الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف نستعد للجولة الخامسة
؟
أولاً: الاستعداد السياسي:
ستبدو الخسائر التي خسرناها طيلة الحروب الأربعة السابقة مع اليهود تافهة جداً إذا قيست بكارثة حقيقية للأمة كلها إذا فاجأها اليهود بحرب خامسة لم نستعد لها استعدادها المطلوب.
وهذا هو الجو المسموم والمشبع بحمى "السلام" مع اليهود الذين نعيشه الآن في غاية الخطورة على عقول أبناء أمتنا فيما لو شن اليهود هذه الحرب.
والعقل السليم يحكم بأنه لابد من افتراض كل الاحتمالات ثم الاستعداد لكل احتمال بما يناسبه.
وإذا كان احتمال بقاء حالة الحرب مع اليهود احتمالاً وارداً، بل كل مطلع على مسلسل إقامة الدولة اليهودية في هذه الأرض لا يجد مفراً من أن يحكم بأنه لا احتمال غيره مع اليهود، لذلك وجب علينا أن نضع كافة الاستعدادات لمقابلة هذا الاحتمال الأقوى الاحتمال الحتمي الذي لا مناص منه.
* ومثلي كفرد -والقدرة الفردية دائماً محدودة- لا يضع ولا يخطط لأمة بأسرها ولا لمشكلة بهذه الضخامة والتعقيد
ومهما تكلمت عن المستقبل والاستعداد فإنما هي رؤية فردية أضعها في متناول الذين يملكون اتخاذ القرارات لتكون على الأقل من باب التحذير والتنبيه وليضم ما فيها من خير -إن وجد- إلى جملة الآراء الخيرة التي لم تعدمها الأمة بعد، ونستطيع أن نلخص الاستعدادات الواجبة في هذا المجال كالآتي:
* أولاً: الاستعداد السياسي:
الهيكل السياسي في أي أمة من الأمم أو دولة من الدول هو عامل النصر الأول كما أنه عامل الفشل الأول في أي تحد يواجه الأمة، فإذا كان صناع القرار عند مستوى المسؤولية فهما ودراية وحزماً وقد أمنوا ظهورهم وسار الشعب من ورائهم فلا شك أنهم سيستفيدون فائدة كاملة بكل إمكاناتهم ومقدراتهم، بل سيفجرون في الأمة طاقات الإبداع والتضحية والفداء، وأما إذا كان العكس فإن الاتهام المتبادل والشك الذي يساور كلا الطرفين تجاه الآخر سيمنع كل منهما أن يبذل شيئاً.
ومسلسل الانقلابات والانقلابات المضادة ثم الانقلاب على الانقلاب وثورات التصحيح والتعديل التي مرت بها الأمة جعل المواطن في هذه المنطقة يعيش حالة التوجس ويسيء النية دائماً ويفسر كلام الحكام بخلفياته ومراميه لا بنصوصه ومعانيه، ويشجع الأفراد على هذا المنحى الانفصال الظاهر بين القول والعمل، بين الأهداف المعلنة والسلوك الفعلي أو بالأحرى بين ما يلزم الحاكم به شعبه وما يلتزم به هو وما يسمح لنفسه بأن يفعله، وقد أدى هذا بالطبع إلى تبديد إمكانات الأمة، فالأموال -ونحن أغنى شعوب الأرض الآن- هربت من بلداننا إلى أوروبا وأمريكا لأنها أكثر استقراراً وأمناً، وعلماء المادة (والتكنولوجيا) هربوا إلى هناك أيضاً لأنهم
هناك أكثر أمناً على أنفسهم وأعظم استفادة بعلومهم وإمكاناتهم وعلماء الأخلاق والفضيلة كبتوا في أماكنهم أو شردوا في غير أوطانهم والشباب في حيرة سياسية وفي فوضى فكرية، فهو لا يعلم إلى أين يسير وماذا يراد له وماذا يريد الحكام منه، ومثله العليا ضائعة ورغبته في الانتماء والاحتماء مكبوتة، وهويته التي يريد أن يحملها ويدافع من أجلها مزورة!! فالشاب يقول لك: من أنا!! ومن نحن؟ هل نحن عرب؟ فالشاب يقول لك: من أنا!! ومن نحن؟ فلماذا هذا النفاق بل هذه الغربة الكاملة للإسلام؟ أم هل أنا مصري فقط؟ وعراقي فقط؟ وكويتي فقط؟ وفلسطيني فقط؟ هذه الأسئلة التي يتحدد على أساسها الانتماء والهواية لا يجد شبابنا جواباً عليها، وإن وجد الجواب النظري فوجئ بأن التطبيق العملي يخالف هذا تماماً.
الاستقرار السياسي ضرورة ملحة واليهود لم ينتصروا علينا في أي معركة، إلا في وقت لم نكن ننعم فيه باستقرار سياسي، بل أمتنا على امتداد أربعة عشر قرناً من الزمان لم تهزم أمام التتار أو الصليبيين أو الفرنج في إسبانيا إلا في عهود الفرقة والخصام والانفصام بين الحكام والشعوب، ولم نستطع أيضاً أن نحقق نصراً إلا في عهود اجتمعت فيها كلمتها ووحدت فيها صفوفها ووقفت شعوبها صفاً متراصاً خلف حكامها.
ولذلك السعي الأول في سبيل الاستعداد للحرب الخامسة يجب أن يكون في سبيل الاستقرار السياسي، ويستحيل أن ينعم الحاكم والمحكوم باستقرار سياسي، في ظل الإرهاب والبطش ومصادرة الأفكار الطيبة الخيرة، وفي ظل استغلال النفوذ والأثرة وحب الذات، بل في ظل التسامح والمرحمة وإفساح الصدر للرأي المخالف وأن نشترك
جميعاً في الرغيف الواحد، وأن نتقاسم الجوع إذا فرض علينا أن يجوع البعض، وليس ما أقوله هنا الآن مثالية خيالية فعيب علينا أن يستطيع الإنجليز في الحرب العالمية الثانية أن يوزعوا كميات الطعام على الشعب جميعاً بالتساوي حتى أن أفراد الأسرة المالكة يحصل كل منهم على عدد من البيض مساو تماماً للعدد الذي يحصل عليه كل فرد في الدولة، أقول عيب علينا أن يفعل غيرنا في الأزمات هذا، ونحن أولى الناس بهذه الأخلاق لأنها إن كانت عند غيرنا فضلاً ومكرمة، فهي في ديننا حق واجب لا مكرمة وتطوعاً.
أقول الاستقرار السياسي يستلزم أيضاً البحث عن آمال الأمة وأحلامها والسعي الجاد لتحقيقها. وآمال الأمة إنما هي في تحقيق العدل الاجتماعي، والانتصار من عدوها الذي أذلها ومرغ عزتها وكبرياءها فيكف ننتظر استقراراً سياسياً والاتجاه العام في بلادنا الآن يسير نحو الظلم الطبقي والسياسي، وتكريس الذل التاريخي بتمكين اليهود في هذه الأرض التي أتوا إليها مسالمين متعايشين.
* حقاً نحن اليوم في أمس الحاجة إلى استقرار سياسي يلم شمل كل شعب في منطقتنا حول قائده وزعيمه ويشيع روح المحبة والألفة والتراحم. ولكن دون ذلك باختصار شديد التوافق الكامل بين القول والعمل. والاشتراك الفعلي في الجوع والشبع. والأفراح والأحزان. والبحث عن آمال الأمة في العدل والمرحمة والعزة والنصر. وبدون ذلك سيظل الإرهاب والمصادرة والثورة أثر الثورة والانقلاب بعد الانقلاب ثم نصحو بعد كل جولة مع اليهود على كارثة جديدة. فإلى متى؟
11 فبراير 1977