الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمتاز هذا النوع بضرورة إدخال الجبر على التقسيم فيه ن كي تتحقق العدالة في القسمة.
فإذا تأملت في هذه الأنواع الثلاثة للقسمة أدركت أن بينها قدراً مشتركاً من الشبه، وهو أنها جميعاً تتعلق بأموال قابلة للقسمة من حيث المبدأ، أي لا ضرر في قسمتها، وإن اختلفت هذه الأنواع عن بعضها في طريق القسمة: أي يقع ضرر بالمالك بسبب قسمته: كالجوهرة، والثوب، والرحى، والبئر، والسيارة، ونحو ذلك.
فلا يدخل في القسمة المشروعة، ولا يجبر الطرف الممتنع عن القسمة على القسمة، لأن فيه إضاعة للمال، وإضراراً بالمالك، بل يحرم التقسيم وإن رضي الطرفان، إذا كان فيه نقص بين للمنفعة، أو إهدار لها، لأنه من التبذير الذي نص الله عز وجل على وجوب اجتنابه.
أحكام القسمة:
للقسمة أحكام نذكرها فيما يلي:
أولاً: شأن القسمة أن يتولاها الشركاء، أو من يرتضونه، أو من يحكمونه عند الاختلاف، أو من ينصبه الحاكم.
فأما في الحالتين الأوليين، فلا يشترط أكثر من التراضي وموافقة الأطراف،.
وأما في الحالتين الأخيرتين، فيشترط في القاسم أن يكون:
ذكراً، مسلماً، بالغاً، عاقلاً، حراً، عدلاً، عالماً، بالحساب والمساحة، وذلك لأن القاسم له ولاية على من يقسم لهم، لأن قسمته ملزمة، ومن لم تتوفر فيه هذه الشروط، فليس من أهل الولاية.
وأما معرفة الحساب والمساحة، وما يحتاج إليه القاسم حسب نوع المقسوم، فلأن ذلك آلة القسمة، كما أن معرفة أحكام الشرع آلة القضاء، فالقاسم في الحالتين الأخيرتين، يتولى إذا منصباً سواء جاء عن طريق الحاكم، أو عن طريق الشركاء، ولا بد لتوليه هذا المنصب من توفر شروط الكفاءة فيه، وهي ما ذكرنا.
أما في حالة ارتضاء الشركاء بمن يقسم بينهم، فإنه ليس أكثر من وكيل عنهم، ولهم أن يوكلوا عنهم في ذلك من يشاؤون، إذا كانت شروط الوكالة كالعقل والبلوغ ونحوها متوفرة في القاسم.
ثانياً: كل ما عظم الضرر في قسمته، لا يجبر الطرف الممتنع على قبول قسمته، ولا يجب الحاكم الأطراف، وإن اتفقوا ـ في تعيين خبير يتولى القسمة بينهم.
فإن تولوا هم بأنفسهم التقسيم بناء على رضي الجميع، جاز لهم ذلك إن لم تبطل منفعة المقسوم بالكلية، وليس للحاكم أن يمنعهم من القسمة، ولم يجز لهم ذلك إن بطلت بسبب تلك القسمة منفعة المقسوم بطلاناً تاماً، وللحاكم أن يمنعهم من المضي في تلك القسمة: ككسر سيف، وتجزيء سيارة، ونحو ذلك.
ثالثاً: كلا ما لا ضرر في قسمته من الأنواع الثلاثة التي ذكرناها يستجاب فيها لرأي طالب القسمة، فيجبر الممتنع من الشركاء عليها، إذ لا ضرر عليه فيها، وفي الاستجابة لتعنته إضرار بشركائه الآخرين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لا ضرر ولا ضرار ". (رواه مالك مرسلاً [2/ 745] في الاقضية، باب: القضاء في المرفق، وغيره، بأسانيد يقوي بعضها بعضاً).
فإن كان المال من النوع الأول (وهو قسمة الأجزاء) عدلت السهام حسب نصيب كل من الشركاء، كيلا في المكيل، ووزناً في الموزون، وذرعاً في المذروع كالأرض، فإن استوت الحصص: كأرباع، مثلاً، أو نصفين، وجب اعتماد القرعة في توزيع هذه الحصص على أصحابها.
وإن كانت القسمة من النوع الثاني (وهو قسمة التعديل) كأرض تختلف قيمة أجزائها حسب تفاوت منافعها، أو اختلاف خصائصها: كبستان بعضه نخل، وبعضه عنب، أو بعضه أقوي في الإثبات والخصوبة من بعض وجب التعديل في أجزائها، بحيث تتساوي قيمة الأقسام إذا كانت متساوية: كأرباع وأثلاث، أو بحيث يكون لكل جزء من القيمة ما يتفق مع نسبته إلي الكل.
فالذي يملك السدس يجتزأ له من الأرض ما يساوي سدس مجموع القيمة،
والذي يملك الربع يجتزأ منها ما يساوي ربع مجموع القيمة، بقطع النظر عن مساحة أجزاء الأرض، ثم تعين الحصص لأربابها، إذا كانت متساوية عن طريق الاقتراع.
وإن كانت القسمة من النوع الثالث (وهو قسمة الرد) وهو ما كان في أحد أجزائه شيء له قيمة ماليه خاصة به ولا يمكن قسمته: كأرض في بعض جوانبها بئر أو دار وجب جعل البئر، أو الدار ضمن أحد الأنصبة، ورد نسبة حصص الآخرين من قيمتها عليهم، فإن كانت الأرض بين اثنين مثلاً أخذ البئر أحدهما وأعاد نصف قيمتها إلي شريكه، وإنما يأخذ البئر، أو نحوها من خرجت له القرعة.
رابعاً: لا بد من التراضي بعد تحقيق ما سلف ذكره من الأسباب، وبعد الاعتماد على وسيلة الاقتراع فإن لم يقع التراضي لم تصح القسمة.
خامساً: قسمة الأجزاء (وهو النوع الأول) من قبيل الإفراز، أما النوعان الآخران (وهما قسمة التعديل، وقسمة الرد) فبيع على الصحيح، لنقابل المال بالمال فيه وقيل: هو بيع في القدر الذي يتم فيه التعديل والرد.
وعلى كل فهو بيع ضمني وليس بيعاً صريحاً، فهو لا يتوقف في صحته على إيجاب وقبول نحوهما.
سادساً: كل قسمة تتضمن تقويماً ـ كقسمة الرد ـ لابد لصحتها من الاعتماد على قاسمين اثنين. إذ هي تتضمن شهادة تعيين قيمة لشيء متمول ومثل هذه الشهادة لا بد فيها من شاهدين اثنين. أما ما لا يعتمد منها على تقوم، فيكتفي فيه بقاسم واحد، سواء كان من قبل الحاكم أو من قبل الشريكين.