الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلمي.. عبث وسراب
سيأتي اليوم الذي يتحقق فيه للساعين إلى حل سلمي بين الأمة الإسلامية وبين اليهود أنهم كانوا يركضون خلف السراب، والذي يتبين لهم فيه أيضاً أنهم كانوا عابثين.. وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: المسلمون واليهود أمتان مختلفتان عقيدة ومنهجاً وأهدافاً وسلوكاً، وتقوم كل منهما على تراث طويل من الحقد والكراهية وهذا التراث الطويل المتوارث بمعاهدات صلح فوقية تفرضها دول تنظر فقط إلى تحقيق مصالحها الشخصية الآنية وتبديل هذا التراث في حكم المستحيل، فقد أثبت اليهود لليوم أنهم شعب تراثي يعيش على أحكام التوراة، ويؤمن بأخبارها ويفاوض العالم المعاصر على أساس وعودها وما زال اليهود لليوم يشكلون حياتهم وثقافة صغارهم على أساس هذه العقيدة، وينفخون الحقد الأسود في قلوب أبنائهم للشعوب الإسلامية التي يتهمون أسلافهم بأنهم من أسباب شتاتهم وتشريدهم، وإذا كان اليهود يريدون من الدول الإسلامية أن تتخلى عن تراثها ليستسيغ أبناؤها قبول اليهود في هذه الأرض، فإن اليهود أنفسهم لم يفعلوا ذلك بتراثهم ليشعروا نحو شعوب هذه المنطقة بالأمن والسلام.
والشعوب الإسلامية والعربية خاصة وإن كانوا أقل
من اليهود تمسكاً بالتراث ونزوعاً إلى القديم، فإن العقيدة الإسلامية مازالت حية في نفوس سواد الناس، وهذه العقيدة الإسلامية عقيدة استعلاء فوقية لا ترضى لأصحابها بالذل والدنية ولا تحصرهم فقط في إطار الشعائر الدينية العبادية، وإنما تأمرهم بصبغ حياتهم السياسية والعملية والاجتماعية بأحكام الإسلام وهذه الأحكام تتناقض جذرياً مع الرضوخ لذل اليهود والاستكانة لاحتلالهم والرضا معهم بالذل والعار.. وبالرغم من أن المحاولات مستمرة لصرف الناس عن هذه العقيدة تمهيداً لاستقرار اليهود في هذه الأرض وتوطئة لأمنهم وسلامهم فيها، فإن المشاهد أن هذه المحاولات فاشلة وستفشل وذلك أن التجارب أثبتت أن الأمة الإسلامية تزداد مع التحدي شدة وصلابة، ويدفعها التحدي دائماً إلى الاعتصام بالدين والتمسك به.
هذا وما زال الخلق العربي القديم من الشعور بالنخوة والهبوب لنجدة المظلوم والدفع عن الضعفاء حباً في نفوس أبناء الإسلام من العرب هذا الشعور الذي استثاره الإسلام ونماه كما قال تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً} ، وهذا الشعب الفلسطيني المظلوم المضطهد المخرج من أرضه مازال مثالاً حياً يستثير الهمم العربية ومشاعر المسلمين، والعمل على تبغيض الفلسطينيين لسائر العرب وإيجاد التناقض بينهم وبين إخوانهم، وإن كان قد آتى ببعض ثماره لدى ضعفاء النفوس، فإنه لاشك منته وسائر إلى بوار، وذلك يتكشف الحقائق ولا بد يوماً أن تتكشف..
المهم أن قيام أمتين متجاورتين وبينهما هذا التناقض
العقائدي والفكري والاجتماعي الهائل أمر مستحيل فكيف يرجى أيضاً أن يكون مع هذا التجاور سلم وصلح وسلام!!؟ الذين يظنون إمكان هذا في عالم الواقع يعيشون في غيبوبة كاملة عن الواقع، ويناقضون حركة التاريخ وأخلاق الأمم.
ثانياً: لا يقف المسلمون واليهود على هذا التراث الهائل من الكراهية والحقد والتناقض فقط، وهذا أمر ماض ربما نقول فيه كما قال كيسنجر:"اللي فات مات"، وإنما الأهداف (المستقبلية) للأمتين تختلفان وتتناقضان تناقضاً جذرياً، فبينما يسعى المسلمون بعد التمزيق الذي أحدثته الحرب العالمية الأولى والثانية إلى جمع شتاتهما وإيجاد نوع من الوحدة والتناسق بين الأقاليم المختلفة وبروزهما كقوة محايدة بين القوى العالمية المتنازعة وإحياء دورهم التاريخي الذي اختارهم الله سبحانه وتعالى بأن يكونوا أمة مهتدية هادية تعدو إلى الله سبحانه وتعالى، أقول بالرغم من وضوح هذه الأهداف في حث أبناء الأمة الإسلامية وسعيهم إلى ذلك فإن الأمة اليهودية تسعى بما لديها من قوة لتكون هي القوة الثالثة في العالم في هذه المنطقة ولتكون سنداً وامتداداً لقوة أمريكا واصبعاً ومخلباً لها في هذه الأرض، ولتعيش على ثروات هذه الأمة وتستغل تناقضها وتمتص جهدها وقوت أبنائها ولتشفي غيظها من حقدها التاريخي نحوها، وما التوسع اليهودي الدائم والاستيطان الدائم، واستجلاب اليهود من كل مكان في الأرض نحو فلسطين إلا بدايات لهذه الأهداف التي يسعى اليهود إليها، فكيف تتجاور أمتان وتتصالحان وينشأ بينهما صلح وسلام، وهما تحملان هذه الأفكار والأهداف للمستقبل؟!
وأخيراً فالوهم الكبير الذي يريد الساسة وضع الأمة فيه أصبح مكشوفاً لكل ذي عينين، والإصرار على بث هذا
الوهم وزرعه في النفوس إصرار على الخطأ، ويجب على الأمة أن تصحح مسارها من جديد وأن تسعى حثيثاً إلى الوحدة والعزة والقوة، وإخراج الرجس من هذه الأرض الطيبة المباركة، وهذا هو المنطق الصحيح والحركة الصحيحة للتاريخ، وأما ما سوى ذلك فوهم وباطل.
30 سبتمبر 1977م