الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استوفت الدعوى هذه الشروط كلها صحت وسمعها القاضي، ثم سأل المدى البينة بعد ذلك على صحة دعواه، فإن أثبتها حكم له بمدعاه.
ما يتوقف فيه الحكم على الدعوى وما لا يتوقف:
أفعال المكلفين من حيث تعلق الأحكام الشرعية بها أربعة أقسام:
القسم الأول: أحكام شرعت والمقصود بها مصلحة المجتمع، فحكمها أنها حق خالص لله تعالى، وليس للمكلف فيها خيار، وتنفيذ هذه الأحكام عائد إلي ولي الأمر، ولا يتوقف الحكم فيها على دعوى عند القاضي. ومثالها:
1 -
العبادات المحضة كالصلاة والصيام والحج وما تستند إليه هذه العبادات، من الإيمان والإسلام، فإن هذه العبادات إنما قصد بتشريعها إقامة الدين، وإقامته ضروري لنظام المجتمع.
2 -
العبادات التي فيها معنى المؤونة، كالزكاة وصدقة الفطر، فإنها عبادة من جهة أن المكلف يتقرب بها إلي الله تعالى، وفيها معنى الضريبة على المال أو النفس من جهة أخري.
3 -
الضرائب التي فرضت على الأرض الزراعية، سواء كانت عشرية أو خراجية، فإن المقصود من هذه الضرائب صرفها في مصالح المجتمع.
4 -
الضرائب التي فرضت فيما يغنم بالجهاد، أو فيما يوجد في باطن الأرض من الكنوز والمعادن.
5 -
أنواع من العقوبات الكاملة، وهو حد الزنى، وحد السرقة، وحد البغاة الذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فساداً.
6 -
نوع من العقوبات القاصرة، وهي حرمان القاتل من الميراث، وسميت قاصرة، لأنها ليست بعقوبات جسدية، ولا مالية، وإنما هي منع له من حق كان يستحقه لو لم يقتل.
7 -
عقوبات فيها معنى العبادة: ككفارة اليمين والظهار والقتل الخطأ، فإن فيها معنى العبادة، لأنها تؤدي بما هو عبادة من صوم وصدقة وتحرير رقبة.
فهذه الأنواع حق خالص لله تعالى، وإنما كان تشريعها لتحقيق مصالح الناس العامة، فلا يملك المكلف أن يسقط منها شيئاً، لان المكلف لا يملك أن يسقط إلا حق نفسه، وهذه ليست له، وإنما هي من حقوق الله تعالى، ولا يتوقف الحكم فيها على دعوى من المكلف أمام القضاء، كما أسلفنا.
القسم الثاني: أحكام شرعت وكان المقصود بها مصلحة المجتمع والمكلف معاً، غير أن مصلحة المجتمع فيها أظهر، فحق الله فيها غالب.
وحكم هذا القسم، كحكم ما هو حق خالص لله تعالى، لا يملك المكلف إسقاطه، ولا يتوقف الحكم فيه على دعوي أمام القضاء.
القسم الثالث: أحكام شرعت، وكان المقصود بها مصلحة المكلف خاصة، فحكمها حق خالص لمكلف، مثال ذلك تضمين من أتلف مالاً بمثله أو قيمته، وهذا حق خالص لصاحب المال. وحبس العين المرهونة حق خالص للمرتهن. واقتضاء الدين حق خالص للدائن.
فالشارع الحكيم أثبت هذه الحقوق لأصحابها، وجعل لهم الخيرة في أمرها، فإن شاؤوا استوفوها، وإن شاؤوا أسقطوها ويتوقف الحكم فيها على دعوى عند القاضي، وليس للقاضي أن يتبرع بإقامة الدعوى نيابة عنهم بغير دعواهم.
القسم الرابع: أحكام شرعت وكان المقصود بها مصلحة المكلف والمجتمع غير أن مصلحة المكلف فيها أظهر وأغلب. وحكم هذا القسم كحكم القسم الثالث، وهو ما كان حقاً خالصاً للمكلف، ومثاله القصاص من القاتل عمداً، وحدٌ القذف من القاذف، فلا بد لاستيفائها والحكم بهما من إقامة دعوى عند القاضي.
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى، في متن المنهاج:(تشترط الدعوى عند قاض في عقوبة كقصاص وقذف، فلولي الدم أن يعفو عن القصاص، وله أن يسامح بالدية. وكذلك للمقذوف أو المقذوفة أن يسقط حقه في الحد ويسامح به).
وبعض العلماء يجعل حد القذف مما غلب فيه حق الله تعالى، فلا يتوقف