الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: شروط الاستئمان:
ويشترط لتأمين أحد من الكفار الشروط التالية:
الشرط الأول: أن يكون الأمان، بناءً على طلب من أهل الحرب، شخصاً كان أو جماعة، فلا يعطي الكافر الحربي أماناً بدون طلب منه، وهذا الشرط واضح في الآية السابقة:{وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} أي طلب منك الأمان.
الشرط الثاني: أن يكون المجير أهلاً للإجارة، وإنما يكون أهلاً لها بالإسلام، فلو أجار ذمي حربياً وأعطاه أماناً، فلا أمان له، ولا اعتبار بكلامه، ولا يجب على المسلمين احترام ذمته، لأنه لا يجير على المسلمين إلا واحد منهم.
الشرط الثالث: أن يعلم به ولي الأمر، أو قائد الجيش فيقره، فلو لم يعلم به، أو علم به ولكنه لم يقره، بل ألغاه، إذا ثبت له مثلاً أنه عين على المسلمين وجاسوس لأعدائهم، فلا عبرة بالأمان المعطي لذلك الشخص، أو لتلك الجماعة.
أما إذا علم ولي الأمر، أو قائد الجيش بالأمان الذي أعطاه أحد المسلمين لواحد من الحربيين، وبحث فلم يجد ما يمنع الموافقة على أمانه، فليس له أن يلغيه أو يهمله، بل يجب عليه أن يعلن الأمان له ليسري ذلك على جماعة المسلمين كلهم.
الآثار والالتزامات التي تترتب على عقد الهدنة والاستئمان:
إذا تم عقد الهدنة بين المسلمين وعدوهم، وتكاملت فيه الشروط المذكورة، وأعطي الحربي المستأمن الأمان ممن طلبه منه بشروطه المذكورة أيضاً، ترتب على كل منهما آثار والتزامات يجب الوفاء بها.
أولاً: الآثار والالتزامات المترتبة على عقد الهدنة:
يترتب على عقد الهدنة آثار والتزامات نلخصها فيما يلي:
أ- يجب الكف عمن هودنوا، ويحرم مسهم بأي أذي أو سوء، ولكن لا يجب المحافظة عليهم ضد الآخرين، ويستمر هذا الحكم إلي إحدى غايتين:
الغاية الأولي: انقضاء مدة الهدنة.
الغاية الثانية: أن يبدر منهم ما ستوجب نقضها، وذلك بان يصرحوا بنقضهم لها، ويكون ذلك بتصريحهم جميعاً، أو بتصريح ولي أمرهم عنهم بذلك أو بأن يبادروا إلي القتال، أو بأن يكاتبوا أعدائنا بكشف بعض أسرارنا، أو بأن يقتل مسلم على أيديهم.
فإن تضامنوا جميعاً بنقض الهدنة بسبب من هذه الأسباب، وما يشبهها فلا جرم أن المسلمين يصبحون بمجرد ذلك في حل من معاهداتهم ومسالمتهم. أما إن استقل بعضهم بارتكاب واحد من هذه الأسباب فينظر:
_ أن أنكر الباقون، بأن اعتزلوهم، أو ضربوا على أيديهم، أو أعلموا الإمام باستنكارهم فعل إخوانهم، وأعلنوا بقائهم على العهد، لم يؤثر شيء من ذلك على الهدنة، وبقيت أحكامها مستمرة، في حق من لم يبدر منهم سؤ.
ـ وإن لم ينكروا بقول ولا فعل مع علمهم بذلك، انتقضت الهدنة في حقهم جميعاً.
وإذا استشم إمام المسلمين بوادر الخيانة في صفوف المهادنين، أي لاحظ مجرد مقدمات لها، دون أن يعثر على خيانة مادية يمكن الاعتماد عليها في إنهاء عقد الهدنة، لم يكن له نقض الهدنة إلا بعد أن يعلن عليهم جميعاً أن المسلمين مقدمون على إلغاء الهدنة التي بينهم وبين المسلمين، بسبب ما قد بدر من دلائل الخيانة في صفوفهم.
ويستدل على ما ذكرنا بقول الله عز وجل: {َمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (سورة التوبة: 7)، وقلوه تبارك وتعالي:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِينَ} (سورة الأنفال: 58).
[فانبذ إليهم على سواء: أي اطرح إليهم عهدهم على علم منك ومنهم].
فإذا أعلمهم ببوادر خيانتهم، وطرح لهم عهدهم حل للمسلمين قتالهم
على الشكل الذي أرشدهم الله عز وجل إليه. قال الله تعالي: {{الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأنفال 56 - 57)
[تثقفنهم: تجدنهم وتدركنهم. فشرد بهم من خلفهم: فرق بهم من خلفهم من المحاربين بالتنكيل بهم والعقوبة لهم]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء ". (رواه الترمذي [1580] في السير، باب: ما جاء في الغدر، وأبو داود [2759] في الجهاد باب: في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه).
ب- يجب على المسلمين الوفاء كل شرط تحملوه للطرف الآخر، إلا شرطاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً، فلا يجوز الوفاء به، بل لا يجوز إقحامه في عقد الهدنة
مثال الشروط الصحيحة التي يجب الوفاء بها: أن يشترط العدو على المسلمين إيواء من يصل إليهم من المرتدين الذين كانوا عندنا مسلمين، أو نرد إليهم من جاءنا مسلماً منهم لأن سهيل بن عمرو شرط ذلك على المسلمين في صلح الحديبية فوافقه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقد سبق تخريج حديث صلح الحديبية.
ومثال الشروط الباطلة: أن يشترطوا على المسلمين إعادة النساء المسلمات اللائي يأتين إلينا من قبلهم، لأن الله عز وجل، نهى عن ذلك بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (سورة الممتحنة: 10).
ج- عقد الهدنة يصبح عقداً لازماً بعد وجوده مستوفي الشروط والأركان فلا يجوز للمسلمين نقضه بدون موجب إلي أن تنتهي المدة المضروبة له.