الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمانة الكلمة
من أعظم الأمانات التي سنسأل عنها بين يدي الله سبحانه وتعالى: "أمانة الكلمة" كما قال سبحانه وتعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فالإحصاء الكامل لكل ما نطق به الإنسان ومحاسبته عليه إحدى عقائد الإيمان ومسائله التي يجب على المسلم استحضارها وتعظيم شأنها.
والكلمة المكتوبة شأنها تماماً شأن الكلمة المنطوقة، فالكتابة وسيلة لإيصال المعنى المراد إلى الغير شأن النطق تماماً، وقد تكون الكلمة المكتوبة أعظم أثراً وأوسع انتشاراً وأطول عمراً من الكلمة المنطوقة، ولذلك كانت جريرتها -في الإثم- أعظم، وثوابها -في الخير- أكبر وأكثر، كما قال صلى الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، وهل العلم المنتفع به إلا كلمة حفظت بعد موت صاحبها في الصدور أو السطور وتناقلتها الألسنة أو الأقلام.
وكلمة الحق والعدل من أعظم الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى منطوقة أو مكتوبة، كما قال صلى الله عليه وسلم:[أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر] ، وطالما كان
لهذه الكلمة الطيبة أثر في الأرض وثمار في النفوس كان لصاحبها أجر بذلك، كما قال سبحانه وتعالى:{ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها} الآية، وكذلك الشأن في كلمة الباطل والزور كلما عملت إفسادها في الأرض والنفوس كلما ازداد قائلها أو كاتبها إثماً كما قال صلى الله عليه وسلم:[ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً](رواه مسلم) وبعد..
هل الكفر إلا كلمة تسير بصاحبها إلى النار، وهل الإيمان إلا كلمة تفتح الطريق إلى الجنة!
وإذا كان في الناس من يظن أن الكلمة الآثمة التي تلقى على عواهنها لا تضر صاحبها فهو يخطئ، وكذلك لا تنقص أجر الكلمة الطيبة أن صاحبها لم يكن يظن أنها ستبلغ في الخير ما بلغت فقد يرفعه الله بها في الجنة مائة درجة، وهو يوم قالها أو كتبها لم يكن يتصور ذلك كما جاء بذلك الحديث.
وقد يظن بعد هذا الإيضاح بعض الناس أن الكلمة الطيبة التي ترفع صاحبها في الجنة هذا المقدار أمرها هين ويستطيع كل إنسان ملك لساناً أو قلماً أن يفعلها ولكن لنعلم أن من شروط الكلمة الطيبة ما يأتي:
أولاً: أن تكون كلمة صدق، فالزور والباطل والكذب لا يمكن أن يكون طيباً، وما أقل الصدق في أيامنا هذه.
ثانياً: أن يكون صاحبها عاملاً بها فلا يكفي أن نأمر الناس بالخير وننسى أنفسنا والله يمقت على ذلك كما قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} .
ثالثاً: أن يكون المراد من وراء الكلمة هو الله والدار الآخرة، كما قال سبحانه وتعالى:{لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً} ، فقيد سبحانه وتعالى الأجر العظيم بابتغاء مرضاة الله سبحانه، هذه الشروط التي نرجو أن نلتزم بها ونوصي إخواننا بالالتزام بها عند بذل كلماتهم، وبذلك نحقق شيئاً من أمانة الكلمة التي كلفنا الله سبحانه وتعالى بها.
وبهذا نفسح المجال لتأخذ الكلمة الطيبة طريقها إلى إصلاح القلوب والنفوس والمجتمعات ومحاربة الشر والرذيلة والظلم، وإذا فسح المجال للكلمة الطيبة الصادقة المخلصة فأثمرت العمل الطيب الصالح فإن الكلمة الخبيثة الشريرة الكاذبة يفتضح أمرها ويتوارى أهلها لأنها تصبح بعد ذلك كلمة منكرة معلوم كذبها وزورها.
ونحن في زمان كثر زوره وكذبه وقل صدقه وإخلاصه ولكن الكلمة الطيبة لا يقف أمامها الكلام الخبيث الكاذب، كما قال سبحانه وتعالى:{بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون} .
عندما عرض على الأخ جاسم المطوع أن أشرف على هاتين الصفحتين المتخصصتين في الشؤون الدينية، علمت أنني أمام مسؤولية صعبة فليس المطلوب الآن هو ملء صفحتين بكلام منسوب إلى الدين أياً كان هذا الكلام، ولكن المطلوب هو تقديم الكلمة الطيبة الصادقة الحكيمة التي تعالج ما تشكوه الآن من آلام وأسقام في هذه الفترة السيئة من تاريخها، ونحن نوجِّه نداءنا إلى أهل الكلمة النظيفة أن يشاركونا هذه المسؤولية، ولن نفسح المجال إلا لمثل هؤلاء ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ونبشر القارئ أن وقته لن يضيع سدى وهو
يقرأ في يوم أجازته ما يكتب في هذه الزاوية، بل سيجد إن شاء الله أننا سنلتزم بأمانة الكلمة وسنحافظ جاهدين على شرف هذه الرسالة التي شرفنا الله بحملها وسيتعرف على إخوان له في الله يقدمون له النصح خالصاً ويتقبلون منه كل نقد وتوجيه وسيشاركونه آلامه وآماله في سعادة هذه الأمة وإعلاء شأنها.
8 أكتوبر 1977م.