الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دروس من الحرب اللبنانية
يبدو أن الجسم العربي قد أصبح ميتاً إلى الحد الذي لا تؤثر فيه الجراح، بدليل أن شعورنا بآلام جزء من هذا الجسم في لبنان وفلسطين قد مات أو تلاشى إلى الحد الذي لا نحس به، ولذلك يبدو أن عرضي للدروس المستفادة من هذه الحرب دون الإحساس بها والشعور بألمها ضرب من إلقاء الكلام في غير مقامه، وسوقه إلى من لا يسمعه ولا يحس به، ولكن هل يكون سوقي لهذه الدروس نوعاً من الإحياء والإشعار بخطورة هذه النتائج التي أوصلتنا لها هذه الحرب؟
أرجو أن يكون ذلك.
الذين تابعوا الأحداث في هذه الحرب وكان لهم إلمام بالبناء الاجتماعي والسياسي للمجتمع اللبناني عرف أن هذه الحرب عندما انطلقت شراراتها كان المستهدف هو المقاومة الفلسطينية، وأن دخول العوامل الأخرى من الصراع من المسلمين والنصارى، ثم استغلال الصراع بين الأغنياء والفقراء، ثم استغلال الصراع بين التكتلات السياسية والفئات الطائفية إنما كانت بمثابة الاستغلال لهذه التناقضات التي كانت موجودة في المجتمع اللبناني، ولكنها كانت تناقضات
كامنة لا تجد متنفسها في السلاح، وإنما في الكلام والصراعات الخفية فقط، وقد فتحت المجابهة الفلسطينية المارونية الأبواب لدخول هذه الصراعات دخولاً مسلحاً دموياً، والذين لم يتابعوا هذه الحرب، ولم يعلموا طبيعة التركيب الاجتماعي والسياسي للبنان أعماهم تشابك هذه الحرب وتناقضاتها ونسبوا أسبابها إلى أسباب وهمية هامشية ومن هذا نستفيد جملة دروس:
* أولاً: أن اليهود قد أعلنوا أكثر من مرة إن وجودهم في فلسطين مرتبط بعدة أمور منها:
أ) أن ينتهي شعور المسلمين باستردادها، وقد استطاعوا ذلك ونجحوا فيه نجاحاً عظيماً.
ب) أن ينتقل العرب من شعورهم القومي إلى مشاعرهم الإقليمية وأن ينزوي كل إقليم بمشاكله الخاصة حتى لا يبقى له تفكير جدي فيما سواه وقد نجح اليهود في هذا أيما نجاح.
ج) أن ينتهي هذا الشعب الفلسطيني الذي يطالب بفلسطين رغم أن هذا الشعب قد قبل كما أعلنت أكبر منظماته على أنه على استعداد لأن يعيش مع اليهود في دولة لا دينية - ولكن اليهود يريدون دولة يهودية خالصة، ومعنى أن ينهي هذا الشعب يعني أن يفقد الشعور والأمل بالعودة إلى فلسطين وذلك باستحالة هذا ومن ثم ينصرف إلى العيش والرضا به في أي مكان آخر، ولقد كانت الحرب اللبنانية هي الحلقة التي يبدو أنها الأخيرة أو التي يراد لها ذلك على الأقل لإقناع الفلسطينيين بأنه لا أمل في العودة إلى تلك الأرض، والدرس الأول من الحرب اللبنانية يعني أن اليهود جادون في أن يجعلوا فلسطين وطناً لهم وأنهم باذلون في ذلك
ما يستطيعون ويعني أيضاً أن كثيراً من المسلمين والعرب كانوا هازلين!! وإلا فكيف فقدت هذه المشكلة وجهها الإسلامي!! ثم كيف فقدت هذه المشكلة حرارتها العربية، ثم كيف سكت الذين لم تصبهم نيران هذه الحرب عن كل ما حدث فيها؟
* وأما الدرس الثاني من هذه المقدمة فهو إحساسنا أكثر من قبل أن استقلال أوطاننا من المستعمر لم يتحقق منه إلا الاستقلال العسكري فقط، وأما الاستقلال السياسي، والاقتصادي فلم يتحقق، فبالرغم من أن هذه المنطقة داخلة في إطار الوطن العربي الإسلامي إلا أن المسير الفعلي للأحداث فيها كان الدول الكبرى ولذلك قالوا الحل بيد أمريكا، الحل بيد فرنسا، الحل بيد روسيا، الحل بيد الدول الكبرى، ومعنى أن يكون الحل في بلادنا بيد غيرنا أن استعمارنا السياسي قائم وأن همنا الديني يجب أن ينصرف إلى التحرر من الاستعمار السياسي، كما قادت الحركات الدينية قديماً الحملات ضد الاستعمار العسكري.. وبالطبع هراء أن نستقل سياسياً ونحن على هذا الحال من التشتت والإقليمية ولذلك كانت الدعوة إلى الوحدة في ظل الإسلام كعقيدة سامية تؤمن بها شعوبنا هي بداية العودة إلى الاستقلال السياسي.
إن كانت الحرب اللبنانية قد وضعت أوزارها فلا يجوز بتاتاً أن تمر دون عظة واعتبار وقد قدمنا في الأسبوع المنصرم في هذه الزاوية درسين مستفادين من هذه الحرب خلاصتهما أن استقلالنا العسكري يجب أن ندعمه باستقلال سياسي، وأنه يستحيل علينا الاستقلال السياسي في هذه الفترة من التاريخ دون وحدة تجمع بين دولنا وتؤلف بين شعوبنا وإلا فنحن المسلمين بهذا التجزؤ والتفكك لا وزن لنا، وكذلك يجب أن نعلم أن اليهود جادون في بقائهم في فلسطين
وأن بقاءهم مرتبط بتمزيقنا والقضاء على أمل الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره.
* الدرس الذي يجب أن نستفيده من هذه الحرب هو العلم بخطأ الشعارات التي رفعتها بعض فصائل من المقاومة والتي لا علاقة لها بتحرير فلسطين.. فالشتات والعمى عن الهدف الذي أصاب طائفة ممن توظفوا في العمل الفدائي كان له النصيب الأول في تعجيل القضاء على العمل الفدائي في الأردن ثم في لبنان، فالمقاتل الفلسطيني الصادق هو من يضع نصب عينيه تحرير فلسطين، ولا يقل عن هذا العمى عن الهدف حمل بعض فصائل المقاومة لما يسمى بالأيديولوجية الشيوعية زعماً أنه لابد من كل ثورة من "أيديولوجية"، فالذين استغلوا شوق الفلسطيني للعودة إلى أرضه فحملوه مع هذا الشوق هذه الشجرة الملعونة زعماً بأن هذه العقيدة هي التي ستثير حماسه وتؤلف بينه وبين إخوانه مخطئون، فنبتة الشيوعية والإلحاد لا مجال لها إن شاء الله - ولا ثمار لها في هذه الأرض الطيبة أرض الإسلام.
إن المقاتل الفلسطيني يحمل غاية شريفة وهي أن يرفع الظلم عن نفسه وأن يعود عزيزاً إلى دياره وأن يضم دولته في أرضه ووطنه هذه الغاية الشريفة لا يجوز بتاتاً أن تضيع في صراعات جانبية تبعد عن الهدف ولا تقرب منه، ثم لا يجوز بتاتاً أن يكون المقاتل الفلسطيني المسلم الذي يحارب من أجل هذه الغاية الشريفة وسيلة وأداة لمن يريدون أن يبذروا بذورهم الخبيثة وينشروا أفكارهم الهدامة في هذه الأرض الطيبة المقدسة.
فهل تعي المقاومة هذا الدرس وتصحح مسيرة العودة إلى الأرض التي باركها الله؟