الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الحكم، وأبو داود [3580] في الأقضية، باب: في كراهية الرشوة، عن ابي هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي في الحكم. وعند أحمد [5/ 279] عن ثويان رضي الله عنه، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، والرائش بينهما.
[الرائش: الذي يمشي بين الراشي والمرتشي].
ملك الهدية:
إذا قبل القاضي الهدية، في الصور المحرمة التي مر ذكرها، فإنه لا يملكها، ويجب عليه ردها إلي صحابها، فإن تعذر ردها إلي صاحبها وضعها في بيت مال المسلمين، لأنها كسب غير مشروع، فلا يملكها.
حضور الولائم:
- لا يجوز للقاضي حضور وليمة أحد الخصمين، حال الخصومة، ولا يقبل ضيافة أحد منهما ولو كانا في غير محل ولايته، لخوف الميل والمحاباة.
- ويجوز له حضور وليمة غير المتخاصمين، إذا جرت عادته قبل الولاية، لعدم التهمة في ذلك.
- ويندب له إجابة دعوة غير المتخاصمين، ولو من غير عادة، إذا كانت وليمة عامة، كوليمة العرس، والختان، وقد عمم صاحبها الدعوة، لانتفاء التهمة في ذلك، ولأن فيها تطيب قلوب أصحاب الدعوة، شريطة أن لا يشغله ذلك عن أعمال القضاء.
- يجوز للقاضي عيادة المريض، وشهود الجنائز، لأن في ذلك قربة، ولا تهمة فيه.
رجوع القاضي عن الاجتهاد الذي قضى به، وما يترتب عليه:
إذا قضي القاضي في قضية من القضايا، ثم تغير اجتهاده فيها، فهل ينقض الحكم الأول، أم ينفذ حكمه على ما قضاه، ويكون رجوعه سارياً فيما يجد من القضايا والأحكام؟
في الإجابة على ذلك تفصيل نذكره فيما يلي:
1 -
إذا حكم القاضي باجتهاده، ثم بان له أن حكمه كان خلاف نص الكتاب أو
خلاف السنة المتواترة أو الآحاد الصحيحة، أو كان خلاف الإجماع، أو القياس الجلي، وهو ما يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع، نقول: إذا كان حكمه خلاف أصل من هذه الأصول، وجب نقضه من قبل القاضي نفسه، أو من قبل غيره.
ويترتب على ذلك رد ما قضى به، وإعادته إلي ما يوافق الكتاب والسنة، أو الإجماع والقياس، وتصحيح الآثار التي ترتبت على ذلك الحكم. ودليل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ". (أخرجه البخاري [2550] في البيوع، باب: النجش، تعليقاً ووصله في الصلح باب: إذا اصطلحوا علي صلح جور فالصلح مرود، ومسلم [1718] في الاقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة، ورواه غيرهما عن عائشة رضي الله عنها.
والأمثلة على ذلك كثيرة في أقضية الصحابة ومن بعدهم، منها:
أكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفاضل بين الأصابع في الدية، لتفاوت منافعها، حتى روي له الخبر في التسوية بينها، فنقض حكمه، ورجع عنه. رواه الخطابي في "المعالم ".
ب قضى عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه فيمن رد عبداً بعيب، أنه يرد خراجه معه، فأخبره عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان، فرجع عن حكمه، وقضى بأخذ الخراج من الذي أخذه. رواه الشافعي في مسنده.
ت ونقض على رضي الله عنه قضاء شُريح في ابني عم، أحدهما أخ لأم، بأن المال للأخ، متمسكاً بقوله تعالى:{وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (سورة الأنفال: 75} قال له على رضي الله عنه: قال اله تعالي: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحدٍ منهما السدس} .
2 -
أما إذا كان حكمه الأول، إنما بناه على اجتهاد، أو على مقتضي قياس خفي، ثم تغير اجتهاده، فإنه لا ينتقض حكمه الأول، بل ينفذ على ما مضى، ويتغير
الحكم بناء على الاجتهاد الجديد بما سيأتي من أقضية، لأن الظنون المتعادلة، ليس بعضها أولي من بعض، ولو جاز أن ينقض بعضها بعضاً، لما استمر حكم، ولما استقر تشريع، ولشق الأمر على الناس، ومن هنا نشأت القاعدة المعروفة:(لا ينقض الاجتهاد بمثله).
ويترتب على ذلك أن الحكم الأول يمضي على حاله ولا يرد، وقد روي عن عمر رضي الله عنه مثل هذا: روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكم بحرمان الأخ الشقيق من الميراث، في المسألة المعروفة بالمشتركة، وهي أن يموت الميت عن زوج وأم وإخوة لأم وأخ شقيق. ومقتضي القواعد أن يأخذ الزوج النصف، والأم السدس، والإخوة لأم الثلث، ولا شيء للأخ الشقيق، لأنه عصبة، ولم يبق له شيء بعد أصحاب الفروض، وهكذا قضى عمر رضي الله عنه أولاً.
ثم رجع عن ذلك، وقضي بالتشريك بين الأخ الشقيق والإخوة لأم في الثلث، على أنهم أخوة لأم، وقال رضي الله عنه لما قيل له: قد قضيت بغير هذا: (ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي) ولم ينتقض حكمه الأول.
حكم القاضي نافذٌ قضاءَ لا ديانة:
إذا قضي القاضي في قضية، بناء على بينة صحيحة شرعاً نفذ حكمه قضاءً وظاهراً، واستحق المحكوم له ما حكم له به القاضي ن فإن كان المدعى صادقاً في دعواه استحق المدعي به، وحل له قضاء وديانة، ظاهراً وباطناً.
أما إذا كان المدعى كاذباً، وحكم له القاضي ببينته، فإن هذا الحكم وإن نفذ قضاءٌ وظاهراً وباطناً.
أما إذا كان المدعى كاذباً، وحكم له القاضي ببينته فإن الحكم وإن نفذ قضاءٌ، واستحق المدعي والمحكوم له به، إلا أنه ديانة وعند الله عز وجل حكم باطل لا يحل به الحرام، ولا يستحق هذا المدعى ما حكم له به ن وعليه أن يتوب غلي الله تعالى، ويرد الحق إلي صاحبه. ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:" إنما أنا بشرٌ وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار ".
(رواه البخاري [6748] في الأحكام، باب: موعظة الإمام للخصوم، ورواه أيضا ي غر هذا الباب، ومسلم [1713] في الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة عن أم سلمه رضي الله عنها.
[ألحن بحجته: أقوم بها، وأقدر عليها]
وقد أخذ العلماء من هذا الحديث أحكاماً منها:
1 -
إثم من خاصم في باطل ن فاستحق به في الظاهر شيئاً، وما استحقه بهذه الطريقة حرام لا يحل له ديانة عند الله تعالى.
2 -
أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل، حتى يصير حقاً له في الظاهر ويحكم له هـ، فإنه لا يحل له تناوله في الباطن، ولا يرتفع عنه الإثم بالحكم.
3 -
أن المجتهد إذا أخطأ في الحكم، لا يلحقه إثم، بل يؤجر عند الله، وإن كان حكمه هذا لا يحل حراماً في حقيقة الأمر، وعند الله تعالى. جاء في الحديث:" إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجرٌ" (رواه الترمذي [1326] في الأحكام، باب: ما جاء في القاضي يصيب ويخطيء، والنسائي [8/ 224] في القضاء، باب: الإصابة في الحكم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه البخاري [6919] في الاعتصام، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، ومسلم [1716] في الأقضية، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
ما يترتب على هذه القاعدة (حكم القاضي نافذ قضاء لا ديانة) من المسائل:
لقد رتب العلماء على هذه القاعدة أحكاماً كثيرة في أبواب متعددة، نذكر منها بعض المسائل:
1 -
إذا ادعى رجل على امرأة أنها زوجته، وأقام البينة، وقضى له القاضي بذلك، وكان المدعى كاذباً، فإنه لا يحل له الاستمتاع بها بذلك الحكم، ويجب على المرأة الامتناع منه، وعدم تمكينه منها.
2 -
إذا ادعى رجل مالاً على غيره، وحكم له به القاضي، وكان المدعى كاذباً، فلا يحل له هذا المال، ولا يملكه ديانة، ويجب رده إلي صاحبه.
3 -
إذا قضى القاضي لشريك بالشفعة، وكان قد أسقط حقه فيه، ثم أنكر وأقام البينة، فإنه لا يستحق الشفعة ديانة، وإن استحقها قضاءً.