الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: الإقرار فإذا أقر ثبت في حقه السرقة وما يستحق عليها من عقوبة، لكن إذا رجع بعد الإقرار قبل رجوعه، وللقاضي أن يعرض له بالرجوع كما في الإقرار بالزنى، لكن هنا لا يقبل إقراره إلا بعد حضور المالك وطلبه.
الثاني: البينة وتكون بشهادة رجلين عدلين قد استوفيا شروط الشهادة، فإن شهد رجل وامرأتان ثبت المال، ولا يثبت بهذه الشهادة القطع.
الثالث: حلف المدعي اليمين، بعد نكول المدعى عليه عن حلف اليمين.
ضمان السارق المال المسروق:
إذا ثبتت السرقة وقطعت يد السارق، وجب عليه أيضاً أن يرد ما سرق إن كان المسروق لا يزال موجوداً، فإن كان قد تلف ضمنه.
ودليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه". (أخرجه أبو داود [3561] في البيوع، باب: في تضمين العارية، والترمذي [1266] في البيوع، باب: ما جاء في أن العارية مؤداة، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.
القطع حق الله تعالى:
إذا ثبتت السرقة ورفع الأمر إلى القاضي وجب تنفيذ العقوبة ولا يجوز التوسط في إسقاط الحد، ودليه ما سبق من حديث المخزومية التي سرقت، أما إذا لم يصل الأمر إلى القاضي فيجوز إسقاطه والتوسط في إسقاطه ففي الحديث: بينما صفوان بن أمية مضطجع بالبطحاء إذ جاء إنسان فأخذ بردة من تحت رأسه، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقال: إني أعفو وأتجاوز، فقال: هلا قبل أن تأتيني به؟.
(سنن النسائي [8/ 68] كتاب قطع السارق، باب: الرجل يتجاوز للسارق؛ مسند أحمد [3/ 401]، عن صفوان بن أمية رضي الله عنه.
الرد على خصوم الإسلام في تقولهم عن مشروعية الحدود:
لا شك أنك تسمع من خصوم الإسلام وأعداء تشريعه، عبارات تنبىء عن الاشمئزاز من أن تكون عقوبة السارق قطعاً لليد، وعقوبة الزاني المحصن الرجم.
وإن لنا كلمة ينبغي أن تستوعبها في الرد على هؤلاء في ذلك.
أولاً: إن سبب اشمئزاز خصوم الإسلام وأعدائه من عقوبة القطع والرجم؛
هو كونهم خصوماً للإسلام قبل كل شيء، فلا يريدون أن يحكموا عقولهم في حقيقة هذه الحدود، وأسبابها وأهدافها ونتائجها، ودوافعها وشروطها، إذ إن من المعلوم بداهة أن الخصم حينما يمارس خصومته؛ إنما ينطلق من دافع أنه خصم، قبل أن ينظر فيما يقتضيه المنطق والحق والتفكير السليم، وإلا لم يكن اسمه خصماً.
وهذه الحقيقة تجعل النقاش مع أمثال هؤلاء الناس في جزئية من جزئيات الإسلام الذي هم خصومه ـ كجزئية الحدود مثلاً ـ سعياً عابثاً لا طائل من ورائه، ولا يؤدي إلى النتيجة المطلوبة.
ولكننا إذا ناقشنا وبحثنا في أمثال ذلك، فلكي لا يعلق شيء من انتقاداتهم الفكرية المصطنعة في عقول وأذهان المسلمين الصادقين في إسلامهم، ممن يعوزهم التعمق في فهم الإسلام وسبر حكمه وأهدافه.
ثانيا: إن المنهج المنطقي الذي نسير على أساسه في تقبل هذه الأحكام والإيمان بها، والتعيين بأنها الدواء الذي لا بديل له للمجتمع؛ هو إيماننا بأن القرآن الكريم الذي تضمن هذه الأحكام وغيرها؛ إنما هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحياً، وإذا كان إيماننا بالله وكتابه حقيقة مفروغاً منها؛ فلا سبيل إلى تسرب أي شك أو وسواس في روعة هذه الأحكام ودقة فائدتها وضرورة التشبث بها.
ومحال أن يتشكك في شيء من هذه الأحكام إلا من تشكك قبل ذلك بالله عز وجل، وبأ، هذا القرآن كلامه، وبأن محمداً صلى الله عليه وسلم نبيه، وإنما يناقش هذا الإنسان في الأصل الذي تفرع عنه هذا الشك، لا في الفرع الصغير الذي هو ثمرة الكفر الكبير.
ثالثاً: نتجاوز ما يقوله علماء النفس عن خطورة السرقة واليد التي تعتاد عليها، ومن أن مثل هذه الجرائم تنقلب في كيان أصحابها إلى أمراض متأصلة، لا يجدي في علاجها شيء من العقوبات التقليدية المألوفة، ونتجاوز الحديث عن خطورة الزنى وسوء عاقبته في المجتمع من كل الجوانب، ولا سيما إصابته بمرض
الإيدز الذي أخذ ينتشر في المجتمع الذي يبيح الزنى، والذي أصبح يهدده بالخراب والدمار.
إذا أعرضنا عن ذلك كله ولفتنا النظر إلى ما هو واقع مشاهد في المجتمعات التي أعرضت عن شرع الله عز وجل، وقارنا بينها وبين الأوساط التي تقييم حدود الله، وجدنا الفرق واضحاً جلياً.
إن اللصوص في هذه المجتمعات المعرضة عن أحكام الله، يتمتعون بكيانات لا يتمتع بها كثير من أرباب الشركات وأعضاء النقابات، وعصاباتهم تستعصي على كل إرهاب أو عقاب، وإن الأمراض التناسلية فيها تفتك بشيبها وشبابها وصغارها وكبارها، وتفعل بهم أضعاف بهم أضعاف أضعاف ما يفعله عقاب جلد أو رجم.
بينما ننظر إلى الأمة التي تقيم فيما بينها حدود الله تعالى وأحكامه، فنجدها أمة تنعم بالأمن والرفاهية والخلو من هذه الأمراض التي تعصف بحياة البشر، وتؤدي إلى دمارهم وهلاكهم.
إن في هذا لبلاغاً وذكرى لكل عاقل منصف، آمن بالله وبرسوله أولاً، ثم تمتع بحرية الفكر والبحث ثانياً، والله الهادي إلى طريق الرشاد.
هذا ولا بد هنا ـ ونحن بصدد الحديث عن الحدود ـ لا بد من الإشارة إلى أمرين هامين في هذا الموضوع:
أحدهما: أن الإسلام حينما شرع هذه الحدود الزاجرة، شرع إلى جانبها تشريعات تقي من الوقوع في أعمال تؤدي إلى إقامة الحد.
ففي موضوع حد السرقة شرع تأمين حاجيات الفرد، فإن كان الفرد عاملاً فرض له من بيت مال المسلمين ما يهمىء له فرص العمل من رأس مال وأدوات، وما يتصل بذلك، فيصبح الفرد بعد زمن قليل منتجاً مستغنياً عن مساعدة غيره، بل يصبح مساعداً غيره في تهيئة فرص العمل، فيكون المجتمع كله مساعداً متضامناً متكافلاً.
وفي موضوع حد الزنى أمر الإسلام بالستر والحجاب وعدم اختلاط الرجال
بالنساء، وعدم خلوة الرجل بالمرأة، وحث على ترخيص المهور، وعلى تزويج من يرضى خلقه ودينه، من غير تفتيش معه على المال والثروة، "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد" (أخرجه الترمذي [1085] في النكاح، باب: إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه، عن أبي هريرة رضي الله عنه. هذا إلى كثير من الأحكام التي يجدها الباحث مبثوثة في كتب الفقه.
الأمر الثاني: هو أن الهدف من العقوبة في الإسلام، ليس هو تعذيب الجاني، بل الهدف سلامة المجتمع، فيجب أن تكون العقوبة مؤدية إلى الهدف المنشود، وأما كيفية العقوبة فهي وسيلة لا غاية، فما كان من الوسائل مؤدياً إلى الهدف فهذا هو المطلوب. ولقد ثبت أن هذه العقوبات التي شرعها الإسلام قد أدت إلى الغاية المنشودة، وسجل التاريخ يتحدث عن ذلك عبر العصور الماضية والحاضرة، فهي إذا الدواء الناجح الناجع. بينما نري القوانين الوضعية في أرقى الدول لم تؤد إلى هذه الغاية، وهي سلامة المجتمع وأمنه واستقراره والأحداث التي تنشرها الصحف اليومية والنشرات والإحصاءات التي تنشر بين حين وآخر تتحدث عن ذلك بما لا يقبل الشك.