الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من نحن؟ وأين نحن الآن
؟
* ها قد وصلت العربة إلى القاع فعلاً، وابتدأنا نتحسس أقدامنا من جديد، فالذين ينظرون إلى الأمام قليلاً كانوا يعرفون أين ستقع العربة، وأما الآخرون فإنهم يفيقون تباعاً، وسنحتاج إلى عامين أو ثلاثة حتى يعرف المذهولون مكانهم الصحيح، وحتى يعود الشاردون من هول المفاجأة والانفجار!! وسيكون السؤال الذي يسأله الناس بعضهم بعضاً أين نحن الآن؟! وسيختلف الناس بالطبع كما هم مختلفون الآن، فبعضهم سيقول: نحن الآن في موقع جيد، وفي أرض خضراء، وواد فسيح، وسيقول آخرون، كلا بل نحن في مستنقع عفن، وفي أرض سيئة وواقع كريه ويبدأ هؤلاء وهؤلاء يعدون الضحايا ويحصون القتلى فالمستبشرون والمتفائلون بالواقع الجديد سيقولون عن الضحايا والقتلى أنهم أغبياء لأنهم لم يمسكوا بالعربة جيداً، ولم يحسنوا الركوب في القطار وأما المتشائمون والمستبصرون فسيقولون إنهم ضحايا وأنهم شهداء!! وهذه المعركة الكلامية ستستمر وقتاً طويلاً يؤيد كل فريق منا رأيه فيه بما تستطيع بلاغته أن تصل إليه وسيعمد القادرون منا ومن بيدهم زمام الأمور على دفع الأمور لتثبت صدق آرائهم ورجاحة عقولهم، وسنظل يخطئ بعضنا بعضاً، ويسب
بعضنا بعضاً، حتى تأتي رياح جديدة تقذف بالعربة إلى انحدار جديد!!
* هذه البلاهة والغفلة الجماعية التي أصابت الأمة من أقصاها إلى أقصاها -إلا من رحم الله منهم- سببها الأول أنهم يقولون: أين نحن الآن؟ وكان الواجب أن يقولوا أولاً: من نحن؟ فبالجواب على هذا السؤال سنعرف أنفسنا، ونحدد هويتنا، ونضع صراطنا (استراتيجيتنا) في الحياة وعلى أساس هذا الصراط سنحدد علاقاتنا بكل الناس حولنا شرقاً وغرباً.
* إننا مختلفون تماماً حول هذا السؤال: من نحن؟ وباختلافنا فيه تختلف نظرتنا إلى كل الأمور وحكمنا على كل الوقائع، وتحديدنا للمصلحة والمفسدة، والنصر والهزيمة والمكسب والخسارة، فهل نحن عرب؟ وماذا تعني هذه اللفظة تماماً "العرب"، أعني من هم العرب؟ وما موقفهم من الإسلام؟ وأين تقع الإقليمية في مفهوم العروبة؟ وما هي مصالحهم المشتركة؟ وإذا كان العرب مسلمين فهل هم مستعدون للالتزام بأحكام الإسلام؟ وإذا لم يكونوا مسلمين؟ فما البديل؟ وما النظام الاقتصادي الذي سيتبعونه إذا لم يلتزموا بنظام الإسلام، هل هو الاشتراكية؟ وأي نوع من الاشتراكية؟ هل هي الاشتراكية العلمية (الشيوعية) كما أجاب الرئيس جمال عبد الناصر، أم اشتراكية أخرى؟ أم هو النظام الحر الرأسمالي؟ وإلي أي حد سيسيرون في النظام الرأسمالي؟ وما العلاقة بين الدول العربية إذا اختلفت إجابة كل إقليم؟ أعني إلى أي حد سنصل في عداء بعضنا لبعض؟ هل إلى حد القطيعة والقتال وفرض الرأي بالقوة أم فقط عند حد الكلام والسباب، أم سنتعاون فيما اتفقنا فيه، ويكون لكل منها أموره الخاصة؟
وما الذي اتفقنا عليه أو يجب أن نتفق عليه؟ وما الأمور الخاصة بكل إقليم؟!
هذا إلى عشرات الأسئلة الأخرى لابد من الإجابة عليها لنحدد موقفنا من ذلك الشعار الذي رفعناه سياسياً وفكرياً في ثلث القرن الماضي.
* الإقليمية السياسية المعاصرة فرضها الاستعمار الفرنسي والبريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، وتعمقت هذه الإقليمية بتباعد الديار، والحجب السياسية القائمة، ثم جاء ضجيج القومية العربية فغطى على أصوات الإقليمية وحجبها عن الظهور وكاد يهدم الحدود السياسية الجغرافية ولكن الانفصال النفسي والشعوري بين أبناء الأقاليم الإسلامية لم تستطيع عاطفة العروبة وضجيجها أن يلغيه، ثم جاءت هزيمة سنة 1967 لتسكت ضجيج العروبة وتقتل عاطفتها، وتحيي من جديد بذور الإقليمية السياسية بل وتحيي أيضاً بذور الجاهلية المدفونة منذ آلاف السنين، والعجب في النمو السريع لهذه الأشجار الشوكية السامة التي ماتت منذ آلاف السنين.
* والآن يجب أن نسأل أنفسنا إلى أي مدى سنسير مع الفكر الإقليمي السياسي الجديد؟ هل سنسير إلى الحد الذي يكون لكل إقليم جاهليته الخاصة؟ وبالطبع مصالحه ونظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي الخاص؟ أم سنسير إلى الحد الذي يداوي كل إقليم من الأقاليم جراحاته ويلم شعثه ومن ثم يلتحم مع سائر أقاليم الأمة الإسلامية العربية؟ وعلى أي أساس سيكون اللقاء والالتحام إن كان ثمة تفكير في ذلك؟
* خلافنا واختلافنا ليس في معرفة من نحن فقط؟
بل إننا نختلف الآن من أعدائنا؟ والعدو الذي كانت تجمع الأمة على عداوته قديماً هو اليوم محل اختلاف؟ فهل اليهود اليوم أعداء؟ وإذا كانوا أعداء فكيف يجب علينا الآن مجابهة عداوتهم هل بالتدمير الفوري، أم بالتفتيت البطيء؟ أم نحن مضطرون الآن إلى تجميد الحرب معهم إلى حين؟ أم هم أصدقاء يمكن التعاون معهم وإلى أي حد يكون هذا التعاون؟ هل كما يقول الملك الحسن: المال العربي والعقل اليهودي لخلق جنة على الأرض (وكأنه ليس عند العرب عقول لتدبير أموالهم) وإذا قررنا التعاون مع اليهود فهل هو تعاون ينبع من صراط عرب واحد أم تعاون كل إقليم بمفرده؟
* العجب كل العجب إن جمهور الأمة يعيش الآن مع الرافضين بلا هدف واضح ولا نوايا معلنة، ومع القابلين بلا حدود واضحة ولا نوايا معلنة، ولذلك فالرفض والقبول يجب أن تعلم جماهير الأمة أنه جزء من اللعبة السياسية الكبرى التي يريدها الساحر اليهودي والشيطانان الأمريكي والروسي، والسباق الآن في لعبة القبول والرفض أيهما يحرق مخالب الآخر، وحرق المخالب يعني أن نفقد جزءاً من الأمة، والأعجب من هذا أن المخالب التي تحترق دائماً هي المخالب التي يريد اليهود حرقها سواء كانت في الجانب الروسي أو في الجانب الأمريكي!؟
* مرة ثانية نقول وصلت العربة إلى هوة جديدة والذي لم يعلم بعد أننا سقطنا في الوحل والطين سيحتاج إلى فترة زمنية أطول ليتبين مواقع أقدامه ويتعرف على مكانه الجديد، وأما هذه البلاغة التي جعلت سقوطنا نصراً وذلنا فخاراً وعزة فإنها ستضمحل بعد سنتين أو ثلاث وهي الفترة الكافية لإفاقة الأمة من صدمتها الشديدة، تماماً كما استطاعت هذه البلاغة العجيبة أن تصور هزيمة 1967
نصراً مؤزراً لأنه أخذ الأرض ولم يسقط النظام، ولم تستمر هذه البلاغة إلا سنتين أيضاً أو ثلاثة حتى أفاقت الأمة ثم وجدت الأمة أن النظام عاجز عن استرداد الأرض..!! وها نحن نبذل كل شيء تقريباً: تاريخنا وشرفنا، وعزتنا على أرضنا وأيضاً قسم من أبنائنا وكل ذلك لم يرض صلف اليهود وكبرياءهم ليتنازلوا لنا عن الأرض.
* ومرة ثانية نقول: لا تسألوا أين نحن الآن؟ فالمعركة حول هذا خاسرة وسنتفق عليها بعد عامين أو ثلاثة وعندها تكون العربة قد استعدت لسقوط جديد، ولكن يا قوم قولوا وأجيبوا أولاً: من نحن؟ هل نحن مسلمون؟ أم نحن عرب؟ أم نحن فراعنة وبابليون وآشوريون وبربر وفينيقيون أم مصريون وسوريون وفلسطينيون واقليميون على اختلاف الأقاليم؟ ومن العدو؟ ومن الصديق؟.
30 ديسمبر 1977