الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على من ستطبقون حكم المرتد
؟
تعاظمت الدعوة في هذه الأيام للعودة إلى ظلال الشريعة الإسلامية والاحتكام إلى أحكام القرآن والسنة، وبينما كانت هذه الدعوة محصورة في الجماعات الإسلامية وبعض علماء الإسلام انطلقت أخيراً من خلال الأجهزة الرسمية، والحكومات القائمة، وبصرف النظر عن أسباب هذه الدعوة وخلفياتها فإن الرجوع حق والاحتكام إلى شريعة القرآن واجب ونبذ هذه الشريعة كفر وردة.
والمشكلة الحقيقية التي يجابهها الداعون إلى تطبيق أحكام الشريعة هي نقطة البدء، من أين نبدأ بتطبيق الشريعة؟ ولست أدري ما السبب في بروز قانون العقوبات في الشريعة في البداية؟ ثم ما السبب أيضاً في أن تكون معاقبة الخصوم والمخالفين هي البند الأول في تطبيق الشريعة الإسلامية؟ هل لأن الداعين إلى الإسلام لا يرون أن هناك أهم وأولى بالتطبيق من الشريعة الإسلامية غير العقوبات؟ أم لأن المخالفين في الرأي والعقيدة هم أولى الناس بتطبيق الشريعة عليهم؟
* وقد قلنا بأن مشكلة البدء هي أعظم المشاكل وذلك لأننا ابتعدنا ابتعاداً عظيماً عن الشريعة الإسلامية وقد أصبح هذا الابتعاد في كل شأن من شؤوننا تقريباً، فنظم الحكم
والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والثقافة قد اصطبغت جميعها بصبغة بعيدة عن الإسلام مما لا يخفى على مطلع عليم بالإسلام الحق الذي أنزله الله سبحانه وتعالى، ولا يقول عاقل أيضاً إننا نستطيع أن نعود في كل هذه الشؤون إلى شريعة الإسلام بيوم واحد، ومعنى هذا أننا سنقدم ونؤخر في العمل بالشريعة الإسلامية إن كنا ننوي حقاً العودة إلى رحابها، وإذا كنا سنقدم ونؤخر فإن العقل والمنطق والحكمة والسياسة الشرعية كل ذلك يوجب البدء بالأهم، وإذا كنا سنبحث عن الأهم في تطيق الشريعة، فإن إقرار الوحدانية لله سبحانه وتعالى والدعوة إلى ذلك هو أهم المهمات وأولى الأولويات.
وإقرار التوحيد يعني الإعلان بأن الدولة حكومة وشعباً إنما تقوم للإسلام وبالإسلام وهذا يعني أن الجميع في خدمة الإسلام، وأن سياسة الدولة العليا هي في توحيد الله والدعوة إليه ونبذ كل ما يخالف ذلك، ومما يخالف ذلك التسبيح بحمد الملوك والرؤساء صباح مساء، والاحتكام في أي خلاف لغير القرآن والسنة.. إن إعلاناً كهذا يعني بداية للطريق الصحيح في العودة إلى الإسلام يأتي بعد ذلك إقرار هذا المبدأ بالدعوة إليه بحكمة وعلى بصيرة وعلى مكث أيضاً ونعني بالمكث التريث والعمل الدائب المتسم بالصبر والأناة لتربية الناس على الإسلام لا لحملهم عليه بالعصا والإرهاب.. نقول إذا كان الداعون إلى تحكيم الشريعة يريدون الخير حقاً لأنفسهم وللناس فعليهم دخول البيوت من أبوابها والبيت الإسلامي لا يبدأ بتقطيع الرؤوس باسم الإسلام وإنما يبدأ بالدعوة الحكيمة إلى الله سبحانه وتعالى ومن الخير لأمة الإسلام أن يبدأ الحاكم فيها باتباع الحكمة في الدعوة إلى الله، ومن الحكمة إفساح المجال لصوت الحق أن يصل إلى الناس، وستكون أكبر خدمة للمسلمين في العصر الراهن
من حكامهم أن يرفعوا أيديهم عن الدعاة الحقيقيين إلى الله سبحانه وتعالى، ويفسحوا صدورهم لسماع كلمة الله جل وعلا، ويسمحوا بأن تعاد صياغة مناهج التعليم والتربية وفق الإسلام، وأن يعملوا على تنقية مجتمعاتنا من الفساد بالهدوء والحكمة، وأن ينصفوا الشعوب من أنفسهم فيعيشوا في مستواهم ويسمعوا لشكاتهم وأن يتصفوا بالرحمة والعدل، وأن يعملوا على مداواة جراح الأمة المثخنة بالجراح والآلام، وأن يعملوا على إطعام الجياع، وإكساء العراة، ومسح الدموع من أعين الثكالى والمحرومين.
على حكامنا إن أرادوا حقاً الدعوة إلى الله والاحتكام إلى شريعة القرآن أن يقربوا أهل الأخلاق والدين والفضيلة والعفاف، وأن يبعدوا عن بطانتهم أهل النفاق والكذب والغش والسرقة، وهذه بدايات متواضعة جداً للدخول في البيت الإسلامي الطيب الطاهر.
وأما البدء بتطبيق حكم المرتد، فإنه يحمل آفات عظيمة على الإسلام والمسلمين؟ فعلى من ستطبقون حكم المرتد في وقتنا هذا؟
هل ستطبقونه على المسلم المتأول لكلام الله وكلام رسوله؟ وما أكثر التأويل في زماننا؟ ولعله لا يخلوا مذاهب عقائدي أو بدعة ظهرت في إسلام إلا ولها الآن أنصار ومشايعون، ومن فضول القول أن نقول إن كل أصحاب غلة وفرقة يرون مخالفيهم مرتدين خارجين عن الإسلام أو على الأقل يلزمونهم الكفر، أم هل ستطبقونه على الذين تركوا الصلاة والصوم متعمدين مجاهرين؟ وما هو موقفكم غداً من العصاة المصرّين المجاهرين وكما هو معلوم من الإسلام أن من جحد شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة فهو كافر، فالحجاب الشرعي للمرأة من المعلوم من الدين بالضرورة فهل
ستطبقون حكم المرتد على كل امرأة لا تلتزم بالحجاب الشرعي وعلى كل كاتب يقول بأن الإسلام رجعية والحجاب رجعية والزواج بأربع رجعية؟.
وما موقفكم غداً ممن يرفض الحكم بالشريعة والله يقول {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ويقول {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} فما موقفكم غداً ممن يحكم بغير شريعة القرآن أو يتحاكم إلى غير حكم الله هل ستطبقون عليه أيضاً حكم المرتد؟!.
يبدو بعد هذا الإيضاح أن تطبيق حكم المرتد سابق لأوانه جداً، فالمجتمع بكل طوائفه يعيش في ردة حقيقية إلا من عصم الله وهؤلاء المعصومون قلة -ولا نكابر- والإسلام الحق يحتاج منا إلى جهود طويلة مخلصة مثابرة والعبء الأكبر من ذلك يقع على الحكام وهم مسؤولون بين يدي الله غداً عن هذه الأمانة ودعواتنا لهم أن يوفق الله أهل الإخلاص والتقوى منهم إلى سلوك سبيله، وأن يلهم الجميع العودة الحقة إلى شريعته.
5 أغسطس 1977