الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما دورنا في لعبة الأمم
؟
* على أكتاف الآخرين استعمر الإنجليز في وقت ما أكثر من ربع المعمورة، وفي أعظم مواجهاتهم مع ألمانيا في الحرب العالمية الثانية جندوا كل الشعوب المستعمرة بجميع أجهزتها وإمكانياتها لحرب الألمان، ودخلت تلك الشعوب المغلوبة على أمرها حروباً لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولم يكسبوا بعد هزيمة الألمان ونصر الإنجليز وحلفائهم إلا تعزيز السيطرة الاستعمارية الإنجليزية والفرنسية ثم الأمريكية التي أزاحت بعد مدة هاتين الدولتين عن مواقعهما وحلت مكانهما.
ولقد كانت الشعوب العربية جزءاً مهماً من وقود هذه الحروب التي استهدف مؤججوها السيطرة على الضعفاء في هذا العالم، وأتهم كل صوت نادى بالوقوف على الحياد في صراع الذئاب الكبرى بالخيانة والعمالة للألمان ولم يكتف الإنجليزي عندما استعمروا معظم بلادنا العربية بإدخالنا في هذه الحروب، بل جندوا الجنود من أبنائنا للقضاء على جميع الحركات التي قامت من أجل السيطرة الاستعمارية، فقد استخدم الجيش المصري، في القضاء على الثورة المهدية في السودان التي قضت على النفوذ الإنجليزي هناك، وكذلك استخدم الجيش المصري أيضاً في القضاء على أعظم ثورة
إسلامية إصلاحية في العصر الحديث وهي الحركة الوهابية وبذلك تم القضاء على الدولة السعودية الأولى ثم الثانية.
* وهذا اللعب الإنجليزي بالأمم والشعوب ليس بدعاً في التاريخ، وعلى خطاه يسير الآن الاستعمار الأمريكي والروسي، فأمريكا قد جرت معها سبع دول من حلفائها لحرب الفيتناميين، ولم تنسحب من هناك إلا بعد أن تململ حلفاؤها من فقدهم لشبان بلادهم بلا مردود وهذا هو السبب الرئيسي لانسحاب الأمريكيين من فيتنام، وهو أن العنصر البشري الذي يركبون عليه إلى النصر غير موجود، والشباب الأمريكي ليس أهلاً للحرب.
* وفي أفريقيا الآن يعبر الروس إلى هذه القارة على أكتاف الكوبيين الفقراء، وأيضاً على أكتاف الشعب الأنجولي الذي تحرر بالأمس من سيطرة البرتغاليين، ليجند اليوم في خدمة الشيوعيين!! وأمريكا لم تجد من ترسله اليوم لحماية مصالحها هناك إلا الجنود المغاربة المسلمين والجنود المصريين المسلمين.
وهكذا يستطيع الأقوياء في كل عصر أن يجدوا من الشعوب الفقيرة والضعيفة ما يركبونه لتحقيق مآربهم وتحقيق استعمارهم.
* بالأمس اشتركت بعض دولنا العربية فيما سمي بمؤتمر باندونج الذي خرج على الناس بما سمي بالحياد الإيجابي، واستبشر الناس خيراً أن ظهر في العالم قوة ثالثة تقف على الحياد في صراع الدول الكبرى، ولكن سرعان ما تحول هذا الحياد الإيجابي إلى شيء لا حقيقة له، ففي ظله وقعت مصر مع الهند ضد باكستان لتحرم شعب كشمير المسلم من أن ينضم حسب رغبته إلى باكستان. ووقفت
أيضاً مع الطائفة اليونانية ضد الطائفة التركية المسلمة التي كانت تعاني كل ألوان الاضطهاد والظلم والقتل الجماعي، وساندت مصر أيضاً في عهد الحياد الإيجابي هيلاسيلاسي الطاغية ضد شعب إريتريا المغلوب على أمره آنذاك.
* ليس صحيحاً أننا قطع على رقعة الشطرنج الدولية وذلك أننا نستطيع أن نقوم بما لا تقوم به الأحجار الصماء، نستطيع أن نخرج أنفسنا من لعبة الأمم وأن نعلن حيادنا في هذا العالم المصارع ونعلن التزامنا بالموقف الخلقي الذي يمليه علينا ديننا وعقيدتنا من إنصاف المظلوم والوقوف مع الضعيف، ومد يد العون للمحتاج، ونعلن رفضنا لنكون مخالب قطط بأيدي المتصارعين الكبار.
ولكننا لن نستطيع أن نفعل ذلك إلا إذا تناسينا خلافاتنا الجانبية ومددنا أيدينا لنكون أخوة متحابين، وعمقنا مشاعر الود والإخاء بين شعوبنا، وأزلنا هذه الحواجز التي صنعها الاستعمار: الحدود السياسية، والنفسية، والجوازات وقوانين العمل والهجرة، وما يسمى باختلاف المصالح. وحققنا الوحدة الاقتصادية والسياسية ولكن هل سيسمح لنا المستعمرون لنفعل ذلك وهم الذين يستثمرون هذه الخلافات ويستخدمونها للوصول إلى أهدافهم ومصالحهم.
باختصار شديد نستطيع أن نخرج أنفسنا من إطار اللعبة الدولية إذا أزيلت الحواجز بين الشعوب والقادة وأفسح المجال لسماع الآراء الصادقة التي تهدف انتشال هذه الأمة أن تكون دولها ألعوبة بيد الشرق أو الغرب، واعتمدنا بعد الله سبحانه وتعالى على خيرات بلادنا فقط ولم نمد أيدينا إلى أعدائنا بطلب معونة، وكان العيش في عزة من الجوع والفقر أحب إلينا من العيش في ذلة مهما كانت المغريات.
6 مايو 1977م