُرِيدُ أَنْفُسَكُمْ وَذَرَارِيَّكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَإِذَا أَخْبَرُوا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اُفْتُرِضَ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَنْ يَخْرُجَ لِلْجِهَادِ وَقَبْلَ هَذَا الْخَبَرِ كَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَخْرُجُوا، ثُمَّ بَعْدَ مَجِيءِ النَّفِيرِ الْعَامِّ لَا يُفْتَرَضُ الْجِهَادُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا فَرْضَ عَيْنٍ وَإِنْ بَلَغَهُمْ النَّفِيرُ، وَإِنَّمَا يُفْرَضُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ، وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ.
أَمَّا عَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِمَّنْ يَبْعُدُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَا فَرْضَ عَيْنٍ حَتَّى يَسَعَهُمْ تَرْكُهُ، فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ بِأَنْ عَجَزَ مَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ أَوْ تَكَاسَلُوا، وَلَمْ يُجَاهِدُوا، فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يُفْرَضَ عَلَى جَمِيع أَهْلِ الْأَرْضِ شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، ثُمَّ يَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنْفِرُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا مُنَادِي السُّلْطَانِ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْلَى ثَغْرٌ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُقَاوِمُ الْعَدُوَّ فِي قِتَالِهِمْ، وَإِنْ ضَعُفَ أَهْلُ ثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ وَخِيفَ عَلَيْهِمْ، فَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْفِرُوا إلَيْهِمْ
الْأَقْرَبُ، فَالْأَقْرَبُ، وَأَنْ يَمُدُّوهُمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ لِيَكُونَ الْجِهَادُ أَبَدًا قَائِمًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قِتَالُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا، وَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا، وَلَمْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَاجِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْدَؤُنَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ رَاجِلٍ عَاقِلٍ صَحِيحٍ حُرٍّ قَادِرٍ وَهَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ، وَلَا عَبْدٍ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا أَعْمَى، وَلَا مُقْعَدٍ، وَلَا أَقْطَعَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ لِلْجِهَادِ، وَلَهُ أَبٌ أَوْ أُمٌّ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ إلَّا مِنْ النَّفِيرِ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ، وَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي الْخُرُوجِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِحَقِّ الْآخَرِ، فَإِذَا كَرِهَ الْوَالِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا: الْخُرُوجَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ سَوَاءٌ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةَ بِأَنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَكَانَتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَخَافُ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ، فَإِذَا كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَكَرِهَا خُرُوجَهُ إلَى الْجِهَادِ أَوْ كَرِهَ الْكَافِرُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى فِي ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُمَا إنَّمَا كَرِهَا خُرُوجَهُ مِمَّا يَلْحَقُهُمَا مِنْ التَّفْجِيعِ وَالْمَشَقَّةِ لِأَجْلِ مَا يَخَافَانِ عَلَيْهِ مِنْ الْقَتْلِ لَا يَخْرُجُ وَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُمَا كَرِهَا خُرُوجَهُ كَرَاهَةَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ أَهْلِ مِلَّتِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ، فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمَا إلَّا أَنْ يَخَافَ الضَّيْعَةَ عَلَيْهِمَا، فَحِينَئِذٍ لَا يَخْرُجُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا تَحَرَّى، وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ بَلْ شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُ الظَّنَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْرُجَ، وَإِنْ كَرِهَا خُرُوجَهُ لِكَرَاهَةِ قِتَالِهِ مَعَ أَهْلِ دِينِهِ، وَلِأَجْلِ الْخَوْفِ وَالْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَا يَخْرُجُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ، فَأَذِنَا لَهُ فِي الْخُرُوجِ وَلَهُ جَدَّانِ أَوْ جَدَّتَانِ، فَكَرِهَا خُرُوجَهُ فَلْيَخْرُجْ، وَلَا يَلْتَفِتْ إلَى كَرَاهَةِ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ مَيِّتَيْنِ وَلَهُ أَبُو الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبُو الْأَبِ وَأَبُو الْأُمِّ وَأُمُّ الْأُمِّ، فَالْإِذْنُ إلَى أَبِي الْأَبِ وَأُمِّ الْأُمِّ هَذَا إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلْجِهَادِ.
وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلتِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ بِأَمَانٍ، فَكَرِهَا خُرُوجَهُ، فَإِنْ كَانَ أَمِيرًا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَكَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ يُعْرَفُونَ بِذَلِكَ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْصِيَهُمَا وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي تُجَّارِ أَرْضِ الْعَدُوِّ مَعَ عَسْكَرٍ مِنْ عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ فَكَرِهَ ذَلِكَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَسْكَرُ عَظِيمًا لَا يُخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ مِنْ الْعَدُوِّ بِغَالِبِ الرَّأْيِ لَا يَخْرُجُ، كَذَلِكَ إنْ كَانَتْ سَرِيَّةً أَوْ جَرِيدَةَ خَيْلٍ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الْهَلَاكُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ، أَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كَبَنَاتِهِ وَبَنِيهِ وَإِخْوَتِهِ وَعَمَّاتِهِ وَأَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ، وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُمْ إذَا كَرِهُوا خُرُوجَهُ لِلْجِهَادِ، وَكَانَ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ بِأَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ، وَكَانُوا صِغَارًا أَوْ صَغَائِرَ أَوْ كُنَّ كَبَائِرَ إلَّا أَنَّهُ لَا أَزْوَاجَ لَهُنَّ، أَوْ كَانُوا كِبَارًا زَمْنَى لَا حِرْفَةَ لَهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ إلَّا أَنَّهُمْ كِبَارٌ أَصِحَّاءُ أَوْ كَبَائِرُ إلَّا أَنَّ لَهُنَّ أَزْوَاجًا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، أَمَّا امْرَأَتُهُ، فَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا الضَّيْعَةَ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهَا، وَإِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهَا ذَلِكَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ
الْمَرْأَةُ إذَا مَنَعَتْ ابْنَهَا مِنْ الْجِهَادِ، فَإِنْ كَانَ قَلْبُهَا لَا يَحْتَمِلُ ضَرَرَ الْفِرَاقِ، وَيَتَضَرَّرُ بِالْإِطْلَاقِ كَانَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الْجِهَادِ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهَا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُعْجِبُنَا أَنْ تُقَاتِلَ النِّسَاءُ الْمُسْلِمَاتُ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ اضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ جَاءَ النَّفِيرُ، وَكَانَ فِي خُرُوجِهِنَّ حَاجَةٌ وَضَرُورَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِخُرُوجِهِنَّ لِلْقِتَالِ، وَلَهُنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ آبَائِهِنَّ
وَأَزْوَاجِهِنَّ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُنَّ عَنْ الْخُرُوجِ وَيَأْثَمُونَ بِالْمَنْعِ عَنْ الْخُرُوجِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى خُرُوجِهِنَّ، وَلَكِنْ أَمْكَنَهُنَّ الْقِتَالُ مِنْ بَعِيدٍ مِنْ حَيْثُ الرَّمْيُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَلَا تَخْرُجُ الشَّوَابُّ لِمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَسَقْيِ الْمَاءِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لِأَجْلِ الْغُزَاةِ، أَمَّا الْعَجَائِزُ اللَّاتِي دَخَلْنَ فِي السِّنِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الصَّوَائِفِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْجُنُودِ الْعِظَامِ، وَيُدَاوِينَ الْمَرْضَى وَالْجَرْحَى، وَيَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيَخْبِزْنَ وَيَطْبُخْنَ وَلَكِنْ لَا يُقَاتِلْنَ، وَالْجَوَابُ فِي الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إذَا أَطَاقَ الْقِتَالَ كَالْجَوَابِ فِي الْبَالِغِ قَبْلَ مَجِيءِ النَّفِيرِ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، وَلَا يَأْثَمُ الْأَبُ بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ رُبَّمَا يُقْتَلُ فِي ذَلِكَ كَالْبَالِغِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا أَرَادَ الْمَدْيُونُ أَنْ يَغْزُوَ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْزُوَ وَيُوصِيَ إلَى رَجُلٍ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقِيمَ، فَيَتَمَحَّلَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَإِنْ غَزَا مَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الدَّيْنِ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فِي الْغَزْوِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْمَالِ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَيْضًا لَهُ أَنْ يَتَمَحَّلَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ غَزَا بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَهُوَ يَعْلَمُ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَالِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْزُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُحْتَالُ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُحِلْ غَرِيمَهُ، وَلَكِنْ ضَمِنَ عَنْهُ لِغَرِيمِهِ رَجُلٌ الْمَالَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَلَى أَنْ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ الْمَدْيُونَ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْزُوَ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ كَفَلَ عَنْهُ بِالدَّيْنِ كَفِيلٌ بِأَمْرِهِ وَلَيْسَ يُشْتَرَطُ بَرَاءَتُهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يَسْتَأْمِرَ الْأَصِيلَ وَالْكَفِيلَ وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الطَّالِبَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الْكَفِيلَ، وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِنَفْسِهِ بِأَمْرِهِ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَغْزُوَ إلَّا بِأَمْرِ الْكَفِيلِ، وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ الْكَفِيلَ وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ مُفْلِسًا، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَمَحَّلَ لِدَيْنِهِ إلَّا بِالْخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ مَعَ الْغُزَاةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ صَاحِبَهُ، فَإِنْ قَالَ: أَخْرُجُ لِلْقِتَالِ لَعَلِّي أُصِيبُ مَا أَقْضِي بِهِ دَيْنِي مِنْ النَّفْلِ أَوْ السِّهَامِ لَمْ يُعْجِبْنِي أَنْ يُخْرِجَ جُعْلًا بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ.
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ النَّفِيرُ عَامًّا أَمَّا إذَا كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا، فَلَا بَأْسَ لِلْمَدْيُونِ بِأَنْ يُخْرِجَ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ أَوْ مَنَعَهُ عَنْهُ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَقَرَّ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا يَخَاف عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَلْيُقَاتِلْ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا لَا يَخَافُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
عَالِمٌ لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ أَحَدٌ أَفْقَهُ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْزُوَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ الضِّيَاعَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ وَدَائِعُ أَرْبَابُهَا غُيَّبٌ، فَإِنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدَائِعَ إلَى أَرْبَابِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجِهَادِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ مَا لَمْ يَكُنْ النَّفِيرُ عَامًّا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
إذَا وَقَعَ النَّفِيرُ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الرُّومِ، فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَخْرُجَ لِلْغَزْوِ إذَا مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، وَلَا يَجُوزُ التَّخَلُّفُ إلَّا بِعُذْرٍ بَيِّنٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا دَخَلَ الْمُشْرِكُونَ أَرْضَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ، وَسَبَوْا الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ، فَعَلِمَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، وَكَانَتْ لَهُمْ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ
حَتَّى يَسْتَنْقِذُوا ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ مَا لَمْ يَبْلُغُوا بِذَلِكَ حُصُونَهُمْ وَحِرْزَهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ هُوَ الْمَالُ وَسِعَهُمْ أَنْ لَا يَتَّبِعُوهُمْ بَعْدَ مَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ وَإِذَا بَلَغُوا حِرْزَهُمْ وَمَأْمَنَهُمْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَأَتَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِيُقَاتِلُوهُمْ لِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَضْلٌ أَخَذُوا بِهِ، وَإِنْ تَرَكُوا، أَوْ لَمْ يَتَّبِعُوهُمْ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونُوا فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَذَرَارِيُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، ثُمَّ إنَّمَا يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعَهُمْ إذَا طَمِعُوا إدْرَاكَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا حُصُونَهُمْ وَمَأْمَنَهُمْ، أَمَّا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَهُمْ كَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَقُومُوا، فَلَا يَتَّبِعُونَهُمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تُكْرَهُ الْجَعَائِلُ مَا دَامَ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْهِيزِ الْجَيْشِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةُ الْقِتَالِ بِأَنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَيَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِمْ عَنْ غَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ، فَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ إعْطَاءَ الْجُعْلِ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ، فَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا بَلْ يَكُونُ حَسَنًا مَرْغُوبًا فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ قُوَّةُ الْقِتَالِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْكُمَ الْإِمَامُ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِقَدْرِ مَا يَقْوَى بِهِ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ لِلْجِهَادِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ.
وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ مَالٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَالِهِ، فَيَصِيرَ أَحَدُهُمَا مُجَاهِدًا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِمَالِهِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ، فَالْإِمَامُ يُعْطِي كِفَايَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِذَا أَعْطَاهُ الْإِمَامُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجُعْلَ مِنْ غَيْرِهِ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ جُعْلًا لِلْغَزْوِ عَنْهُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْجُعْلِ حِينَ دَفَعَ الْجُعْلَ إلَيْهِ اُغْزُ بِهَذَا الْمَالِ عَنِّي، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ حَتَّى لَا يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَ نَفْسِهِ، وَلَا يَتْرُكَ نَفَقَةً لِأَهْلِهِ وَإِنْ قَالَ لَهُ حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ هَذَا لَكَ اُغْزُ بِهِ كَانَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِ الْغَزْوِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى الْغَزْوِ ذَكَرَ هَذَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ أَنَّ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجُعْلِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْجِهَادِ إلَّا بِهَذَا، فَكَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْجِهَادِ مَعْنًى وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِهِ جُعْلًا لِلْغَزْوِ عَنْهُ، ثُمَّ عَرَضَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِنَفْسِهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ لِيَغْزُوَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ لَا يُمْسِكَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَلَا بَأْسَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يُمْسِكَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْجُعْلِ قَالَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ: اُغْزُ بِهَذَا الْمَالِ عَنِّي، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ هَذَا الْمَالُ لَك اُغْزُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْفَضْلَ أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ جَمِيعَ الْمَالِ لِنَفْسِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يَغْزُوَ بِهِ وَإِذَا شَرَطَ مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ جُعْلًا لِيَقْتُلَ كَافِرًا حَرْبِيًّا فَقَتَلَهُ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاجِبٌ لِلشَّارِطِ أَنْ يَفِيَ بِمَا شَرَطَ، وَلَكِنْ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَاصَّةً، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ هَذَا الشَّرْطُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَجِيرًا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، فَعَمِلَ الْأَجِيرُ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ، فَالزِّيَادَةُ
بَاطِلَةٌ وَلَوْ قَالَ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَوْ الْقَاضِي إنِّي اسْتَأْجَرْتُهُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي، فَالْأَجْرُ كُلُّهُ فِي مَالِهِ، وَلَوْ قَالَ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إنْ قَتَلْتَ ذَلِكَ الْفَارِسَ، فَلَكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَقَتَلَهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَلَوْ كَانُوا قَتْلَى، فَقَالَ الْأَمِيرُ: مَنْ قَطَعَ رُءُوسَهُمْ فَلَهُ أَجْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ جَازَ وَحَمْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ. .
عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَسِّنَ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ وَيُعَيِّنَ جُيُوشًا عَلَى بَابِ الثُّغُورِ لِيَمْنَعُوا الْكُفَّارَ عَنْ الْوُقُوفِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقْهَرُوهُمْ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِذَا بَعَثَ جَيْشًا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا، وَإِنَّمَا يُؤَمِّرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَكُونُ صَالِحًا لِذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ حَسَنَ التَّدْبِيرِ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ وَرِعًا مُشْفِقًا عَلَيْهِمْ سَخِيًّا شُجَاعًا، وَإِذَا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَهُ بِهِمْ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَبَعْدَ مَا اجْتَمَعَ شَرَائِطُ الْإِمَارَةِ فِي إنْسَانٍ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّرَهُ قُرَشِيًّا كَانَ أَوْ عَرَبِيًّا أَوْ نَبَطِيًّا مِنْ الْمَوَالِي كَذَا فِي الْمُحِيطِ. .
وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ لَهُ تَدْبِيرٌ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَإِذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ الْعَسْكَرَ بِشَيْءٍ كَانَ عَلَى الْعَسْكَرِ أَنْ يُطِيعُوهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ مَعْصِيَةً بِيَقِينٍ
(ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) إنْ عَلِمَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ بِيَقِينٍ بِأَنْ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الْحَالِ مَثَلًا، وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِتَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْحَالِ بِأَنْ عَلِمُوا بِيَقِينٍ أَنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ، وَعَلِمُوا أَنَّ لَهُمْ مَدَدًا يَلْحَقُهُمْ فِي الثَّانِي مَتَى كَانَتْ الْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ تَرْكُ الْقِتَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْعَسْكَرِ بِيَقِينٍ فَيُطِيعُونَهُ فِيهِ وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ بِتَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْحَالِ بِيَقِينٍ بِأَنْ عَلِمُوا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يُطِيقُونَهُمْ فِي الْحَالِ، وَعَسَى أَنْ يَلْحَقَهُمْ مَدَدٌ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُطِيعُونَهُ فِيهِ، وَإِنْ شَكُّوا فِي ذَلِكَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ أَوْ يَتَضَرَّرُونَ بِهِ، وَاسْتَوَى الطَّرَفَانِ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُمْ بِالْقِتَالِ مَعَ الْعَدُوِّ، إنْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ بِيَقِينٍ أَوْ شَكُّوا فِيهِ وَاسْتَوَى الطَّرَفَانِ أَطَاعُوهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ بِيَقِينٍ بَلْ يَتَضَرَّرُونَ لَا يُطِيعُونَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ النَّاسُ مُخْتَلِفِينَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: فِيهِ الْهَلَكَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: فِيهِ النَّجَاةُ، وَشَكُّوا فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُ الظَّنَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَانَ عَلَيْهِمْ إطَاعَتُهُ.
وَإِذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ أَهْلَ الْعَسْكَرِ بِشَيْءٍ، فَعَصَى فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، فَالْأَمِيرُ لَا يُؤَدِّبُهُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَلَكِنْ يَنْصَحُهُ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ إبْلَاءً لِلْعُذْرِ، فَإِنْ عَصَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَدَّبَهُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ فِي ذَلِكَ عُذْرًا، فَحِينَئِذٍ يُخَلِّي سَبِيلَهُ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ فَعَلْتُ هَذَا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ، وَإِذَا جَعَلَ الْإِمَامُ السَّاقَةَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَالْمَيْمَنَةَ كَذَلِكَ وَالْمَيْسَرَةَ كَذَلِكَ فَشَدَّ الْعَدُوُّ عَلَى السَّاقَةِ، فَلَا بَأْسَ لِأَهْلِ الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ أَنْ يُعِينُوهُمْ إذَا خَافُوا عَلَيْهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِمَرَاكِزِهِمْ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يُخِلُّ ذَلِكَ بِمَرَاكِزِهِمْ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُعِينُوا أَهْلَ السَّاقَةِ، وَإِنْ أَمَرَهُمْ الْأَمِيرُ أَنْ لَا يَبْرَحُوا عَنْ مَرَاكِزِهِمْ. وَنَهَى أَنْ يُعِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُعِينُوا أَهْلَ السَّاقَةِ، وَإِنْ أَمِنُوا مِنْ نَاحِيَتِهِمْ وَخَافُوا عَلَى أَهْلِ السَّاقَةِ، وَإِذَا نَهَى الْإِمَامُ أَهْلَ الْعَسْكَرِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْعِلَافَةِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا أَهْلُ الْمَنَعَةِ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا نَهَاهُمْ عَنْ الْخُرُوجِ أَنْ يَبْعَثَ قَوْمًا مِنْ الْجَيْشِ لِلْعِلَافَةِ، وَيُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا يَعْتَلِفُونَ لِلْجَيْشِ، فَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَبْعَثْ أَحَدًا، وَأَصَابَ الْجَيْشُ ضَرُورَةً مِنْ الْعَلَفِ، وَخَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَوْ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَلَمْ يَجِدُوا مَا يَشْتَرُونَ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجُوا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عِصْيَانُ الْأَمِيرِ، وَإِذَا قَالَ الْأَمِيرُ: لَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ إلَى الْعَلَفِ إلَّا تَحْتَ لِوَاءِ فُلَانٍ، فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُرَاعُوا شَرْطَهُ، وَلَا يَخْرُجُونَ إلَّا تَحْتَ لِوَائِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْأَمِيرُ: مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلْعَلَفِ، فَلْيَخْرُجْ تَحْتَ لِوَاءِ فُلَانٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ